Skip to Content

سر الزواج - الأب منير سقّال

 

سر الزواج

 

Click to view full size image

 

الأب منير سقّال


 

مقدمـة

 

 

 

" … أنا لحبيبي وأَشْواقُه إليَّ ، هلُمَّ يا حبيبي ، لِنَخرُجْ إلى الحقول ولنبِت في القرى ، فلنُبكِر إلى الكروم وننظُرَ هل أَفَرخَ الكرم وهل تفتحت زهوره وهل نَوَّرَ الرُمان ، وهناك اَبذُلُ لَكَ حبُيِّ … اجعلني كخاتمٍ على قلبك ، كخاتمٍ على ذراعِكَ ، فإن الحب قويٌ كالموت والهوى قاسٍ كمثوى الأموات ، سهامه سهام نار ولهيبُ الرب المياه الغزيرةُ لا تستطيعُ أن تُطفِئَ الحب والأنهارُ لا تغمُرُه ، وَلَو بذل الإنسانُ كلَ مالِ بيته في سبيل الحب لاحتُقِرَ احتقاراً … "

 

 

 

( نشيد الأناشيد 7/11 – 13، 8/6 – 7 )

 

 

 

هكذا يتخاطب كلّ حبيبين في كل الأجيال وكل الأقطار ، وهذا التخاطب صورة لتخاطب الله والبشرية . وكما قال القديس يوحنا أن الله " محبة " ( 1 يو 4/8 ) ، لهذا السبب هو جماعة : آب وابن وروح قدس . فالله عائلة : " في البدء كان الكلمة ( الابن ) والكلمة كان لدى الله ( الآب ) والكلمة هو الله " مع الآب ، في وحدة الروح القدس الذي هو حبهما المشترك ( يو 1/1 ) . هذا الإله المحبة ، هذا الإله العائلة صنع الإنسان على صورته كمثاله ، صنعه لا فرداً متوحداً ، بل جماعة متآلفة ، فكان حقاً على صورة الإله الحقيقي ، الإله المحبة . لهذا السبب صنعه ذكراً وأنثى متشابهين ومتغايرين ومتجاذبين – روحاً وجسداً – بدينامية حب يجعلهما واحداً ، فينبثق منهما ثالث ، الولد ، الذي هو عنوان وحدتهما وتجسيد حبهما : إنه أنت كلياً ، إنه أنا كلياً ، إنه كلانا معاً في وحدة الجسد .

 

بين الحياة بصيغة المفرد والحياة بصيغة المثنى ، وبين المثنى والجمع ، فرق شاسع حمل أحد المفكرين على القول : " أبعد من المثنى ، لا تجد سوى الجماهير " ، ذلك أن الانتقال من العزلة إلى الجماعة يتطلب جهداً كبيراً للعبور من خطر الأنانية إلى ضياء العطاء والغيرية . هذا المنطلق البشري أمسكت به الكنيسة منذ نشأتها وحاولت رفعه إلى مستوى الروح ، بعيداً عن مجرد الاعتبارات الجسدية والنفسية والاجتماعية ، فإذاً اللقاء بين الرجل والمرأة انعكاس لاتحاد المسيح بالكنيسة ، على ما قال بولس الرسول ، وسر عظيم من أسرار الكنيسة السبع ، لا يقل قداسة وأهمية عن غيره من الأسرار .

 

الزواج الطبيعي

 

 

 

يحرم مجمع ترانت ( 1545 – 1563 ) ، من يقول أن الزواج لم يؤسسه المسيح بل هو اختراع بشريّ . يجب فهم هذا القول أولاً بالنسبة إلى زواج الخليقة " في البدء حيث كل شيء كان بالكلمة وبدونه لم يكن شيء " ( يو 1/1 – 3 ) . ثم يجب فهمه بالنسبة إلى زواج الفداء . فمن جنب آدم الجديد ولدت عروسته ، الكنيسة ، مع دم وماء الأسرار ، بما فيها الزواج . لكن هذا الزواج الذي رواه ماء العماد ودم الآلام ليس سوى الزواج " الطبيعي " ، هذه الحقيقة الأولى كما أسسها الله لما خلق الإنسان ذكراً وأنثى . لا نرى مطلقاً السيد المسيح يؤسس الزواج "المسيحي". ولا يتكلم مطلقاً على الزواج المسيحي . لما سأله اليهود عن الزواج ، وجّه جوابه لليهود فعاد بهم إلى الزواج الطبيعي إلى تصميم الله الأول ، الله الذي خلق كلّ زواج . وإنه لما أكد بقوله : " ما جمعه الله لا يفرقه إنسان " ، كان يتحدث عن الزواج الطبيعي الأول ، أي عن تصميم الله الأول والشامل . لذا يعلن لاوون الثالث عشر : منذ البدء كان الزواج صورة لتجسد الكلمة … لذا أعلن سلفانا ، زخيا الثالث وهونوريوس الثالث ، من دون أي تهور وبكل حق، إن سر الزواج موجود بين المؤمنين وغير المؤمنين .

 

كان المسيحيون الأولون يتزوّجون كسائر الناس ، أي كاليهود وكالوثنيين المحيطين بهم : يتبعون الطقوس الزوجية ذاتها ، لا خط مسيحي مميّز ، لا حضور كاهن أو أسقف ، لا حفلة دينية خاصة . ومع ذلك كان الزواج المسيحي آنذاك يعتبر " سراً " لم يكونوا يعرفون بعد ما هو السر . فوجب انتظار علم اللاهوت المدرسي لتعداد وترتيب البستان اللاهوتي . لكنّ الحياة المسيحية لا تنتظر الترتيبات الرسمية لكي تنمي كل الثروة التي زرعها الرب في كنيسته . في الكنيسة المضطهدة ، كان الحس الجماعي في الجماعات المتسترة يقوى بسبب مشاركة الأخطار . فكان الأسقف يعرف كل شعبه وكانت المحبة الرعوية شديدة ومتبادلة . وكان الأسقف أو أحد كهنته يدعى إلى أعراس المؤمنين ، كما دعي يسوع إلى قانا ، وكان مجيئه لا يشكل خطراً إذ لم يكن يرتدي أي لباس خاص يدل على "شخصه " ، وكان يقاسمهم الفرح المشترك إلى حين ويدلي بإمضائه ، مع سائر الشهود ، على عقد الزواج . وإذا سمحت الحالة الأمنية ، غالباً ما كان يُطلب إليه أن يبارك الزوجين بعد بركة رب العائلة ، فكان يرتجل صلاة أو يضع يديه على العروسين من دون أن يتفوه بشيء . وكان لهذا العمل طابع خاص ، لكنه لم يكن بركة زواج . لكن عند نهاية عصور الاضطهاد ، حوالي القرن الرابع ، أصبح هذا العمل عادياً . وهكذا فزواج المعمدين " الكنسي " منذ عصور ، سيتحول إلى ليتورجيا ويصبح كنسياً ( يبارك في حفلة كنسيّة ) ، ظهرت تدريجياً عبارات التبريك وقداسات زواج ، وابتداء من القرن السابع ، يأخذ مكاناً في الكتب الطقسية الرسمية في المناطق المسيحية . رغم ذلك ، وحتى ذلك الوقت ، لم تكن الكنيسة تصنع الزواجات لكنها تستقبل الزواج الطبيعي العادي وتباركه ، والرضى المتبادل كان الرابط الوحيد والحق المدني وحده كان يشرّع له ، وبقي الحال على هذا المنوال طوال الألف المسيحي الأول . سنة 318 أولى الإمبراطور قسطنطين ، الأسقف قيمة عامة : بوسع المؤمنين رفع شكواهم وخلافاتهم إلى الأسقف أو إلى الإدارة الملكية . وهكذا راحت السلطة الأسقفية تطبق القوانين المدنية وتحكم في الأمور الزواجية باسم السلطة الزمنية وبموجب الشريعة ، شريعة الإمبراطور ، فكانت النتيجة مع الوقت ، محو سلطة الإمبراطور وربط التشريع والحكم في قضايا الزواج بالكنيسة . ومنذ القرنين الحادي عشر والثاني عشر ، لم يعد للمعمدين زواج " مقبول " إلا " أمام الكنيسة " . وفرض مجمع ترانت صيغته القانونية تحت طائلة البطلان ، منذ القرن السادس عشر فقط … قرنان كانا ضروريين ( 11 و 12 ) لكي تنضج الفكرة بأن الزواج سر : وبأنه يرمز إلى الحب الذي يربط المسيح بالكنيسة ويمنحه . مذاك أصبح السر أكثر من تبادل رضى " ليس الزواج الرضى ذاته ، بل وحدة الحياة والتطلع إلى المستقبل الذي دشّنه الرضى " ( القديس توما ) . " السر هو وحدة الحياة والحب العميقة " ، كما يقول المجمع الفاتيكاني الثاني في " فرح ورجاء " : حب مدهش دائم ، منظور ومعروض على الناس كعلامة يومية للمسيح …

 

سر الله

 

 

 

هناك ألم واحد وهو أن يكون المرء وحيداً . والإله الذي يعيش وحيداً منذ الأزل هو منذ الأزل أيضاً التعاسة بعينها. أنانية " قادرة ووحيدة " كأنانية الغني في الإنجيل الذي ينوء تحت ثقل " حاصلاته " . شخص كهذا لا يمكن أن يكون الله لأن الله هو السعادة بالذات . لا سعادة إلا إذا أَحببنا واُحببنا ؛ إذن " الله محبة " .

 

 

 

هو محبة بالضرورة ومنذ الأزل . فمنذ الأزل هو عائلة حب . وبما أن كل شيء به كوّن ، فكيف نريد أن يخلق الأشياء إن لم يكن على صورته ومثاله ؟ نستنتج أن كلّ شيء خلق عن حب ، كلّ شيء خلق عائلة . في نص الخلق يكوّن الرجل والمرأة معاً بذار البشرية مثالها كما أرداها الله . في مساء كلّ يوم من الخلق ، كان الله يقول " هذا حسن " ، أما في اليوم السادس لما أخذ الإنسان من التراب ، فقال : " ليس حسناً … ليس حسناً أن يبقى الرجل وحده ، سأصنع له عوناً يناسبه . " إذ لو بقي وحده ، وحيداً ، لما استطاع أن يحقق دعوته ، دعوة صورة الله : لكي يكون حبّا ، يجب أن يكون هو أيضاً " أشخاصاً عديدين " . إنه بحاجة إلى رفيق ، كما يقول النص الأصلي . لكي يشبه الله الذي هو محبة ، الله الثالوث ، يجب أن يتكوّن الإنسان ، الإنسان الأصلي ، من شخصين متشابهين ومتباينين ، متساويين ومتجهين الواحد نحو الآخر جسداً ونفساً ، بدافع حب قوي ، بحيث لا يصبحان سوى واحد وبحيث يولد وينمو من اتحادهما " الشخص الثالث " ، الولد ، عنصر وحدتهما المنظورة . هكذا يكون الزوجان سرّ الله الذي لا يكشفه تماماً سوى الإيمان وحده ، والذي تحتفل به كنيسة يسوع المسيح كما هو .

 

ولأن الله الثالوث حبّ ، فقد قطع عهداً مع البشرية … " عهد " كلمة تعني لكم شيئاً ، أنتم من تحملون في إصبعكم خاتم الزواج ؟ " أتزوجك إلى الأبد ، يقول الرب ، أتزوجك في الحب والحنان ، أتزوجك في الأمانة ، فتعرفين الله " ( هو 2/ 21 – 22 ) . فلنفهم ما يلي : تزوّج الابن البشرية لمّا تجسد . ترك أباه وأخذ الطبيعة البشرية . وها هو الله الابن والإنسان يسوع الناصري " في جسد واحد " ، هذا الجسد المولود من مريم العذراء . فالله كله في يسوع الذي يكوّن مع الآب والروح إلهاً واحداً . وفيه ، هو الإنسان ، الإنسان كلّه ، إذ بإمكانه أن يجمعنا كلّنا فيه ، في جسد واحد . هكذا تجري فينا حياة الله كلها بيسوع المسيح . حياتنا كلها ، وقد تطهّرت وتغيّرت تمر بيسوع المسيح إلى الله . بين الزوجين ، كل شيء مشترك . والحال أن الله تزوج البشرية . وهذا هو العرس الحقيقي : عرس الله والبشرية في تجسد الابن . الزواج المثالي هو هذا . زواج نهائي ، زواج أغنى حب ، لأجل عروسه ، قدّم الابن ذاته إلى الموت ، ولأجلها وهب ذاته في المناولة … فالرب يطلب بواسطة كنيسته ، أن يعطي الرجل والمرأة ذاتيهما الواحد للآخر في الحب ، مدى الحياة إذ يقبلان هذا الشرف وهذه النعمة فيعيشان عهد المسيح ويشهدان له ، يحملانه " سراً " أي علامة حسية يراها الجميع . ما ينتظره الرجل من المرأة ، وما تنتظره المرأة من الرجل هو السعادة التي لا تحد ، الحياة الأبدية ، الله . لا أكثر ولا أقل . هذا الحلم المجنون يجعل العطاء الكامل ممكناً يوم الزواج . لكن هذا العطاء مستحيل ، إلا إذا وجد الزوجان في حياة شريكهما كل غنى الله ، في قلبيهما ، كل هذا الحب الحنون والرؤوف ، حب المسيح . سر الزواج هو هذا اللقاء الإلهي .

 

في تدبير الخالق

 

" خلق الله الإنسان ذكراً وأنثى خلقهم " ( تك 1/27 ) . ليس في الله جنس ، لكن الله محبة ، علاقة محبة بين الأقانيم الثلاثة . فلما خلق الإنسان على صورته ، وصنعه ذكراً وأنثى ، فلكي يكون جديراً مثله بالمحبة . فالحب هو الأول ، لا التوالد . بكلام آخر : لم يخلق الله الإنسان ذكراً وأنثى ليكون هناك ، أولاً ، بنون وبنات ، بل ليكون حبّ بينهما ، ومن ذلك الحب يكون بنون وبنات . هذا هو الفرق بين الجنس الإنساني والجنس الحيواني ، فالجنس الحيواني للتناسل لا غير . أما الجنس الإنساني فللحب أولاً ، للعلاقة ، للتخاطب ثم للتناسل ، لهذا السبب لا يتم التزاوج الحيواني إلا في فترات الخصب ، للتناسل ، أما التزواج الإنساني فلقد يتمّ خارج فترات الخصب ، لا للتناسل ، بل للعلاقة الودية .
لكن جاءت الخطيئة . كان الاثنان قبلاً عريانين الواحد أمام الآخر من دون أن يخجلا ( تك 2/25) . بعد ذلك " عرفا أنهما عريانان " ( 3/7 ) . التناغم في العلاقات الشخصية تشوّش حتى على الصعيد الجنسي . أجمل ما فيه قدرته على الحب فسدت بالخطيئة تحوّل الحب إلى شهوة جنسية . هنا ، ليست اللذة هي التي استقرت بطريقة تعسفيّة ، فهي عطية الله ، بل استعباد الشهوة واللذة " شهوة الجسد " ( 1 يو 2/16 ) . في فوضى العواطف والحواس هذه يتجذر عدم الثقة بالنسبة إلى الجنس والخجل من أعمال الجنس ( اختبأت لأني عريان ) وكأن هناك تنافراً بين العلاقات الجنسية والقرب من الله ( حز 19/15 ) ، هذه العقدة الغريزية التي لم ننتقدها بعد سوف تطبع الكنيسة أكثر مما تطبعها " صورة الله " . في الجنس الإنساني نزعة استهلاكية ، الغريزة ، ونزعة اتحادية تتجاوز الغريزة ، وكثيراً ما تطغى الأولى على الثانية ، في هذه الازدواجية الإليمة كل معاناة الجنس الإنساني . في هذا المعنى يقول طاغور : " أحاول أن أمسك الجمال ، لكنه يفلت مني تاركاً بين يدي جسداً فحسب . فأتراجع خائباً تعباً ، أين للجسد أن يلمس الزهرة التي لا تطالها إلا الروح ؟ " وعليه فلا بدّ من التوفيق بين النزعتين ، لأن " الغريزة دون الحب إباحية ، والحب دون الغريزة حب طوباوي " ( جان لاكروا ) … لكن هذا لا يعني أن الزواج قد مُني بالفشل . إنه لا يزال موضوع بركة من الرب ، وتحقيقاً ممكناً للحب البشري ، حب جريح ، لكنه حب قد باركه المسيح في عرس قانا الجليل ، ورفعه إلى مستوى أسرار البيعة ، فجعله أداة حقيقية للاتحاد به ، وقناة للنعم ، تماماً كما هي الحال في سائر الأسرار .

 

تصميم الله

 

 

 

التزام مدى الحياة . يعود بنا يسوع إلى الزواج الأصلي الذي نجده في أوّل سفر التكوين ، هذا كلّ شيء : زواج بين رجل واحد وامرأة مدى الحياة . " ولذلك يترك الرجل أباه وأمه ، ويلزم امرأته ، فيصيران جسداً واحداً " ( تك 2/24 ، 1 كو 6/16 ) . يكونان جسداً واحداً ، وكما يقول ملاخيا : " ليسا بعد اثنين ، بل كائن واحد حيّ في جسد تنعشه نسمة حياة " ( 2/ 14 – 15 ) . رجل واحد لامرأة واحدة ، إذاً ، الأمانة والاستقرار فإن " من حاز امرأة واحدة فهي له رأس الغنى ، وعون بازائه ، وعمود يستريح إليه " ( سيراخ 36/26 ) .

 

بالطبع ليست هذه المقاييس طبيعيّة ، هذا الزواج الواحد والدائم ، الذي يساوي بين الأثنين ويوحّد بينهما ، لم يتّبعه الإنسان في البدء ، ليست قصة الخلق تاريخاً بل مشروعاً ، إنها غاية نُهيَويّة وضعها الله لكي يتجّه نحوها الزوجان تدريجياً . إذا كان لدينا أي وهم حول الموضوع ، فجرح الزواج الأول يعيدنا بسرعة إلى الواقع … ومع ذلك فالكتاب المقدس يمدح الحب الزوجي الذي هو " صورة ومثال " حبّ الثالوث . أنعجب بعد إذا كان هذا الحب صعباً ؟ صعب ولكنه ممكن . فاللازمة في كلام الله هي هذه : " ما جمعه الله لا يفرقه إنسان " . وأمام الصعوبة اللازبة ، المخرج الوحيد المضيء هو مخرج إلهي ، " مسيحيّ " ، مخرج المسامحة والمصالحة ، " كما أحب المسيح كنيسته " ( افسس 5/25 ) . فحب المسيح هذا قاده إلى الصليب الذي نحن نصبناه له ، فتقبّله راضياً . كُفرُنا له ، قابله بالمحبة ، خيانتنا له ، قابلها بالأمانة ، فبرهن بذلك أن الحب الصحيح يصمد في وجه الصعوبات و الأعاصير . معظم المشاكل الزوجية تنجم عن الاعتقاد بأن الزواج نقطة وصول ونهاية ، لا نقطة انطلاق وبداية " تزوّجنا ، خلص " ، لا ، بل " تزوجنا فلنشمّر عن سواعدنا لبناء العمارة " . الزواج حجر رخام ، والقرينان نحّاتان عليهما أن يحّولاه يوماً بعد يوم ، بالصبر والتعاون ، إلى تمثال جميل . قال أحدهم : " الزواج كتاب ضخم ، موضوعه جدّي ، إنما مقدمته قصيدة غزل " . فإذا ما اصطدمت بصعوبة الكتاب وطول فصوله ، عد واقرأ المقدمة ، والأفضل من ذلك هو أن تنقل المقدمة على ورقة طائرة ، ثم تضعها علامة في الكتاب ، حتى ترافقك من صفحة إلى صفحة ومن فصل إلى فصل .

 

ما جمعه الله

 

 

 

لا يفرقه بشر . سأل الفريسيون المسيح ، مجربّين : " هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل علّة ؟ " أجاب يسوع " … من طلّق امرأته – إلا في حالة الزنى – وتزوج أخرى ، فقد زنى " ( متى 19/3 – 9 ) . " وإن طلقت امرأة رجلها ، وتزوجت آخر ، فقد زنت " ( مر 10/12 ) . أجل " من طلّق امرأته وتزوج أخرى ، فقد زنى . ومن تزوج امرأة طلّقها زوجها ، فقد زنى " ( لو 16/18 ) … أتى المسيح إلى العالم ليجدّده . فكان أول مظاهر التجديد إعادة الزواج إلى أصالته ، أي الاحادية وعدم الانفصام . فما يهم يسوع هو المشروع الإلهي بخصوص الإنسان ، فالطلاق تفشيل للمشروع الإلهي ، وإفساد للعهد القائم بين شخصين قد أصبحا جسداً واحداً . ولكن ما معنى الاستثناء " إلا في حالة الزنى ؟ هل يعني ذلك فعل الزنى ؟ أم شيئاً آخر ؟ نلاحظ أولاً أن هذا الاستثناء لم يرد إلا في إنجيل متى . وذلك لأن القضية – في البيئة اليهودية – كانت قضية الساعة عند العلماء ، وكانت تثير الكثير من النقاش والجدل ، في معرفة ما إذا كان مثل هذا الزواج صحيحاً أم لا . فجزم المسيح ، مشيراً إلى أنه زواج باطل ينبغي إما فسخه وإما تصحيحه . ما هي إذاً " حالة الزنى " هذه التي تجيز الطلاق ؟ هل هي خطيئة الزنى ؟ الخيانة الزوجية ؟ إن الكلمة التي استعملها القديس متى في إنجيله تعني في ما تعنيه " الزواج غير الشرعي لمانع ما " ، عن حسن نية أو سوء نية . فمثل هذا الزواج يكون باطلاً بالأساس ، وهو يضع الزوجين في " حالة زنى " ، أأدركوا ذلك أم لم يدركوه ، وعندئذ ينبغي الطلاق أو تصحيح الزواج إن كان الزوجان مدركين للأمر وعندهما رغبة في ذلك .

 

 

 

وهناك استثناء آخر ، يجيزه القديس بولس ، ولقد سميّ بـ " الانعام البولسي " ، " أما الباقون فأقول لهم أنا لا الرب ، إن كان أخ ( مسيحي ) له امرأة غير مؤمنة … وامرأة لها رجل غير مؤمن … وغير المؤمن لا يرتضي المساكنة ، بل يفارق فليفارق . فليس الأخ أو الأخت مستعبداً ( مرتبطاً ) في مثل هذه الأحوال " ( 1 كو 7/12 – 15 ) . كما وتجيز الكنيسة فسخ الزواج إن هو " غير مكتمل " .

 

هذه هي الحالات القابلة لفسخ الزواج ، ففي ما عدا ذلك ، وما عدا التبيّن أن الزواج باطل من أساسه ، فلا فسخ للزواج ، بل هجر إذا اقتضى الأمر … لذلك فالزواج السر لا ينفصم : فهو بالنسبة إلى الأزواج المسيحيين ، اتحاد المسيح بكنيسته . لا يسمح للرجل بأن ينفصل عن زوجته تماماً كما لا يسمح للمسيح بأن يتحرر من تجسده فينفصل عن البشرية ويخون العهد ، عهد الحب الذي يربطه بكنيسته ، والحال أن المسيح لن يترك كنيسته أبداً . كل زواج مسيحي معمّد ومطعّم إلهياً على هذا الحب المتين ، حب المسيح وكنيسته ، لا خليقة أخرى يمكنها أن تحل رباط الحب هذا الذي يربط بين المسيح وكنيسته .

 

أنموا وأكثروا

 

( تك 1/28 ) ، يقول المجمع : " في طبيعة الزواج والحب الزوجي إنجاب البنين وتربيتهم ، وهذان يتوجان الزواج والحب ، كما تتوّج القمة الجبل " ( ك ع ، 48/1 ) ، ويقول البابا بولس السادس : " في طبيعة العمل الزوجي ، الذي يوّحد بين الزوجين ، أن يجعلهما جديرين بايلاد حياة جديدة ، وذلك بمقتضى نواميس مطبوعة في كيان الرجل بالذات وكيان المرأة " ( الحياة البشرية ، 8 ) . الحب خصب ، بطبيعته ، في الزواج كان ( البنون ) أو خارج الزواج ( أعمال المحبة والإحسان ) . لذا فإن الولد ليس غريباً عن القيم الزواجية ، لا بل هو مكمّل لها ، إذ هو يجعل العلاقات الشخصية ، في الزواج ، على صورة العلاقات في الثالوث الأقدس . وعليه ، فإن الكنيسة لا تعترف بصحة زواج من كان في نيتهما صراحة رفض قاطع للولد . إذ لا يحق للزوجين أن يقصيا بصراحة الولد عن مجمل " مشروعهما " الحياتي .

 

خاتمة

 

كل هذا يهدف إلى استجلاء روحانية بيتيّة ، حيث تبان طريق خاصة يكبر في مسيرتها حب الزوجين لله وإيمانهما به ورجاؤهما بمواعيده ، فيشهدان من خلال هذه الخبرة أمام أولادهما والآخرين والعالم . هذه الشهادة تتغذى من ممارسة سائر الأسرار الشقيقة السابقة واللاحقة لسر الزواج التي هي أيضاً من أجل حياة مسيحية أفضل والتزام للمسيح والكنيسة والعائلة حتى الممات . " … وعلى المتزوجين والوالدين المسيحيين ، في سبيلهم الخاص ، أن يتعاونوا معاً بحب دائم على حفظ النعمة طوال العمر ، وأن يعّلموا الأولاد الذين أعطاهم الله إياهم في حبهم ، التعليم المسيحي والفضائل الإنجيلية . وبذلك يعطون الجميع مثلاً في الحب الثابت السخي ويبنون على المحبة مجتمعاً أخوياً ، ويصبحون شهوداً وشركاء في خصب أمنا الكنيسة ، دلالة واشتراكاً في الحب الذي أحب المسيح به عروسه باذلاً نفسه عنها . " ( ك 5/41 )

 




عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +