Skip to Content

سر الكهنوت - خدمة الكهنوت وأهمية الاستفادة من الخادم كطبيب للنفوس


خدمة الكهنوت
 
 
وأهمية الاستفادة من الخادم كطبيب للنفوس
 

كثيرون من المسيحيين المعاصرين يعتبرون الكهنة أنهم خدام الله العلي، وكموظفين رسميين في الكنيسة، مستعدون أن يُلبُّوا احتياجات الناس الليتورجية، من عقد سر الزيجة وإجراء صلوات الجنازات وحتى ممارسة الأسرار، ويظنون أنهم عن هذا الطريق يُشبعون احتياجاتهم أو يؤدون واجباتهم التقليدية. وبهذا يكون الكهنة في نظر هؤلاء مجرد ممارسين واجبات الوظيفة! ولكن الأمر ليس فقط كذلك، فالكهنة هم حقاً خُدَّام الله العليِّ، يوصِّلون نعمة الله من خلال الأسرار الكنسية السبعة. لكن هل كل كاهن يقدر - أو يملك القدرة - ليشفي النفوس، إلا إذا تجاوبت هذه النفوس معه، وأيضاً كان هو مؤهَّلاً لذلك؟
حقاً الكاهن يقدر أن يحلَّ الخاطئ التائب من خطاياه بمقتضى سلطان المغفرة المُعطَى له من كهنوت المسيح، ولكن هذا ليس كل المطلوب. ومعظم المسيحيين يكتفون بأداء سر الاعتراف ليكون لهم الحق في التناول من الأسرار المقدسة بناءً على تنبيه الكاهن بذلك: +”مَن لم يعترف لا يتناول“، ولا شيء غير ذلك. أما صحة نفوسهم فلا ينتبهون لها أو لشفائها، مع أن صحة النفس وشفاءها هما السبيل إلى تفادي الخطية فيما بعد.

لذلك فالكهنة ليسوا فقط خدام أسرار الكنيسة بل هم أيضاً آباء روحيون وأطباء للنفوس، وهم - كما يجب أن يكونوا - مؤهَّلين لمعرفة الطريق إلى شفاء النفس من شهواتها، بحيث يدلُّون أبناءهم الروحيين إلى ذلك. وهذا يستدعي أن يكونوا مستعدين أن يدلُّوا المؤمنين أيضاً على كيف يتحررون من أَسْرِهم للشهوات، وكيف تتحرر نفوسهم من العبودية، عبودية الخطية.

إن الكاهن طبيب النفس يُوصي أولاده الروحيين بـالطريق الأرثوذكسي - طريق التقوى - الذي اختبره وعاش فيه هو أولاً.

وسنحاول أن نشرح معالم ومسالك هذا الطريق الذي يجب أن يتبعه المريض بالنفس والروح تحت إرشاد الكاهن طبيب النفوس ليبلغ إلى شفاء النفس الروحي.

أهمية الأب الروحي في توجيه النسك الوجهة الصحيحة:

والآباء الكهنة الذين نالوا الشفاء يقتنون نعمة الإفراز، ويستطيعون بهذه الموهبة أن يرشدوا كل إنسان أن يجد طريقه في حياة التقوى، الذي هو أساساً الطريق التقليدي الأرثوذكسي.

وموهبة الإفراز الروحي لازمة جداً لمَن يرعون ويرشدون النفوس.

لذلك، فإن الطبيب الروحي لابد أن يكون أولاً:
- قد برأ هو من أمراضه الروحية،
- ومارس حياة السلامة والصحة الروحية،
- قاوم أمراضها وانتصر،
- حتى يمكنه أن يُبرئ أمراض أبنائه الروحيين ورعيته.

وتقول الكتب الكنسية المقدسة:
[كيف يدبِّر آخرين مَنْ لم يعرف أن يُدبِّر نفسه أولاً].

لذلك، فما أخطر النتائج التي تترتب على تسرُّع المرسومين كهنة حديثاً في أخذ اعترافات الناس، أو في تجرُّؤ البعض على رئاسة وتدبير رهبان، أو في تبوُّء مراكز السلطة في الكنيسة، قبل أن يكونوا قد عرفوا ونجحوا في أن ”يُدبِّروا أنفسهم أولاً“، ودون أن يكونوا قد تعلَّموا وتسلَّموا من الشيوخ الأسبقين كيف ”يُدبِّرون آخرين“.

وكل هذا سبق وأكَّد عليه القديس غريغوريوس اللاهوتي الذي يكتب:
[من الضروري أن نتنقَّى أولاً ثم نُنَقِّّي،
أن نكون حكماء ثم نُمارس الحكمة،
أن نكون نوراً ثم نُنير،
أن نقترب من الله ثم نُقرِّب الآخرين إلى الله،
أن نتقدَّس ثم نقدِّس...]
- المقالة 2: 71.

والقديس يوحنا ذهبي الفم، الذي اشتهر بكتابه عن الكهنوت، يكتب مُبرِّراً رفضه - في أحد مراحل حياته - أن يصير أسقفاً، فيقول إنه مُدرك جداً ضعفه وصغر نفسه بل وأهمية وصعوبة تدبير الناس:
[أنا أعرف كم أن نفسي ضعيفة وصغيرة. أنا أعرف أهمية هذه الخدمة والصعوبة العظيمة التي تكتنفها] - الكهنوت 3: 7.

وفى حواره مع معاصره القديس باسيليوس الكبير، يرجوه أن لا يشكَّ فيما برَّر به موقفه من رفض الأسقفية، لأنه بينما هو يحب المسيح، فهو أيضاً يخاف من أن يثير عثرة حينما يقبل الخدمة الروحية:
[من حيث أن ضعفي الروحي يجعلني غير كُفء لهذه الخدمة] - المرجع السابق 2: 4.

إن النقاوة الكاملة لأفكاره وأحاسيسه جعلته يحس بأن ضعف نفسه أقنعه بأنه غير أهل لهذه الخدمة العظيمة، لأن الشهوات إذا لم تُشفَ تمنع الكاهن من أن يخدم شفاء أولاده الروحيين.

فإذا كان طبيب النفس لم يُشْفَ أولاً من أسقامه وأمراضه، فهو يظل ”شخصاً عامياً“ (مهما التحف بهذا الزِّي أو بذاك الشكل)، كما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم:
[فإنهم يأخذون ببساطة ”الأشخاص العاميين“ ويجعلونهم مسئولين عن هذه النفوس]. الكهنوت 3: 15

هذه مقدمة مختصرة لابد منها، قبل أن نتقدَّم لنفحص بالتفصيل مؤهِّلات وكفاءات خُدَّام كنيسة الله المُقامين من أجل تحقيق غاية قيام الكنيسة وممارسة الأسرار الكنسية، أَلاَ وهي شفاء نفوس الرعية.

متطلبات ضرورية للمتقدمين للكهنوت:

فقد ذكر الإنجيل متطلبات مُسبقة من المتقدِّمين للكهنوت ليكونوا قادرين أن يُكمِّلوا كل جوانب هذه الخدمة العظيمة. ومنها «أن يكون بلا لوم» (تيطس 1: 6)، وألاَّ يكون ”حديث الإيمان“ (1تى 3: 6)، أي لابد أن يكون قد تمرَّس في الاختبار الروحي، أي يكون قد تطهَّر في نفسه أولاً، ثم بعد ذلك الرسامة.

ويطلب القديس يوحنا ذهبي الفم من الكاهن أن يكون متمتعاً بقوة روحية، لأنه يجب أن يختبر الكاهن مزيداً من القوة الروحية والغيرة الروحية ليكون قادراً ”أن يختطف نفسه دائماً من كل تأثير ضار ويحفظ جماله الروحي بلا تشويه“. لذلك يؤكِّد على أن الإكليروس الذين يعيشون في العالم يحتاجون إلى نقاوة وطهارة أكثر مما يحتاجه الرهبان في أديرتهم. فإن كان الإنسان نفسه لم يُشفَ بعد، فكيف سيكون قادراً على أن يشفي الضعيف والمريض روحياً من شعبه؟

لذلك تكلَّم كثيرون من القدِّيسين على أنه إذا لم يكن الإنسان مقتنعاً من الروح القدس أنه مقبول لدى الله والناس حتى يمكنه أن يكون وسيطاً بينهما، فعليه ألاَّ يتجرَّأ ويقبل ”هذه الخدمة المهوبة المملوءة سراً“. ومن سِيَر آبائنا القديسين نرى أن المدعوين للرسامة كانوا يهربون للجبال، كما فعل القديس غريغوريوس اللاهوتي وكثيرون من آباء الكنيسة القبطية. وفى ”الدفاع عن هروبه إلى بنتس“ يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي بأن لا أحد يقدر أن يتحمل مسئولية رعاية القطيع الروحي إلاَّ إذا كان قد اجتاز ”بالخبرة والتأمُّل“ كل ألقاب المسيح، وتعلَّم «حكمة الله (المخفية) في سر» (1كو 2: 7)؛ أما إذا لم يكن كذلك، فهو ما زال طفلاً ”يتناول اللبن“ (مقالة 2: 97-99).
ولكن آباء الكنيسة لم يكن خافياً عليهم تلك الحقيقة المُرَّة أن كثيرين رُسموا دون استيفاء متطلبات الرسامة الواجبة، فهم لم يكونوا قد شُفُوا من آلامهم ولا تطهَّروا من شهواتهم. لذلك فإن الكثير من الرسامات، كما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم:
[قد تمت ليس من النعمة الإلهية بل من الطموح البشري] - الكهنوت 1:4.

وهناك قول مأثور للقديس ذهبي الفم .
[الله لا يرسم الكل، لكنه يعمل من خلال الكل]. عظة 2 على تيموثاوس الثانية

لكن تعطُّل شفاء الناس في الكنيسة، وربما العثرة من الرسامات التي من غير اختيار النعمة الإلهية، أخطر بكثير مما نظنه أنه خسارة حين يُمنع إنسان كفؤ من الرسامة وهو أهلٌ لها. +



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +