Skip to Content

القداسة - المطران جورج خضر

 

 

 القداسة

المطران جورج خضر

  القداسة ابتغاؤنا. كل شيء عظيم بعد نفحات النعمة ينشأ بالجهد. النعمة يجب ان تحبّها وتتلقاها وتعمل على إثمارها لأنك أنت التربة. وهذا ممكن لأن الله يحبك ولأنك قادر على طاعته، الطاعة حتى شهادة الدم إن طلبها الرب.

عندما ندعو أحداً الى القداسة كثيراً ما يقول: "شو أنا المسيح؟" المضمون في هذا الاعتراض أن القداسة استثنائيّة او هي لنخبة نادرة وبخاصة جماعة الرهبان.

ربما لأن أكثر المطوّبين منهم ما خلا الشهداء ولكن عندنا في التقويم مجموعة من المتزوّجين منهم ملوك وعسكر وفلاحون اذ المسيحيّة ليست كمّ الصلوات ولكن طهارة القلب واستقامة المعتقد والبساطة والتواضع والغفران والمحبة.

فالفضيلة ليست حكراً على أهل الأديار وخدام الكنيسة. انها نوعية وجود بقهر الشهوة الضارة والبقاء على الرغبات الشرعيّة وان تصير النفس والنيّة إنجيلاً حيا فحيثما يتجلّى المسيح في انسان بالكلمة والسلوك فهناك رسالة لله غير مكتوبة.

هؤلاء المرتبطون بالسيّد والمتعلّقون به منذ نشأة المسيحيّة حتى اليوم هم الكنيسة. هؤلاء كان الروح القدس معلّمهم.. ....

هكذا ينشأ الراغبون في القداسة على القابض على تراث البر او تطول قامتهم الروحية بكلمة الله المباشرة.

"إرادة الله قداستكم" (1تسالونيكي 3:4).

هذا كلام مرسَل الى جميع الناس وليس فقط الى طغمة معيّنة ذات مناصب او مسؤوليات معيّنة في الكنيسة. ذلك ان الله قال ايضا: "كونوا قديسين كما اني انا قدوس" (1بطرس 16:1).

وهذا ليس المقصود فيه القديسين المطوّبين. فغير القديسين في السماء لم تعلن الكنيسة قداستهم. والقديسون على الأرض كثر ويتعاطون جميع الأعمال في دنيانا. والقداسة مطلوبة من جميع الأعمار والأجيال. وليس صحيحا ان الأبرار فقط من الكهول والشيوخ، اذ القداسة ليس لها عمر، ومداخلة الله في كل القلوب ممكنة حسب مقدار الطاعة. ذلك ان الجهد يريد الله كل أبنائه ان يبذلوه.

والطهارة ممكن تقبّلها في اية سن.

القداسة ليست نزاهة عن كل ضعف او سقطة لأن القيام ممكن بعد كل وقعة. ولكن المهم الا يستسلم المرء لأهوائه ورغباته الساقطة وان يؤمن ان قيامة النفس من الخطيئة ممكنة ابدا. ان الذين اطّلعوا على تاريخ آبائنا القديسين يعلمون انهم عانوا التجارب وان هذا او ذاك منهم لم يتمجّدوا طوال حياتهم على خط مستقيم وقيامات مطردة.

هناك سقوط وهناك قيام. المهم ان يعرف المؤمن قواعد القيام وان يتوب في عمق وان يصمم على استضافة الله في قلبه بعد كل إغراء أصابه. المهم الا يصالح الانسان خطيئة وقع فيها وان يكرهها كليّا. المهم ان يحب معايشة الرب. "ما أحلى الرجوع اليه". المهم ان يجد فرحه في المسيح وان تتمزّق أحشاؤه ان هو أخطأ. المبتغى ان يسعى الى ان يكون انسانا فصحيا لا مكانة فيه للاستلذاذ بالشر وان يبغض الخطيئة في كل انسان آخر حتى نخرج جميعا الى القيامة لأن القيامة هي الحرية.

وحيث الحرية فهناك روح الرب ونصبح، اذ ذاك، روحًا واحدًا معه. عند ذاك لا مجال لعبوديّتنا للشر. ليس من الحقيقة ان الانسان ميال الى الشر بالدرجة الأولى. هناك عشاق للخير وغلابون للميول الفاسدة فيهم. هناك من تلألأ بالحب الإلهي وجعله صبغته الدائمة كائنة ما كانت الجهود لحفاظه على البر. ذلك ان البر مكلف والتدثر به تعزية لا توصف. نظهر اننا ندوس غبار هذه الدنيا ولكننا معلقون حقا في السماء. ورأسنا يصل كل يوم الى عتباتها حتى يخطفنا الملكوت في فرح يفوق بلا تصوّر لذات الدنيا.

لم يمنعنا الرب عن اللذت الشرعيّة في دنيانا لكنه لا يريد ان تدخل الى قلوبنا. هو حريص على ان يسكن وحده القلب البشري. والدنيا نستعملها ولا تستعملنا.

نستعبد الأشياء التي في حوزتنا لأن من ساده الله يسود هو كل شيء. والدنيا تترجَم مالا وحذّرنا يسوع ان نعبده عبادة لأن الله واحد ولا يقبل الشرك. نتزوج وزوجتنا اخت ورفيقة درب لكنها مشاركة ايانا في محبة الرب. الطريق الى الرب تستعمل كل الطرق المؤدية اليه. الله هو المحبوب الوحيد والأخير وان كانت لنا مودات اباحها الخالق وأباحها الفداء واذا كان لنا جسد فلا نطلبنّ ان نكون ملائكة ولكن نسعى الى ان نتخلّق بأخلاق الرب وان نتأله بالنعمة.

هكذا نكون واحدا مع جميع القديسين الذين في السماء والذين على الأرض. نناجيهم ويناجوننا ويكتمل فرحنا بهم. هذا ما نسمّيه مشاركة القديسين. وهؤلاء هم أهل الله وهكذا ننجو من العذاب ولو أصابنا المرض وكثرة من العذابات. وهذا هو الصليب الذي لا يبلغ احد من دونه القيامة وهو نفسه بدء القيامة هنا.

فالمسيح هو مركز وجودنا أكنّا أصحاء ام مرضى، مثقفين كنا ام غير مثقفين. فاذا استنار القلب بالروح القدس يكون للعقل سلامة الله ولا يبقى العقل معقدًا او مرتبكًا او شاكًا اذا كان فيه ما سماه بولس "فكر المسيح".

وبه نترك كل فكر مناقض ونعقل كل الوجود كما يعقله الله. بذا نصبح عشراء الله ومن لحم المسيح وعظامه اي كل من المقدسين يصير مسيحا بدوره كما تعلّم كتبنا.

العقل، اذ ذاك، يتمسحن وكذلك القلب ونغدو كيانات من نور وتزول عنا الترابيّة فنغدو في الأخير نورًا محضًا ويرانا الله من ضيائه. وفي اليوم الأخير بسبب من تنوّر البشر يصير الكون المادي كله نورا كما يعلّم مكسيموس المعترف ونورنا يتعرّف الى نور الكون. وهذا النور المعمّم يصبح مسكن الله.

تلك هي القداسة التي نعرفها من الكتب الإلهيّة ومن تراث الطاهرين. ويلحّ الله علينا ان نتسربل هذا النور كما هو متسربله. نحن مدينون فقط لهذا العطاء النوراني ولا نستطيع ان نرتضي شيئًا دونه اذ لا تبقى رغبة الا فيه

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +