Skip to Content

احد الابرار والصديقين 2012 - البطريرك بشارة

 

التنشئة المسيحية أحد الأبرار والصدقين، الأحد 5 شباط 2012
 أحد الأبرار والصدقين
Click to view full size image
الأحد 5 شباط 2012 (متى 25: 31-46)

 تذكر كنيسة الأرض، المجاهدة من أجل بناء ملكوت الله، كنيسةَ السماء الممجَّدة، لتكرِّم الأبرار والصدِّيقين الذين عاشوا شريعة المحبة؛ وهي شريعةٌ سنُدان عليها في مساء الحياة. تمتدحُهم وتستشفعُهم من أجلها ومن أجل كنيسة المطهر المتألِّمة، ملتمسة الراحة الأبدية لجميع الوتى المؤمنين.

أولاً، شرح نص الإنجيل

من إنجيل القديس متى 25: 31-46


قالَ الرَبُّ يَسُوع: «متى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ في مَجْدِهِ، وَجَمِيعُ المَلائِكَةِ مَعَهُ، يَجْلِسُ على عَرْشِ مَجْدِهِ. وتُجْمَعُ لَدَيْهِ جَمِيعُ الأُمَم، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُم مِنْ بَعْض، كَمَا يُمَيِّزُ الرَاعِي الخِرَافَ مِنَ الجِدَاء. ويُقِيمُ الخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالجِدَاءَ عَنْ شِمَالِهِ. حِينَئِذٍ يَقُولُ المَلِكُ لِلَّذينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوا، يَا مُبَارَكي أَبي، رِثُوا المَلَكُوتَ المُعَدَّ لَكُم مُنْذُ إِنْشَاءِ العَالَم؛ لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي، وعَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي، وكُنْتُ غَريبًا فَآوَيْتُمُوني، وعُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُوني، ومَريضًا فَزُرْتُمُونِي، ومَحْبُوسًا فَأَتَيْتُم إِليّ. حِينَئِذٍ يُجِيبُهُ الأَبْرَارُ قَائِلين: يَا رَبّ، متى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاك، أَو عَطْشَانَ فَسَقَيْنَاك؟ ومتى رَأَيْنَاكَ غَريبًا فَآوَيْنَاك، أَو عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاك؟ ومتى رَأَيْنَاكَ مَريضًا أَو مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْك؟ فَيُجِيبُ المَلِكُ ويَقُولُ لَهُم: أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: كُلُّ مَا عَمِلْتُمُوهُ لأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاءِ الصِغَار، فَلِي عَمِلْتُمُوه! ثُمَّ يَقُولُ لِلَّذينَ عَنْ شِمَالِهِ: إِذْهَبُوا عَنِّي، يَا مَلاعِين، إِلى النَارِ الأَبَدِيَّةِ المُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وجُنُودِهِ؛ لأَنِّي جُعْتُ فَمَا أَطْعَمْتُمُونِي، وعَطِشْتُ فَمَا سَقَيْتُمُوني، وكُنْتُ غَريبًا فَمَا آوَيْتُمُونِي، وعُرْيَانًا فَمَا كَسَوْتُمُونِي، ومَرِيضًا ومَحْبُوسًا فَمَا زُرْتُمُونِي! حِينَئِذٍ يُجِيبُهُ هؤُلاءِ أَيْضًا قَائِلين: يَا رَبّ، متى رَأَيْنَاكَ جاَئِعًا أَوْ عَطْشَانَ أَوْ غَرِيبًا أَو مَريضًا أَو مَحْبُوسًا ومَا خَدَمْنَاك؟ حِينَئِذٍ يُجِيبُهُم قِائِلاً: أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: كُلُّ مَا لَمْ تَعْمَلُوهُ لأَحَدِ هؤُلاءِ الصِغَار، فلِي لَمْ تَعْمَلُوه. ويَذْهَبُ هؤُلاءِ إِلى العَذَابِ الأَبَدِيّ، والأَبْرَارُ إِلى الحَيَاةِ الأَبَدِيَّة».

يرسم الربّ يسوع لوحة الدينونة العامة الآتية. يتكلّم عنها قُبيل آلامه وموته من أجل فداء البشر وخلاصهم. سنُدان على المحبة التي بلغ بها إلى الذروة، "فأحبّ حتى النهاية"(يو13: 1)، وارتضى الموت على الصليب حبّاً بالجنس البشري، لكي ينال الجميع الخلاص، ويبلغوا سعادة ملكوت السماء. ثمّ عاد وشدَّدَ: "هذه وصيّتي أن تحبّوا بعضكم بعضاً كما انا احببتكم"(يو 15: 12).

من ميزات محبته العظمى أنّه تماهى مع الجائع والعطشان والغريب والعريان والمريض والسجين، وسمّاهم "إخوتي الصغار". وأكّد أنّ أيّة عناية بأحدهم هي اعتناءٌ به شخصيّاً. هذا هو سبب الخلاص الأبدي الذي ناله الذين أمّنوا هذه العناية، وسبب الهلاك الدائم للذين لم يؤمّنوها: "كنت جائعاً فأطعمتموني...كنت جائعاً فما أطعمتموني"(متى25: 35 و 42). إنّه يُريد منّا  أن نراه ونخدمه في كلِّ مُحتاج، لأننا بذلك نُحقِّق وصيَّته بأن "نُحبّ الآخر حبّنا لنفسنا"(متى 22: 39). إتمام وصيّة المحبة طريقنا إلى الله. أمّا "نار الأبد" فقد أعدّها الشيطان لا الله، والانسان الذي يخلو قلبه من المحبة هو نفسه يختار الهلاك الأبدي لا الله.

ومعلوم أنّ الحاجات الست المذكورة هي على سبيل المثال لا الحصر، وهي مادية ومعنوية وروحية.

فالجائع هو الجائع إلى الخبز والطعام، والجائع أيضاً إلى كلمة الله والعلم والتربية. والعطشان يحتاج إلى الماء وإلى العدالة وإلى كلمة الحقّ والإنصاف، إلى الغفران والمصالحة. والغريب هو المتواجد في غير محيطه، وهو أيضاً العائش في غربة نفسيّة وعاطفيّة في عائلته ومجتمعه ووطنه، ولا يحظى بالتفهّم والاعتبار والقبول بشخصه ورأيه. والعريان هو المفتقر إلى ثوبٍ ولباس، والذي عُرِّيَ من كرامته وصيته بالكذب والإفتراء والنميمة وشهادة الزور. والمريض هو الذي يعاني من مرض جسدي ونفسي، ومن مرض الكبرياء والأنانية والعجب بالذات والكآبة والميل الى الشر والعنف، ومن الإدمان على السّكر ولعب القمار والمخدِّرات. والسجين هو الموقوف داخل قضبان الحديد والمغيَّب في أقبية التعذيب، وكذلك المستعبد للناس أو لإيديولوجيات، والأسير لنزواته وعاداته المنحرفة، والمستعبد للنافذين والمتسلّطين، وهو أيضاً المقيَّد بسلاسل حرمان الحاجات الاقتصادية والمعيشية والثقافية، وحاجات الأمن والاستقرار.

ينظر الربّ يسوع إلى الناس في ضوء هذا الإنجيل، من ثلاثة مواقع: موقع المحتاجين، وهم "إخوته الصغار"، وكلّ واحد منا، أيّاً كان، هو واحد منهم إمّا مادياً وإمّا روحياً وإمّا معنوياً، والمسيح يتماهى معه بتجسُّده وموته وقيامته، ويشدّده ويعزّيه؛ وموقع الصُلّاح، المشبَّهين بالخراف، الذين يسمعون صوت الله بتواضع وطاعة، ويعيشون المحبة الإجتماعية تجاه الإخوة المحتاجين؛ وموقع مغلوقي اليد والقلب عن الإخوة المحتاجين، ويعيشون كالماعز على هواهم، ولا يصغون لصوت الراعي، ولا يهمّهم إلّا ذواتهم وبطونهم ورغباتهم المنحطّة وحرياتهم المتفلّتة من قواعد الأخلاقية والإنسانية.

عندما يدعو السيّد الربّ الذين يعيشون المحبة الاجتماعية "ليرثوا الُملكَ المُعدَّ لهم منذ إنشاء العالم"، فللدلالة على أنّ هؤلاء هم حقاً أبناء الله الذي "هو محبة"(1يو4: 8)، ولذلك يرثون ملكوت السماء كأبناء.

ثانياً، الكنيسة والشأن الإقتصادي والإجتماعي

إنجيل اليوم يقتضي من الكنيسة والسلطة السياسية استثمار الممتلكات وتحفيز القدرات للتمكّن من مساعدة المحتاجين. خصّ المجمع البطريركي الماروني هذا الموضوع بنصّين، العشرين والحادي والعشرين وهما بعنوان: الكنيسة المارونية والشأن الإجتماعي، الكنيسة المارونية والقضايا الإقتصادية.

1. الكنيسة ملتزمة بالمحبة الإجتماعية من خلال مؤسساتها الإنسانيّة والتربويّة والإجتماعيّة والإستشفائيّة والإنمائيّة. وتعمل من أجل مجتمع تكون مؤسساته في خدمة الإنسان، ويكون هو قائماً على الثوابت التي تتلاءَم مع المبادئ الأساسية من تعليم الكنيسة الإجتماعي، واهمّها التضامن والعدالة والترقّي.

فالتضامن هو العزم الثابت على العمل من أجل الخير العام، الذي هو خير الجميع وخير كلّ فرد، لأنّنا جميعنا مسؤولون حقّاً عن الجميع.

والعدالة هي أوّلاً أن يتمتّع كلّ إنسان بحقوقه البشريّة الأساسيّة وبالكرامة، هذه عدالة طبيعية من صنع الله، توجب على الفرد والجماعة والدولة احترامها والسعي الى تحقيقها، فتصبح عدالة إجتماعية وتوزيعية يستفيد منها الجميع ومن تكافؤ الفرص على كلّ المستويات. فخيرات الدنيا مرتّبة من الخالق لجميع الناس.

الترقّي يشمل إنماء الشخص البشري والمجتمع، إنماءً إنسانياً شاملاً، من شأنه أن يكمّل العدالة. إنّه النموّ الإنساني والأخلاقي، والنموّ الإجتماعي والإقتصادي. وهكذا يستطيع كلّ شخص أن ينمّي كفاءاته وقدراته، وأن يحقّق ذاته ويشارك في بناء مجتمعه.

إنّ الكنيسة تعمل من أجل تحقيق نظام إجتماعي عادل يرتكز على تأمين الحقوق للجميع: الحقّ في بناء عائلة، الحقّ في السكن، الحقّ في العمل، الحقّ في الصحة والطبابة، الحقّ في التعليم والثقافة. كما يرتكز على الواجبات التي يلتزم بتأديتها كلّ فرد وجماعة.

والدولة من جهتها مسؤولة عن تأمين إقتصاد وطني يُخرج المواطنين من حالة الفقر والحرمان، ويوفّر لهم عيشاً كريماً في وطنهم، ويؤمّن لأجياله الطالعة والقوى الحيّة فرصاً للعمل تكون بمستوى اختصاصاتهم ومهاراتهم وقدراتهم، فلا يضطرّون إلى الهجرة التي تستنزف قوى المستقبل.

2. لذلك تدعو الكنيسة إلى إصلاح إقتصادي يوقف الممارسات المالية والإقتصادية والإجتماعية التي أدَّت وتؤدِّي إلى تفشِّي الفساد وسوء الأخلاق، وإلى حصر الثروات في أيدي قلّة من المواطنين، فيما الكثرة تعاني من الحرمان. يرتكز هذا الإصلاح على تفعيل مؤسسات الرقابة، وعلى تحقيق اللامركزية الإدارية، والتنمية المتوازنة بين كلّ المناطق اللبنانية، وعلى التعاضد الإجتماعي من أجل بناء مجتمع كريم وعادل.

ويقتضي هذا الإصلاح تعديل النظام الضريبي، بحيث يكون عادلاً وفاعلاً. فيوجب على الفئات الميسورة دفع ما يتوجّب عليها من ضريبة مباشرة على المداخيل، ويخفّف من الأعباء الضريبية عن عاتق الفئات المحدودة الدَّخل، باعتماد الضرائب غير المباشرة.

ويرتكز الإصلاح على تصويب السياسة النقدية ومواجهة قضية الدَّين العام بتغيير المسلك الإقتصادي والمالي والنقدي الذي أصاب البلاد بأضرار جسيمة.

ويوجب الإصلاح على الدولة الإلتزام: بإطلاق المجلس الإقتصادي الإجتماعي الذي يصوغ السياسة الإقتصادية والإجتماعية، ويعالج قضاياها ويضع خططاً للنهوض الإقتصادي الذي يجمع بين مفهومَي العدالة الإجتماعية والتنمية الإقتصادية؛ وبتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل تأمين البنى التحتية كالطاقة والسدود والطرقات والجسور والمرافئ ومواقف السيارات ومعامل معالجة النفايات ومحطات تكرير الصرف الصحي؛ وبإصلاح الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، لكي يصبح قادراً على تأمين الحماية الصحية والمجتمعية الشاملة للمواطن بالشكل الكافي واللائق، ولمعالجة الخلل المتراكم في إدارته وموظّفيه وماليته؛ وبتحفيز القطاعات الإنتاجية من أجل توفير المزيد من فرص العمل، وتحسين الميزان التجاري. هذه القطاعات تشمل السياحة والزراعة والصناعة والتجارة الخارجية. فيجب حماية جمركية الإنتاج الوطني، ودعم مادتَي الفيول والمازوت، والإسراع في تحقيق إستخراج الغاز الطبيعي في لبنان؛ وأخيراً لا آخراً بوضع خطّة وطنية للنقل العام، تمكّن استعمالها لأكبر شريحة ممكنة من المواطنين داخل المدن وما بينها.

هذه كلّها من توصيات الهيئات الإقتصادية والإتحاد العمّالي العام.

*    *

صلاة

أيها الرب يسوع، تركت لنا في شخصك وأفعالك القدوة والمثال للمحبة. وأوصيتنا بعيشها تضامناً وأفعالاً ومبادرات تجاه كل محتاج مادّياً ومعنوياً، روحياً وثقافياً. وقلت لنا أنك تتماهى مع هذا المحتاج بتجسُّدك وموتك وقيامتك من أجل كل إنسان. وبهذا بلغت إلى ذروة المحبة. وأوصيتنا: "أحبّوا بعضكم بعضاً، كما أنا أحببتكم". وأكّدت أن الطريق المؤدّي إلى الله والخلاص الأبدي يمرُّ عبر المحبّة التي سنُدان عليها. إزرع في القلوب محبّتك بالروح القدس الذي تفيضه علينا. بارك مؤسساتنا الكنسية والوطنية، الاجتماعية والاقتصادية، لكي تجري فيها الاصلاحات اللازمة، فتؤدّي خدمتها الانمائية للمواطنين وللمجتمع وللبلاد، وتساهم في النمو والازدهار، وفي الاستقرار الاجتماعي والسلام. ونرفع المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +