Skip to Content

حركة الحريّة في أعماق نفوسنا - الأستاذ ميشيل فرنسيس

 

حركة الحريّة في أعماق نفوسنا

الأستاذ ميشيل فرنسيس


الحريّة هي عطيّة من الله وجهدٌ من الإنسان والهدف أن يحيا الإنسان في توافق مع ما يرغبه من الخير وما يُجسدّه في أرض الواقع. 

ويناضل الإنسان ليصل إلى بداية اختبار هذه الحريَة، وهي حياةٌ ذات حركة داخليَّة ومن سماتها الشعور بالسلام الداخلي والاندفاع نحو الآخرين للقائهم لقاءً صادقاً في إطار المحبَة التي تُعطي ذاتها ولا تبغي أيّ علاقة إستئثاريّة .

وأن يستمر الإنسان في هذه الحياة الداخلية الجديدة عليه أن يجاهد بشكل مستمر ضدّ كلّ ما يظهر في داخله كحركة عكسيّة تُريد أن تغلق الإنسان على ذاته، وتجعله في علاقات استئثاريّة مع الآخرين. وعند بروز أي أمر يضاد الحريّة فإنّ باطن الإنسان يُخبر بأنّه يوجد فيه تشويش واضطراب وهذا مؤشّر ليفحص الإنسان مسيرة حركته، وليستمر في سلامه عليه أن يجاهد لتبقى نظرته صادقة لكلّ حركة يبتغيها.

ولكي تبقى هذا العطيّة في نموّ لا بدّ من تيقّظ لكلّ ما يُحرّك الإنسان ليبقى في انفتاح حقيقي على ذاته والآخرين والله. وفي هذا الانفتاح الحقيقي يكمن جوهر الحبّ الذي هو تجسيد الخير في حياة الإنسان.

ومن الأمور التي تضاد الحريّة الداخليّة: حركة الهروب من مواجهة المشاكل الداخليّة، والفراغ الذي يقتحم الإنسان.

1- حركة الهروب من مواجهة المشاكل الذاتيّة

الحريّة الداخليّة دعوة لأنظر إلى الأمور انطلاقاً من حضور الربّ في قلبي، فهي ترتكز على المحبّة للرب وللآخرين وفيها نمو لشخصيَّتي. في حين أنّ اللاحريّة الداخليّة هي أن انطلق إلى الأمور الخارجيّة انطلاقة هروب مما في أعماقي من أمور لم تحظَ بحلٍّ بعد، ومن مشاكل قائمة لم تجد مخرجاً لها، ومن خيبات أمل تقلقني ومن... وهكذا نجد طريقين للانطلاق إلى الخارج :

أ- أن انطلق من قوّة ما أعيشها في داخلي وسينعكس ذلك إيجابيّاً على علاقتي مع الآخرين ومع ذاتي والله. وهنا انطلق بقناعة وهي احترام كرامة كل إنسان وفرادته.

ب- أن انطلق إلى الخارج هروباً من مشاكلي فهذا سينعكس سلباً على علاقتي مع الآخرين ومع ذاتي والله. فهنا الغاية تخدير ما فيّ من آلام وأوجاع مستخدمًا كلّ شيء كوسيلة لهذا التخدير.

أن أختبر الحريّة الداخليّة وما يضادها يساعدني على اختبار شخصيّ لمعنى الحياة الداخلية، وقوّتها، وعذوبتها، وصدقها، وما فيها من تجدّد أحظى به نحو ذاتي والآخرين والله.

وأن أختبر ما يضاد الحريّة الداخليّة يعني إنِّي أختبر الصليب فهو يعلن لي أنّ حياتي بالحقيقة ترغب أن تُصلب عن الأمور التي لا تساعدني على النمو، لا انطلاقا من منطق بشري بل انطلاقا من علاقة الله معي وبذلك أجعل الله وحده هو مرجع حياتي

2- الفراغ الذي يقتحم حياة الإنسان

إن الفراغ يهاجم كلّ إنسان موجود على هذه البسيطة. وللفراغ نوعين: فراغ زمني وفراغ كيانيٌّ داخليٌّ.

أ- الفراغ الزمني: يشير إلى لحظات لا يوجد فيها عند الإنسان عملٌ أو نشاط يقوم به. وهنا يمكن أن يُشغل وقته بأمور كثيرة، فهنا يرغب الإنسان بأن يعمل من أجل أن يشعر أنّه فاعل في وقته وحياته.

ب- الفراغ الكياني الداخلي: يُهاجم كيان الإنسان من الداخل، ولا يهاجم فقط وقته. والإنسان عندما يشعر بفراغ داخلي ولو لدقائق يشعر باضطراب وبقلق وهنا يتعذّر عليه أن يكون الفاعل وحده في ملء هذا الفراغ. إنّه يعرف أنّ الفراغ يخترق صميم كيانه ويشعر بأنّه في فسُوحات رحبة جدّاً وهو صغيرٌ فيها ووحيد. ومهما أشغل وقته بأمور عديدة ليملأ هذه الفسوحات، لن يجد سبيلاً لذلك، ما لم يكن لها بعدٌ روحيٌّ يوصله بالمطلق فعليّاً. والأمور الروحية تتجسد في المحبة التي تتقدم فتلاقي الإنسان في فراغه ، وضجره، وحزنه، ويأسه،... وعندها يبدأ الله انطلاقًا من رغبتي في تجسيد حضوره. وهكذا تصبح الفسوحات التي في داخلي نافذة إلى السماء التي تسكن فيَّ وتتجاوزني.

ويشعر الإنسان بعد مرور هذا الاختبار الوجوديّ الصعب أنّ الشتاء كان قاسياً جداً وما زال بَرده يسري في عروقه ولكن عدداً من أشعة الشمس الدافئة تمنح جسده البارد دفقة من الحرارة والحنان والحبّ وكأنّ أمّا تعطي ابنها المتألّم حناناً وحضوراً خاصّين.

ويمنح الله الإنسان شعوراً بأنّه ولد من جديد من خلال رؤية جديدة لواقعه الذي يعيش فيه وهذا الاكتشاف يدفعه ليرفض كلّ شيء يمنعه من عيش إنسانيّته ولكي يقبل ضعفه، فيضعه أمام الله وهو وحده القادر أن يُفجّر في الإنسان القوّة ويمنحه إتمام مقاصده الحسنة ليقوّم حياته.

وهكذا فالحرية الداخلية هي دعوة من يسوع، لكي يَملك على كيان الإنسان كلّه، فيفيض فيه حياته الإلهيّة. وهي مشوارٌ لا يخلو من الصعاب والآلام، من الصليب، وهو مشوار ليس للحريّة بحد ذاتها، بل للتقدّم نحو يسوع المحبّة والحريّة. وهي طريق نحو عيش وحدة كيانيّة، تنعكس في علاقات واضحة وصادقة مع الذات والآخرين والله، تقود الإنسان نحو غايته المطلقة مصدر حياته ومنبع تصرفاته



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +