Skip to Content

البيان ليوسف 2011 - البطريرك بشارة

 

. التنشئة المسيحيّة ، الأحد 11 كانون الاوّل 2011

      Click to view full size image

                                       

                         الــــــبــــيــــان لـــيــــوســــــــــــف

                                             (متى 1: 18-25)

 

يندرج البيان ليوسف في خط البشارات الالهية: البشارة لزكريا، والبشارة لمريم، والبشارة ليوسف. ما يعني أن الله هو سيّدُ التاريخ، وأنَّ يسوع المسيح، ابن الله المتجسِّد هو محور هذا التاريخ. ويعني من جهة ثانية أن الانسان، كلَّ إنسان، مدعوٌ ليكون معاون الله في بناء هذا التاريخ الذي ينبغي أن يكون في خط تصميم الله الخلاصي.

أولاً:  شرح الانجيل

من أنجيل القديس متى 1: 18-25

أَمَّا مِيلادُ يَسُوعَ المَسِيحِ فَكانَ هكَذَا: لَمَّا كانَتْ أُمُّهُ مَرْيَمُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُف، وقَبْلَ أَنْ يَسْكُنَا مَعًا، وُجِدَتْ حَامِلاً مِنَ الرُّوحِ القُدُس. ولَمَّا كَانَ يُوسُفُ رَجُلُها بَارًّا، ولا يُرِيدُ أَنْ يُشَهِّرَ بِهَا، قَرَّرَ أَنْ يُطَلِّقَهَا سِرًّا. ومَا إِنْ فَكَّرَ في هذَا حَتَّى تَرَاءَى لَهُ مَلاكُ الرَّبِّ في الحُلْمِ قَائِلاً: «يَا يُوسُفُ بنَ دَاوُد، لا تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ ٱمْرَأَتَكَ، فَٱلمَوْلُودُ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس. وسَوْفَ تَلِدُ ٱبْنًا، فَسَمِّهِ يَسُوع، لأَنَّهُ ُوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُم». وحَدَثَ هذَا كُلُّهُ لِيَتِمَّ مَا قَالَهُ الرَّبُّ بِالنَّبِيّ: هَا إِنَّ العَذْرَاءَ تَحْمِلُ وتَلِدُ ٱبْنًا، ويُدْعَى ٱسْمُهُ ِمَّانُوئِيل، أَي ٱللهُ مَعَنَا. ولَمَّا قَامَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْم، فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاكُ الرَّبِّ وأَخَذَ ٱمْرَأَتَهُ. ولَمْ يَعْرِفْهَا، فَوَلَدَتِ ٱبْنًا، وسَمَّاهُ يَسُوع.

1. حيرة يوسف واعتلان كل السرّ المكتوم عند الله

يوسف في حيرة من حبل مريم خطيبته. في الاساس مريم مخطوبة ليوسف، وبحسب التقليد الديني القديم، لم تكن بعد قد انتقلت الى بيتها الزوجي للمساكنة، لكنّها شرعاً زوجة يوسف. بين الخطبة والانتقال الى البيت الزوجي، كشف الله تصميمه بواسطة بشارة الملاك جبرائيل، بأن تكون مريم "زوجة" يوسف أمّاً لابن الله بالطبيعة البشرية، الذي حمل في التاريخ اسم "يسوع المسيح". لفظة "يسوع" تعني الله الذي يخلِّص، ولفظة "المسيح" تعني الذي أرسله الله ومسحه بالروح القدس نبيّاً وكاهناً وملكاً، لفداء الجنس البشري وخلاصه.

أعطت مريم جواب "نعم" بطاعة الايمان، وبدأ في تلك اللحظة الحبل بابن الله بقوة الروح القدس. وانطلقت على الفور إلى عين كارم، لتخدم اليصابات المتقدّمة في السنّ والحامل بيوحنا المعمدان منذ ستة أشهر. ومكثت عندها ثلاثة أشهر، حتى مولد يوحنا. ثم غادرت إلى الناصرة، وأعربت ليوسف عن سرِّ حبلها.

حار يوسف في الأمر. صدَّقَ الخبر ولم يشكّ للحظة بطهارة مريم. لكنه تساءل عن دوره وموقعه في تصميم الله وتدبيره. وظنَّ أنَّ عليه أن ينسحب ليحقِّق الله ما يشاء. وبعد التفكير العميق للخروج من المأزق والحيرة، إتّخذ قراراً بفسخ الرباط مع مريم، مع المحافظة على كرامتها وشخصها. وبدل اللجوء إلى القضاء الديني، تجنّباً للتشهير بها، قرَّرَ تخليتها وتطليقها سرّاً(راجع متى 1: 18-19). في ليلة القرار، وقبل العمل به، تراءى ملاك الرب في الحلم، وكشف له كلَّ السرّ، الذي يعني مريم والجنين ويعنيه، وشجّعه داعياً إياه لينقل مريم إلى بيته الزوجي:

أ- مريم حُبلى بقوّة الروح القدس، والولد – الجنين هو ابنها، وهو أيضاً ابنك بالتبنّي. فأنتَ يا يوسف تعطيه اسم يسوع أي "الله الذي يخلّص". فإعطاءُ الاسم للمولود هو علامةُ شرعيةِ الابوة والامومة، وشرعية الولادة(متى 1: 21).

هنا يُضيف متى الانجيلي أن نبوءة أشعيا التي قيلت قبل المسيح بحوالي سبعماية سنة، قد تحقّقت الآن: "العذراء تحبل وتضع ابناً يُسمّى عمانوئيل أي ألله معنا"(متى 1:22-23؛ أشعيا 7: 14). يستعمل متى الرسول عبارة "هذا كان ليتمّ ما قيل على لسان النبي" ويُردِّد العبارة في أكثر من موضع، ليشير إلى تدخّل الله عبر التاريخ، وليُبَيِّن التواصل بين العهدين القديم والجديد، وليدل إلى بداية الخلق الجديد.

ب- ينكشف لنا من كلام الملاك ومن نبوءة أشعيا أن يسوع، الذي تحبل به مريم، ليس شخصاً جديداً، بل إنه ابن الله الكائن منذ الأزل، الذي يتكوّن إنساناً في حشاها، وكأن حشا مريم البتولي هو عرشه. إنَّ حبل العذراء البتولي بقوة الروح القدس واسم "يسوع" و "عمانوئيل"، يؤكِّدان إلوهية يسوع.

ج- وتنكشف لنا بتولية مريم الدائمة من قول الانجيلي متى: "أخذها يوسف إلى بيته، على أنه لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر". لفظة حتى تعني الاستمرارية، أي أن يوسف لم يقم علاقة زوجية معها بعد ولادة يسوع كما من قبلها. ما جعل تقليد الكنيسة يسمّيه يوسف البتول. ولفظة "ابنها البكر" لا تعني أنه الاول بين اخوة لاحقين، بل تعني أنه لم يولد لها أي ولد قبل يسوع. المسيح هو بكر الخلق كله، وبالتالي هو بكر القائمين من الموت(راجع كول 1: 15 و 18).

د- وتنكشف لنا شرعية أبوّة يوسف، عندما أمره الله بلسان الملاك "ليأخذ مريم زوجته إلى بيته"، ويتعهّد العناية بها وتربية ابنها يسوع، ويكرّس ذاته معها لهذا "الإله الذي سيخلّص شعبه من خطاياهم"، وشدَّدَه بنعمته قائلاً له: "لا تخف يا يوسف". إنَّ زواج يوسف بمريم هو المرتكز القانوني لأبوته ولأمومتها، ولمهمتهما وسلطتهما الوالدية ولشرعية الطفل يسوع. فكان الشعب كله يعتبر أن يسوع هو ابن يوسف النجار وأن مريم هي أمه(متى 13: 55). وعندما وجدا يسوع ابن اثنتَي عشرة سنة في الهيكل قالت له أمه: "لماذا فعلت بنا هكذا؟ فها أنا وأبوك كنّا نبحثُ عنك بغمٍّ شديد!"(متى 13: 55). وهكذا يوسف ومريم البتولان عاشا في الحبّ الزوجي الطاهر، وفي حبّ الأبوّة والأمومة الكامل. وانكشفت قدسية الحب في الزواج التي هي من مفاعيل حلول الروح القدس فيهما، الذي به تنسكبُ المحبة الإلهية في قلب الإنسان. ما يعني أنَّ سرّ الزواج وسيلة وعلامة لحلول النعمة الإلهية على الزوجين فتقدّسهما، وتقدّس حبهما وتنقّيه من كل ميلٍ أناني منحرف. على أساس قدسية الحب تُقام العلاقة الزوجية بينهما بكل طهرها وقدسيتها. كم من أزواج رفعتهم الكنيسة قديسين على مذابحها، وقد تقدّسوا في الحياة الزوجية، بحلوِها ومرّها، وفي الحب الزوجي والإنجاب والتربية. عائلة يوسف ومريم مثالٌ لكل عائلة تُبنى على الدعوة الإلهية والنعمة المبرِّرة.

ه – وينكشف أيضاً أساس الحياة المكرَّسة في الأديار أو في العالم. فالحبّ الطاهر البتولي الذي بدافع منه تَكرَّسَ يوسف ومريم نفساً وجسداً لخدمة الكلمة المتجسِّد ولرسالة الخلاص، هو ايضاً يدفع برجال ونساء، بشباب وفتيات، لتكريس الذات على خطى يوسف ومريم ويسوع والرسل، من أجل كمال المحبة لله وللناس. وهو تكريس قائم على نذور أو وعود مُختصرَة بثلاثة: العفّة والفقر والطاعة. بالعفة يتخلَّون عن حقّهم في الزواج ويلتزمون عيش فضيلة الطهارة والأخوة مع جميع الناس؛ بالفقر يتخلّون عن حقّهم في التملّك ويلتزمون حياة الفقر من أجل مساعدة الفقراء من جنى تعبهم؛ بالطاعة يتخلّون عن حقهم في حرية القرار الشخصي، ويتبنَّون إرادة الله التي تنكشف لهم بإلهامات الروح وتدبير الرؤساء وحاجات الكنيسة والمجتمع.

ثانياً، عيد سيدة الحبل بلا دنس

في هذا الأسبوع السابق للأحد، تحتفل الكنيسة بعيد أمنا مريم العذراء سيدة الحبل بلا دنس(8 كانون الاول). إنها عقيدة إيمانية أعلنها البابا الطوباوي بيوس التاسع في 8 كانون الاول 1854. وهي "أن الله اختار مريم منذ البدء أماً لابنه الوحيد الذي سيولد منها بالجسد، وهو المولود من قلب الآب، مساوياً له في جوهر الألوهة، وجعلها فوق الخلائق كلها، متقدّمة على الملائكة وجميع القديسين، وبنعمةٍ خاصة وامتياز خاص من الله، القادر على كلِّ شيء، حفظها من كل دنس الخطيئة الأصلية منذ اللحظة الاولى للحبل بها، إستباقاً لاستحقاقات المسيح يسوع، مخلِّص الجنس البشري. إنها عقيدة موحاة من الله، ينبغي على جميع المؤمنين الايمان بها بثبات وبشكل دائم".

بعد أربع سنوات من إعلان العقيدة، أي سنة 1858، ظهرت مريم لبرناديت في لورد وأعلنت لها اسمها: "أنا الحُبِلَ بها بلا دنس". هذا كله يعني أن الله هو سيّد التاريخ، ويتدخّل فيه كاشفاً أسرار محبته وعنايته، جيلاً بعد جيل، متعاوناً مع كل إنسان، حسب دعوته الخاصّة، ومكانه وزمانه.

ثالثاً، الشبيبة : واقعها ودورها في حياة الكنيسة ورسالتها

نتابع عرض نتائج الإستطلاع الذي أُجري على 1221 شاب وشابّة، تراوحت أعمارهم بين 18 و 30، وكانت الوثيقة الأساس في دورة مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان التي انعقدت في الكرسي البطريركي – بكركي من 21 الى 26 تشرين الثاني الماضي ، وموضوعها: الشبيبة ، واقعها ودورها في حياة الكنيسة ورسالتها.

1.                    المرافقة الروحية للشبيبة

أ‌.                        في الرعية : 56٪ يعتبرونها جيدة ، و20 ٪ جيّدة جداً.

-                         العوامل التي تساهم في تحسينها: إشراك الشبيبة في حياة الرعية 37,85٪؛ تمتّع الكاهن بروح الشباب والإجابة إلى حاجاتهم 28,2٪؛ تعيين كاهن ليهتمّ بشكل خاص بالمرافقة الروحية 27,9٪؛ تنشئة الكهنة على المرافقة 21٪؛ إنشاء مراكز إصغاء للنمو الروحي والنفسي 13٪.

ب‌.                   في المدرسة والجامعة : 45,5٪ يتعبرون المرافقة الروحية جيّدة، و27٪ سيئة.

-                         العوامل لتحسينها : شهادة الحياة 38,7٪؛ مراكز إصغاء 28,6٪؛ تطابق الحياة مع المبادىء 26,1٪؛ نشاطات ونقاش 25,4٪.

-                         التعليم المسيحي في المدارس : 52,5٪ يعتبرونه جيّداً ؛ و26٪ جيّد جداً؛ و6,8٪ عاطلاً.

-                         العوامل لتحسينه: 32,7٪ إشراك الأهل في المتابعة الروحية لأولادهم؛ 31,4٪ تخفيف البرامج من أجل الاهتمام بالتعليم المسيحي؛ 24,7٪ تحديث وسائل التعليم المسيحي والأسلوب؛ 23,7 ٪ اجتماعات دورية لمعلميّ التعليم المسيحي للتشاور في المواضيع والمعضلات ؛ 20,6 ٪ تطبيقات عملية للمبادىء.

2.                    الحركات والمنظمات الرسولية:

 56 ٪ يعتبرونها جيدة و6,5 ٪ عاطلة.

-                        العوامل لجعلها اكثر فعالية: 29,5 ٪ تأمين مرشدين؛ 28,3 ٪ تقييم هذه الحركات والمنظّمات؛ 25,9 ٪ تحسيس الشبيبة؛ 25,6 ٪ إنماء وتطوير الحركات والمنظّمات ؛ 20,4 ٪ تعزيز عدد الحركات والمنظّمات؛ 7,4 ٪ ايجاد أمكنة لها.

3.                    العمل الراعوي الجامعي: 48,6 ٪ يعتبرونه جيداً و 20,6٪ عاطلاً.

-                         العوامل لتحسينه: 28 ٪ حضور مرشدين واستعمال لغة الشباب؛ 24,7 ٪ تكثيف لقاءات الشبيبة لتوسيع دائرة العمل الراعوي الجامعي؛ 18,5 ٪ تمييزه عن التعليم المسيحي؛ 14,4 ٪ مرافقة الشباب في اكتشاف دعوتهم ودعوتهنّ؛ وتقييم العمل من قبل المشاركين؛ 12,8 ٪ مساعدة الشبيبة على الإلتزام؛ 9,3 ٪ إدراج الإنعاش الإجتماعي والثقافي والمهني في العمل الراعوي .

4.                    وسائل الإعلام الكاثوليكية

50 ٪ يعتبرونها جيّدة، و 25,7 ٪ جيّدة جداً ، و 5,5 ٪ عاطلة.

-                         تقييمها : 31,5 ٪ تقليدية كثيراً، 22,2 ٪ فيها كثير من الثغرات؛ 21,4 ٪ لا تصيب الشبيبة؛ 13,6 ٪ بعيدة عن إعطاء نوعية جيّدة؛ 3,7 ٪ برامجها لا تنسجم مع الأوضاع الراهنة .

بنتيجة هذه الدراسة، علينا نحن رعاة الكنيسة، أساقفة أبرشيات وكهنة رعايا، تعزيز المرافقة الروحية لشبيبتنا في الرعية والمدرسة والجامعة. وعلى إدارات المدارس تحسين التعليم المسيحي كمّاً ونوعيةً لجميع مراحل التعليم، وتأمين قداديس أسبوعية واعترافات، تتيح لكل الطلاب المشاركة فيها، والاستعداد للمشاركة في قداس الأحد في رعاياهم. فلا يجوز أن تأتي كل البرامج الأخرى على حساب التعليم المسيحي والقداس الاسبوعي. وعلى كهنة الرعايا تعزيز الحركات والمنظمات الرسولية، وتأمين الارشاد والتثقيف الروحي والخلقي والليتورجي لأعضائها.

***

صلاة :

أيها الرب يسوع، إنك محور التاريخ، وحولك يدور تاريخ البشر. إمنحنا نعمة الاصغاء لنداءات وإلهامات الروح القدس، لكي يكتشف كل واحد منّا دعوته في تحقيق تصميم الخلاص، أكان في الحياة الزوجية والعائلية، أم في حياة الكنيسة ورسالتها، أم في الحياة الاجتماعية والوطنية. أسكب فينا روحك القدوس ليملأنا من حبك الإلهي، هذا الحب الذي يقدِّس حبنا البشري وينقّيه من انحرافاته وأنانيته، ويدفعنا بفرحٍ وسخاء إلى مساحة الرسالة الخلاصية والشهادة لك أيها المسيح، فادي الانسان. لك ولأبيك وروحك القدوس كل مجدٍ وشكران، الآن والى الأبد، آمين.



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +