Skip to Content

سرّ الكهنوت - الأب بسّام آشجي

سرّ الكهنوت

Click to view full size image

 

  بقلم: الأب بسّام آشجي


قراءة لاهوتية لمناسبة سنة الكهنوت 19 حزيران 2009 حتى 19 حزيران 2010

 

لقد رأت الكنيسة في دعوة الرب يسوع تلاميذَه لاتباعه والتشبّه به وإعطائهم تحقيق سرّ حضوره وخدمته، تأسيساً مباشراً لسرّ الكهنوت.

تاريخيّة سرّ الكهنوت

- في حياة يسوع

إن الكهنة في حياة يسوع العلنية هم خدام الهيكل، ويكمن دورهم في تقديم الذبائح وتنظيم العبادة والحياة الدينية في مجتمع العهد القيم المعاصر ليسوع. والكهنوت آنذاك رتبة وراثية محفوظة لسبط لاوي. أما يسوع فلم يختر تلاميذه من بين الكهنة، ولم يكن هو شخصياً من سلالة كهنوتية، رغم أن حياته بأسرها كانت تقدمة وعبادة لله أبيه، تجلّت بملئها في تقدمة ذاته ذبيحة على الصليب. فكان الكاهن والذبيحة، المقرَّب والمقرِّب في آن. ولكنه اختار من بين تلاميذه اثني عشر رسولاً، وثقَّفهم تثقيفاً خاصاً، وأرسلهم للتبشير بملكوته وشفاء المرضى (مر3/14، 6/7). وتقوم دعوة الرسل بأنهم مرسلون من قِبل المسيح، كما أن هو مرسل من قِبل الله الآب بقوة الروح القدس (يو20/21-23، 16/7-15، 17/17-19)، فمن قبلهم يقبل المسيح، ومن يقبل المسيح يقبل الآب الذي أرسله (مت10/14، مر9/35-36)، ويقومون بالأعمال نفسها التي يقوم هو بها (مر16/14-20)، ويكون هو أيضاً معهم بروحه القدوس (يو20/22، لو24/48-49، رسل1/6-8). ورغم كل ذلك لا ذكر للكهنوت بحصر المعنى، أو وعد به حدده الرب لا له مباشرة ولا لرسله.

- في أعمال الرسل:

ينتخب الرسل، بالقرعة، متيّا خلفاً ليهوذا "ابن الهلاك"، تأكيداً لضرورة المحافظة على اختيار يسوع لمن يخدمون حضوره بعد موته وقيامته (رسل1/15-26). ويعيّنوا أيضاً سبعة شمامسة ليساهموا معهم في خدمة الملكوت، فيضعون أيديهم عليهم علامة التكريس (6/1-6)، ليقوموا معهم بالخدمة والكرازة والتعميد واجتراح الآيات والمعجزات (6/8، 8/5-13 و26-40).

نستنتج من ذلك وعي الرسل لتحديد مهام الكهنوت الجديد في العهد الجديد، وهي التبشير والكرازة وخدمة الأسرار والمشاركة والصلاة.

- في رسائل القديس بولس:

يتحدث القديس بولس في أكثر من موضع في رسائله وفي كتاب أعمال الرسل عن مهمات رسولية عديدة، كالرسل والأنبياء والمعلمين (1كور12/27)، ويستعمل في أكثر من موضع أيضاً تعابير: كهنة، أساقفة، شمامسة، ونجد الرسل بدورهم يقيمون أشخاصاً لهذه الأدوار (رسل14/23، 11/29-30، 15/2 و4 و6 و22 و23، 20/17، 21/18، تيط1/5-6، 5/17-22، 1تسا5/12، فيل1/1، 1تيمو3/1-7، يع5/14،..). وغالباً ما لا يتميّز الكاهن عن الأسقف، بينما يقوم الشمامسة بالمساهمة في الخدمة. إن كلمة "كاهن" بحسب اللغة اليونانية تعني "شيخ" أو متقدّم، أما لفظة "أسقف" تعني الساهر أو الناظر أو "المراقب"، بينما لفظة "شماس" فهي من أصل سرياني تعني "خادم" وهي ترجمة لكلمة يونانية.

هذه الرتب إن وجدت فلكي تساهم بشكل أكثر فعاليّة في حياة الكنيسة الناشئة.

- في القرون الأولى:

تتثبّت الرتب الكهنوتية الثلاث في هذا العصر، وتبرز أهمية الأسقف أكثر في الرئاسة وخلافة الرسل، فنرى في كل كنيسة أسقفاً واحداً يقوم على خدمتها ويلتفُّ حوله مجلس من الكهنة والشمامسة. يقول القديس اغناطيوس الأنطاكي: "لا يصنع أحد منكم شيئاً خارجاً عن الأسقف في كل ما يتعلق بشؤون الكنيسة.. فلتُعتبر وحدها شرعية الافخارستيا التي تقام برئاسة الأسقف أو من يوكله.. كونوا مع الأسقف وأطيعوه كما أطاع يسوع الآب. وليكن مجلس الكهنة كالرسل. وأما الشمامسة فاحترموهم كما تحترمون شريعة الله.. حيث يكون الأسقف تكون الكنيسة..."

- عبر العصور:

مع انتشار الكنيسة وتوسعها ظهرت رتب إكليريكية ليست من الأصل الكتابي لمفهوم الكهنوت، بل هي بمثابة رتب شرفيّة أو امتيازيّة أو إداريّة، كالقارئ والشدياق والبطريرك والمتروبوليت... وإثر تبني الأمبراطورية الرومانية الدين المسيحي بعد السلام القسطنطيني (سنة 313) ازداد دور الاكليروس في إدارة وتنظيم الحياة روحياً ومدنياً، مما جعل، في بعض الأحيان، رتب الكهنوت تفقد مصداقية خدمتها الحقيقية، فانبرى بعض الكهنة والأساقفة، بشجاعة ليعيدوا إلى سرّ الكهنوت مكانته الروحية والإنجيلية في التشبه بيسوع "الراعي الصالح". كذلك حدث ما يُشبه هذا الانحراف في كنيسة العصور الوسطى فأدى إلى ظهور حركة "الإصلاح" البروتستانتية التي لم تعطِ الكهنوت مكانته "الأسراريّة" المألوفة في تقليد الكنيسة. كما ازدادت حدّة الخلاف مع "الأنكليكان" مؤخراً في منح ليس الدرجة الكهنوتية للنساء وحسب بل الأسقفية أيضاً. ولكن مما لاشك فيه أن اللجان المسكونيّة الدوليّة تبحث جادّة في التوصل إلى مفاهيم مشتركة حول لاهوت سرّ الكهنوت وبقية الأسرار.

الكاهن خادم الكلمة:

إن الإيمان لا ينطلق ولا ينمو إلا بالكلمة الحية، ولقد أكد السيد المسيح على ذلك مرات عديدة (مت13/3-00)، كذلك الرسل (إقرأ: رو10/14-18). ويؤكد المجمع الفاتيكاني الثاني اليوم على أن خدمة الكلمة هي أهم دور يقوم به الأساقفة والكهنة، فيقول: "إن أولى مهام الأسقفية الرئيسية هي الدعوة بالإنجيل. ذلك أن الأساقفة هم رواد الإيمان.. وهم المعلمون الأصليون الذين قُلدوا سلطة المسيح، فيُعلنون للشعب الذي ائتمنوا عليه الإيمان الذي يجب أن ينظم تفكيره ومسلكه.. ويستخرجون من كنوز الوحي جدداً وعتقاً (مت13/52)، ويجعلون الإيمان يؤتي ثمره، ويعملون بيقظة على إقصاء جميع الأضاليل التي تهدد رعاياهم".. "أن وظيفة الكهنة الأولى، بحكم كونهم معاوني الأساقفة، أن يبشروا بإنجيل الله لجميع الناس. ويجب إلا تقتصر خدمة كلمة الله على عرضها بصورة عامة ونظرية، بل يجب أن تطبَّق على أحوال الحياة، فهناك طرق عديدة لممارسة خدمة الكلمة وفقاً لحاجات السامعين المختلفة ومواهب المبشرين الخاصة".

الكاهن خادم الأسرار:

إن خدمة الكلمة مرتبطة بشكل وثيق بخدمة الأسرار، ولقد دعى السيد المسيح مباشرة تلاميذه لممارسة هاتين الخدمتين معاً: "تلمذوا.. وعمدوا.." هناك حقيقة واحدة تُعلن في الكلمة والسرّ.

إن الكاهن هو خادم السرّ ليس لجدارته أو استحقاقه بل بنعمة الرسامة التي تلقاها "بوضع الأيدي". ولا بد له، لكي يُحسن هذه الخدمة، أن يكون رجل صلاة، لكي لا تغدو خدمته طقوساً فارغة.

الكاهن هو قائد إلى الملكوت:

لا يزال الرب إلى اليوم يطلب من الكاهن ما طلبه من بطرس الرسول: "ارعَ خرافي" (يو21/15). والراعي هو من يخدم رعيته أفراداً وجماعات، وبحسب حاجاتها، ولا يفرّق بين أبنائها بشكل مزاجي، بل يفتقد الضعفاء والمرضى، ويعنى بتربية الأطفال والمراهقين، ويكون علامة مصالحة وسلام، ومعلم صلاة وتضحية، ويعير الفقراء والمحتاجين والمتألمين حقهم في الاهتمام، ولا يتسلط على رعيته بدافع قيادته، فالسلطة في الكنيسة هي أولاً وآخراً خدمة. وبالمختصر: على الكاهن أن يعبر في ذاته وفي خدمته عن مرافقة الله المحبّة للبشر وعن أبوته لهم.

الكاهن.. كاهن إلى الأبد:

الكهنوت يذكرنا أيضاً بأبدية الله. فإذا كانت الافخارستيا هي إطلالة ملكوت الله في الزمن، الكاهن خادم الافخارستيا هو افخارستيا حيّة للملكوت. يمثل الكاهن حضور المسيح القائم من بين الأموات بخدمته هذا الحضور. الكاهن ليس موظفاً لأدوار معينة وحسب كخدمة الكلمة والأسرار والطقوس، الكاهن لأنه يمثل حضور المسيح رأس الجسد السرّي يقوم بتلك الأوار، لأنه يمثل حضور أبوة الله بتكريسه الكهنوتي يقوم برعاية شعبه، لأنه موهبة الروح القدس يقوم بتقديس رعيته.

أن أبدية الكهنوت تنطلق من أبدية الله، لذلك نجد الكهنة الذين لا يستطيعون ممارسة الخدمات الكهنوتية لأسباب خارجة عن إرادتهم، يحيون صمت الأبدية بألمهم وصلاتهم وتكريسهم الشخصي، وكأن حياتهم تُقدَّم ذبيحة كهنوت



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +