Skip to Content

مقالة العـماد اندماج في موت يسوع و قيامته - الأب منير سقّال

 

العـماد

 

اندماج في موت يسوع وقيامته

 

Click to view full size image

 

الأب منير سقّال

 

 

مقدمـة

 

" وهكذا قد طعم البشر بالعماد على سر المسيح الفصحي : فماتوا معه ، ودفنوا وقاموا ، ويقبلون روح تبني الأبناء ( الذي به ندعوه أبانا ) ( روم 8/15 ) ويصيرون هكذا عبدة حقيقيين يبحث الآب عنهم " ( ل 6 ) . "

 

هل تعلم ما " العماد " ؟ ما معنى " عمّد " ؟ اطرح السؤال على أول طفل تلتقيه ، فالجواب معروف . عمّد يعني صرنا مسيحيين ، أو ، دشّن . وقد أخذنا اسماً لأننا اعتمدنا . فالعماد كسر ، هو للمسيحي بدء . هو باب الدخول في الكنيسة ، باب الخلاص ، باب سائر الأسرار . إنما علينا أن ننظر أولاً إلى الموضوع من عل . لنعد إلى البدء .

 

في البدء خلق الله الإنسان على صورته ومثاله ، وقد سبق وأعد له بمحبة مهد البشر " وروح الله يرف على المياه " ( تك ) ، فكان الإنسان غارقاً ومعمداً بمحبة وعطف الله ويعيش من روحه . وهو لم يخلق الإنسان إلا ليحبه، لكي يجعله يحيا بحياته ، يحيا حياة إلهية ، يحيا إلى الأبد ، وهذا ما ندعوه الخلاص . وهذا لا يعطينا شيئاً بل يغيرنا ، يحولنا إلى كائن جديد ، إلهي . هذه الحقيقة الجديدة هي " الاشتراك في الطبيعة الإلهية " ( 2 بطر 1/4 ) ، كيف ذلك ؟ من المسيح . نحن مدعوون لنصير واحداً مع المسيح : ابن الله ، وحيد الآب ، لنصير واحداً معه ، في كيانه ، في حياته ، في موته وقيامته . من هنا أهمية اللقاء بالمسيح يسوع والتحول معه إلى شخص واحد . سر اللقاء هذا يتم في الكنيسة سر المسيح ، نلتقي به في طقوس الأسرار وفي العماد أولاً . سر الولادة إلى الحياة الجديدة. وهذه الولادة هي إذن قليل من الماء وكثير من الروح القدس ( لقاء يسوع مع نيقوديمس ) وليس بمقدور الماء الحلول محل الروح ، فالروح يهب حيث يشاء ، وهو يريد أن يخلص جميع البشر .

 

أسماء سر المعمودية

 

لهذا السر العظيم المقدس أسماء متعددة استعملها الآباء القديسون للدلالة على مفعولها الظاهري والباطني ، وهذا أهمها :

 

سر المعمودية

 

إن الفعل باليونانية يعني " غطس ، غسل " فالعماد تغطيس أو غسل ، ورمزية الماء كعلامة تطهير أو حياة ، كثيرة الشيوع في تاريخ الأديان ، فلا غرابة إن وجدناها في الأسرار الوثنية ، إلا أن أوجه الشبه بينها وبين السر المسيحي خارجية فقط ، ولا تتصل بالحقائق العميقة . " شاءت رحمته أن يخلصنا بغسل الميلاد الثاني والتجديد الآتي من الروح القدس " ( تي 3/5 ) ، " اغسلني فأبيض أفضل من الثلج " ( مز 50 ) . ويقول القديس بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنتس ( 10 ) : لا أريد أن تجهلوا ، أيها الأخوة ، أن آباءنا كانوا جميعهم تحت حماية الغمام ، وجميعهم عبروا البحر وجميعهم تعمدوا لموسى في الغمام وفي البحر . معنى هذا أن الخلاص الشامل هو في المسيح " وكانوا يشربون من صخرة واحدة : " المسيح " ، في موته وقيامته ، مركز الكون الحي بالنسبة إلى ما قبله و إلى ما بعده . فالكل قد " غطس " في حدث الخلاص ، في يسوع المسيح ، هذا السر يوضحه عماد الماء ولكنه ليس ملك الذين يحتفلون به ، فهذا " لأجل كثيرين " .

 

حدث الخلاص هذا هو عماد دم يسوع المسيح ، الذي هو عماد العالم . " أتستطيعون أن تشربوا الكأس التي سأشربها ؟ وان تعتمدوا بالعماد الذي سأعتمد به ؟ " ( مر 10/38 ) سوف يسيل دمي عليّ ، وأنا غاطس في الموت والقبر ، هذه الساعة هي ساعتي ، هي عماد سيد العالم ، إذاً ساعة عماد العالم ، سوف يغطس جميع البشر في حدث الخلاص هذا ، سوف يغطسون مع المسيح وفي يسوع المصلوب ويلاقونه بالقيامة : " هذا ليس فقط بالنسبة إلى الذين يؤمنون بالمسيح ، بل بالنسبة إلى جميع الناس ذوي الإدارة الطيبة الذين تعمل النعمة في قلوبهم بنوع غير منظور ، إذ بما أن المسيح مات عن الجميع وبما أن دعوة الإنسان الأخيرة هي حقاً فريدة ، أي إلهية يجب أن نؤمن بأن الروح القدس يقدم للجميع ، بشكل يعرفه الله ، إمكانية اشتراكهم في السر الفصحي . " ( المجمع الفاتيكاني الثاني ) .

 

سر الاستنارة

 

الحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي ، وان يعرفوا من أرسلت ، يسوع المسيح . " ( يو 17/3 )

 

 إن النعمة عاجلاً أم آجلاً ستوعي الضمير في هذا العالم أم في الآخر ، وهذه النعمة تستدعي جواباً حراً فتخلق " معرفة " – " استنارة " . وهذا هو بالضبط الاسم الذي كان الأقدمون يعطونه لعماد الماء ، في العماد يكتشف الإنسان وجه المسيح ويصبح السيد بالنسبة إليه ، فيه تنكشف صداقة الله تدريجياً للإنسان من خلال قلب المسيح ، وهذا الكشف لا يتم من دون الآب والروح ، هذا الكشف يتم في الكنيسة وبالكنيسة . لها أعطى المسيح رسالة ونعمة " اذهبوا وتلمذوا وعمدوا … " ( متى 28/19 ) ، والكنيسة بالمعمودية تدخلنا في سحابة النور ، أساس الاكتشاف والمعرفة ، أي الشركة في صميم الحياة الإلهية ، ونصبح حقاً أبناء النور ، أي المسيح الذي قال : أنا نور العالم . " فالمسيح إذاً هو وحده الوسيط وطريق الخلاص ، هو حاضر معنا في جسده الذي هو الكنيسة ، من هنا ضرورة الكنيسة ذاتها حيث يدخل الناس من باب العماد . " ( المجمع الفاتيكاني الثاني ) .

 

سر الولادة الثانية الجديدة

 

هكذا دعاه يسوع إذ قال : " إن لم تولدوا ثانية بالماء والروح فلن تدخلوا ملكوت السماء " إن هذا السر هو بدء الحياة الحقيقية ، فتهيئ الإنسان بكامل كيانه للحياة السعيدة التي يهبها الله للذين يحبونه ، كما يتكيّف المولود الجديد للحياة التي سيعيشها على الأرض . فالولادة الجديدة هذه تفترض ما تفترضه الولادة الطبيعية أي أنها عطية مجانية من الله " محبة الله لنا في هذا أننا لم نكن نحن أحببنا الله أولاً ، بل هو أحبنا ، فأرسل ابنه كفّارة عن خطايانا. " ( يو 4/10 ) المعمودية هي ولادة ثانية لأنها خلق جديد ، خلق يحدثه المسيح بفضل آلامه وموته وقيامته : " وعليه فإن كان أحد في المسيح ، فهو خليقة جديدة فالقديم قد اضمحل ، وكل شيء قد تجدد " ( 2 كور 5/17 ) .

 

مفاعيل سر العماد

 

 " لقد غدونا بالعماد شبيهين بالمسيح " لأننا جميعاً قد اعتمدنا بروح واحد لنكون جسداً واحداً " ( 1 كو 12/13 ) ، فهذا الطقس المقدس يرمز إلى وحدتنا مع موت المسيح وقيامته ويحققها " ( ك 7 ) .

 

بالعمـاد نصبح شعب الله ، أبناء الله " بالتبني " ( غل 4/5 ) ، لا صورياً بل حقاً : انظروا أية محبة منحنا الآب حتى ندعى أولاد الله ، ونحن في الواقع كذلك ( 1يو 3/1 ) . ومن خصائص العماد أنه :

 

توبة :

 

توبة إلى يسوع في الإيمان ، التوبة في يسوع في حياة جديدة . عبور إلى حياة القائمين من الموت .

 

دعوة إلى اسم يسوع :

 

لم يعد يوحنا هو الذي يعمد لمغفرة الخطايا ، بل هو يسوع الذي يعمد لكي يعطي الروح وحياة القائم من الموت .

 

يتم بالروح القدس :

 

الذي هو عطية المسيح المائت والقائم من الموت . فالمعمد تغطّس في الحدث الأساسي الذي هو فصح المسيح : موته وقيامته وعودته إلى أبيه من حيث يرسل .

 

وهو يتم بالكلمة :

 

التي تعني عطية الله وبالعمل الرمزي – الماء – الذي تغنيه وتجعله " كلمة منظورة " .

 

انضمام إلى الشعب الجديد :

 

الذي بدأ يوم العنصرة .

 

" وهكذا – كما يقول رتزنغر – بإمكان ماء العماد أن يمثل سر الصليب وان يعيد اختبارات الموت والخلاص ، وهذه الاختبارات تبشر بالصليب ، مركز كل تاريخ الخلاص ، فالعماد هو أكثر من اغتسال وتطهير ، وان كان هذا المعنى متضمناً في رمز الماء ، العماد باسم يسوع المصلوب يتطلب أكثر مما يقدر الغسل البسيط أن يحقق ، ابن الله الوحيد الذي مات وقام . "

 

العماد هو الدخول في العائلة

 

عندما نقتبل العماد ، ندخل في الكنيسة . ولد في العائلة إنسان جديد ، حجر جديد أضيف إلى بناية جسد المسيح هذه التي هي الكنيسة . هذا أهم ما في العماد : الدخول إلى وفي عائلة الله ، أي في جماعة يسوع المسيح ، الكنيسة. في هذا الصدد يجب تصويب بعض الأفكار التي تشدد على محو الخطيئة الأصلية . يقول رتزنغر : العماد يؤسس جماعة تحمل اسم الآب والابن والروح القدس ، هذه الجماعة تعني انهم يؤلفون من الآن فصاعداً وحدة جديدة ، وتجعلهم يسكنون معاً . فالعماد أساساً هو الدخول في عائلة الله . وقد تكلم المجمع الفاتيكاني خمس عشرة مرة على العماد دون أن يذكر مرة واحدة الخطيئة الأصلية ويقول :

 

بالعماد يصبح الإنسان واحداً من الابن والقائم من الموت : يصبح عضواً للمسيح . يقبل إذاً الروح البنوي الذي به يصبح ابناً لله ، وهو يشرك المعمّد في كهنوت المسيح الملكي والنبوي ، ويكرسه بطابع العماد ، هذا الطابع – العماد – الذي لا يمحى هو علامة سرية تجعله شبيهاً بالمسيح وعضواً في الكنيسة : إنه طابع العائلة . وبكلمة : اندمج المعمّد الجديد بالابن ، في شراكة الاقانيم الإلهية الثلاثة وفي جماعة المؤمنين المنظورة أي شعب الله .

 

الخطيئة الأصلية

 

لو حددنا أن العماد هو " السر الذي يمحو الخطيئة الأصلية " لابتعدنا عن الحقيقة . هذا اللاهوت الخاص بالخطيئة الأصلية وبالعماد ليس تقليدياً في الكنيسة ولا يجد جذوره في الكتاب المقدس ، بل علمه القديس اغسطينوس : العماد يمحو الخطيئة الأصلية التي تطبع كل إنسان منذ ولادته . نحن لا ننكر الخطيئة الأصلية ، ولكن اقتصار العماد على محو الخطيئة الأصلية يؤدي إلى طريق مسدودة وإلى التباس . بينما يجب أن ننظر إلى الناحية الإيجابية . فالنور هو الذي يرينا الظلمة إذ يخلصنا منه ، فالاتحاد الذي يدخلنا فيه العماد يكشف التفرقة التي يجنبنا إياها . " المعمودية هي … رباط الوحدة السري القائم بين الذين تجددوا به " ( ح م 22 ) ، العماد إذاً هو أصلاً الانتماء إلى جسد المسيح، إلى العيلة الإلهية " أبناء حبل بهم من الروح القدس ومولودون من الله " ( ك 64 ) ، هذا الانتماء هو المفعول الأول وهو الذي يمحو الخطيئة الأصلية ، كما أن حلول النور هو الذي يقصي الظلمة ، كما يمحو الخطايا الشخصية عند البالغين لكن الميل إلى الشر يبقى في المعمدين .

 

العماد انضمام إلى الوحدة المسيحية

 

إن الإنجيل يظهر لنا المسيح يؤلف حواليه جماعة مؤمنين وأخوة يربيهم على المحبة ، ويترك لنا كنيسة رسالتها أن تكون علامة الخلاص . والخلاص هو أن نبني الوحدة ، وحدة الروح القدس بين أفراد البشرية كما هي بين الاقانيم الثلاثة ، يشهد بذلك كتاب أعمال الرسل " وانضم في ذلك اليوم … وكانوا كلهم متحدين … برأي واحد … وكان الرب كل يوم يزيد عدد الذين أنعم عليهم بالخلاص ( 2/41 – 47 ) ، ويذكرنا بولس الرسول " أننا تعمدنا في روح واحد لكي نؤلف جسداً واحداً " ( 1 كور 12/13 ) ، وكما يقول القديس يوحنا العماد يطعمنا على المسيح لكي نؤلف معه ومع بعضنا البعض الكرمة الواحدة ذات الأغصان العديدة . فالعماد نعمة اتحاد " وحدة مع " . به ندخل في وحدة مع الروح الذي يضعنا في وحدة حياة مع الآب والابن الذي هو أخونا ، هذا الروح هو هذا الاتحاد بالذات ، يجعلنا بنين وبنات لوالد هذه الحياة السرية التي هي حياة الابن بالذات ، عطاء يفيض من حب الله . هذا الاتحاد بالآب وبالآخرين هو الذي يمحو الخطيئة بطريقة آلية كما يمحو الاتحاد الانقسام .

 

العماد يشركنا في موت المسيح وقيامته المجيدة

 

" هل تجهلون أننا جميع من اعتمدوا للمسيح ، قد اعتمدنا في موته ؟ فلقد دفنا معه بالمعمودية لنموت فنحيا حياة جديدة ، كما أقيم المسيح من بين الأموات بمجد الآب . فإذا اتحدنا به في موت يشبه موته فكذلك تكون حالنا في قيامته . " ( روم 6/3 و 4 ) ، أن العماد يميت ويخلص في آن واحد ، هو الطوفان المهلك ومخلص نوح ومن معه، هو الصليب الذي نموت عليه لنحيا مع المسيح . أنه موت رمزي لا حقيقي كموت الجسد ، فعندما يغطّس المعتمد يعني أنه مات ودفن ، مات لنوع من الحياة ، حياة الجسد ، فيتقبل سر الصليب فيعلق على المسيح بمساميره فلا ينسلخ عنه . وخروجه من تحت الماء يعني قيامته من الموت ، قام لنوع آخر من الحياة ، حياة النعمة ، نزل إلى الماء وهو إنسان العالم ، إنسان الموت ، وصعد من الماء وهو إنسان المسيح القائم من بين الأموات ، انه اصطبغ أي تغير شكله : نحن الذين اصطبغنا في يسوع المسيح اصطبغنا في موته … " فلست أنا أحيا بعد ، بل هو المسيح يحيا فيّ . " ( غل 2/19 ) .

 

قابل السر وشَرطَي القبول

 

إن العماد هو لكل إنسان ، لان الله خلق الإنسان ليحبه ويظهر فيه عجائب رحمته ، ومحبته هي إرادته " بأن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون " ( 1 تي 2/4 ) . والشرطان الأساسيان هما : الإيمان بيسوع المسيح والكنيسة . فالإيمان بالمسيح شرط أساسي لصحة السر وهذا من المنطق لأن المعمودية تجعلنا مع المسيح جسداً واحداً ، تصهرنا بذاته وتشركنا بحياته . والشرط الثاني : أن يؤمن المعتمد بالكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية ، لأنه بالعماد يدخل المعتمد في شعب الله ، يدخل في العائلة المقدسة التي هي الكنيسة التي أسسها المسيح كسر الخلاص ، فضلاً عن ذلك لا نستطيع أن نعرف المسيح على حقيقته إلا في الكنيسة وبالكنيسة . " وانهم ينتمون إلى المسيح ، لانهم في حضن الكنيسة تجددوا بالعماد والإيمان ، ليكونوا للمسيح بحياتهم وأعمالهم الجديدة . " ( ن ر 21 ) .

 

معمودية واحدة

 

" هناك جسد المسيح الواحد ،الكنيسة ، وروح واحد ورجاء واحد للجميع ورب واحد وإيمان واحد ومعمودية واحدة . " ( افسس 4/4 ) .

 

" الحق الحق أقول لكم ما من أحد يعاين ملكوت السماوات ما لم يولد من الماء والروح . " ( يو 3/5 ) .

 

إن كان الله يريد أن يخلص جميع الناس وان كان قد بذل نفسه فداء عن الجميع ، وان كان العماد ضرورياً للخلاص ، هل يعني ذلك أن الخلاص يستحيل على من سبقوا المسيح ومن ، بعده ، لم يسمعوا شيئاً عنه ولا عن العماد ؟ تكلم المسيح عن الماء والروح ، إننا نعرف أين يتجه الماء وهو رهن الجاذبية ، أما الروح " فيهب حيث يشاء " لا نعرف من أين يأتي ولا إلى أين يذهب ، هذه هي حالة المولود بالروح . وهذا الروح هو الذي يقود العالم إلى الخلاص كيفما شاء .

 

إنها معمودية واحدة ، إنما لهذه المعمودية الواحدة ثلاث صيغ :

 

معمودية الدم :

 

الاستشهاد . هذه هي المعمودية " المسيحية " التي عاشها المسيح في آلامه " عليّ أن أقبل معمودية الآلام وما أضيق صدري حتى تتم " ( لو 12/50 ) هو نموذج العماد ، إذ هو قمة الحب وشهادة الإيمان " اغتسل " بدمه، أعطى حياته . ما من حب أعظم من هذا …

 

معمودية الماء :

 

العماد الطقسي الرسمي .

 

معمودية الشوق :

 

أو معمودية الصدق كما يقو اللاهوتي زندل ، هذا العماد لا يتطلب أية معرفة واضحة بيسوع المسيح أو بالكنيسة أو بعماد الماء . هو عماد الروح وحده الذي يهب حيث يشاء ويوحي لكل أحد بدء إرادة طيبة ، وهو خاصّة كل الذين لا يرفضون بعناد ما يصل إليهم من نور . يقول المجمع " هذا ليس فقط بالنسبة إلى الذين يؤمنون بالمسيح ، بل بالنسبة إلى جميع الناس ذوي الإرادة الطيبة " ، إذ أن غالبية الناس لن يعرفوه في هذه الحياة . وعماد الشوق هذا ، هو غير الشوق إلى العماد ، لأن البشرية التي لم يصلها الإنجيل لا تعرف العماد . ولكي " يغطس " جميع هؤلاء الناس في حدث الخلاص ، أي لكي يعتمدوا بالشوق ، يكفيهم بعض الضمير . ذاك الذي يدعو كل إنسان لكي يصنع ما يظن أن من واجبه أن يصنعه . كل إنسان يتبع ببساطة ضميره هو معمّد بعماد الشوق . لأن هذه الأنوار ، مهما كانت ضعيفة هي عملياً إرادة الله في حياته . ومن يعمل الحق يأتي إلى النور .

 

هذه التأكيدات ليست ثانوية ولا نتردد في إقتبالها ، فإذا كان المعمدون في الماء هم وحدهم في المسيح يسوع ، فهو ليس إذاً مخلص أكثرية الناس ، ليس سيد هذا العالم . " حقاً إن الله ، لكونه خالقاً ، هو أب . ولكونه خالق الجميع وكلاّ بمفرده ، " الله هو أب للجميع وأب كل بمفرده ، يملك على الجميع ويعمل في الجميع ويسكن في الجميع." ( افس 4/6 ) للجميع بمفرده يعطي ابنه المتجسد كأخ في الإنسانية وكقائد إلى الخلاص ، للجميع ولكل بمفرده يعطي هذا الابن حياته ودمه وموته ، إلى الجميع وإلى كل بمفرده يرسل هذا الابن القائم من الموت روحه . كل إنسان ، في يوم من الأيام ، أجاب " نعم " بحسب الأنوار المعطاة له ، يدخل في عهد الخلاص . لذلك لا يتلكأ الروح عن الهبوب في كل مكان يرجو أن يخلق فيه قليلاً من الإيمان ، هذا الإيمان الغامض الذي ندعوه الإرادة الحسنة حتى إن كل من آمن يجد الحياة الأبدية .

 

عماد الأطفال

 

 " يقترب طالبو العماد من المياه التي يجب أن تكون جارية ونقيّة ، ثم يخلعون ملابسهم ، ويعمّد الأطفال أولاً ، وإذا استطاع هؤلاء أن يجيبوا عن أنفسهم فليكن ، وإلا فيجيب ذووهم أو أحد أفراد أسرتهم عنهم " ( أقدم النصوص المسيحية ، التقليد الرسولي ، القرن الثالث ) .

 

عماد الأطفال درجت عليه الكنيسة المقدسة منذ العهد الرسولي حتى أيامنا . ومن بين الآباء قال القديس ايريناوس : إن المسيح أتى بشخصه إلى الأرض ليخلص البشر جميعاً دون استثناء ، أي كل الذين يولدون به ثانية لله، أي الرضّع والأطفال والأولاد والشباب والشيوخ .

 

- أما تصدي بعضهم لعماد الأطفال بحجة أن الطفل قد ينفسد بعد عماده عند بلوغه سن الرشد ، فهي حجة واهية، لأنه قد يحصل أيضاً أن بعض من قبلوا العماد راشدين ينفسدون أو يجحدون الإيمان .

 

- والذين يتذرعون بأن لا ذكر في العهد الجديد لوجوب عماد الأطفال ، نقول لهم أن الكتاب المقدس لا يحرمهم منه ، بل على نقيض ذلك يقول المسيح : دعوا الأطفال يأتون إليّ ولا تمنعوهم . ثم باركهم ووضع يديه عليهم .

 

- أما من يحتج بأن لا إيمان لهم شخصي ، فيجيب المجمع : ولئن كان الأطفال لا يستطيعون الجهر شخصياً بإيمانهم ، فذلك لا يمنع الكنيسة من أن تمنحهم هذا السر على إيمانها هي ، هذا الإيمان المتمثل في شخص العراب .

 

- ويعترض البعض مدعين أن معمودية الأطفال تشكل خرقاً لمبدأ الحرية فمن التعدي على كرامة الإنسان أن تفرض عليه للمستقبل واجبات دينية قد يضطر فيما بعد إلى رفضها ، فعلى الأهل الوقوف على الحياد والامتناع عن كل ضغط .

 

إن لفي هذا الموقف ضلالة ، إذ لا وجود لحرية بشرية صرف ، لا تقيدها أية شروط ، فحتى على الصعيد الطبيعي ينوب الأهل عن أولادهم في اختيارات لا بد منها لحياتهم ولتوجيهها شطر القيم الحقيقية . فهذا الموقف الحيادي اختيار سلبي يحرم الطفل خيراً جوهرياً . وننسى بالأخص ، عندما ندعى ذلك ، إن كل إنسان حتى غير المعمد عليه التزامات نحو الله لا يمكن انتزاعها ، تأتي المعمودية فتؤيدها وتثبتها وتسمو بها إلى التبني الإلهي إلى حرية مجد أبناء الله . ومن الواضح أن الطفل – وقد بلغ سن الرشد – يمكنه أن ينكر الإلزامات الناجمة عن المعمودية . على الأهل آنذاك أن لا ييأسوا ، فبالرغم من الظواهر ، لابد لبذور الإيمان الموضوعة في نفسه من أن تعود إلى الحياة ، ولسوف يساعد الأهل على ذلك بصبرهم وحبهم ، وبصلاتهم وشهادة إيمانهم الأصلية .

 

- في حال وجود اهلين قليلي الإيمان أو يمارسون شعائرهم الدينية في المناسبات أو حتى اهلين غير مسيحيين … في هذه الحال يجتهد الكاهن بحوار بعيد النظر ومليء بالتفاهم في إذكاء اهتمام الاهلين بالسر الذي يطلبون . فالكنيسة لا يمكنها النزول عند رغبة مثل هؤلاء الأهل إلا إذا أكدوا أن الطفل ، بعد معموديته سوف يحظى بالتربية التي يستدعيها السر . ولها أمل وطيد بأن المعمودية سوف تعطي ثمارها .

 

… والآن يا رب ، أنظر بحب إلى كنيستك وفجر فيها نبع العماد ، وبهذه المياه فليعط الروح القدس نعمة المسيح لكي يغتسل الإنسان ، المخلوق على صورتك ، من الادناس التي تشوه هذه الصورة ، وليولد من الماء والروح لحياة أبناء الله الجديدة … نسألك ، يا رب ، بنعمة ابنك ، أن تأتي قوة الروح القدس على هذه المياه لكي ينهض للحياة مع المسيح كل من يعتمد ويدفن مع المسيح ، بيسوع المسيح ربنا ، آمين




عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +