Skip to Content

سينودس الأساقفة الجمعية الخاصة من أجل الشرق الأوسط الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط: شركة وشهادة

سينودس الأساقفة

الجمعية الخاصة من أجل الشرق الأوسط

الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط:

شركة وشهادة


"وكان جماعة المؤمنين قلبا واحدا وروحا واحدة" (أعمال 4، 32)

الخطوط العريضة

حاضرة الفاتيكان

2009

 

© حقوق النشر محفوظة 2009 ـ الأمانة العامة لسينودس الأساقفة ومكتبة النشر الفاتيكانية

 

يمكن إعادة نسخ هذا النص من قبل المجالس الأسقفية أو بموافقتهم بدون أي تعديل على
أن تُرسل نسختان منه إلى الأمانة العامة لسينودس الأساقفة، 00120 حاضرة الفاتيكان



 

توطئة

إن
أعمال الرسل إذ تبيّن اتحاد المسيحيين، تلاميذ يسوع المسيح، وشهادتهم إنما
تؤكد في مقطعين على مشاركة الخيرات بينهم. نلحظ في المقطع الأول أنهم
"كانوا يواظبون على تعليم الرسل والمشاركة وكسر الخبز والصلوات" (أع
2/42). من هذه الوحدة العميقة يتأتى نمط حياتهم: "وكان جميع الذين آمنوا
جماعة واحدة يجعلون كل شيء مشتركا بينهم" (أع 2/44). من المقطع الثاني تم
اختيار شعار الجمعية الخاصة لسينودس الأساقفة حول الشرق الأوسط والتي
ستنعقد من 10 إلى 24 من أكتوبر 2010: "وكان جماعة الذين آمنوا
قلبا واحدا ونفسا واحدة" (أع 4/32).  في ما يتعلق بتطبيق هذا التأكيد
يقدّم لنا القديس لوقا مثالين. الأول، إيجابي، يوسف، المسمى برنابا، والذي
باع الحقل الذي كان يملكه "وأتى بثمنه فألقاه عند أقدام الرسل"
(أع 4/37). المثال الآخر، سلبي، يحكي قصة حننيا وزوجته سِفّيرة
اللذين اتفقا على تسليم قسم فقط من ثمن بيع حقل واقتطاع قسم آخر لهما. تم
اكتشاف غشهم وأثار العقاب المأسوي "خوفا شديدا" على الكنيسة كافة وعلى
جميع الذين سمعوا بذلك (أع 5، 1 ـ 11). يؤكد هذان المثلان على أن
المسيحيين مدعوون إلى عيش مُثل الاتحاد والشهادة لا بشكل جزئي إنما بشكل
كامل ليكونوا قلبا واحدا ونفسا واحدة (أع 4،32).

إن
هذا المقطع الرائع من أعمال الرسل ينطلق من الجماعة المسيحية في الأرض
المقدسة. نحو هذه الأرض، التي باركها حضور الرب يسوع، تتجه أعين جميع
المسيحيين والبشر ذوي الإرادة الطيبة وبشكل خاص لمناسبة التحضير للجمعية
الخاصة لسينودس الأساقفة حول الشرق الأوسط التي دعا إليها قداسة البابا
بندكتس السادس عشر في 19 من سبتمبر 2009 خلال اللقاء مع بطاركة
ورؤساء أساقفة الكنائس الشرقية الكاثوليكية. كما أعلن الحبر الأعظم عن
موضوع هذه الجمعية السينودسية: الكنيسة الكاثوليكية في الشرق
الأوسط، شركة وشهادة. وكان جماعة الذين آمنوا قلبا واحدا ونفسا واحدة
(أع 4/32).

لقد
رحب الأب الأقدس، الذي زار الأرض المقدسة من 8 حتى 15 أيار مايو
2009، بطلب الأخوة الأساقفة بشأن عقد جمعية خاصة لسينودس الأساقفة حول
الشرق الأوسط للتعمق في تعاليم أعمال الرسل وعيش خبرة الجماعة الأولية على
مستوى أكثر نضوجا وأداء شهادة بالكلمات وخصوصا بأفعال حياة مسيحية أصيلة
لمجد الله الآب، الابن والروح القدس، في الوضع الراهن المتشابك في بلدان
الشرق الأوسط. من هذا الإيمان يتغذى الرجاء المسيحي راجيا "على غير رجاء"
(روم 4/18)، لأنه مؤسس على سلطة الله لا على مخططات بشرية. على الإيمان
والرجاء أن يزدهرا في المحبة نحو القريب. للرجاء في الكنيسة الكاثوليكية
في الشرق الأوسط تعبير يكمن في الحضور المتواصل منذ أزمنة يسوع للمسيحيين
في هذه الأرض التي هي موطنهم. ما من شك أن الرجاء ينعكس أيضا من خلال
أفعال كثيرة وثمينة يؤدي من خلالها أعضاء الكنيسة الكاثوليكية شهادة
لإيمانهم وفي الوقت عينه إسهاما كبيرا في النمو الكامل للمجتمع كله.

ولعيش هذه الدعوة ارتأى البابا بندكتس السادس عشر ضرورة اعتماد مسار نظامي في
الإعداد لجمعية السينودس. وبالتالي وبتكليف من الحبر الأعظم تم تشكيل مجلس ما قبل
السينودس حول الشرق الأوسط مؤلف من سبعة بطاركة يمثلون ست كنائس وبطريركية القدس
للاتين ومن رئيسي مجلسي أساقفة وكذلك أيضا من أربعة رؤساء دوائر في الكوريا
الرومانية، قام بإعداد نص الخطوط العريضة الذي يُنشر بأربع لغات: العربية،
الفرنسية، الإنكليزية والإيطالية. يرافق كل فصل من الوثيقة بعض الأسئلة بهدف إثارة
النقاشات في كنائس الشرق الأوسط كلها. تصل الأجوبة إلى أمانة السر العامة لسينودس
الأساقفة بعد عيد الفصح الذي يحتفل به جميع المسيحيين هذه السنة في التاريخ نفسه أي
في الرابع من نيسان أبريل 2010. وكما هو معلوم سيتم بعد الاطلاع على الأجوبة إعداد ورقة العمل للجمعية
السينودسية والتي سيسلمها البابا بندكتس السادس عشر لممثلين مؤهلين من أساقفة الشرق
الأوسط الكاثوليك خلال زيارته الرسولية لقبرص في شهر حزيران يونيو 2010.

فلنكل مسيرة إعداد الجمعية الخاصة لسينودس الأساقفة حول الشرق الأوسط إلى شفاعة
الطوباوية مريم العذراء، أم الكنيسة، وزهرة الأرض المقدسة النقية. لقد حملت يسوع
إلى العالم في بيت لحم، ربته في الناصرة ورافقته على دروب الجليل واليهودية حتى
أورشليم، المدينة المقدسة للمسيحيين، اليهود والمسلمين. فليكن الاحتفال بجمعية
السينودس هذه، بقوة شهادة المسيحيين، فرصة مثمرة لنمو الحوار مع العالمين اليهودي
والإسلامي حتى توسيع حدود الشركة على جميع البشر ذوي الإرادة الطيبة في الشرق
الأوسط.

 

رئيس الأساقفة نيكولا إيتيروفيتش

الأمين العام

 

صدر عن الفاتيكان في 8 ديسمبر 2009

 



 

 مدخل ( 1 - 7 )

1 - 
في 19 / 9 / 2009، خلال رحلته إلى الأراضي المقدسة (8-15/5/2009)، أعلن
قداسة البابا،  إبان اجتماع مع بطاركة الشرق الأوسط ورؤساء الأساقفة،
الدعوة إلى عقد اجتماع خاص بالشرق الأوسط لسينودس الأساقفة، سينعقد في
الفترة من 10 إلى 24 /10/ 2010. وتعبّر هذه المبادرة عن "اهتمام"
خليفة القدّيس بطرس "بجميع الكنائس"  (2 كورنثوس 11: 28 ). وهي
تشكّل حدثاً هاما يبيّن اهتمام الكنيسة الجامعة بكنائس الله في
الشرق.  أما ما يخص كنائس الشرق ذاتها، فإنها مدعوة أن تحيا هذا
الحدث بعمق وتركيز، حتى يصير ينبوع نعمة في حياة مسيحي الشرق .

     
إن زيارات قداسة البابا بندكتوس السادس عشر للأراضى المقدّسة ( الأردن-
إسرائيل - وفلسطين)، وكذلك زيارته لتركيا من 28 / 11 ? 1/ 12 /
2006 )، مع ما جاء فيها من خطب غنية ومناسبة للأوضاع، نوراً خاصاً
لنستطيع فهم كلمة الله وقراءة علامات الأزمنة وتحديد السلوك المسيحي
المناسب مع دعوة كنائسنا.

 

أ - هدف السينودس

2 ? هناك هدف مزدوج للاجتماع الخاص بسينودس الأساقفة للشرق الأوسط: تثبيت
وتقوية المسيحيين فى هويّتهم، عبر كلمة الله والأسرار المقدسة، وإحياء الشركة
الكنسية بين الكنائس الخاصة، حتى تستطيع تقديم شهادة مسيحية حقيقية، فرحة وجذّابة.
إن كنائسنا الكاثوليكية ليست وحدها في الشرق الأوسط. هناك أيضاً الكنائس
الأرثوذكسية والجماعات البروتستانتية. لذلك فالبعد المسكوني أساسي، حتى تصير
الشهادة المسيحية حقيقية وذات مصداقية "ليصيروا واحداً حتى يؤمن العالم" ( يوحنا 17 : 21 )

3 - يجب إذن تدعيم والشركة على جميع المستويات: فى داخل كل كنيسة كاثوليكية في
الشرق، وبين كل الكنائس الكاثوليكية، ومع باقي الكنائس المسيحية. وفى نفس الوقت يجب
تقوية الشهادة التي نقدمها لإخوتنا اليهود والمسلمين ولباقي المؤمنين وغير
المؤمنين.

4 - يقدم لنا السينودس أيضاً الفرصة لتشخيص الوضع الديني والاجتماعي، حتى نعطى
للمسيحيين رؤية واضحة عن معنى حضورهم في وسط مجتمعاتهم الإسلامية ( العربية ?
التركية ? الإسرائيلية ? الإيرانية )، وعن ودورهم ورسالتهم في كل بلد، وبذلك نعدّهم
أن يكونوا هناك شهوداً حقيقيين للمسيح. إنها إذن وقفة للتفكير في الوضع القائم،و هو
وضع صعب: حالة صراع، وعدم استقرار، ومسيرة نضج سياسي واجتماعي في معظم بلادنا.

 

ب - وقفة للتفكير في ضوء الكتاب المقدس

5 ? سيقود الكتاب المقدس تفكيرنا، وهو  الذى جاءت  كتابت على أرضنا، وبلغاتنا (
العبرية،  والآرامية، أو اليونانية )، وفي أطر وتعبيرات ثقافية وأدبية نشعر أنها
تخصنا. إن قراءة كلمة الله تتم "فى الكنيسة". ووصلتنا هذه الكتب المقدّسة عبر
الجماعات الكنسية، وصار نقلها والتأمل فيها عبر طقوسنا المقدسة. إنها مرجع لا غنى
عنه، لاكتشاف معنى حضورنا، وشركتنا وشهادتنا فى السياق المعاصر لبلادنا .

6 - ماذا تقول لنا كلمة الله اليوم وهنا، ماذا تقول لكل كنيسة في كل بلد؟ كيف
تتجلى لنا عناية الله المُحِبّة، عبر كل الأحداث السهلة أو الصعبة في حياتنا
اليومية؟ ماذا يطلب منا الله في هذه الأيام؟: أن نبقى، لنعيش التزامنا  فى مسيرة
الأحداث التي هي مسيرة العناية والنعمة الإلهية؟ أم نهاجر ؟

7 - الأمر يستوجب إذن - وهذا هو أحد أهداف هذا السينودس الخاص - أن نُعيد
اكتشاف كلمة الله في الكتب المقدسة، الموجَّهة اليوم إلينا، التى تخاطبنا اليوم،
وليس في الماضي فقط، والتى تفّّر لنا، كما لتلميذي عماوس، ما يدور حولنا. هذا الكشف
يتم أولاً عبر قراءة الكتاب المقدّس التأملية، سواء شخصيا، أو في الأسرة، أو داخل
الجماعات الحية. لكن أهم شىء هو أن تقود اختياراتنا اليومية، في الحياة
الشخصية،والعائلية، والاجتماعية، والسياسية.

أسئلة :

1 - هل تقرأ أنت الكتاب المقدس شخصيا، في الأسرة، أو في الجماعات الحية؟

2 - هل تقود هذه القراءة اختياراتك في حياتك الأسرية، والمهنية، أو السياسية؟

أولاً: الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط (8-35)

         أ - وضع المسيحيين في الشرق الأوسط:

1- نظرة تاريخية موجزة : وحدة في التعدد

8 - يرجع تاريخ الكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط، مثل كل جماعة مسيحية في
العالم، إلى الكنيسة المسيحية الأولى في أورشليم، التي وحّدها الروح القدس فى يوم
العنصرة. لكنها انقسمت في القرن الخامس بعد مجمعي أفسس وخلقدونية، لأسباب ترجع
أساساً للعقيدة حول شخص الرب يسوع المسيح. وقد أعطى هذا الانقسام الأول مولداً
للكنائس المعروفة اليوم باسم "كنيسة الشرق الرسولية الأشورية" ( التي كانت تُسمَّى
بالنسطورية )، و"للكنائس الأرثوذكسية الشرقية"، أى الكنائس القبطية، والسريانية،
والأرمنية، والتي كانت تُدعي المونوفيزية (أى تؤمن بالطبيعة الواحدة في شخص الرب
يسوع المسيح). وكان لهذه الانقسامات أيضاً أسباب سياسية وثقافية غالبا، كما أوضح
ذلك لاهوتيو العصور الوسطى فى الشرق، التابعون للتقاليد الثلاثة الكبرى، المدعوّة
تقاليد " الملكيين واليعاقبة والنساطرة ". فقد أكدوا جميعاً أنه لم يكن هناك أى سبب
عقائدى لهذا الانقسام. ثم جاء الانقسام الكبير في القرن الحادي عشر، الذي فصل
القسطنطينية عن روما، وبالتالي الشرق الأرثوذكسي عن الغرب الكاثوليكي. وكل هذه
الانشقاقات مازالت موجودة اليوم في كنائس الشرق الأوسط المختلفة.

9 - وبعد الانقسامات والانشقاقات، كانت هناك، على فترات متكررة، جهود لإعادة
بناء وحدة جسد المسيح. وفي إطار تلك الجهود المسكونية، تكونت الكنائس الكاثوليكية
الشرقية : الأرمينية، والكلدانية، والملكية، والسريانية والقبطية. وقد انساقت هذه
الكنائس في البداية إلى أسلوب الجدل مع أخواتها الكنائس الأرثوذكسية، ولكنها كانت
فى أغلب الأحيان مدافعة بحرارة عن الشرق المسيحي .

10- حفظت الكنيسة المارونية وحدتها في قلب الكنيسة الجامعة، ولم تعرف فى تاريخها
انقساماً كنسياً داخلياً. أما كرسى أورشليم البطريركى اللاتينى، الذى تأسّس مع
الصليبيين، فقد أُعيد في القرن التاسع عشر، بفضل وجود الآباء الفرنسيسكان المتواصل،
ولا سيما في الأراضي المقدسة،  منذ بداية القرن الثالث عشر.

11- صار عدد الكنائس الكاثوليكية في الشرق اليوم سبع كنائس. ومؤمنوها في الأغلب عرب
أو مستعربون. وبعضها حاضر أيضا في تركيا وفى إيران. وهي ذات أصول ثقافية، وبالتالى
أيضا طقسية، مختلفة: يونانية، وسريانية، وقبطية، وأرمينية، أو لاتينية. وهذا ما
يشكّل غناها البديع وتكاملها . إنها متّحدة في الشركة الواحدة مع الكنيسة الجامعة
حول أسقف روما، خليفة القديس بطرس، هامة الرسل. وينبع غناها من تنوّعها نفسه، ولكن
التمسك الزائد بالطقس وبالثقافة الخاصة يمكن أن تكون سبباً لفقرها جميعاً. إن
التعاون بين المؤمنين عادي وطبيعي، على كافة المستويات.

2 - الأصل الرسولي والدعوة الإرسالية

12-
من جهة أخرى، كنائسنا ذات أصل رسولي، وبلادنا كانت مهداً للمسيحية. كما
قال قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في 9 / 6 / 2007. " إنها الحارس الحي
للأصول المسيحية" (بندكتوس 16: أوسّيرفاتورى رومانو، 10 / 6 / 2007، ص
1 )، "إنها أراض تقدّست بحضور المسيح نفسه والأجيال المسيحية
الأولى". ستكون خسارة للكنيسة الجامعة، إذا اختفت المسيحية أو ضعفت هناك
حيث وُلدت. إننا نحمل هنا مسئولية ثقيلة: ليس فقط أن نحافظ على الإيمان
المسيحي في هذه الأراضي المقدسة، وإنما بالأكثر أن نحافظ على روح الإنجيل
لدي هذه الشعوب المسيحية، وفي علاقتهم مع غير المسيحيين، والحفاظ على
ذاكرة الأصول .

13- ولأن كنائسنا كنائس رسولية، فإن لها رسالة خاصة لتحمل الإنجيل إلى العالم أجمع.
وقد كان هذا الدافع ملهماً للعديد من كنائسنا عبر التاريخ: في بلاد النوبة،
والحبشة، وفي شبه الجزيرة العربية، وبلاد فارس، والهند، وحتى الصين. واليوم نرى أن
هذا الدافع الإنجيلي قد تباطأ غالبا،  وخبت شعلة الروح.

14- والحال أنه انطلاقا من تاريخنا وثقافتنا، نحن قريبون من مئات الملايين من
الأشخاص، سواء من حيث الثقافة أو الروحانية. فعلينا أن نشركهم فى رسالة الحب
الإنجيلي التي قبلناها. ففي هذا الوقت الذى فيه تحس شعوب أنها تائهة، وتبحث عن شعاع
رجاء، نستطيع أن نمنحهم الرجاء الذي فينا بالروح القدس الذي أفيض في قلوبنا (راجع
روم 5/5).

 

3 - دور المسيحيين في المجتمع برغم قلة عددهم

15- إن مجتمعاتنا العربية والتركية والإيرانية، برغم اختلافها، لها خصائص مشتركة.
ففيها يتغلّب التقليد وأسلوب الحياة التقليدى، وبالأخص فى ما يتعلّق بالأسرة
والتربية. تميّز الطائفية العلاقات بين المسيحيين كما مع غير المسيحيين، وتؤثّر
بعمق على العقلية والسلوك. فالدين عنصر من عناصر الهويّة قد يفرّق عن الآخَر.

16- ويتغلغل عنصر الحداثة أكثر فأكثر: فالاتصال بالقنوات التلفزيونية العالمية
وبالانترنت، أدخل في المجتمع المدني وبين المسيحيين قيماً جديدة، وأضاع قيماً أخرى.
ولمواجهة ذلك يزداد انتشار الجماعات الإسلامية الأصولية. وتجاوب السلطة بمزيد من
التسلط، وفرض الرقابة على وسائل الإعلام والصحافة. غير أن الأغلبية تتطلع إلى
ديموقراطية حقيقية.

17-
وبالرغم من أن المسيحيين يشكّلون أقلية بسيطة في كل مكان تقريبا في الشرق
الأوسط، باستثناء لبنان، ، هى أقل من 1 % ( في إيران وتركيا )، إلى
10 % في مصر، إلا أنهم نشطون، وديناميكيون، وذوو إشعاع. لكن الخطر
يكمن في الانطواء على الذات والخوف من الآخر. لذا يلزم تقوية إيمان
وروحانية مؤمنينا، وتدعيم الروابط الاجتماعية والتضامن فيما بينهم، دون
السقوط في فخ الجيتو أي الانغلاق. كما أن التربية هى الاستثمار الأكبر.
وتقدر مدارسنا أن تساعد أكثر الأقل يُسرا.

 

 

 

 

 

 

ب -التحديات التي يواجهها مسيحيّو الشرق الأوسط

1 - الصراعات السياسية في المنطقة

18 - إن الصراعات السياسية الجارية حاليا فى المنطقة تؤثر تأثيرا مباشرا على
حياة المسيحيين،  كمسيحيين وكمواطنين. فالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية
يجعل من الحياة اليومية صعبة، سواء في حرية الحركة، والاقتصاد، والحياة الدينية
(كالوصول إلى الأماكن المقدّسة، المرتهن بإذن عسكري، يُمنح للبعض ويُرفض لغيرهم،
لأسباب أمنية ). وعلاوة عل ذلك ، توجد تيارات لاهوتية مسيحية أصولية تبرر من 
الكتاب المقدس احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، مما يزيد من صعوبة وضع المسيحيين
العرب .

19- وفي العراق، أطلقت الحرب العنان لقوى الشر في البلد، لدى الطوائف الدينية،
والتيارات السياسية. فأسقطت ضحايا من كل العراقيين. ولكن المسيحيين من الضحايا
الأساسيين، حيث يشكلون الجماعة الأصغر عدداً والأضعف بين الجماعات العراقية. في حين
لا تراعي السياسة الدولية لهم أي حساب .

20 - وفي لبنان ينقسم المسيحيون انقساماً عميقاً على الصعيد السياسي والطائفي،
ولا يملك أحد مشروعاً يحوز قبول الجميع. وفي مصر حيث يتزايد نمو الإسلام السياسي من
جهة، وانسحاب المسيحيين عن المجتمع المدني، تجعل حياتهم عُرضة لعدم التسامح، وعدم
المساواة، وعدم العدالة. كما تتغلغل هذه الأسلمة أيضا عبر وسائل الإعلام ومناهج
التعليم داخل الأسرة، مما يؤثر في تغيير العقلية وأسلمتها بطريقة غير واعية. وفي
العديد من البلدان، فإن التسلّط، والدكتاتورية أحيانا، تدفع الشعوب، بمن فيهم
المسيحيين، الى احتمال كل شيء في صمت لإنقاذ الأمور الأساسية. وفي تركيا يطرح
التصور العلماني الحالي الكثير من المسائل على الحرية الدينية الكاملة فى البلد.

21 -
ولقد وصفت الرسالة الرعوية العاشرة للبطاركة الكاثوليك (عام 2009) وضع
المسيحيين هذا فى البلاد العربية المختلفة (رقم 13). حيث تشخّص الخاتمة
الموقف الانهزامى: "أمام هذه الحقائق المختلفة، يظل البعض ثابتاً في
إيمانهم والتزامهم في المجتمع، مشاركين في جميع التضحيات ومساهمين في
المشروع الاجتماعي المشترك. بينما على عكس ذلك، نجد غيرهم يتملّكهم اليأس،
ويفقدون الثقة في مجتمعاتهم، وفي قدرتها على أن توفّر لهم المساواة مع
جميع المواطنين. ولذلك يتخلون عن أي التزام، وينسحبون فى إطار كنائسهم
ومؤسساتها، فيعيشون في جُزر منعزلة بلا تفاعل مع الكيان الاجتماعي. ( راجع
مجلس البطاركة الكاثوليك الشرقيين،  الرسالة الرعوية العاشرة،
(2009)، رقم 13 ) .

2 - حرية العقيدة وحرية الضمير

22 - في الشرق تعنى حرية العقيدة في المعتاد حرية العبادة. فهى لا يدل إذن على 
حرية الضمير،  أي حرية التخلي عن الديانة الخاصة أو الإيمان بديانة أخرى. فالديانة
في الشرق هى عادةً اختيار اجتماعي لا بل قومي، وليست اختيارا شخصياً. فتغيير
الديانة يُعتبر خيانة للمجتمع، وللثقافة، وللأمة المبنية أساسيا على تقليد دينى .

23 - كما يُنظر إلى الاهتداء ( تغيير الدين) على أنه ثمرة اختطاف مُغرَض، وليس
كاهتداء حقيقي. وهو غالبا ما يكون محظورا على اليهودى والمسلم بموجب قوانين الدولة.
وبالنسبة إلى المسيحى، فهو أيضا يختبر ضغطاً واعتراضاً، وإن كانا أخفّ بكثير، من
جانب الأسرة أو القبيلة. لكنه يظل حراً في التغيير. وكثيراً ما لا يكون التغيير
بسبب الاقتناع الديني، بل لمصالح شخصية، أو تحت ضغوط الجذب الإسلامي، وبالذات
للتحرر من الالتزامات الشخصية فى مواجهة صعوبات أسريّة.

3 ـ المسيحيون وتطور الإسلام المعاصر

24 - في رسالتهم الرعوية الأخيرة، قال بطاركة الشرق الكاثوليك: " إن تصاعد الإسلام
السياسي منذ عام 1970 تقريبا، هو ظاهرة بارزة، تؤثّر على المنطقة وعلى أوضاع المسيحيين في العالم
العربي. ويشمل هذا الإسلام السياسي تيارات دينية متعددة، تسعى إلى فرض أسلوب حياة
إسلامي على المجتمعات العربية والتركية والإيرانية، وعلى كل من يعيشون فيها، مسلمين
كانوا أم غير مسلمين. ويعتبرون أن البُعد عن الإسلام هو سبب جميع الويلات. والحل
إذن هو العودة إلى إسلام الأصول. ومن هنا خرج الشعار: "الإسلام هو الحل". ولتحقيق
هذا الهدف، لا يتردّد البعض من اللجوء إلى العنف" (رقم 7).

يخصّ هذا التوجّه المجتمع الإسلامي أولا. ولكن تبعاته تعود على الوجود المسيحي في
الشرق. لذلك فهذه التيارات المتطرفة تشكل تهديداً للجميع، مسيحيين ومسلمين، ويجب أن
نواجها سوياً .

4 ـ الهجرة

25 - بدأت الهجرة من المشرق بين المسيحيين وغير المسيحيين نحو نهاية القرن
التاسع عشر. والسببان الأساسيان كانا السياسة والاقتصاد. لم تكن العلاقات الدينية
في أفضل صورها، ولكن نظام الملات ( جماعات عرقية دينية ) كان يكفل نوعاً من الحماية
للمسيحيين داخل مجتمعاتهم. مما لم يكن يمنع من قيام بعض المنازعات الدينية
والقبلية. وقد ازدادت هذه الهجرة اليوم بسبب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وما
أحدثه من عدم استقرار في المنطقة بأسرها، وصولاً إلى حرب العراق وعدم الاستقرار
السياسي في لبنان .

26 - علاوة على ذلك، نجد أن السياسات الدُوليّة غالبا ما تتجاهل وجود 
المسيحيين، وهذا أيضاً سبب رئيسى من أسباب الهجرة. والحال أنه، في إطار الوضع
السياسي الحالي في الشرق الأوسط، يصعب تحقيق اقتصاد، يقدر أن يوفّر مستوى حياة
كريمة للمجتمع كله. يمكن اتخاذ بعض التدابير لتقليل الهجرة، ولكن جذورها هى الوقائع
السياسية القائمة. وهى التى يلزم التعامل معها، والكنيسة مدعوّة إلى الالتزام بهذا
العمل.

27 - هناك عنصر آخر يستطيع أن يحدّ من هجرة المسيحيين: وهو تنمية الوعي لديهم
بمعنى حضورهم. فكل شخص في بلده هو حامل لرسالة المسيح لمجتمعه. ويلزم حمل هذه
الرسالة في زمن الصعوبات والاضطهاد. وهذا ما يعلنه لنا الرب يسوع في الإنجيل: " سوف
يضطهدونكم ... هنيئا لكم ... هنيئا لكم إذا عيّروكم واضطهدوكم .. افرحوا وابتهجوا
لأن أجركم في السموات عظيم" ( متى 5 : 11 ? 12 ). إلى هذا المستوى يجب أن نعلو بمعونة المسيح .

 

5 - الهجرة المسيحية من دول أخرى إلى الشرق الأوسط

28 - تستقبل بلاد الشرق الأوسط مئات الألوف من الأفريقيين كعمال مهاجرين، من
إثيوبيا،  وخصوصا من السودان، ومن الأسيويين وخصوصا من الفلبين، ومن سريلانكا، ومن
بنجلاديش، ومن نيبال، ومن باكستان، ومن الهند. وأغلبهم من النساء اللواتى تعملن
كخادمات، لتوفّرن لأبنائهن تربية وحباة أفضل. وكثيراً ما يتعرض هؤلاء، النساء
والرجال، لمظالم اجتماعية، واستغلال، واغتصاب جنسي، سواء من جهة الدول التي
تستقبلهم، أو المكاتب التي تستحضرهم، أو أصحاب العمل.

29 ? علينا هنا مسئولية رعوية لمرافقة هؤلاء الأشخاص، سواء على المستوى الديني
أو المستوى الاجتماعي. فهولاء المهاجرون كثيراً ما يواجهون مشاكل مأساوية، والكنيسة
لا تقدر أن تعمل لهم شيئا كثيرا. وفى الآن نفسه، فتكوين أبنائنا المسيحيين على
تعليم الكنيسة الاجتماعي للكنيسة الكاثوليكية، وعلى العدالة الاجتماعية، أمر مُلحّ
ولا غنى عنه، لتفادي أى تصرّف من التعالى أو الاحتقار. بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد
احترام للقوانين والمواثيق الدُولية.

 

ج - إجابات المسيحيين فى حياتهم اليومية

30 - إن موقف المسيحيين في كنائسنا ومجتمعاتنا، تجاه كل التحديات السابقة الذكر،
متنوع  ومختلف:

·       فهناك المسيحي المؤمن والملتزم، الذي يقبل ويعيش إيمانه بإخلاص في حياته الخاصة
والعامة.

·   هناك أيضاً المسيحي "العلماني"، الذي رأيناه خاصةً عبر التاريخ المعاصر، في بلادنا
المختلفة. وهو يلتزم بعمق في الحياة العامة، ويؤسس الأحزاب السياسية بالأخص
اليسارية منها، أو يصير عضواً بها، وإنما كثيرا ما يضحّى بإيمانه.

·   هناك أيضاً المسيحي صاحب الإيمان التقليدي، الملتزم بالعبادات والممارسات الدينية
الخارجية، والتي لا تأثير لها على حياته العملية، ولا على سلّم القِيَم لديه. بل
بعكس ذلك، يشارك مجتمعه نفس المعايير والقِيَم المنفعية (البرجماتية) السائدة،
والمناقضة أحياناً للإنجيل. ويتبنّى سلوك الصراع القائم فى مجتمعه. ولا يختلف عن
الآخرين سوى بالممارسات الدينية الخارجية، وبالأعياد الخاصة به، أو باسمه المسيحي.

·   هناك أيضاً المسيحي الذي يعتبر نفسه شخصاً ضعيفاً. وهو معقَّد من قلة عدد جماعته
المسيحية، وسط مجتمع غالبيته إسلامية. إنه خائف. وهو ممتلىء بالقلق، ومهموم بأن يرى
حقوقه مُنتهَكة.

31 -
إن الأسلوب الذى يعيش به المسيحى إيمانه ينعكس مباشرة على انتمائه
للكنيسة. فالإيمان العميق يقود إلى اندماج قوى وملتزم. والإيمان السطحي
يعنى أيضاً انتماءً سطحياً. وفي الحالة الأولى يكون الانتماء حقيقياً
وصادقاً، فيشارك المؤمن في حياة الكنيسة ويلتزم فيها بكل ما له من إيمان.
وفي الحالة الثانية يكونالانتماء طائفيا فقط. (راجع بطاركة الشرق
الكاثوليك، الرسالة الرابعة، رقم 5-16 ). وفي هذه الحالة يطالب
المؤمن كنيستة أن تهتم بكل نواحى حياته المادية والاجتماعية، مما يؤدى إلى
"التعوّد على المونة" وإلى العجز عن العمل. (راجع بطاركة الشرق الكاثوليك،
الرسالة العاشرة (2009)، رقم 11) .

32 - وهذا ما يتطلّب اهتداءً شخصيا من المسيحيين، ابتداء من الرعاة، بالعودة إلى
روح الإنجيل، بحيث تصير حياتنا شهادةً لحب لله،  يتجلى فى الحب الفعلي للجميع ولكل
شخص. علينا  أن  نكون شهوداً للمسيح القائم من بين الأموات: "وكان الرسل يؤدون
الشهادة بقيامة الرب يسوع، تؤيّدها قدرة عظيمة " (أعمال 4/ 33)، وذلك للخروج من أنانيتنا، وصراعاتنا، وضعفاتنا الشخصية.

33 - إن الحياة المكرسة موجودة في بلادنا بدرجات مختلفة. وحيث لا توجد حياة
رهبانية تأملية، فالمرجو العمل على تأسيسها. والرسالة الأولى للرهبان والراهبات هي
الصلاة والتشفع من أجل المجتمع: من أجل عدالة أوفر فى السياسة والاقتصاد، و تضامن
واحترام أفضل في العلاقات الأسرية، و مزيد من الشجاعة للتنديد بالظلم، و مزيد من
النزاهة لعدم الانسياق إلى صراعات المجتمع، أو إلى البحث عن مصالح شخصية. هذه هي
الأخلاقيات التي يتوجب على الرعاة، والرهبان، والراهبات، والمربّين، أن يقدمونها فى
مؤسساتنا (المدارس، والجامعات، والمراكز الاجتماعية، والمستشفيات، وغيرها)، حتى
يصير أبناؤنا المؤمنون هم أيضاً شهوداً حقيقين للقيامة فى المجتمع.

34 - إن تكوين الاكليروس والمؤمنين، والوعظ والتربية الدينية، يجب أن تعطي
للمؤمن معنىً حقيقياً لإيمانه ، وتجعله يدرك دوره في المجتمع باسم هذا الإيمان. يجب
أن نعلّمه أن يبحث عن الله وأن يراه في كل شيء وفي كل شخص، وأن يجتهد ليجعله حاضراً
في مجتمعنا وفى عالمنا، وذلك بممارسة الفضائل الشخصية والاجتماعية: كالعدالة،
والنزاهة، والاستقامة، والترحيب، والتضامن، وانفتاح القلب، ونقاوة الأخلاق،
والإخلاص، وغيرها  من الفضائل.

35 - في سبيل ذلك يجب القيام بمجهود خاص لاكتشاف وتكوين "الكوادر" الضرورية، من
الكهنة، والرهبان، والراهبات، والعلمانيين، رجالا ونساء، حتى يكونوا شهوداً حقيقيين
لله الآب، وليسوع القائم من بين الأموات، في مجتمعاتنا، وشهوداً للروح القدس الذي
أرسله الرب يسوع  لكنيسته، ليشجّعوا إخوتهم وأخواتهم في هذه الأزمنة الصعبة،
ويشاركوا في بنيان المجتمع.  

أسئلة :

3 - ماذا تعمل كنائسنا في سبيل تشجيع الدعوات للحياة الرهبانية والتأملية؟

4 - كيف يمكن أن نساهم في تحسين الوسط الاجتماعي في بلادنا المختلفة؟

5 - ما هو الدور الذي تقوم به كنيستكم، للمساعدة في قبول الحداثة، مع ما تتطلبه
من نظرة نقدية ضرورية، في مجتمعاتكم؟

6 - ماذا يجب أن نعمل ليزيد احترام الحرية الدينية، وحرية الضمير؟

7 - ماذا يمكن عمله لوقف أو تقليص هجرة المسيحيين فى الشرق الأوسط؟

8 - كيف يمكن أن نتابع المسيحيين الذين هاجروا، وكيف نحافظ على العلاقة معهم؟

9 - ماذا يجب على كنائسنا أن تفعل، لتعلّم مؤمنيها احترام المهاجرين الوافدين،
وحقوقهم في أن يُعاملوا بعدالة ومحبة؟

10 - ماذا تفعل كنسيتك لتوفير العناية الرعوية للمهاجرينالوافدين الكاثوليك،
ولحمايتهم من تعدّيات واستغلال السلطات (البوليس، والمسئولين فى السجون)، بالإضافة
إلى مكاتب التشغيل، وأصحاب العمل؟

11 - هل تقوم كنائسنا بتكوين الكوادر المسيحية، للمشاركة في الحياة الاجتماعية
والسياسية في بلادنا ؟ وماذا يمكنها أن تفعل؟

ثانياً: الشركة الكنسية ( 36 ? 45 )

أ - مدخل

36 - إن أساس الشركة المسيحية هو مِثال الحياة الإلهية فى سر الثالوث الأقدس. 
فالله محبة (1 يوحنا 4/8)، والعلاقة بين الأقانيم الإلهية هي علاقة محبة. وبالمثل فالشركة في الكنيسة بين
كل أعضاء جسد المسيح مؤسّسة على علاقات المحبة: " ليكونوا واحداً فينا، أيها الآب،
مثلما أنت فيَّ  وأنا فيك " ( يوحنا 17/21). علينا إذن أن نعيش معا، فى كل كنيسة، نفس حياة الشركة التي للثالوث الأقدس. فيجب
أن تكون حياة كنيسة وكنائس الشرق شركة حياة فى المحبة، على مثال وحدة الابن مع الآب
والروح القدس.

37 -
لقد أوصانا الرب يسوع بهذه الوحدة فى مَثل الكرمة والأغصان (راجع يوحنا
15/1-7). ولقد توسّع القديس بولس فى عرض حقيقة الحياة المسيحية هذه، بمثال
وحدة الحياة في الجسد مع تعدّد الأعضاء (راجع 1 كورنثوس 12/ 12-21).
فكل كنيسة تبني إذن وحدة حياتها على الواقع الحقيقى أن كل عضو في الكنيسة
هو، بالمعمودية، عضو في جسد المسيح الذي هو الرأس . فالشركة بين الكنائس،
أو في داخل الكنيسة الواحدة، تتحقق إذن فى الوعى بأن كل واحد وكل واحدة
عضو في جسد رأسه هو المسيح. وحيث أن المسيح هو الرأس، يجب أن يكون كل عضو
أهلاً للرأس الذي به يتّحد اتحاداً وثيقاً.

 

ب - الشركة في الكنيسة الكاثوليكية وبين الكنائس المختلفة

38 - تتجلى شركة الكنيسة الجامعة فى علامتين أساسيتين: الأولى هى الشركة فى
الإفخاريستيا، والثانية هي الشركة مع قداسة البابا أسقف روما، خليفة القديس بطرس
ورئيس الكنيسة كلها. وقد قنّنت مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، على مستوى القوانين،
شركة الحياة هذه، في كنيسة المسيح الواحدة. ومجمع الكنائس الشرقية، ومختلف المؤسسات
الرومانية، هم أيضاً في خدمة هذه الشركة.

39 - وعلى مستوى المؤمنين، فان مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية العليا، وكذلك
المؤسسات الخيرية، كالمستشفيات، والملاجئ، وبيوت المسنّين، تقبل كل المسيحيين بلا
تفرقة. وفي المدن، نجد المؤمنين الكاثوليك من الكنائس المختلفة، كثيرا ما يمارسون
حياتهم الدينية في الكنيسة الأقرب إلى مساكنهم، مع بقائهم أمناء لطائفتهم الخاصة،
التي يقبلون فيها الأسرار (العماد ، والميرون، والزواج، وغيرها).

ج - الشركة بين الأساقفة والاكليروس والمؤمنين

40 - تتمّ الشركة بين الأعضاء المختلفة داخل الكنيسة أو البطريركية الواحدة،
على  مثال الشركة بين الكنيسة الجامعة وخليفة بطرس أسقف روما. وعلى مستوى الكنائس
البطريركية، يتمّ التعبير عن هذه الشركة عِبر السينودس، الذي يجمع أساقفة جماعة
كنسية واحدة حول البطريرك، أب ورئيس كنيسته. وعلى مستوى الإيبارشية، تتمّ حول
الأسقف شركة الإكليروس، والرهبان، والراهبات، وكذلك العلمانيين. إن الصلاة، والحضور
الافخارستى، والإصغاء إلى كلمة الله، هى الأوقات التي توحّد الكنيسة، وتقودها إلى
الأساس، إلى الإنجيل. وعلى الأسقف أن يسهر على تناسق جميع الأطراف برغم لحظات
الضعف.

41 ? تعطى هذه النعمة بواسطة الأسقف إلى كل راعي رعية أو جماعة  من المؤمنين،
حيث يوجد حتما أعضاء أقوياء وآخرون أقل قوة. وبالرغم من حدودهم كلها، يظلّون أدوات
في يد الله، الذي إئتمنهم على كنز في آنية خزفية (راجع 2 كورنثوس 4/7). وهو يصنع منهم أداة نعمته ."لأني عندما أكون ضعيفاً، أكون قويا" (2 كورنثوس 12/10).

42 -
وهذا يعنى أن خدّام المسيح، وكل الذين يسعون إلى إتّباعه عن قرب، يحملون
مسئوليه ثقيلة فى الجماعة، ليس فقط لإدارة كنيسة الله محليا -يتحدث القديس
بولس مرتين عن" كنيسة الله في كورنثوس" راجع 1 كورنثوس 1/1،
2 كورنثوس 1/2) - ولكن بالأكثر على المستوى الروحي والأخلاقى: إنهم
مثال وقدوة للآخرين. تنتظر منهم جماعة المؤمنين أن يعيشوا عمليا القيم
الإنجيلية بصورة مثاليه. ولا نندهش من أن المؤمنين ينتظرون منهم،
(الأساقفة، والكهنة، والرهبان، والراهبات)، بساطة أكبر في الحياة، وتجرّد
حقيقي عن المال والرفاهية الدنيوية، وممارسة متوهّجة للعفاف، وطهارة أخلاق
شفّافة. وإنما ليست هذه هي الحال دوماً، وهذا ما يسبب شكوكا بالغة
للمؤمنين.

43- وهناك أيضاً، روح التلميذين يعقوب
ويوحنا، اللذين طلبا من يسوع أن يعطيهما المكان الأول عن يمينه وعن يساره
(راجع مرقس 10/35-37، ومتى 20/20-21). هذا الروح مازال موجودا، ويتسبب في
اضطرابات بين الإخوة. فبدلا من أن نتواجد معا لمواجهة الصعوبات، نتشاجر
أحيانا فيما بيننا، ونحصى عدد المؤمنين، كما لو كنا نريد أن نعرف من
الأكبر. إن روح التنافس يحطمنا! و بالعكس فإن التفاني الروحي والرعوي،
يمكن أن ينشّط إبداعنا في خدمة الجميع. وهذا التنافس في الخدمة هو ما يجب
تشجيعه. ومثل بقية كنائس العالم، على كنائسنا أن تتطهّر باستمرار
باستمرار. ويهدف هذا السينودس إلى المساعدة في عمل هذا  الفحص
الضميري الصادق، لاكتشاف نقاط القوة وتدعيمها وتطويرها، ونقاط الضعف حتى
تتوافر لنا شجاعة تصحيحها.

44- يتوجب علينا العودة إلى مثال الجماعة المسيحية الأولى: "وكان جماعة المؤمنين قلبا
واحداً وروحاً واحدة، لا يدعى أحد منهم ملك ما يخصه، بل كانوا يتشاركون في كل شيء
لهم.  وكان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع، تؤيدها قدرة عظيمة. وكانت النعمة
عليهم جميعاً. فما كان أحد منهم في حاجة" (أعمال 4/32-34).

45- إن المؤسسات والحركات الرسولية، ذات الأصول المحلية أو الدُولية، القادمة من كل
البلاد، يتوجب عليها أن تتأقلم مع  عقلية المكان وأسلوب الحياة، الذي تقدمه لهم
كنيسة وبلد الاستقبال. ومن الضرورى التحلّى بروح التواضع لطاعة الأسقف، والاستعلام
عن التقاليد، وعن الثقافة، وبالأخص عن لغة البلد. وعلى بعض الحركات الدُولية، التي
تقوم بأعمال جديرة بالثناء، أن تتجسّد بصورة أكبر في مجتمعاتنا، دون أن تفقد طابعها
(الكاريزما) الخاص.

أسئلة

      12- ماذا تعنى حياة الشركة في الكنيسة؟

      13- كيف تتجلى شركة الوحدة بين كنائس الشرق المختلفة مع قداسة البابا؟

      14-كيف يمكن تحسين العلاقات بين الكنائس المختلفة، في مجال العمل الديني، والخيرى،
والثقافى؟

      15- هل يشكّل موقف "رجال الكنيسة " من المال مشكلة بالنسبة لك؟

      16- هل تشكّل مشاركة مؤمنين من طائفتك، في احتفالات كنائس كاثوليكية أخرى، مشكلة
بالنسبة لك؟



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +