Skip to Content

مقالة " سرّ القربان: القدّاس " - الجزء الثالث - الأب مارون مبارك

 

عيلة مار شربل- كنيسة مار شربل أدونيس

 

مع الأب مارون مبارك - المرسل اللبناني

 

الموضوع:   "سرّ القربان: القدّاس"   (الجزء الثالث)

 مقدّمة:

      إن الإحتفال بالقداس، بصفة كونه عمل المسيح وشعب الله الملتئم في مرتبته، هو محور الحياة المسيحيّة كلها، للكنيسة، جامعة ومحلّية، ولكل مؤمن بمفرده. ذلك لأن في القداس قمّة العمل الذي به يقدّس الله العالم في المسيح، والعبادة التي يؤّديها البشر إلى الآب، ساجدين له بالمسيح. وفيه أيضاَ، تُذكر على مدار السنة اسرار الفداء، وتصبح حالية على نوع ما، وبه ترتبط سائر الأعمال المقدّسة وجميع شؤون الحياة المسيحيّة، ومنه تنبع وإليه تتوجّه.

        يقوم الإحتفال بالافخارستيا، كسائر الليتورجيا، على علاقات محسوسة تعمل على تغذية الإيمان، وتمكينه، وإعلانه. من أجل ذلك، لا بدّ من الإجتهاد ما أمكن، مع ذكر ما للأماكن والأشخاص من ظروف معيّنة، في اختيار ما تعرضه الكنيسة، من أشكال وعناصر، وفي تنظيمه، فهذه كفيلة بأن تجعل اشتراك المؤمنين، حيوياً، كاملاً، وبأن تعود عليهم بفائدة روحيّة اجزل.

        يحتشد شعب الله معاً للقداس أو عشاء الربّ، برئاسة الكاهن الذي يمثل المسيح، من اجل إقامة ذكرى الربّ أو الذبيحة الإفخارستيا. وفي هذا الإجتماع المحلّي للكنيسة المقدّسة، تحقيق كريم للوعد الذي ابرمه المسيح قائلاً: "حيثما اجتمع اثنان او ثلاثة باسمي، كنت هناك بينهم" (متى 18، 20).

        فعند إقامة القداس، وهو تخليد أكيد لذبيحة الصليب، يكون المسيح حاضراً فعلاً في الجماعة، الجماعة المجتمعة باسمه، وفي شخص خادم الربّ، وفي، كلمته، ويكون حاضراً حقاً في الخبز والخمر حضوراً جوهرياً موصولاً.

        يقوم القداس من جزءين: خدمة الكلمة، وخدمة القرابين. والجزءان مترابطان ترابطاً وثيقاً، ويكوّنان فعلاً واحداً من العبادة. ذلك لأن القداس يعدّ للمؤمنين مائدة كلمة الله وجسد المسيح. وعلى هذه المائدة يُعلَّم المؤمنون ويُغذَّون. ومن المراسيم ما يفتتح القداس ومنها ما يختتمه.

 

عناصر القداس

       

        1-    الكلمة:

        إذا تُليَ الكتاب المقدّس في الكنيسة، فإن الله هو الذي يخاطب شعبه، والمسيح الذي يتمثّل في كلمته، هو الذي يبشّر بإنجيله الكريم. لذلك على المؤمنين أن يصغوا إلى ما يُتلى عليهم من كلمة الله بمهابة وخشوع. لأن هذه الكلمة في الطقوس امرٌ عظيم. وكلمة الله التي تنطوي عليها تلاوة الكتاب، إنّما تتّجه إلى كل بشر وإلى كلّ زمان، وبوسع كل أحد أن يُدركها. لكنّ عملها في نفوس الذين يسمعونها لا يتنامى إلاّ بالتفسير الحيّ، أي الموعظة، على إنّها جزء من العمل الليتورجي.

 

        2-    الصلوات:

        إن الكاهن لا يصلّي، كرئيس، باسم الجماعة كلّها، وحسب. إنّما يصلّي أحياناً باسمه هو، كي يتمكّن من القيام بخدمته بعبادة وانتباه أعظمين. هذه الصلوات يتلوها الكاهن بصوت خافت.

        إن للإحتفال بالقداس، بذاته، طابعاً جماعيّاً. وعليه، فإن لما يجري بين المحتفل وجماعة المؤمنين، من حوار وهتافات، معنى جليلا: فليس في ذلك دلالة ظاهرة على قيام المراسيم جماعيّاً، وحسب. إنما في ذلك ما يحقق قيام الشركة الروحيّة ويعزّزها، بين مُقيم الذبيحة وجماعة المؤمنين.

        إن هتاف المؤمنين وردّهم على ما يتلو الكاهن عليهم من تحيّة وصلاة، درجة من المشاركة الحيويّة، التي ينبغي أن يسعى إلى تحقيقها المؤمنون المحتشدون للقداس، أياً كان نوعه، من أجل أن يعبّروا بوضوح عن عمل الجماعة كلّها، ويعزّزوه.

        وهناك أجزاء أخرى تتلوها الجماعة كلّها، وهي مفيدة جداً للتعبير عن مشاركة المؤمنين الحيويّة وتقويتها: قانون الإيمان، والصلاة الربيّة.

 

        3-    النشيد:

        يحثّ بولس الرسول المؤمنين الذين يجتمعون على انتظار مجيء الربّ، أن يرتّلوا المزامير والتسابيح والأناشيد الروحانية معاً (عن قولوسي 3، 16). ذلك لأن في التراتيل تعبيراً عما في القب من ابتهاج (أعمال 2، 46).

        قال القديس أوغسطينوس بحق: "التراتيل مهمّة من يحب". وهناك مثل قديم يقول: "مَن أحسَنَ ترتيلاً، صلّى مرتّين". لذلك ليُكثر من التراتيل في ما يُقام من احتفالات، مع العناية بعقليّة كل أمّة، ومقدرة كل جماعة. إلا أنّه ليس من الضروري دائماً أن ترتَل جميع النصوص التي وُضعت لتتلى ترتيلاً.

        إنّما ينبغي، عند اختيار ما يرتل ويُنشد من النصوص، أن تكون الأولوية لأهم النصوص، وعلى الخصوص للتي يرتّلها الكاهن أو خدّام المذبح، وما يجيب به عليها المؤمنون، أو تلك التي يتلوها الكاهن والمؤمنون معاً.

 

        4-    الجسد وحركاته:

        ان هيئة الجسد الواحدة عند جميع المشتركين في القداس، هي دلالة على شركة الجماعة وعلى وحدتهم، وهي، في الواقع، تعبّر عمّا في المصلّين من روح ومشاعر، وتنمية.     

        في سبيل توحيد هيئة الجسد وتوحيد حركاته عند المؤمنين، يعمل المؤمنون بما يلقي عليهم الكاهن أو الشماس أو خادم آخر من إرشاد والمراسيم جارية.

        هذا ويقوم المؤمنون، في كل قداس الا أشير إلى غير ذلك، من مطلع نشيد الدخول أو من دخول الكاهن إلى المذبح حتى آخر صلاة الجماعة ? وعند نشيد هللويا قبل الإنجيل ? وعند إعلان الإنجيل الكريم ? وعند تلاوة قانون الإيمان ? ومن الصلاة على القرابين حتى نهاية القداس.

        ويجلس المؤمنون عتد تلاوة القراءات التي تسبق الإنجيل ? وعند الموعظة ? وعند تهيئة القرابين في حين التقدمة؛ ويمكنهم أن يجلسوا أثناء الصمت المقدّس الذي يعقب التناول.

        وعلى كلّ، فإن نظام حركات الجسم وهيئاته، الوارد في كتاب رتبة القداس، امر يعود تكييفه على مفاهيم الشعوب إلى مجلس الأساقفة. إنّما ينبغي أن تتوافق هذه الحركات دائماً وما لكل قسم من الإحتفال من طابع ومعنى.

        ومن الحركات: طريقة قدوم الكاهن إلى المذبح ? وإحضار القرابين ? وتوافد المؤمنون إلى التناول. فمن المناسب أن يتم مثل ذلك بانتظام ومهابة، في حين تنشد الأناشيد الموافقة، الموضوعة بحسب قواعدها الخصوصيّة.

 

        5-    الصمت:

        الصمت المقدّس هو جزء من الإحتفال. لذا يجب التقيّد به. أمّا تحديد طبيعة هذا الصمت فموقوف على موقعه من الاحتفال. فالمؤمنون يخلون بانفسهم صامتين، عند فعل التوبة، وعند دعوتهم إلى الصلاة. كذلك يتأمّلون في ما سمعوا من تلاوة وموعظة. ويمجّدون الله بعد التناول، ويصلّون إليه في أعماقهم.

 

 

الإحتفال بالقداس:

 

        إنّه الاحتفال الأهم والأشمل بحيث يحوي أكبر كميّة من الرموز والأواني والحركات والصلوات بالإضافة إلى الكنز الروحي واللاهوتي الغني. نورده بإيجاز واختصار، داعين الجميع إلى قراءة وبتمعّن المقدّمات في كتب القدّاس من كلّ طقس، فهي تشرح بإسهاب كل المعطيات التي نقدّمها مختصرة.

        نفهم أن الإفخارستيا هي واحدة للكنيسة الجامعة، إنّما طرق الإحتفال تتنوّع بتنوّع الطقوس وتقاليدها وتاريخها. هذا التنوّع إنّما هوَ دلالة غنى في الكنيسة وجمالية، دلالة غنى في التعبير عن الإيمان الواحد. ثم المفروض أن يعمل التنوّع في الليتورجيا على الوحدة لا على التفرقة.

        كل احتفال افخارستيّ، احتفال بالقداس، أو بالذبيحة الإلهيّة؛ وكلّها تسميات لغرض واحد، مبني على قاعدتين أساسيتين: قاعدة الكلمة التي يُحتفل بها على المنبر وقاعدة الإفخارستيا أي القربان ويُحتفل به على المذبح. وما بين المنبر والمذبح يتم نقل القرابين لتقديسها في الاحتفال الافخارستي. كل قدّاس مسيحي يتم حسب هذه الهيكليّة العامة، إلا أن بعض التفاصيل تختلف من طقس لآخر انطلاقاً من تقاليد تاريخيّة ثقافيّة لعبت دورها في ادخالها عليه. من هنا نجد بعض الفروقات إلاّ أن الجوهر هو واحد.

 

الإحتفال بالإفخارستيا حسب تقليد الكنيسة السريانيّة المارونيّة الانطاكيّة:

 

        الإحتفال الماروني بالإفخارستيا هو إحدى الطرق، طرق التعبير في الكنيسة، عن الإيمان بسرّ المسيح الفادي، المائت والقائم من القبر. يُقسم الإحتفال الليتورجي حسب التقليد الكنسي الماروني ? كباقي العائلات الكنسيّة ? إلى قسمين كبيرين:

        -      قسم الكلمة، أو مائدة الكلمة.

        -      قسم الإفخارستيا، أو مائدة الخبز والخمر (المذبح).

        يجمع بين القسمين، "نقل" القرابين و"تقدمتها".

       

1-   قسم الكلمة، أو مائدة الكلمة (يتم خارج المذبح):

يُقسم إلى:

        *   قسم إعدادي:

        إضاءة الشموع، إرتداء الملابس البيعيّة، الدخول إلى الخورس، مع النشيد.

·                                       خدمة العيد، أو اليوم (تتبع الزمن الطقسي).

o                                                     المجدلة، صلاة البدء، تحيّة للجماعة التي تُبنى "جماعة (كنوشتو) كنيسة"، بفعل التسبيح.

o                  صلاة الغفران، الحسّاية "حوسويو"، مع وضع البخور والتبخير، وتتكوّن من أربعة عناصر: الفروميون، السدر، صلاة العطر، نشيد العطر.

o                  القراءات: التقديسات الثلاث Trisagon     قديشات ألوهو، ويبدو أن التقليد الماروني نسب، من القدم هذه التقديسات الثلاث، إلى شخص الإبن المتجسّد، Christologique. لذلك، بمناسبة أسبوع الآلام، يكون الجواب: مشيحو دصطلبت حلفين... وفي زمن القيامة: مشيحو دقُم من بيت ميتي، واستُحدث: مشيحو دتعمد من يوحنون... لزمن الدنح أو الغطاس.

o                                                     مزمور القراءات:   ثلاثة مقاطع... اثنان مستوحان من مزمور، والثالث، تأليف كنسي.

o                                                     القراءات الكتابيّة:   رسالة وإنجيل + تطواف بالإنجيل مع تبخير تكريمي.

o                                                     عظة، قانون الإيمان.

        خلاصة:          قسم الكلمة يتبع الزمن الطقسي، يقدّم للمؤمن حقبة، أو مرحلة، من التدبير الخلاصي، بالإبن المتجسّد. يتكوّن هذا القسم، على السواء، من النصوص النثريّة والشعريّة ومن القراءات الكتابيّة، التي تتمحور كلّها حول الحقبة أو المرحلة المعنيّة من الزمن الطقسي.

        كان يتم هذا القسم على "البيما"، وسط الكنيسة، أو على الجانب الأيمن منها، تحت الخورس، بين الشعب، دلالة على الكلمة المتجسّد، الحالّ بيننا.

 

2-   القسم الثاني: القسم الإفخارستي (مائدة الخبز والخمر، يتم على المذبح).

        -   الدخول إلى المذبح:   إيته لوت مدبحه دالوهو...

        -   نقل القرابين      :   (الشعب) مع نشيد "الأسرار"، وتطواف، وتقدمتها (الكاهن باسم الشعب)، مع تبخير. يُشكّل هذا الجزء من الإحتفال "صلة وصل" Charnière  بين قسم الكلمة وقسم الإفخارستيا؛ محقق الوحدة بين الجزئين، هو المسيح الكلمة، صار جسداً.

        -   النافور الإفخارستي، صلاة الشكر:   صلاة النافور هي صلاة التقديس وحسب الطقس الماروني وتقليده يوجد 72 نافوراً. ولكن في التجديد الليتورجي الأخير اختير ستّة نوافير وهي: الإثني عشر، مار بطرس، مار يعقوب، مار مرقس، مار يوحنا، مار خوسوسطس، ولربّما مع التجديد سوف يزاد عدد النوافير).

 

يتكوّن النافور من:    

§                              رتبة السلام.

§                              الحوار.

§                              مقدّمة لنشيد "قدّوس".

§                              نشيد قدّوس

§          ذكر تاريخ الخلاص (تصميم الآب)، التدبير الخلاصي بالإبن المتجسّد (الكلام التأسيسي، التذكار، استدعاء الروح القدس، تواصلية العمل الخلاصي). يأخذ هذا الجزء طابعاً ثالوثياً.

§                              التذكارات و المجدلة الختاميّة (نهاية النافور).

 

        -   الكسر، النضج، المزج، الرفعة:    وهي حركات ترافقها صلوات تدل على موت يسوع وقيامته واتحاد الجسد بالدم.

        -   التذكارات:   وهي كناية عن دعوة كل البشريّة من أموات وأحياء من رؤساء وملائكة وقديسين والعذراء للمشاركة معنا في عيش هذا الإحتفال ليس كذكرى إنّما كتذكار.

        -   رتبة توبة:   الصلاة الربيّة، إنحناء، بركة (حلّة).

        -   الدعوة إلى المناولة:    (تعود إلى الديداخة). المناولة.

        -   صلاة الشكر.

        -   الصرف، وداع المذبح.

 

ملاحظة:   البخور هو صمغ يستخرج من شجر في الهند له رائحة عطرة وهو ثمين جداً. نتذكر هنا هدايا المجوس الثمينة ليسوع في المغارة وكان من بينها البخور. استخدمه المصريون صحّياً وبخاصة عند الموت لطرد رائحة الميت ولطرد الحشرات من حوله. كما استخدمه الكنعانيون دينياً، إذا كانوا يعتقدون أن إرادة الآلهة هي في رأس منخارها فإذا اشتمت الآلهة رائحة طيّبة كانت ترضى عن الشعب. أخذ المسيحيون هذا الصمغ استخدموه في طقوسهم إمّا بمعنى التنقية والتطهير لطرد كل ما هو شرّ وخطيّة عن المؤمن. وإمّا للتكريم والتبجيل وطلب رضى الربّ. مثلاً في طقوس وضع البخور عند الموارنة لتذكار الموتى يستخدم البخور لطرد الأرواح الشريرة التي كانت تأتي وتسد الطريق على النفس التي انتقلت من الجسد وهي صاعدة إلى الله. فتأتي الارواح وتقطع عليها مسارها لتمنعها من الوصول إلى الرب. نضع البخور لطرد هذا الأرواح وإفساح الطريق للنفس من جديد حتى تصل لعند ربّها.

السؤال:

يسوع من على صليبه حوّل الذبيحة إلى تقدمة حبّ وخلاص وذلك بحبّة الكبير،

ونحن هل نتعلّم هذا الحب وهذا التحويل في ذبائح حياتنا اليوميّة؟

                                                                                               آميـن

 

 

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +