Skip to Content

9- المصباح الرهباني - الباب التاسع: في السفر

 المصباح الرهباني

الباب التاسع: في السفر

 

Click to view full size image

-  السفر هو أن تخرج من الدير بعلة المسير إلى مكان آخر سواء إن لم ترجع في يومك إلى الدير أو ترجع إليه لقرب مسافة الطريق. وحد مسافة الطريق القريبة، أقله مقدار الخروج من حدود الدير أو حيث لا يُسمع فيه صوت الناقوس. فهذا يسمى سفراً. وفي هذا السفر يلزم الراهب عمل قانونه بالتمام مع ملازمة الحشمة أكثر من الدير كيلا يسبب الشكوك لأحد، وليعطي مثلاً لتمجيد الله تعالى.

-   قال القديس باسيليوس: وليكن الرهبان في الغربة، كأنهم في الدير، جامعين عقولهم وأفكارهم وحواسهم باجتهاد، ومتممين صلوات السواعي بغير نقص. وإذا وصلوا إلى حيث ينزلون، فلا يفترقوا، وليكملوا القانون جملة. وإذا دعاهم الوقت إلى النزول بين الناس، فليكن ذلك بين أناس عابدين ليربح الفريقان معاً. وإذا باعوا وابتاعوا فليكن ذلك بسهولة لا سيما مع القوم العسرين- إنتهى كلام القديس- ومضمونه أن يتحفظ الراهب في الغربة من أن ينقص قانونه عن الدير وأن يعطي لأحد سبب شك. وليتحفظ خاصة من الإفتراق من الأخوة إذا كانوا جملة. إذ لا يجوز للرهبان في السفر أن يتميزوا من الإجتماع الذي لهم في الدير لا ليلاً ولا نهاراً أبداً.

-  وقد زاد على ذلك الأب آشعيا شيئاً آخر وقال: إذا سافر الراهب وحده، أي لضرورة حدثت، أو كان معه رفيق عالمي ولم يكن لهم مكاناً معين للنزول فيه، فليسأل رئيسه أين ينزل وكيف يتدبر. ومثلما يأمره يفعل. هذا ما يجب عمله في الغربة من حيث السيرة. أما من حيث حال السفر الموافق حسن السيرة والمسهّل إياه، فقد رتبه القانون بسبع فرائض:

- الفريضة الأولى

- يجب على الراهب ألا يسافر وحده، بل قبل أن يخرج من الدير،

- ليطلب من الرئيس رفيقاً يصحبه إلى أن يرجع.

-        هذا ترتيب الرب تعالى، حين أرسل تلاميذه، قبل اكتمالهم بروح القدس، إثنين إثنين. وأبونا أنطونيوس قد أوحى أيضاً بهذا، في رسالته إلى بعض رهبانه، وقال: إذا دعتك الضرورة أن تمضي إلى المدينة، فلا تمضِ وحدك.

-        والسبب عند الآباء في ذلك، هو قول الحكيم: الويل للوحيد لأن خلاصه، عند وقوع التجارب عليه، صعب جداً. وهذا قد تحققناه في كثيرين سقطوا، لما وجدوا وحدهم، في خطايا مختلفة، وبالأكثر في خطيئة الزنى.

-  وقد أورد القديس باسيليوس سبباً آخر لوجود الرفيق في السفر وقال: إن الواحد وحده يسهل تصديق ما يقال فيه. ومعنى كلامه: إن الناس تتكلم أحياناً في الراهب، أما غلطاً وأما حسداً من الشيطان. فإذا كان الراهب وحده يتسهل حينئذ تصديق ما قيل فيه. وكذلك يتسهل للناظر إليه الشك فيه. فإذا كان معه رفيق، يصعب التصديق ويبعد كل شك. ولأجل ذلك رسم القانون بأن لا يسافر الراهب وحده، بل يصحب معه راهباً آخر. وإن تعسر وجود الراهب، فللرئيس أن يرسل معه رجلاً عالمياً، لكن ممن يخافون الله، وله الإسم الغير المذموم. لأن صحبة الناس الملوم صيتهم، تضرنا أكثر من السفر وحدنا.

-  وما أكثر ما نهانا الرسل والاباء والعلماء عن صحبة الأشرار. قال الرسول: إبتعد من كل أخ يسير بغير أدب. وقال أيضاً: إذا كان لكم أخ وكان زانياً فلا تؤاكلوه. هذا إذا راهباً مثلنا. فكم بالحري يجب أن نبتعد من الذي هذا حاله وهو عالمي لا راهب! أما العالمي الخائف الله، فصحبته لا تضر. وإنما يلزم الراهب المرافق له أن يتحفظ بزيادة، إذ من عادة أهل العالم أن يعيبوا ويثلبوا الرهبنة لأجل أدنى زلة يرونها في الراهب، لوهمهم أن الرهبان جميعاً كاملون. بل أن سرعتهم في الدينونة لنا هي التي أوجبت بالأكثر أن لا نسافر وحدنا. وقد يجوز للرئيس، عند الضرورة، أن يرسل الراهب إلى الغربة وحده، لكن إذا كان مختبراً، ممن فيهم الكفاية أن يفيدوا بمثلهم الصالح الذين يترددون بينهم. ومن دون الضرورة فلا بد من راهب يرافق الراهب في السفر.

- الفريضة الثانية

- ولا يسير في طريق ما إلاّ عن إذن الرئيس

- هذا واجب عمل الطاعة المقدسة. وهو مرتب على موجب سيرة الرسل القديسين، لأنهم كانوا لا يسيرون في طريق ما، إلا كما كان هو تعالى يرسم لهم. وقد إتضح ذلك فيهم أكثر وضوحاً، بعد حلول الروح عليهم، كما يخبر القديس لوقا في كتاب أخبارهم، أنهم لم يكونوا ينطلقون إلى مكان حتى يتقدموا أولاً للصلاة وطلب مشيئة الله في ذلك، وبعد معرفتهم مشيئته تعالى كانوا ينطلقون بحسبها. وهكذا يجب على الراهب المتخذ رئيسه بمنزلة المسيح، أن لا يسير في طريق ما، إلا عن إذنه وبحسب رأيه. وهذه هي وصية أبينا أنطونيوس القائل: أنه يجب على الراهب ألا يخطو خطوة واحدة إلا عن إذن رئيسه حتى تكون أعماله مفعولة كلها بالطاعة.

-        وبعض الرهبان سأل هذه المسألة نفسها للقديس باسيليوس وقال: هل يجوز لأحد الأخوة أن يمضي إلى موضع ولا يشاور الرئيس؟ فأجابه القديس: إذا كان ربنا قد قال: أنا ما أتيت من قبل ذاتي وحدي، بل الآب الذي أرسلني، فكيف ينبغي أن يعمل أحد شيئاً بسلطانه وحده؟ فهذا مستكبر ومرذول قدام الله.

- وقد جاء في البستان عن شيخ كبير في الرهبان مرض مرضاً جسمانياُ صعباً، وكان الرهبان يتعبون بخدمته. فلما عاين تعبهم، همّ بالمسير إلى مصر. فقال له الأب موسى: لا تذهب إلى مصر فتسقط. فأجابه: أنا يا أبي قد مات جسدي، وتقول لي مثل هذا القول؟ ولم يسمع للأب موسى وذهب إلى مصر. فوصل خبره إلى المؤمنين وجاؤوا إليه وكانوا يخدمونه وينيّحونه. وجاءت إليه راهبة، وكانت تخدمه بأمانة. فلما صح من مرضه سقط معها بالخطيئة. ولما بان حبلها سألوها: ممن هذا؟ فأعلمتهم أنه من الشيخ. فلم يصدقوها. لكنّ الشيخ أقرّ عن نفسه وطلب منهم أن يحفظوا له المولود. وبعد أن ولدت وفطم الغلام، أخذه الشيخ وذهب به إلى البرية ودخل إلى الكنيسة يوم عيد كبير. فلمّا أبصره الرهبان بكوا عليه، فقال لهم الشيخ: يا إخوتي هذه ثمرة المخالفة. تحفظوا وكونوا على حذر لأنّي في شيخوختي فعلت هذا. صلوا عليّ. ثم حبس ذاته في قلايته وأخذ في تعب الجهاد الذي كان ألفه في شبابه وتنيح بسلام. وكشف الله للأب موسى أنه تعالى غفر له.

-        ومن هذا الخبر والكلام السابق قبله يتحقق لفهمنا أن الراهب ملزوم أن لا يسافر إلى مكان إلا بعد الإذن من الرئيس وأخذه رضاه، وإلا فيخطئ ضد الطاعة وضد هذه الفريضة ويخاطر على نفسه بالتلف.

- الفريضة الثالثة

- ولا يخرج من الدير إلاّ في الوقت المعيّن له من الرئيس

- وهذا أيضاً من لوازم الطاعة، وعليه سعى الرسل القديسون حين حدد لهم الرب الوقت الذي به يخرجون من أورشليم، وعيّنه بحلول الروح القدس، إذ قال لهم: لا تبرحوا إلى أن يأتيكم الروح المعزي. ومثلما أوصاهم، كذلك صنعوا وكذلك أوصانا نحن الرهبان آباؤنا القديسون كثيراً بقولهم: يا بني لا تتجاوز وصية الذي ولدك بالرب.

-وقال القديس المعروف بالشيخ: إجتنب النواميس الوهمية الناتجة عن قريحتك، ولا تتجاوز فكرك الوقت الذي حدّده لك أبوك، وتظهر ذاتك كأنك أوفر منه حكمة. وقد أخبرنا القديس السلّمي عن لفرنتيوس البار، رئيس شمامسة دير التوبة أنه مرة مضى عن إذن رئيسه إلى الإسكندرية لعمل ما، وتأخر بالرجوع عن الحد المحدود له من الرئيس بيومين. وبعده لما حضر إلى الدير أدّبه الرئيس المذكور بالنزول عن رتبته، وأوقفه في رتبة المبتدئين أربعين يوماً.

- ومما قلناه نفهم فهماً جلياً بأن سيرة الرهبنة تقتضي ألا يخرج الراهب من ديره ولا يقف خارج ديره إلا حسب الوقت المعين له من الرئيس.

- الفريضة الرابعة

- ولا ينتقل من دير إلى دير دون منشور الرئيس

-        هذه الفريضة هي من مضمون الفريضتين السابقتين، غير أنها تتميز عنهما بمنشور الرئيس. والمقصود بالمنشور منع وقطع خبث الرهبان الدوارين وكذبهم الفظيع، إذ عادتهم هي الأخبار المصنعة والتظاهر بالطاعة وَهمّ لها مناقضون. لأنهم، إذا ما شردوا، تمردوا وخرجوا من الدير، من غير الإذن من الرئيس، وأخذوا في التنقل من دير إلى دير، بشكل من هم غير معاندين رؤسائهم. فحتى لا يمكّنهم القانون من مثل هذا التهجم والوقاحة، رسم وحتم ألا ينتقل الراهب من دير إلى دير دون منشور الرئيس. والناموس اليقيني المشاع يأمر بهذا، وهو إن كل ذي رتبة، راهباً كان أو عالمياً، يلزمه، حيثما توجه، أن يكون بيده منشور رئيسه وقائده للدلالة على صدق تدوينه في رتبته. وعلى مثل هذا سلكت العادة منذ القديم والرسل والآباء جميعاً حتى إلى اليوم.

-  والمنتقل من ديره إلى غيره، بخلاف هذا المنشور، يشير إلى نفسه أنه دوار متنزه لا يجب أن نقبله.

-  ومن هؤلاء ينبّه الآباء كثيراً. منهم القديس نيلوس قال: إن أقواماً من الرهبان الذين لم يواضعوا ذواتهم ولا يخضعون ولا يحتملون الضجر، يذهبون إلى البعد ويطمحون إلى عبادة الله مسارعين بخلاف ما ترضاه رؤساؤهم، بحجة إفتقادهم غيرهم أو لتوهمهم أنهم يستفيدون معرفة أعظم فضلاً أو لرغبتهم أن يحكموا مذهب الممدوحين. فالذين حالهم هكذا، على ما يقول الحكيم، لا تهدأ في منازلهم. وهذا العمل إنما يعملون، محققين لنا تحيرهم وعدم إحتمالهم.- إنتهى كلام القديس- وقد جاء في البستان عن الأب أرسانيوس أنه ما كان يسمح لمثل هؤلاء الدوارين أن يزوروه قط. ومرة فتح بابه لأحدهم ظناً منه أنه تلميذه. ولما رآه، وضع وجهه على الأرض وقال له: لا أرفع رأسي إلى أن تنصرف عني. فخجل الراهب الدوار وانصرف.

- فلهؤلاء وضع القانون العلامة الدالة عليهم وهي عدم منشور الرئيس، حتى متى قدم علينا من ليس معه هذا المنشور نتحققه أنه دوار غير محتشم، فلا نعتني بقبوله ليتأدب. وقد يلزم أحياناً أن نطرده ولا ندعه يدخل بين إخوتنا لئلا يؤذيهم، ونرده خجلاً مخزياً كما صنع الأب أرسانيوس.

-  وقد نجد أيضاً لحمل منشور الرئيس إصطلاحات أخرى لازمة غير التي ذكرناها؛ وهي أن الرئيس والرهبان الواصل إليهم الأخ لا بد لهم أن يعرفوا ما هي رتبة هذا الأخ ومنزلته، وكيف هي حالته في عبادته ليقدروا أن يتخذوه في مقامه، وأن يسلكوا معه السلوك الموافق لحاله. ومن هذا ومثله يستبين واضحاً أنه من الواجب أن يتخذ الراهب، حيث ما توجه، منشور رئيسه معه.

- الفريضة الخامسة

- وأي دير دخله فليكن تحت طاعة رئيس ذاك الدير إلى أن يخرج

-        الغرض الأول بهذه الفريضة هو التحقيق بأن لجميعنا روحاً واحداً، وقانوناً واحداً، ورئيساً عاماً واحداً، وغرضاً واحداً. وأي دير دخلنا هو ديرنا، وعند أي رئيس دير حصلنا كان هو رئيسنا، ومع أي أخ إجتمعنا كان هو أخانا.

-   ثانياً- ليظهر للكل أن تدبير الرؤساء الصغار هو واحد، حسب غرض القانون وأن الرئيس الواحد، الذي هو الرئيس العام، هو أب للكل-

-  ثالثاً- لتنقطع وقاحة الرهبان الوقحين المتظاهرين، في غير ديرهم، بخلاف رتبة سكانه، والمتكلمين بنقص إفرازهم ما هذا معناه: هذا، رئيسي لا يريده ولا يسمح به، ورئيسي هكذا أوصاني وهكذا يعمل، وأمثال ذلك من الكلام المسجس رهبان المكان والمحتقر رئيسه والمهين الطاعة بحجة الطاعة. فهذا السلوك قد رفضه القانون ورسم أن لا يسعى الراهب، في أي دير دخل، إلاّ حسب مشيئة رئيس ذلك الدير ويتناسى رئيسه بإفراز، ولا يتعارض بذكره، بغرض تفضيله على الرئيس الحاضر، لأن هذا العمل مذموم عند الآباء، وفيه يقول القديس السلّمي: رأيت تلميذاً عطلاً غير محنك، مفتخراً بحضرة أقوام من الناس، بمناقب أحكمها معلمه، ظاناً أنه يستصنع لذاته، من حنطة ليست له شرفاً؛ فسبب لنفسه هواناً إذ قالوا له كلهم: كيف قد أبرزت شجرة جيدة غصناً قد عدم أن يكون مثمراً؟ إنتهى كلام القديس.

-ومنه نفهم أن الأدب يقتضي ألا نتكلم بشيء من المديح برئيسنا قدام رئيس آخر ورهبانه، لئلا نزرع بينهم الشك والسجس ونهين إفرازنا. وإنما يلزمنا فقط أن نظهر الطاعة والأدب قدام الرئيس والرهبان الذين نزورهم ونمرّ بهم.

-وقد يحدث أيضاً، من كلام وأعمال هؤلاء القليلي الأدب، ضرر كبير للرهبان، وذلك عند مديحهم سيرة ديرهم المقبلين منه فيقلبون عقول الرهبان الحاضرين الخفيفة أذهانهم، ويجعلونهم أن يدمدموا على رئيسهم ويحتقروا تدبيره. وهذا قد نهى عنه الآباء كثيراً وأوصونا بأن لا نتظاهر أبداً بشيء من الصلاح، قدام أخزتنا، لا بالعمل ولا بالقول الذي يجلب لهم حزناً من هذه الجهة، بل أن نكون معهم كواحد منهم ونفضلهم على أنفسنا ونتبعهم فيما هم عليه، لأنها وقاحة بليغة وقلّة أدب فظيعة هو أنك تدخل الدير زائراً ولا تخضع لأهله وتروم أن يخضعوا هم لك.

- قد جاء في البستان عن الأب سلوان أن بعض الأخوة زار ديره، وكان الشيخ حينئذ يعمل في الكتان مع تلاميذه. فقال لهم الأخ بإفتخار: إعملوا للطعام البائد، مريم إختارت حظاً صالحاً لنفسها. فقال الأب سلوان لتلميذه زخريا: خذ هذا الأخ إلى قلاية لا يكون فيها شيء يؤكل. وأعطه كتاباً يقرأ فيه. فصنع التلميذ كما أمره رئيسه. ولما كانت الساعة التاسعة إبتدأ الراهب الغريب ينظر ويتطلع إلى هنا وهناك. وأخيراً قام وأتى إلى الشيخ وسأله: أما أكل الأخوة اليوم شيئاً؟ فأجابه الشيخ: بلى لقد أكلوا. فقال: لماذا ما دعوني آكل معهم؟ فأجابه الشيخ: أنت رجل روحاني لا تحتاج إلى طعام جسداني ونحن جسدانيون نحتاج إلى الأكل والعمل. لنأكل مثل مرتا. وأنت، فحظاً صالحاً مثل مريم إخترت لك. فلما سمع الراهب التوبيخ إنتبه وسجد واستغفر.

-        فاسمع أيها الأخ وإحترس من مثل هذا الغرور. في حال دخولك الدير سلّم ذاتك لطاعة رئيسه ودم فيها إلى أن تخرج، لئلا تعيب فضيلتك وحشمتك ويلحقك التوبيخ نظير السابق ذكره، ولا تتعلل بأن رئيسك حد لك حداً في شيء من العمل والمقام والزمان، حتى ولو كان الرئيس العام، وإنّما يلزمك أن تظهر ذلك للرئيس الحاضر وبعده إسعَ كيفما يدبّرك هذا لأن جوابك صار عليه لا عليك وتدبيرك له لا لذاتك. وهو الأخير بما يوافقك ويوافق رئيسك. ونتيجة كل قول، إن طاعتك له لازمة إلى أن يأذن لك وتخرج من عنده.

- الفريضة السادسة

- ولا يركب مركوباً إلاّ عن إذن الرئيس

- قد ذكرنا فيما سلف، في الفريضة الخامسة، من باب الطهارة، إن العجب والكسل هما سببان من جملة أسباب الزنى، ويجب على الراغب الطهارة طرحهما والبعد منهما. وهذا الذي يلاحظه القانون في هذه الفريضة بقوله: لا يركب الراهب مركوباً. لأن ركب البهائم، دون الضرورة، لا يخلو من إنفعال العجب والكسل، الحادث من قبلهما سجس اللذة النجسة. وربما يخترع ركب البهائم حركة اللذة بنوع مختص، خلافاً لما سواه من أعمال العجب والكسل. وهذا المعنى يفهمه أهل العفاف أبين فهم.

-        وإن نحن تأملنا نجد أن ركب البهائم ليس يدنسنا فقط بدنس العجب والكسل واللذة، بل أيضاً يضاد سيرة الفقر المقدس. والدليل على ذاك هو أن الرب تعالى ورسله وقديسيه الكاملين في الفقر لم يستعملوا هذا الركب أصلاً، إلا عند الضرورة، كما رسم القانون. وقد يتضح ذلك من الإنجيل المقدس أبين الإيضاح، وهو أن الرب لما أرسل تلاميذه للتبشير أرسلهم ماشين لا يستعينون بشيء غير عصا بأيديهم. ودفعة أخرى، ولا بالعصا سمح لهم.

-        أما عند الضرورة فكانوا يركبون، لا سيما في الطريق المستطيلة، كما يبان واضحاً من كتاب أخبار الرسل: أن الوالي أمر أن يهيّئوا مركوباً ليركب عليه بولس الرسول، وينحدر من أورشليم إلى قيسارية. وقد جاء في البستان عن العمود الساقط أنه أمر حمير الوحش أن تحمل الآباء الذاهبين إلى أبينا أنطونيوس عند تعبهم.

-        قد نتحقق أيضاً المعنى المقصود، من جهة أخرى، وهو أن سيرة الكمال تقتضي هجر اللذة والراحة معاً. لذلك، لا يسوغ للراهب الساعي بسيرة الكمال، أن يركب البهائم، لأن في ذلك راحة ولذة واضحة. ولا يجوز التنازل نحو ذلك إلا للضرورة. ولأن محبة الذات تخدع الراهب كثيراً وتظهر له غير الضروري ضرورياً، قيَّد القانون، هذا العمل بالإذن من الرئيس. أي إن رأى الرئيس ضرورتك للركب ضرورة حقيقية وأذن لك، جاز لك حينئذ أن تركب وإلاّ فلا.

- الفريضة السابعة

- وإن أمكن فلا يركب إلاّ حماراً

-        هذا واجب الفقر والتواضع الإلهي بأن لا نركب، إذا دعتنا الضرورة للركب، إلاّ حماراً. ومثلما هو مشهور عند الآباء، أن الساعي في طريق الفقر والتواضع، يلزمه أن يلبس ويأكل ما كان الأحقر والأدنى، هكذا أيضاً، إن ركب، فليركب الأحقر والأدنى الذي هو الحمار. وبالنتيجة نفهم أنه متى لم يتسهل لنا ركب الحمار، فالضرورة تفسح لنا بأن نركب البغل وإذا لم يتسهل البغل، فلنركب الخيل. ولما كان الرب تعالى قدوة كل عمل صالح، ركب حماراً لا بغلاً ولا حصاناً، ولم يسمح بأن يضعوا على ظهر الحمار سرجاً أو جلالاً منقوشاً، بل أثواب تلاميذه الحقيرة. فهكذا يجب أن نصنع نحن أيضاً، لا نضع على مركوبنا إلاّ رحلاً وأمثاله. فإذا لم يتسهل ذلك، فحينئذ يجوز أن نضع سرجاً.

- وجملة الكلام فليلاحظ الراهب غرض القانون في أن لا يهين في سفره الفقر والتواضع، بل بقدر الإمكان، يسعى السعي الأدنى والأذل. ومن حيث السعي بالأدنى والأذل، نتخذ النتيجة في أنه لا يجوز للراهب، إذا ألجأته الضرورة وركب غير الحمار، أن يستعمله للركض والسباق وما شاكل ذلك من الحركات المضادة الدناءة والذل. وحتى إذا ركب حماراً، لا يستعمله البتة لشيء مثل ذلك من الحركات الشبابية لأن الغرض من الفرض بركب الحمار إنما هو التباعد من العوائد الشبابية وقمع النفس بالتذلل وتعفف الأهواء الذاتية التي عنوانها ومظهرها الحشمة والأدب.



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +