Skip to Content

سر المسحة المقدسة - الأب متى المسكين




 

 

سر المسحة المقدسة

 

Click to view full size image

 

       

 

مقدمة:

 

سر المعمودية هو الباب إلى نوال العطايا الأخرى المانحة للنعمة:

 

كما رأينا من كلمات المسيح - له المجد - والرسل وآباء الكنيسة وصلوات طقس المعمودية، فإن المعمودية ليست فقط تطهيراً وغسلاً لأدناس النفس، ولِبْس الخليقة الجديدة في المسيح يسوع، وغير ذلك من النِّعَم؛

لكنها في الوقت نفسه هي بداية العطايا الإلهية التي توصِّل الحياة الجديدة للإنسان.

فالطريق الآن مفتوحٌ للإنسان المُعمَّد للسير في الحياة الجديدة ولنوال عطايا الله من أجل النمو الروحي المعتمد على حرية إرادة الإنسان.

 

ولكن من حيث إن الغوايات قادرة أن تجد منفذاً وترحيباً من الإنسان بسبب أننا ما زلنا نحمل اللحم والدم اللذين ينزعان إلى الخطية؛ لذلك فالكمال الروحي لا يمكن بلوغه بدون الجهاد.

هذا الجهاد الروحي الباطني محتاجٌ إلى معونة الروح القدس من خلال حياة الكنيسة المليئة بالنعمة.

 

لذلك فالكنيسة المقدسة تُقدِّم المعونة المفعمة بالنعمة إلى المُعمَّدين حديثاً في سرِّ المسحة المقدسة.

 

عمل الروح القدس في كلٍّ من

 

 

سرِّ المعمودية وسرِّ المسحة المقدسة:

 

إن سر المسحة المقدسة يُجرَى للمُعمَّد حديثاً مباشرة بعد صعوده من الماء، خليقةً جديدةً، وهيكلاً للروح القدس، وابناً مولوداً لله من الماء والروح.

 

والروح القدس عامل أساسي في كِلاَ السرَّين(1):

 

في الأول: يلد الإنسان لله؛

 

وفي الثاني: يحلُّ على المُعمَّد ليملأه.

 

في الأول: يشترك المُعمَّد في الجسد السرِّي للمسيح؛

 

وفي الثاني: يشترك الممسوح بزيت المسحة المقدسة، في مسحة المسيح على الأردن.

 

في الأول: الروح القدس هو واسطة الاتحاد بالتطهير؛

 

وفي الثاني: هو واسطة الاتحاد بالتقديس، ومَنْح المواهب الروحية للنمو.

 

 

حلول الروح القدس في سرِّ المسحة:

 

وبحسب تعليم القديس كيرلس الأورشليمي (مُخاطباً الموعوظين المُهيَّئين للمعمودية):

 

[فكما لمع الروح القدس واستقرَّ على الرب؛ هكذا بعد أن تخرجوا من جرن المياه المقدسة،

تُعطَى لكم المسحة كاشتراك للمسحة التي مُسِحَ بها الرب، وما هي المسحة إلاَّ الروح القدس](2).

 

أي أن الروح القدس بواسطة رشم الزيت المقدس يجعلنا شركاء في مسحة المسيح في معموديته في نهر الأردن، أو بالحري يجعل المسيح الممسوح بالروح القدس حيّاً وعاملاً فينا(3).

 

رموز وتشبيهات لسرِّ المسحة المقدسة:

 

1. في عماد المسيح:

 

الروح القدس ظهر في عماد المسيح بهيئة حمامة، وهي في الرمز الإنجيلي تُشير إلى رسالة الحياة الجديدة، كما حملتها حمامة الفُلك أيام الطوفان حينما جاءت بغصن الزيتون في فمها بعد انتهاء الطوفان، علامة على ظهور الحياة الجديدة على الأرض.

 

والحمامة التي استقرت على المسيح كانت إشارة إلى انتهاء عهد الموت، موت طوفان الروح وبدء حياة جديدة بالروح القدس. وفي هذا المعنى يقول القديس أفرآم السرياني:

 

[إن سفينة نوح كانت تُبشِّر بمجيء المزمع أن يسوس الكنيسة في المياه، وأن يرجع أعضاؤها إلى الحرية باسم الثالوث الأقدس. وأما الحمامة، فكانت تـرمز إلى الروح القدس المزمع أن يصنع مسحة هي سر الخلاص](4).

 

 

2. أوراق الزيتون التي حملتها الحمامة لنوح:

 

الميرون الذي تستخدمه الكنيسة هو زيت شجرة الزيتون. وأوراق الزيتون التي حملتها حمامة الفُلك علامة على بدء الحياة الجديدة على الأرض،

استخرجت الكنيسة من ثمرتها زيت المسحة وهيَّأته للحمامة غير المنظورة، أي الروح القدس، لكي يُعطَى به حياة جديدة بالروح.

 

 

3. كلمة ?المسحة?:

 

تُشير كلمة ?المسحة? إشارة لفظية وعملية لكلمة ?المسيح?. الآب مسح ابنه بالروح القدس بعد العماد؛ كذلك يعمل الروح القدس في سرِّ المسحة. إنه يُشركنا في مسحة المسيح. وفي هذا المعنى يتكلَّم القديس كيرلس الأورشليمي:

 

[قد صرتم ?مُسَحَاء? (جمع ?مسيح? أو ?ممسوح?)، إذ قبلتم الروح القدس].

 

[الجسم يُدهَن بالميرون الظاهر، ولكن النفس تتقدَّس معه بالروح القدس المُحيي](5).

 

 

4. الختم: ختم الروح القدس:

 

والختم كان يعني علامة تُصنع على الجبهة، إما للعبيد الخصوصيين، أو للجنود التابعين. وقد استخدم القديس بولس هذا الرمز لتشبيه نفسه:

«بولس عبد ليسوع المسيح» (رو 1: 1)، و «قد حُسِبنا مثل غنم للذبح» (رو 8: 36)، و«اشترك أنت في احتمال المشقَّات كجندي صالح ليسوع المسيح» (2تي 2: 3). لذلك،

كان القديس بولس يقول: «إني حاملٌ في جسدي سِمَات الرب يسوع» (غل 6: 17)، أي ختم يسوع المسيح، كغنمة للذبح، أو كجندي تابع ليسوع المسيح، أو كعبد مُشتَرَى ليسوع المسيح.

 

أما نحن فماذا يا تُرَى تكون صورة المسيح المطبوعة علينا نتيجة ختم الروح القدس الذي خُتمنا به في سر المسحة المقدسة؟

فحينما يختمنا الروح القدس بصورة المسيح في سر المسحة المقدسة، نصير أحد ثلاثة: إما عبداً خاضعاً ليسوع المسيح يقوده في موكب نُصرته؛ أو جندياً صالحاً يُجاهد الجهاد الحسن؛ أو غنمة مُستضعفة محفوظة ليوم الصليب.

 

وفي مقال مستقل عن طقس سر المسحة، سنتكلَّم عن قوة الختم في أجسادنا وأرواحنا حسب طقس المسحة المقدسة.

 

 

5. ختانة الأعضاء،

 

كما حدث في ?الجلجال? في العهد القديم:

 

حينما عَبَرَ يشوع الأردن مع بني إسرائيل، تلقَّوْا أمراً إلهياً بعدم التحرُّك والتزام حدود ?الجلجال? بجوار ضفة نهر الأردن الغربية إلى أن يختتنوا جميعاً (الذكور فقط) في لحم غُرلتهم:

«وصعد الشعب من الأردن في اليوم العاشر من الشهر الأول، وَحَلُّوا في الجلجال في تخم أريحا الشرقي. في ذلك الوقت قال الرب ليشوع: اصنع لنفسك سكاكين من صوَّان، وعُدْ فاختنْ بني إسرائيل» (يش 4: 19؛ 5: 2).

 

هكذا بعدما ?اعتمد? بنو إسرائيل في الأردن (بعبورهم نهر الأردن)، التزموا بالختان مباشرة إعداداً للدخول بهم إلى كنعان أرض فلسطين، أرض الموعد!! وكل مَن وُجِدَ غير مختون لا يصير من عداد الشعب ولا يكون له نصيب في كنعان.

 

وهكذا كان عبور نهر الأردن تعبيراً عن المعمودية دائماً، وعبوره يرمز إلى اجتياز الموت الذي جازه الرب قديماً بتابوت العهد ثم حديثاً بدفن جسده في القبر.

ثم كان الختان في الجلجال بعد عبور الأردن مباشرة، وكان الختان في لحم الغرلة رمزاً للختان الروحي في القلب الذي يُجيز لحامله الدخول إلى الراحة الأبدية وحق الامتلاك والميراث مع المسيح له المجد.

 

 

كما يُعبِّر القديس بولس عن هذه المشابهة هكذا: «ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم (ليس هو) ختاناً... بل ختان القلب بالروح لا بالكتاب (أي بالناموس) هو الختان، الذي مَدْحه ليس من الناس بل من الله» (رو 2: 29،28).

 

فختان الأعضاء في اللحم كان هو الرمز؛ أما الختان الحقيقي الذي طلبه الله وعمله المسيح بالروح القدس فكان هو الختان الحقيقي.

 

وكلمة ?الختم? كانت مرادفة لكلمة ?الختان? الذي أول مَن عمله كان إبراهيم كعلامة أو شهادة دائمة على إيمان إبراهيم بالله: «وأخذ (إبراهيم) علامة الختان ختماً (أي تصديقاً) لبرِّ الإيمان» (رو 4: 11).

 

- إن معموديتنا، إذن، هي شهادة إيماننا. لذلك صارت المسحة بالميرون المقدس بعد المعمودية عبارة عن ختم سرِّي بالروح القدس،

أو ختاناً روحياً في القلب، كعلامة أبدية غير منظورة على أننا قد «تبرَّرنا بالإيمان» (رو 5: 1).

 

 

- هذا الختم نأخذه الآن في هذا الدهر عربوناً لميراثنا في الحياة الأبدية: «الذي ختمنا أيضاً وأعطى عربون الروح في قلوبنا» (2كو 1: 22).

وهذا الختم عينه سيظل محفوظاً لنا إلى اليوم الأخير حسب قول الرسول بولس: «لا تُحزنوا روح الله القدوس الذي به خُتمتم ليوم الفداء» (أف 4: 30).

 

فهذا الختم سيظل هو العلامة التي تُميِّز أولاد الله الوارثين مع المسيح، ليُحفَظوا من الضربات الأخيرة على الأرض:

«وقيل له أن لا يَضُرَّ عُشب الأرض ولا شيئاً أخضرَ ولا شجرةً ما إلاَّ الناس فقط الذين ليس لهم ختم الله على جباههم (الروح القدس)» (رؤ 9: 4)

 






عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +