Skip to Content

مقالة "سـرّ الكهنـوت" - الأب مارون مبارك

مقالة "سـرّ الكهنـوت" - الأب مارون مبارك

 

 

الموضوع:    "سـرّ الكهنـوت"

 

مقدّمة:

        نختم لقاءاتنا من هذه السلسلة "من الأسرار" مع سرّ الكهنوت؛ وهذا لم يكن للصدفة، لأنّ سرّ الكهنوت هو السرّ الذي يكفل استمرار الرسالة التي أوكلها يسوع المسيح لتلاميذه، وكانت ناشطة منذ بدء الكنيسة وستبقى في نشاطها حتى منتهى الأزمنة.

        لقد أخذ هذا السرّ تسميات متنوّعة منطلقة من مفاهيم استخدامه ومن معاني مفاعيله. سّمّيَ "بالدرجة" نسبة إلى السيامة التي يحصل عليها مؤمن مختار أو فئة من الأشخاص المؤمنين الذين تغيّرهم السيامة بوضع اليد فيؤلّفوا ما نسمّيه "الهرميّة الكنسيّة". وكلمة درجة مأخوذة من المؤسسات المدنية في روما القديمة. على الصعيد الإجتماعي، قد تعني التنظيم المجتمع كلّه، كما وقد تعني طبقة من الناس، فعند الرومان نجد مثلاً فئة الأشراف، وفئة الفرسان. اذاً سرّ الدرجة هو الطقس الذي يجعل من مؤمن عادي شماساً او كاهناً أو اسقفاً.

        سمّيَ ايضاً بالكهنوت نظراً للخدم التي يحملها الكاهن ويتكرّس لها مدى الحياة بالرسامة السرّيّة. وهنالك خدم أخرى لا تتطلّب مثل هذه الرسامة مثلاً: التعليم المسيحي، حمل المناولة للمريض، خدمة المرضى الروحيّة، إعانة المسنّين والتعليم في المدارس...

        لذلك الكهنوت هو واحد وتنوّعت الخدم، منها ما هوَ عام ومنها ما هوَ متخصص لرسامة وهذا ما عاد ليؤكّده مار بولس في أفسس 4، 11-13 : "فالمسيح أولى بعضم أن يكونوا رسلاً، وبعضهم أنبياء، وبعضهم مبشّرين، وبعضهم رعاة ومعلّمين، ليجعل القديسين اهلاً للقيام بتلك الخدمة التي ترمي إلى بناء جسد المسيح... لنبلغ ملء قامة المسيح". وسميّ ايضاً "نظام" وهي كلمة مقرّبة من أصل لاتيني ordo الذي يعطي بالفرنسيّة سرّ “ordre” . هذه الكلمة في العهد الروماني القديم كانت تدل على الهيئات المنتظمة بمفهومها المدني مثلاً الهيئة الحاكمة والتنظيم، ضم الناس إلى نظام معيّن. في الكنيسة نرى الهيئات المنظمة تسمى رتب وقد استوحوا بعض المرتكزات فيها من الكتاب المقدّس، مثلاً عبرانيين 5 ، و مزمور 110.

        الليتورجيا تحكي عن رتبة الأساقفة والكهنة والشمامسة وأخرى للموعوظين، العذارى، والانضمام الى هذه الهيئات في الكنيسة كان يتم عبر طقس معيّن يدعى رتبة وقوامه تكريس معين او بركة او سرّ. واللفظة اليوم تستعمل للعمل الأسراري للذي ينضمّون الى رتبة الاسقفية او الكهنوت او الشماسية. هذا النظام هو ابعد من ان يكون فقط انتخابا او تعيينا او تفويضاً او تأسيساً يصدر عن الجماعة. هذا العمل التكريسي يعطي الإنسان نعمة من الروح القدس ان يمارس بسلطان مقدس صادر عن المسيح بواسطة الكنيسة. اذا اسمه تكريس لأنّه نوع من فزر الإنسان وتوليته ليقوم بمقام المسيح في الكنيسة بوضع يدي الأسقف مع صلاة التكريس علامته الظاهرة.

 

-1-   سرّ الكهنوت في تدبير الخلاص.

        يعلّم التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية عن سرّ الكهنوت، ما بين الأعداد 1536 و 1600 ويشرح كل ما يتعلّق بهذا السرّ من مفاهيم ومن مفاعيل ومعطيات، نوردها باختصار:

 

        أ- الكهنوت في العهد القديم:

        الشعب الذي اختاره الربّ اقام له مملكة من الأحبار وأمّة مقدّسة كما يقول سفر الخروج. والله اختار واحداً من شعب اسرائيل من الأسباط الإثني عشر، لاوي، ليكون فرزه للخدمة الليتورجية وجعل هذا ميراثاً له. وكان طقس خاص لتكريس الكهنوت في العهد القديم منذ جذوره كان كل حبر يقام لدى الله من اجل الناس ليقرب القرابين والذبائح كفارة للخطايا. (عبراننين5/ 1).

        الكهنوت أقيمَ لإعلان كلمة الله ولإعادة الشركة مع الله من خلال الصلاة والذبائح. وبقي قاصراً على تحقيق الخلاص، وبحاجة لتقديم الذبائح دون انقطاع. ولم يوفر للإنسان القداسة الراسخة الا عندما تحقق بذييحة المسيح. ليتورجيا الكنيسة تتوسم بكهنوت هارون والخدمة اللاوية، وبهيئة السبعين شيخ الذين يخبرنا عنهم سفر العدد 11، رموز للخدمة الكهنوتية في العهد الجديد. ولذا في صلوات الافتتاح في السيامة الاسقفية تعتبر الله ابا كوّن الكنيسة منذ العهد القديم عندما اقام الرؤساء والكهنة ودبر من يقومون بخدمة المذبح.

 

        ب-    كهنوت المسيح الأوحد:

        كل رموز العهد القديم اكتملت بيسوع المسيح الوسيط الوحيد بين الله والناس (رسالة مار بولس الى تيموتاوس). هو كاهن الله العليّ الحبر البريء القدوس الذي لا عيب فيه. هو المقدس الذي يجعلنا مقدسين بقربان واحد. ذبيحة المسيح تمّت مرّة واحدة وهي ماثلة دوماً في ذبيحة القربان هي كهنوت المسيح الكاهن الحقيقي الأوحد. وليس الكهنة سوى خدمة له. وتوجد طريقتان للإشتراك بكهنوت المسيح الآوحد: كهنوت الخدمة الراعوية او الكهنوت الترابي الذي يمارسه الأساقفة والكهنة، وما نسميه الكهنوت العام ويحصل عليه كل معمّد.

        بالمعموديّة كل إنسان يُمسح مسحة الكهنوت. الكهنوت الخاص الذي هو سرّ يُمنح فقط بالسيامة الكهنوتية. ليس الأمر كهنوتَين بل طريقتين للإشتراك بكهنوت المسيح، هما كهنوت واحد جوهري هو كهنوت الكاهن الأوحد يسوع المسيح. إذاً في شخص يسوع الرأس من خلال الخدمة التي يقوم بها الخادم المرسوم للخدمة، يحضر المسيح نفسه رئيس الجسد السرّي، راعي القطيع، الكاهن الأعظم لذبيحة الفداء، معلّم الحق. الكاهن بقوّة سرّ الكهنوت يعمل في شخص المسيح الرأس لذا الكاهن يرأس الذبيحة وكل الخدمة الكهنوتية من خلال الأسرار، كاهن العهد الجديد يعمل بشخص يسوع المسيح.

 

        ج-    كهنوت بإسم الكنيسة:

        هذا لا يعني ان الكهنة منتدبين بل ان الكاهن يقيم صلاته، يحتفل بالعبادة باسم كل الكنيسة. الكنيسة تصلّي تقرب ذاتها في وحدة الروح القدس ومعه وفيه الى الله الآب من خلال الخادم اي الكاهن.

 

-2-   الدرجات الثلاث في سرّ الكهنوت:

        الله يوزّع السرّ على درجات متنوّعة بين الأساقفة والكهنة والشمامسة. بعضهم يعتبرون فقط اول درجتين بدون الشمامسية. المهم ان يمنحوا فقط بواسطة سرّ واحد سرّ السيامة او سرّ الرتبة.

        أ-      السيامة الأسقفية:     

        بين الخدم المختلفة التي تمارَس في الكنيسة منذ ايامها الأولى تحتّل المكان الأول وظيفة من أُقيموا أساقفة. وهم في تسلسلهم توجد خلافة متصلة منذ البدء مع الرسل. حتى يقوموا بمهمتهم السامية، المسيح اغناهم بفيض خاص من الروح القدس نزل عليهم وضع عليهم الأيدي ومنحهم موهبة الروح القدس التي ما زالت حتى اليوم تنتقل خلال السيامة الى الأساقفة.

        يقول المجمع الفاتيكاني الثاني ان السيامة الأسقفية تعطي ملء سرّ الكهنوت. حتى أن آباء الكنيسة يسمّونه ذروة الخدمة المقدّسة. السيامة الأسقفية تولي الأسقف مهمة التقديس والتعليم والتدبير القيادي. بقوة السيامة الأسقفية وبالشركة التسلسلية مع الجسم الأسقفي وأعضائه يكون الأسقف عضواً في الجسم الأسقفي. والهيئة الأسقفية تظهر طبيعتها الجماعية بممارسات متعدّدة معروفة في الكنيسة. الأسقف هو القاضي على ابرشيته وهو الرباط الحسّي الأعلى في شركة الجماعة التي يرأسها ويحمل همّها. الأسقف مسؤول عن تعليمهم والسهر على حسن التعليم هو قائد هذا الشعب والرئيس المنظور لهذه المجموعة من البشر.

 

        ب -   الكهنة هم معاونو الأسقفة:

        إن الأساقفة قد سلموا بعضاً من اعضاء الكنيسة بوجه شرعي وبتفاوت في الدرجة مهام خدمتهم (المجمع الفاتيكاني الثاني) وقد انتقلت وظيفة الأساقفة الرعائية الى الكهنة. فقد أقيم هؤلاء في الكهنوت اعواناً للأساقفة في تأدية الرسالة التي سلّمها المسيح إليهم. وظيفة الكهنة تشركهم بحكم اتحادها بالدرجة الأسقفية بالسلطة التي اعطاها المسيح. كهنوت الكهنة يعطى بواسطة سرّ خاص يسمهم وسماً مميزاً بمسحة الروح القدس ويصير الكاهن على شبه المسيح الكاهن ويجعله يعمل باسم المسيح الرأس بالذات.

        الكهنة لا يملكون مثل الأساقفة المهمة الحبريّة العليا، هم يخضعون للأسقف في ممارسة سلطته، متّحدين معه بالكرامة الكهنوتية. بالتكرّس الكهنوتي يحصل الكاهن على سلطان التبشير بالإنجيل يرعى المؤمنين يقيم الشعائر الدينية بكونه الكاهن الحقيقي للعهد الجديد. الموهبة الروحية التي ينالها الكاهن بالرسامة تعدّه للرسالة ضمن رعيتهم، يمارسونها بتأدية فرائض العبادة بالتجمّع الافخارستي بالقداس وكل الأسرار التي يمنحونها.

 

        ج-    رتبة الشمامسة:

        تأتي من كلمة مشامشونو بالسريانية ومعناها الخادم. هم الأشخاص الذي يرسمون بوضع الأيدي، إنّما ليس بقصد الكهنوت بل بقصد الخدمة. كثيرون يبقون شمامسة دائمون وظيفتهم ان يعاونوا الكاهن والأسقف في الكثير من الشؤون الراعوية والتدبيريّة وغيرها من الأمور. يشتركون اشتراكاً مميّزاً برسالة المسيح ونعمته، السيامة تطبعهم بوسم لا يبلى. يساعدون الأساقفة والكهنة في إقامة الأسرار، يساعدون في توزيع القربان، يحضّرون عقد الزواج ويباركوه إذا حصلوا على التفويض، يعلنون الإنجيل ويعظون، يرأسون صلاة الجناز وينفرّغون لكل أعمال المحبّة في الرعيّة التي يتواجدون فيها.

 

- 3 -   مَن يمنح السرّ؟

        القوانين حول خادم الرسامة المقدسة: الأسقف وحده يمنح الرسامة المقدسة منحاً صحيحاً بوضع اليدين وبالصلاة التي أقرتها الكنيسة. الرسامة الأسقفية محفوظة على قاعدة الشرع للحبر الروماني او للبطريرك او للمتروبوليت بحيث لا يجوز لأي اسقف أن يرسم أي اسقف ما لم يتضح من قبل أنه انتدب لذلك انتداباً شرعياً.  عادة يقوم برسامة الأسقف 3 أساقفة باستثناء حالة الضرورة القصوى ويمكن أن يكون الأسقفان الثاني والثالث من كنيسة أخرى مستقلّة إذا تعذّر أن يكونا هما والأسقف الأول من نفس الكنيسة.

        يرسم المرشّح للشمامسية الإنجيلية أو الكهنوت اسقفه الأبرشي الخاص أو أسقف آخر مزوّد برسالة اطلاق سبيل شرعية. يحظر على الأسقف أن يحتفل بالرسامة المقدسة في أبرشيّة غريبة بدون اذن الأسقف الأبرشي.

 

- 4 -           الاحتفال بسرّ الكهنوت:

        نظراً لأهميته يُحتفَل به خلال قداس. الرتبة تلي الاحتفال بالافخارستيا ومفضل أن تكون يوم أحد أو عيد ليتسنّى للناس المشاركة. الطقس الجوهري في سرّ الكهنوت في الدرجات الثلاث قوامه امر مهم جدّاً وهو أن يضع الاسقف يده على رأس المرتسم ويصلّي صلاة التكريس الخاصة التي يطلب فيها من الله أن يحلّ روحه القدس ومواهبه على الإنسان المرتسم. في الرتبة الاسقفية البطريرك يضع يده على الأسقف، في الكهنوت يضع يده على الكاهن وفي الرتبة الشمامسية يضع الأسقف يده على المتسّم شماساً.

        توجد طقوس ملحقة بعد السيامة التي ستتم، قبل وضع اليد يتم تقديم المرشّح الذي تمّ اختياره وبركة الأسقف. في الطقس اللاتيني توجد نوع من الأسئلة تُطرح على المرشّح للسيامة ثم تتلى طلبات جميع القديسين. في الطقس الشرقي الكاهن أو المرتسم يعلن فعل الإيمان من تحضيره ويعلن الإيمان عامة بصلاته لقانون الإيمان. يليه وضع اليد، وتأتي مجموعة من الطقوس الرمزية تُظهر أن السرّ اكتمل: مسح الأسقف والكاهن بالزيت المقدّس  فهما سيمسكان المسيح وسيعملان باسمه فقد تقدّسا وجاد عليهما الروح القدس بمواهبه.

        ويسلّم الأسقف كتاب الإنجيل والخاتم والتاج والعصا رمزاً لمسؤوليته الأسقفية الرسولية للتبشير بكلمة الله. العصا عصا الرعاية، التاج رمز للأبرشية التي سيسهر عليها والخاتم رمز السلطان والأمانة التي هو مدعو أن يعيشها مع ابرشيته.

        الكاهن يسلم الصينية والكأس ويضعهما على رأسه ويقوم بزياح رمزاً لكونه اصبح يقدم عن الشعب وسيكرس للشعب القربان.

        والشماس يسلّم كتاب الإنجيل ويقوم بزياح فهو قد مُنحَ السلطان للتبشير بكلمة الله.

 

- 5 -   مفاعيل سرّ الكهنوت:

    الوسم الروحي: يجعل الكاهن على صورة المسيح بنعمة خاصة من الروح القدس ليكون أداة للمسيح، بها يصبح الكاهن اهلاً ليمثل المسيح رأس الكنيسة في وظائف المسيح الثلاثة: كاهن ونبي وملك. هذا الاشتراك في وظيفة المسيح لا يُمنح إلاّ مرّة واحدة مثل التثبيت والمعموديّة. لذا فإنّ منحه يولي مَن يقبله وسما روحيّا لا يبلى ولا يمنح بطريقة وقتيّة.

    نعمة الروح القدس: الأسقف يضع يده على رأس المرتسم ويمنحه الروح القدس. نعمة تجعل من المرشّح مثل المسيح راعي ومعلّم وكاهن أقيم خادماً للمسيح. هي نعمة القوّة التي من خلالها يقدر الشخص أن يسوس الكنيسة ويدافع عنها كأب وراعي ويمنح روح المحبّة ليهتمّ بكل محتاج ومريض يتطلّب المعونة. هو يفعل عمل الروح القدس، يقدّس حياته يؤلهها، هو من يتابع عمل الفداء يكمّل عمل المسيح. إنّه مرتبطٌ ارتباطاً عضوياً عميقاً بالمسيح الكاهن، والمسيح حقق بكهنوته الفداء والخلاص وهكذا الكاهن بالسيامة الكهنوتية مع الربّ يساهم بتحقيق الفداء والخلاص.

          مفهوم الخدمة:      هو كهنوت الخدمة: 3 خدم:

  - خدمة الكلمة، المسيح أنشأ الكنيسة بالكرازة بالكلمة وأرسل تلاميذه ليكرزوا بها. يقول مار بطرس: لقد ولدت ثانية لا من زرع فاسد بل بكلمة الله الحيّة الخالدة. ومار بولس: كيف يسمعون بلا مبشّر كيف يبشّرون إن لم يرسَلوا؟ الكاهن هوَ أولا مَن يعلن كلمة الله ويشرحها من خلال العظة. يعيشها ويحضّرها ليعلنها ويوصلها للآخرين.

         - خدمة الأسرار:  الكلمة تدعو للاتحاد بالمسيح من خلال الأسرار. الكاهن يخدم الأسرار وينقل نعمتها إلى الأفراد وكلّها مرتبطة بشخص الكاهن.

        -  خدمة الرعاية:   قيادة شعبة الله:  تصميم الله يجمع كل البشر بما في السماء وعلى الأرض تحت رأس واحد وهو المسيح والرعيّة تُصغي الى الراعي. الكاهن هو الرأس المنظور للمسيح الرأس الغير المنظور. الكاهن يرعى بمحبّته وسلطته الشعب تحت راية المسيح بذهنية وفكر ونعمة الرب يسوع.

 

        وهذا ما يعود ليؤكّد عليه كتاب "مجموعة القوانين الشرقيّة"، وهوَ يحدّد معنى عبارة "خوري" أو "كاهن" مع تعداد مهماته الثلاث وهي: خدمة الكلمة، خدمة الأسرار، وخدمة التدابير. فانطلاقاً من معنى عبارة "خوري" يعود يشرح مهماتها.

        تعود هذه العبارة إلى الأصل الأجنبي "Curé" التي يرجع أصلها اللاتيني إلى عبارة "Cura animorum" وتعني "العناية  بالنفوس". إنّه الكاهن التي إليه توكل، من قِبَل الأسقف، رعاية النفوس. يحدّده الشرع في "مجموعة قوانين الكنائس الشرقية" في القانون 281 البند الأول : "الخوري هو كاهن توكل إليه، بكونه مساعداً رئيسياً للأسقف الأبرشي، رعاية النفوس بمثابة راعٍ خاص بها، في رعيّة محدودة تحت سلطة الأسقف الأبرشي نفسه". ثم تعود المجموعة نفسها لتشرّح مهمات الخوري في رعيته وذلك في القانون 289 بنوده الثلاثة:

        289/ 1       : على الخوري في قيامه بمهمة التعليم واجب وعظ المؤمنين بكلمة الله حتى إذا تأصلوا في المسيح نموا في الإيمان والرجاء والمحبّة، فتؤدّي الجماعة المسيحيّة شهادة المحبّة التي أوصى بها الرب. وعليه كذلك بالتعليم الديني أن يقود المؤمنين إلى كمال معرفة سرّ الخلاص معرفةً تتناسب وسنّ كل واحد منهم. وعليه أن يستعين لتلقين ذلك التعليم، لا بإعطاء المؤسسات الرهبانية أو جمعيات الحياة المشتركة على غرار الرهبنيات فحسب، وإنّما بمؤازرة العلمانيين أيضاً.

        289/ 2       : على الخوري في قيامه بمهمة التقديس أن يُعنى بأن يكون الاحتفال بالليتورجيا الإلهيّة المركز والقمّة لحياة الجماعة المسيحيّة كلّها، وأن يغذّي المؤمنين غذاءً روحيّاً بقبول الأسرار بورع وتواتر وبالمشاركة الواعية والفعليّة في الصلوات الطقسيّة. وعلى الخوري أيضاً، أن لا يُغفل منح سرّ التوبة لتعزيز الحياة المسيحيّة، ولذلك فليتوفّر على خدمة هذا السرّ ويستدعِ لها، إذا اقتضى الأمر، كهنة آخرين يعرفون لغات مختلفة.

        289/ 3       : على الخوري، في قيامه بمهمّة سياسة الرعيّة، أن يُعنى أولاً بمعرفة قطيعه، وبما أنّه خادم جميع الخراف فليعزّز نموّ الحياة المسيحيّة بالنسبة إلى كلّ مسيحي، وإلى الجمعيّات ولا سيما المعنيّة بالرسالة، وإلى جماعة الرعيّة كلّها. ولذلك عليه أن يزور المنازل والمدارس بحسب ما تقتضيه مهمته الرعائية، وأن يهتم باعتناءٍ بالمراهقين والشباب، وبتولّى الفقراء المرضى بمحبّة أبويّة، وأن يُعنى أخيراً عناية خاصّة بالعمّال، ويسعى إلى جعل المؤمنين يقدّمون المساعدة لأعمال الرسالة.

 

        وفي الختام نورد ما يقوله المجمع الفاتيكاني الثاني في قراره المجمعي حول "حياة الكهنة وخدمتهم الراعويّة"، لنعد فنتذكّر باختصار جوهر الكهنوت كما يحدّد في العدد الثاني، فيقول:

        -   جوهر الكهنوت:

        إن السيّد المسيح "الذي قدّسه الآب وأرسله إلى العالم" (يوحنا 10/ 36) اشرك جسده السرّي كلّه في مسحة الروح التي مُسحَ بها. فيه يصبح المؤمنون جميعهم كهنوتاً مقدّساً وملوكيّاً، يقدّمون الذبائح الروحيّة لله بيسوع المسيح، ويخبرون بعظائم ذاك الذي دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب. فليس من عضو الاّ وله دور في رسالة الجسد كلّه، إنّما على كلّ واحد أن يقدّس يسوع في قلبه ويشهد للمسيح بروح النبوّة.

        ولكي يجمع المؤمنين في جسد واحد "ليست فيه لجميع الأعضاء الوظيفة ذاتها" (رومية 12/ 4) أقام السيّد نفسه فيهم خداماً يتمتّعون في جماعة المؤمنين بسلطات الكهنوت المقدّس، لإقامة الذبيحة ولغفران الخطايا، وليمارسوا علناً باسم المسيح واجبهم الكهنوتي في خدمة البشر. وكما ارسله الآب، أرسل المسيح رسله وأشرك بواسطتهم خلفاءهم الأساقفة في مسحته ورسالته، وسُلّمت أيضاً إلى الكهنة مسؤولية مهمّة الأساقفة بصورة تربطهم دوماً بهم، لكي يصيروا  في الدرجة الكهنوتية التي أقيموا فيها معاوني الدرجة الأسقفيّة، لتتميم الرسالة الرسوليّة التي ائتمنهم عليها المسيح.

        فوظيفة الكهنة، بما أنّها متّحدة بالدرجة الأسقفيّة، تشترك في السلطة التي بها يبني المسيح نفسُه جسده ويقدّسه ويدبّره. ولهذا وإن كان كهنوت الكهنة يرتكز على اسرار التدريب المسيحي، الاّ انّه يمنح بواسطة ذلك السرّ الذي به يوسم الكهنة وسماً مميّزاً، إذ يمسحهم الروح القدس فيشبّههم بالمسيح الكاهن ليستطيعوا القيام بأعمالهم باسم المسيح رأس الجسد بالذات.

        وبما أنّهم يشتركون في مهمّة الرسل على صعيدهم الكهنوتي، يعطيهم الله النعمة كي يكونوا خدام المسيح يسوع في الأمم: يؤدّون رسالة الإنجيل المقدّس، فتصير ذبيحة الأمم مقبولة مقدّسة في الروح القدس. فببشارة الإنجيل الرسوليّة يُدعى شعب الله ويُجمع، حتى يقدّم كل أعضاء هذا الشعب أنفسهم، وقد قدّسهم الروح القدس، "ذبيحة حيّة مقدّسة مرضيّة عند الله"(رومية 12/ 1). إنّما بخدمة الكهنة تكتمل ذبيحة المؤمنين الروحيّة باتحادها بذبيحة المسيح، الوسيط الوحيد، تلك التي يقدّمونها باسم الكنيسة جمعاء في الافخارستيا بصورة سريّة وغير دمويّة الى أن يعود الربّ نفسه. ففي هذا غاية الخدمة الكهنوتيّة وكمالها. وهذه الخدمة التي تبدأ بالبشارة الإنجيليّة تستمدّ قوّتها وفاعليتها من ذبيحة المسيح، وتهدف الى "كمال المدينة المخلّصة اي جماعة القدّيسين وتضامنهم، فتقدّم الذبيحة المطلقة الشاملة لله بواسطة الكاهن الأعظم الذي قدّم نفسه فداءً عنّا في آلامه كي نصير جسد ذلك الرأس العظيم".

        فالغاية التي يهدف اليها الكهنة إذا في حياتهم وخدمتهم الراعوية، هي مجد الله الآب في المسيح. وهذا المجد يقوم على ان البشر يتقبلّون عمل الله المتمّم في المسيح، بوعي وحريّة وشكر، فيتلألأ في حياتهم كلّها. فالكهنة، إذ يُسهمون في إنماء مجد الله بصلواتهم وعبادتهم، وبتبشيرهم وتقديم ذبيحة الأفخارستيا، وبمنح سائر الأسرار والقيام بما تبقّى من الخدمات في سبيل الناس، يحملون البشر على التقدّم في الحياة الإلهيّة. كلّ ذلك – إذ ينبع من فصح المسيح – يكتمل في مجيء السيد نفسه بمجده، عندما "يسلّم الملك لله الآب".

 

السؤال:      ليس هنالك إلاّ كهنوت واحد وهو كهنوت المسيح، يشترك به المؤمنون المعمّدون على طريقتين: الطريقة الأولى وهي طريق القداسة الشخصيّة وهو الكهنوت الملوكي، والطريقة الثانية هي العمل على قداسة النفوس بالقيام بالخدم المخصّصة وهي الكهنوت الخاص الخدمي.

كيف نعيش كهنوتنا العام الذي حصلنا عليه بالمعموديّة وكيف نعي عليه ونفهمه؛ بمعنى آخر كيف أقدّس ذاتي من خلال اشتراكي بكهنوت يسوع؟


لقاء الأربعاء الأول من شهر كانون الثاني 2002

عيلة مار شربل – كنيسة مار شربل ادونيس


عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +