Skip to Content

مقالة "سرّ الزواج" - الأب سيمون الزند

 

لقاء الأربعاء الأول من شهر نيسان 2001

 

كنيسة مار شربل ادونيس- عيلة مار شربل

 

الأب سيمون الزند

 

 

 

الموضوع :      "سرّ الزواج"

 

 

       لن اتكلم عن النواحي القانونية لهذا السرّ، نحن نعود للنواحي القانونية عندما نهدم، واليوم نحن بصدد لاهوت سرّ الزواج وروحانيته، لسنا بصدد الهدم لكن بصدد البنيان.

عندما نقول سرّ لا نقصد بالشيء الذي نريده ان يبقى خفياً وغير معلن لكننا نقصد شيء معناه يتخطانا. شيء اكبر من قدرتنا على استيعابه. مثل نور الشمعة الذي نراه ونحصر باعيننا كمية الضوء لكننا نغمض عينينا عند رؤية ضوء كبير جداً، لأنه اصبح هناك ضوء اكثر من قدرتنا على الأستيعاب ونحن ندخل لنغرف لا لنسيطر على السرّ..

سرّ الزواج       :       نعود إلى الوراء، إلى قصة الخلق. المعموديّة والتثبيت اسرار اسسهم الرب يسوع، لكن سرّ الزواج سرّ اسسه الله الآب لأنه من وقت الخلق وُضِع مشروع وهيكلية الزواج، ومع يسوع رفعه الى مستوى سرّ وكمّله.

 

ماذا يقول الكتاب المقدس :

سفر التكوين فصل 1، التراتبية بالخلق، عمل الربّ اولاً إطار زينه بمخلوقاته، وعلى قمة الهرم وضع الإنسان. كان الربّ كل يوم ينظر ويرى ان هذا حسن ولما صنع الإنسان رأى انه حسنٌ جداً، لأنه وضع وسكب صورته بالإنسان. ذكراً وانثى صنعهم ليلتقوا ويكتمل الإنسان وتَكمُل صورة الله.

الربّ خلق الإنسان ليس عن حاجة، خلقه عن حبّ لأن  جوهره محبة. خلقنا بفعل حب ولأنه كذلك فعلى صورة من هو الحب يدعونا إلى الحب. يدعونا ان نُحب فتتجسد صورة العائلة الثالوثية. هنا نعي اول مشكلة، فكم بعيالنا تتجسد صورة العائلة الثالوثية. (مثل الطفل الذي يرفض صورة الآب السماوي بسبب صورة ابية الذي على الأرض). كم تُجسد العائلة صورة العائلة الثالوثية، وهذه اول مسؤولية.

بارك الله هذا الإنسان، ذكراً وانثى وقال لهما انجبا واكثرا واملآ الأرض.  البركة تسبق فعل المشاركة بالخلق. باركهما وقال لهما انميا واكثرا، وهذا يعني بركة من فوق توجه علاقة الإنسان وتضعها بالإطار الصحيح. مشروع رائع..

إلى ان اتى المخرب، اتت الحيّة واغرت حواء، اتى المشكك والكذاب وابو الكذب، عمله هو زرع الشك والغيرة والشهوة. من عواقب الخطية، الشك الذي يأتي من المشكك. الخطيّة افسدت المشروع لكنها لم تعطّله، فمشروع الله لا يتعطل. فرغم الخطية ظل الزواج احلى صورة يعبر عن علاقة الله بالشعب. الأنبياء يتكلمون عن علاقة الله مع شعبه فيقولون هذا هو الأمين وهي (اي الشعب) التي تخون مع البعلين (اي الألهة) . فمثلاً هوشع كتب معاناته الشخصية مع زوجته الخائنة وربطها بمعاناة شعبه، شعبه كان يخون العهد وزوجته ايضاً، وكتب عن مكان اللقاء الأول وسرّ اللقاء الأول. المكان الذي يتم فيه اللقاء الأول يكون له سحره. مثلاً بعلاقتنا مع الله كل مرّة تتهدد العلاقة نعود الى مكان الحب الأول نعود الى صحرائنا الداخلية. نأخذ مثل رابعة العدوية المتصوفة التى خرجت تفتش على الأبرة في الخارج.. لماذا نبحث في الخارج والله في الداخل. كانت صورة الزواج، علاقة الله بشعبه، هي التحضير لمجيء الربّ يسوع ولتبنّي سر الزواج من قبل الربّ يسوع، عندما يقول ان الزوجين يكونا علامة منظورة لحب الله الغير منظور، تجسيد لحبي للكنيسة وامانتي وحب وامانة الكنيسة لي. الأمانة عمل صعب اذا رفض الزوجين ان يكون المسيح هو ثالثهما. لكنه ينجح اذا كان المسيح هو الثالث وهو القاسم المشترك.

تأسيس الزواج بالعهد الجديد       :

سرّ الزواج ليس مستنداً على نص تأسيسي بالعهد الجديد، لم يؤسَّس بالعهد الجديد لكنه رُفِعَ الى مستوى السرّ بالرسالة الى اهل افسس:

افسس 5، 22-32

"ايتها النساء اخضعن لأزواجكن... ايها الرجال احبوا نساءكم مثلما احب المسيح الكنيسة وضحى بنفسه من اجلها.."

هذه يعني اذا احبها فهو سيُصلب من اجلها، ولا يجب ان ننسى الآية المفتاح لقراءة هذا النص (الآية 21) "ليخضع بعضكم لبعض بمخافة المسيح". هذا يعني الوصية موجهة الى الأثنين، الرجال والنساء، والخضوع متبادل. ومثل المسيح والكنيسة، احبها وبذل نفسه من اجلها. الحب الحقيقي وعلامة الحب المسيحي هو الصليب، لا نؤخذ بالعواطف، الحب الحقيقي هو الذي يُعمَّد ويتكرس بصليب الرب يسوع. هذا معنى الصليب. يسوع اراد ان يعبّر عن اقصى درجات الحبّ اختار علامة الصليب. ليس لأنه صُلِبَ عليه بل لأنه هو الصليب، هو علامة حب وليس علامة قصاص.. ترك لنا هذه العلامة لنعرفه.. هو احب هكذا، فتح يديه على الصليب، هذه هي نوعيّة الحب المسيحي، الحب الزوجي. هناك شاعر فرنسي اسمه      Jacques Prevert   كتب عن الحبّ:

       Tu dis que tu aimes les fleurs et tu les coupes

         Tu dis que tu aimes les poissons et tu les manges

         Tu dis que tu aimes les oiseaux et tu les mets en cage

         Quand tu me dis je t 'aime, moi j' ai peur.

      

والترجمة تقول:

"تقول انك تحب الزهور وتقطفها

تقول انك تحب الأسماك وتأكلها

تقول انك تحب العصافير وتحبسها في قفص،

عندما تقول لي أحبك انا أخاف".

       ماذا يُخبيء لي حبّك، اتقطفني ام تحبسني بقفص ام تأكلني، ام ماذا؟. ليس هذا هو الزواج المسيحي.

نحن نستعمل احياناً تعابير القفص الزوجي، خطأ، القفص ليس مفهوم الزواج. علامة الحب هو الصليب، لا نخاف لأننا نضع نوعية حب معينة وهي:

 

ثلاث صفات للحب المسيحي :

1)                      حب استثنائي :    Exclusif  يعني لما انا اختار شريكي او شريكتي، اختارها دون سواها واختارها إلى الأبد، ومدى العمر ولا اختار كل سنة احد دون سواها، أختاره او أختارها دون سواها والى الأبد.

2)                      الحب الفدائي  :   Sacrificiel هنا اسحب الرباط الجوهري بين سرّ الزواج وسرّ الافخارستيا، لمّا انا اقدس كل يوم احمل القربان الخفي معي، شريكي قرباني، احمل شريكي معي الى المذبح، ثم بعدها احمل الثمرة، الأولاد الى المذبح، واقول يا رب انا اقدم ذاتي ليعيشوا. وإذا شريكي فعل مثلي ترتقي نوعية الحب في الكنيسة، هكذا يقول بولس، الشريك المسيحي يقدس الشريك الغير مسيحي هكذا يقدسوا بعضهم . و نحن نعرف ان الرب اذا لم يلبي بداعي الحب يلبي بداعي اللجاجة. لكن لم يعد هناك ايمان ولا رغبة لانتظار حتى يغيّر الربّ، الرب يعمل في البشر لكن الحرية معطاة للإنسان....

3)                      الحب المجاني  : دعاوى فسخ الزواج بسبب زواج صفقات... نوعية تعاطي سيئة باسم الحب. ان صفات الحب تقابلها عطية الآب الرب ونعمته تسندهم. نِعَم الرب تلازم السرّ وهي ثلاثة.  

الخصوبة   -   الشفاء   -   التحويل.

الأول ، الخصوبة             :   ما معناه، الغاية من الزواج انجاب البنين. قديماً كانت الغاية من الزواج انجاب البنين. والذين لم يُرزقوا باطفال. هل انهم لم يحققوا الغاية؟.. وبدأت حركة روحانية الزواج بالمجمع الفاتيكاني الثاني، فصارت الغاية:   نمو الزوجين بالحب اولاً، ثم الثانية انجاب البنين. لا نعني بالخصوبة خصوبة الجسد فقط فعمل الإنجاب يقوم به الحيوان ايضاً. فقيمة الإنسان اولاً ان يعيش كإنسان بالقيم الإنسانية وثم حسب الروح ولادة ثانية ليصير من ابناء الله. والمحروم من الخصوبة الأولى يشارك بالتربية والولادة الروحية، مثل الكاهن الذي هو أب روحي لكثيرين.

 

الثاني،   نعمة الشفاء    :  خاطيء + خاطيء = خاطئان وليس زوجين مثاليين، التقيا فأُضيفت الأخطاء على بعضها والحسنات على بعضها. التقيا باخطائهما وهم بحاجة لشفاء. كل ما اقتربا يعودا ويبتعدا ليعملا مسافة تؤمن اللقاء بدون ان تؤثر على الأستقلالية والفردية وهنا دواء "يبرُد" كل ما يؤذي الآخر من الكبرياء والحقد والأنانية. بنعمة الشفاء يُصفّى الحب من كل رواسب الخطيّة.

 

الثالث،  نعمة التحويل  :  اي ان انتقل من الأنا للنحن. ربنا يُعطي لكل واحد منّا ورقة يكتب عليها مشروع حياته.. ولما يلتقي الأثنين ينزع كل واحد من ورقته كم فكرة ليصيرا مشروعاً واحداً والذين التقيا وتزوجا تُلغى الأنا من حياتهما ولا يعودان يتكلمان بالأنا فصاروا نحن.

هذا العبور من الأنا لنحن يتطلب موتاً، فالكوب المليان لا يسع شيئاً آخر، عليّ ان أُفرغ منه، اخلع من ذاتي ليسع الآخر. وهذا لا يصير الاّ بنعمة تحويل من قِبَل الربّ. شروط وصفات الحب تُعطى بسرّ الزواج. والشرط ليكون الزواج حقيقي هو  :

       تبادل الرضى بين الأثنين. باللاهوت الشرقي الكاهن يعطي سرّ الزواج، البركة، وباللاهوت الغربي اللاتيني، الزوجين هما الذان يعطوا بعضهم هذا السرّ والكاهن شاهد. وليس من موقف مشترك حتى الآن.

ولكن لا زواج صحيح بدون تبادل الرضى. واي غلط بالإسم يكون الزواج باطل. حتى بحال ابدال الكاهن المكلّف يصير الزواج باطل.

 

 

الخلاصة   :

بالزواج المسيحي الغاية هي ان نصل الى الربّ، صار الزواج مع يسوع طريق قداسة. قبل كان يُقال ان القداسة تكون فقط بالترهب ومار بولس قال هذا ايضاً لكن بفكرة ان مجيء الرب قريب.

اليوم الزواج بمفهوم الكنيسة هو طريق قداسة. فيصبح الآخر طريقك الى الله. وعليك تأدية الحساب اذا وصلت بدون الشريك، اين الأمانة التي تسلمتها بسرّ الزواج.

يبقى ان نقول انه اذا كان الزواج طريق توصل الى الرب، فهذا ليس ممكناً اذا اغلق الأثنان على انفسهم واكتفيا ببعضهما البعض لأنهم اذا اغلقوا يموتوا. هذا مثل قصة القفص الذهبي قصة ان الآخر يكمل النصف الأول، شرط اي نصف، اذا كان المقصود نصف كأس ونصف كأس ونقول للرب املأ كأسنا فمن حبك نشرب ونسقي كل واحد يسألنا شهادة عن حبنا لأن العالم منتظر شهادة عن الحب ويظل حبنا يتجدد

 

فنظل سكرانين بالحب إلى ان يفرقنا الموت.       

                                                                  آمين

 

 

السؤال للتأمل الفردي :     "كم تتجسّد في عيالنا صورة العائلة الثالوثيّة وكيف نحقق قداستنا بالزواج. هل الآخر طريق لنا الى الله وهل هو امانة لأوصله الى الله"؟

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +