Skip to Content

الراقدون أفما نجيرهم وننفع ذواتنا - الأرشمندريت توما بيطار




 

الراقدون

Click to view full size image

أفما نجيرهم وننفع ذواتنا؟!      

الموت طريق كل حيّ. بعد قيامة المسيح المهمّ الإيمانُ به والتوبة إليه. هذا عمل الأحياء في الجسد. "كل مَن كان حيّاً وآمن بي فلن يرى الموت إلى الأبد" (يو 11: 26). 

الموتى فئتان: فئة الذين استكملوا توبتهم على الأرض وفئة الذين لم يستكملوها أو لم تكن لهم توبة بالمرّة. الإنسان يؤخذ، بالموت، في الحالة التي يكون فيها. إذا مات في الخطيئة ولو كانت له أعمال صالحة في حياته فإنّه يموت محروماً من نعمة الله.      

الذاهب إلى المدينة ولو تعب كثيراً فإنّه إن لم يدخل إلى داخل المدينة تذهب أتعابه أدراج الرياح. الأتعاب تُحسب إذا ثبت المرء في التوبة إلى المنتهى لا إذا لم يثبت. لذلك التوبة هنا عمل دائم، حتى اللحظة الأخيرة من حياتنا في الجسد. التوبة سعيُ كلِّ لحظةٍ، أن يكون ذهنُ الإنسان إلى الله في كل حين.

لا تكون التوبة في اللحظة الأخيرة من حياتنا ههنا لأننا لا نعرف متى تكون هذه اللحظة ولا ما إذا كنّا سنكون آنذاك في وضع داخلي يسمح لنا بأن نتوب إلى الله. قد يقسو القلب إلى حدّ لا يعود المرء معه راغباً أو سائلاً أو مبالياً بالتوبة.      

بالعكس التوبة هي التي تجعل الإنسان حسّاساً للتوبة أكثر، وعدم التوبة يخلق ويرسّخ حالةَ لامبالاةٍ بالتوبة في النفس. المرء، إذ ذاك، لا يعود يتحرّك إلى التوبة إلاّ من جرّاء ألم كبير وقد لا يتحرّك صوبها بالمرّة لأنّ الاسترسال في الخطيئة قد يفضي إلى وهنٍ في النفس وعنادٍ في الخطيئة بحيث لا يرغب الإنسان، فيما بعد، في أن يتغيّر ولو كان مُدْرِكاً أن ما هو فيه لا يُجدي نفعاً.

فقط لأنّ في العناد في الخطيئة لذّة مرضيّة وإثباتاً منحرِفاً للذات. "أنا حرّ في حياتي وأفعل ما أريد!" هذا فعل "الأنا" في النفس الممتلئة من ذاتها، في المدى الأخير. ألوهة العدم! قد يصرّ الإنسان على رفض الله إلى النهاية. هذا عند الناس، أما عند الله فالأمر أكبر من معرفتنا وليس بإمكاننا أن نبني على القناعة أنّ الله سيخلّص الجميع بطرق هو يعرفها. مذهب الخلاص للجميع في كل حال، في النهاية، أو ما يعرف بالـ apokatastasis، ليس مقبولاً في الكنيسة.

       لنعد إلى موضوعنا الأساس.      

الإنسان إذا رقد على الخطيئة يكون محروماً من نعمة الله فيما الذي يرتحل من ههنا تائباً هذا تعزّيه النعمة. فمَن كانت له النعمة يكون في صِلَةٍ، في عِشرة مع الله. هذا بإمكانه أن يتعاطى الصلاة. هذا يكون قدّيساً، من حيث إنّه ليس عند الله سوى قدّيسين، وتكون قامته الروحيّة بمقدار نعمة الله فيه.

هناك مَن تكون صلاته أفعل، وهناك مَن تكون صلاته أقلّ فعالية. الذين صاروا هناك، ولهم نعمة، يُصلّون لأجلنا والذين هم هنا يصلّون لأجل الذين هم هناك، الذين لا طاقة لهم على الصلاة لأنّه لا نعمة لهم. مَن هم هنا ومَن هم هناك كلّهم في وصال، في المسيح، كلّهم برسم الانتماء إلى الكنيسة، جسدِ المسيح. الذين هم هنا ينمون بصلاة الذين هم هناك والذين هم هناك ينمون بصلاة الذين هم هنا.      

لذا، بالنسبة للراقدين، يرتحل ذهننا، بخاصة، صوب الذين هم في الشقاء هناك لأنّهم ليسوا في النعمة. هؤلاء علينا، طالما نحن مقيمون ههنا، أن نحببهم بالأكثر. بلى نحن الذين هنا نساهم في خلاص الذين هم هناك، وبامتدادنا صوبهم نصنع خلاصنا أيضاً.

خلاصنا مرتبط بسعينا إلى خلاص الآخرين، الأحياء والأموات. نسأل الله لهم ونعمل من أجلهم. ننفعهم بقدر ما يوجَدون مقتبلين لما نؤدّيه عنهم أو ما نقوم به "على نيّتهم".

       محبّتنا لهم لها ثلاث ترجمات أساسية:      

+ نصلّي من أجلهم. نصلّي شخصياً ونصلّي مع الجماعة. شخصياً كلّما صلّينا نذكر الأموات. نذكرهم بالأسماء. نسأل لهم الرحمة برأفة، بحنان، من الأعماق، كقطعة منا "لأننا بعضنا أعضاء بعض" (أف 4: 25). نسأل من أجل غفران خطاياهم. صلاة القدّيس بائيسيوس الكبير من أجل التلميذ الذي قضى في الزنى انقبلت وغُفرت خطاياه وصار في الراحة.

ونصلّي، أيضاً، من أجل الراقدين، جماعياً. ليس عبثاً ذِكرُ الكنيسة، في كل خدمة يومية، للراقدين، وكذا في السبوت وفي سبتَي ما قبل مرفع اللحم والعنصرة بخاصة. تذكرهم الكنيسة بعامة وتذكرهم بالأسماء.

سأل قوم القدّيس الذهبي الفم، مرّة، أن يصلّي من أجلهم فقال: "مبارك!" لكنّه أردف: "صلاة الكنيسة أعظم!".      

+ الترجمة الثانية لمحبّتنا للراقدين تتمثّل في تقديم القرابين "على نيّتهم". هذه تنفع الراقدين منفعة جزيلة. تعزّز انتماءهم إلى جسد المسيح.

امرأة روسية رقد زوجها. جاءها في الحلم ثلاث مرّات متتالية وسألها، في كل مرّة، روبلَين. الروبل هو العملة الروسية. لم تفهم. استجارت بصديقة لها. قالت: "قدّمي على نيّته قدّاساً إلهياً". ذهبت إلى الكاهن وطلبت أن تقام خدمة الذبيحة الإلهية على نيّة زوجها. سألته إذا ما كان عليها أن تعطيه بعض المال مقابل ذلك. فأجاب: بلى! فسألته عن المتعارَف عليه، فقال لها: "أدّي روبلين!!!".

كذلك في بعض الكنائس عادة إقامة أربعين قدّاساً على نيّة الراقدين. هذه، في الاعتقاد، قد تغفر الخطايا وتجعل الراقدين في الراحة.      

+ الترجمة الثالثة لمحبّتنا للراقدين هي في القيام بأعمال محبّة على نيّتهم. هذه قد يكون القيام بها على أساس دوري، مرّة في السنة، مثلاً. وفيها يُخصَّص مبلغ من المال يُوزَّع على الفقراء وعلى الكنائس والأديرة. وقد يُصار إلى الاهتمام بالمرضى أو بالتلاميذ الفقراء أو بالعجزة أو بالأيتام أو حتى إلى المساهمة في بناء الكنائس والأديرة على نيّة الراقدين.

هذه أعمال تُحسب وكأن الراقدين هم الذين يتمّونها. طالما العمل عمل محبّة فإنّه نافع للراقدين وقد يكون نافعاً جداً، لا سيما والقول الإلهي هو ان "المحبّة تستر كل الذنوب" (أم 10: 12).

  لا شيء يفصل ما بين الأحياء والأموات في المسيح لأنّ الله ليس إله أموات بل إله أحياء (مت 22: 32). لذلك فيما نستشفع بالقدّيسين مستعينين بهم على تجارب العمر ومستنزلين على ذواتنا والعالم مراحم الله، نسترحمه من أجل الذين سبقونا، لا سيما الذين عاشوا وماتوا في شقاء الخطيئة. الراقدون أمانة.

القابعون منهم في الظلمة وظلال الموت هم في الضعف والفقر الروحي بحيث يَسْتَجْدُون محبّتنا... كل يوم. الذين هنا لا يعرفون ما هناك، ولو عرفوا لتغيّروا. والذين هناك بعدما عرفوا ما هناك يستجيرون بنا ويستحثّوننا، من خلال كل ما نعرفه عنهم، على أن نكون غير ما كانوا هم عليه، لكي لا نأتي نحن أيضاً إلى "موضع العذاب" (لو 16: 28) الذي هم فيه.

       أفما نجيرهم وننفع ذواتنا؟!






عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +