Skip to Content

مقالة سر مسحة المرضى - الأب منير سقّال


 

سر مسحة المرضى

 

Click to view full size image

 

الأب منير سقّال


 

مقدمـة

 

مسحة المرضى عمل سري تقوم به الكنسية في شخص وتجاه شخص المريض . عمل فيه تظهر الكنيسة بواسطة الرجاء الأخروي وكأنها تنتصر على الموت وعلى ظلامه وعلى قبضته . وهذا السر هو مكمّل لسر التوبة أو المصالحة ، مع هذا الفرق ، إن سر التوبة يُمنح للشفاء الروحي ، أي لمغفرة الخطايا . فهو يعالج الأمراض الروحية ، أي علل النفس ، وجميع الخطأة التائبين يمكنهم أن يحصلوا على هذا السر في أي وقت شاؤوا . وأما مسحة المرضى فهي مخصصة للمرضى لمعالجة عللهم الجسدية والروحية معاً .

 

هو سر يمسح به الكاهن بزيت مقدس جسد المريض ، مستمداً له بصلوات الكنيسة النعمة الإلهية لشفاء أمراضه الروحانية والجسدانية ، حسب هذه الآية الشهيرة للقديس يعقوب : " هل فيكم من مريض فليدع كهنة الكنيسة وليصلوا عليه ويمسحوه بالزيت باسم الرب ، فإن صلاة الإيمان تخلص المريض والرب ينهضه ، وإن كان قد ارتكب خطايا تغفر له " ( 5/14 ) .

 

واضع السر

 

واضح أن المسيح نفسه لم يكن يلجأ إلى الدهن بالزيت ليشفي من به مرض جسدي أو روحي . لماذا ؟ لأنه هو المسيح هو الممسوح الإلهي ، هو " الزيت المقدس " ? إن جاز القول ? الذي ينفذ إلى من يُعمد أو يُثبت أو يُسام كاهناً أو يُغفر له أو يُشفى من مرض . كان يكفيه أن يَلمس أو يُلمس أو ينطق بكلمة ليتم الشفاء . المسيح لم يمسح بالزيت ولكنه وافق عليه ، إن لم يكن أوصى به ، لما أرسل الاثني عشر قائلاً : " اشفوا المرضى ، أقيموا الموتى ، ? فمضوا وكرزوا بالتوبة ، وأخرجوا الشياطين ، ودهنوا بالزيت المرضى فشفوهم " ( متى 10/8 ، مر 6/12 ? 13 ) . ولما كان السر الكنسي اشتراكاً في موت وقيامة المسيح ، فإن المسحة تُشرك المريض في انتصار المسيح على الخطيئة والموت ، إما بنعمة الشفاء ، وإما بنعمة القوة لمجابهة الموت .

 

الخطيئة ، الموت والمرض

 

بين الشفاء والغفران ارتباط ، فهل يكون بين المرض والخطيئة ارتباطاً أيضاً ؟ الواضح أن هناك ارتباطاً بين الخطيئة والموت : " بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم ، وبالخطيئة الموت ، هكذا اجتاز الموت إلى الناس ، لأن جميعهم قد خطئوا " ( روم 5/12 ) . ولكن لما كان المرض مدخلاً إلى الموت ، قريباً أو بعيداً ، ففي وسعنا القول أن هناك ارتباطاً أيضاً بين المرض والخطيئة ، لا من حيث أن المريض قد أهان الله شخصياً بل من حيث أن المرض ، كالموت ، لا يبتلي البشر إلا بسبب وضع البشرية الخاطئ . لذا نرى يسوع المسيح الآتي ليقضي على الموت ينبري فيعالج سبب الموت ? الخطيئة ? بالغفران ، كما ويعالج مظاهر الموت ? المرض ? بالشفاء ، إلى أن يأتي ، بموته وقيامته ، على الخطيئة نفسها والموت عاقبتها . بالخطيئة الموت ، وللموت المرض والعاهات . إذ بالاثنين يكسر طوقهما بقدرة المسيح ، إلى اليوم الذي فيه ، بفضل قيامته ، يقضي على الموت نفسه ، فيتم الشفاء النهائي من كل خطيئة ومرض وكل عاهة وكل موت .

 

قابل السر

 

من يشعرون بأن المرض يلازمهم بشكل خطير ، ومن يقدمون على عملية جراحية خطيرة ، ومن تتضاءل فيهم الصحة والقوى بسبب الشيخوخة ، ومن يعلمون إنه ما من قدرة بشرية تستطيع بعد شيئاً لإنقاذهم ، إن كانوا يؤمنون بأن الله يكترث بهم ، وإن كانوا يقبلون بأن يلتفتوا إليه في شدتهم ، ويحاولون الاتكال عليه ، فإن الكنيسة ? باسم الرب يسوع ? تعرض عليهم مسحة المرضى . ويقول المجمع الفاتيكاني : إن مسحة المرضى ليست فقط للذين يكونون في خطر الموت الشديد . وبالتالي ، فإن الوقت المناسب لقبولها هو حقاً عندما يبدأ المؤمن بالدخول في خطر الموت ، بسبب الضعف الجسدي أو الشيخوخة .

 

رسالة القديس يعقوب

 

لدينا في هذه الرسالة ، الدستور الإلهي لسر مسحة المرضى : " هل فيكم مريض ؟ ليستدع شيوخ الكنيسة ليصلوا عليه ويدهنوه بالزيت باسم الرب . فالصلاة مع الإيمان تخلص المريض والرب يعافيه . وإن كان ارتكب خطيئة، غفرها له . ليعترف بعضكم لبعض بخطاياه وليصل بعضكم لأجل بعض حتى تنالوا الشفاء " ( 5/14 ? 15 .

 

لا يقول القديس يعقوب " منازع " بل الذي لم يعد في وسعه أن يمشي ، يتوقف ، يسمر في غرفته ، فالجماعة تأتي إليه ، تأتي الكنيسة إليه في شخص كهنته ، يسوع يأتي إليه . هو بأمس الحاجة إلى الكنيسة ، إنه بحاجة إلى الرب ، عبر جماعة الخلاص " ليستدع " ، إنها نصيحة ، لا أمر ، ليس هذا السر إلزامياً . على المريض أن يطلبه ، وهذا يفترض أن يكون واعياً منتبهاً ، وإنه يرغب في السر . " الشيوخ " هم المسؤولين في الكنيسة أو ممثلوها ، خدمتها ، الجميع مع الأهل والأصدقاء ، كانوا يقيمون في البيت ، ليتورجيا بيتية احتفالية . يصلون عليه ويمسحوه بالزيت باسم الرب ، فالسر يكمن في هذه الحركة الرمزية . صلاة الإيمان ، هي إيمان الكنيسة والكهنة وكل الحاضرين وبالأخص هو إيمان المريض : إيمانه العادي وإيمانه اليوم . وبهذه الصلاة يخلص المريض ، إما بشفائه وإما خلاصه الأبدي الذي لا يتضمن حتماً الشفاء . " فيقيمه الله " ، يوقفه على رجليه ، وإن كانت ساعة انتقاله قد أتت ، فالمسحة تتطبعه للقيامة الأخيرة . " غفرت خطاياه " ، الشفاء والغفران متلازمان كما أن المرض والخطيئة متلازمان فالصلاة والمسحة يحملان الخلاص في العمق : للجسد والروح ، للزمان وللأبدية .

 

يتكلم نصّ يعقوب على سر الخلاص كله ، هذا الخلاص الذي يحمله للمريض . إن كان المرض شراً بالنسبة إلى الإنسان كله وتبياناً للشر الروحي ( الخطيئة ) ، فدواء المسحة هو للإنسان كله يحمل له الخلاص ، خلاص النعمة الذي يتم بحسب العلامة المؤقتة ، علامة الشفاء أو الخلاص في المجد ، بالدخول في عالم القيامة .

 

مفاعيل مسحة المرضى

 

نستخلص من هذه الأقوال ومن غيرها ، مفاعيل سر مسحة المرضى كما يلي :

 

- التعافي والعودة إلى الحياة الطبيعية ، بقدر ما يكون ذلك لخير المريض الحقيقي ، وبحسب التقدير الإلهي .

 

- غفران الخطايا ، حتى لو كان المريض في حال اللاوعي ، على أن يكون قد أظهر استعداده في وعيه .

 

- الرجاء بالقيامة التي استحقها لنا المسيح ، والتي وطّد فينا رجاءها ، لما " أنهض " مخلع كفرناحوم ، وابن الأرملة ? هذا الرجاء هو الدواء الحقيقي ، أتعافى المريض أم لا .

 

- الاقتداء بالمسيح والاشتراك في آلامه ، فإن العذاب ، بحد ذاته ، لا قيمة له للخلاص ما لم يأخذه المسيح عليه، ويشركه في موته وقيامته . " إني أتم في جسدي ما ينقص من مضايق المسيح ، لأجل جسده الذي هو الكنيسة " (كو 1/24 ) .

 

- الإيمان بأن العذاب سوف يكون لنا ، كما للمسيح ، طريقاً إلى المجد الأبدي .

 

- نعمة الروح القدس التي تقود الإنسان بكامله إلى الخلاص ، وتشجعه على الثقة بالله ، وتقويه ضد تجارب الشرير ، وضد القلق أمام الموت .

 

- تأجيل الموت إلى الساعة التي يحددها الرب ، وتسهيل الموت ، إذ أن المسيح أتى ليشفينا من مرضنا الأساسي: الخوف والقلق أمام المجهول والاختفاء ، أتى المسيح ليضفي على موتنا طابع باكورة القيامة .

 

- وبما أن الزيت يستعمل أيضاً للتكريس ، يسعنا القول أم أن المسحة تكرّس المريض للمسيح من حيث أن مرضه يندرج في انتصار المسيح على المرض والموت ، فيستمد منه المريض القوة اللازمة لتقبل مرضه ، وموته عند الاقتضاء ، كعاملي تقديم نحو القيامة مع المسيح وملء تحقيق الإيمان .

 

( دستور رسولي في سر المسحة ، أصدره البابا بولس السادس ، في 30/11/1972 المقدمة رقم 8 ? 15 )

 

خاتمـــة

 

حبذا لو يُعاد للمرضى " سرهم " وأن يُنزع عنه اللافتة " خطر الموت " التي تجعل من لقاء المريض بالكاهن صدمة نفسية ? فهذا السر ، كسائر الأسرار هو أولاً سر الإيمان ، سر إيماني ، وهو أيضاً احتفال جماعي ، يحث على تجمع أخوي للعائلة البشرية والمسيحية حول أحد أعضائها المتألمين . جماعة الأرض وجماعة السماء : هذه هي كلمة هذا السر الأخيرة ، كما في سائر الأسرار : " بمسحة المرضى المقدسة وبصلاة الكهنة ، هي الكنيسة جمعاء ، تكل المرضى إلى الرب المتألم والممجد لكي يساعدهم ويخلصهم . وبالإضافة تحثهم على أن يشتركوا أحراراً بآلام السيد المسيح وموته لكي يساهموا في خير الشعب " ( المجمع الفاتيكاني الثاني ) ، الكنيسة بأسرها هي للمرضى والمرضى للكنيسة بأسرها ، في المسيح المتألم والقائم من الموت





عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +