Skip to Content

الفصل الثاني: يا حياتنا ولذتنا - كتاب امجاد مريم

الفصل الثاني

Click to view full size image

هراً وبيت الله على قمم الجبال،

ويستعلي فوق أعلى التلال، ويجيء إليه

كل الأمم، ويسير نحوه شعوب كثيرة.(أشعيا 2/ 12)

في شرح ما يلاحظ هذه الكلمات وهي: يا حياتنا ولذتنا: †

* وفيه ثلاثة أجزاء *

أنه سيكون في آخر الأيام، جبل الرب

ظا† الجزء الأول  

* في أن مريم البتول هي حياتنا، لأنها تستمد لنا غفران خطايانا *

أنه لكي تفهم جيداً العلة التي من أجلها تجعلنا الكنيسة المقدسة، أن نسمي مريم العذراء حياتنا، فيلزم أن يعرف أنه كما أن النفس تعطي الحياة للجسد، فهكذا النعمة الإلهية تعطى الحياة للنفس. لأن النفس من دون النعمة الإلهية. نعم أنها تسمى حيةً، ولكنها بالحقيقة مائتةٌ هي، كما قيل في سفر الرؤيا (ص3ع1) لملاك كنيسة سرديس: أني أعرف أعمالك أن لك أسماً حي ولكن أنت ميت. فاذاً اذ تستمد مريم البتول للخطأة بواسطة شفاعاتها أكتساب نعمة الله، فبهذا النوع ترد لهم الحياة. فأسمع كيف أن الكنيسة تجعل مريم متكلمةً عن ذاتها. بتخصيصها لها الكلمات المقولة في العدد السابع عشر من الاصحاح الثامن من سفر الأمثال وهي: أن الذين يبتكرون اليَّ يجدونني: أي أن الذين يطلبوني باكراً يعني حالما يمكنهم فحقاً يجدونني. بل أن السبعين مترجماً قد وضعوا عوضاً من لفظة يجدونني هذه الكلمات وهي: يجدون نعمةً، ومن ثم أن الذين يلتجئون الى مريم يحصلون على نعمة الله. ثم أنه في العدد الأخير من الاصحاح المذكور توجد مدونةً هذه الكلمات وهي: أن من يجدني يجد الحياة ويستقي الخلاص من الرب: فهنا القديس بوناونتورا يهتف عند تفسيره الكلمات المقدم ذكرها قائلاً: أسمعوا يا معشر الذين يشتهون الحصول على ملكوت الله. فكرموا مريم تجدوا الحياة والخلاص الأبدي*

والقديس برنردينوس السياني يقول (في الرأس8 عظة61 ممن المجلد الأول من تأليفه): أن الله أنما لم يرد أن يبيد الانسان من الوجود بعد سقوطه بالخطيئة في عدن، لأجل الحب الخاص الذي كان يحب به هذه الابنة العتيدة: ثم بعد ذلك يقول هذه الألفاظ الأخرى وهي: أنني لا أرتاب في أن كل المراحم والغفرانات التي فاز بها الخطأة في زمن الناموس القديم، فالله قد منحهم اياها ملاحظةً لهذه البتول المباركة لا غير.*

فلهذا يحرضنا حسناً القديس برنردوس بقوله: أن كنا أضعنا نعمة الله نحن الأشقياء، فلنجتهد في أن نكتسبها ثانيةً بواسطة مريم: لأننا أن كنا أضعنا هذه النعمة فمريم قد وجدتها، ومن ثم كان القديس المذكور يسميها: واجدة النعمة: أو ظافرة بالنعمة. وهذه الصفة قد نعتها بها لتعزيتنا العظيمة القديس جبرائيل رئيس الملائكة بقوله لها: لا تخافي يا مريم فقد ظفرت بنعمةٍ من عند الله: (لوقا ص1ع30) ولكن لأمرٌ محقٌ هو أن مريم قط لم توجد خاليةً من نعمة الله. فكيف اذاً زعيم الملائكة جبرائيل يقول لها: قد وجدت نعمةً: أو ظفرت بنعمةٍ من عند الله: والحال أن من يجد شيئاً أو يظفر بشءٍ، فيلزم أن لا يكون هو قبلاً حاصلاً عليه. فالبتول القديسة قد كانت دائماً مع الله، وحاصلةً على الدوام في حال النعمة، بل ممتلئة منها، كما أعلن ذلك القديس جبرائيل رئيس الملائكة نفسه، حالما أنتصب أمامها هاتفاً نحوها: أفرحي يا ممتلئةً نعمةً الرب معكِ: فأن كانت اذاً مريم لم تجد هذه النعمة أو تظفر بها لذاتها، لأنها وجدت دائماً ممتلئةً منها. فلمن وجدتها؟ فيجيب عن ذلك في تفسيره النص المتقدم ذكره الكردينال أوغون الجليل قائلاً: أن مريم قد وجدتها للخطأة الذين كانوا أضاعوها، فليسرع اذاً جرياً نحو مريم أولئك الخطأة الذين أضاعوا النعمة، لأنهم عندها من دون ريب يجدون هذه النعمة المفقودة منهم، وليقولوا لها هكذا: أيتها السيدة أن الشيء الضائع يلزم أن يرد لمن أضاعه. فهذه النعمة التي أنتِ وجدتيها ليست هي لكِ، لأنكِ أنتِ قط ما أضعتيها. فهي لنا لأننا نحن الذين أضعناها. ولهذا يلزمكِ أن ترديها لنا. ثم يستنتج من هذا الرأي ريكاردوس الذي من سان لورانسوس (في كتابه2 على العذراء) بقوله: فأن كنا اذاً نرغب أن نحصل على نعمة الله، فلنذهب نحو مريم التي قد وجدت هذه النعمة. ودائماً هي واجدتها: ولأنها قد كانت على الدوام، كما هي الآن ولم تزل سرمداً محبوبةً عزيزةً لدى الله، فإذا ما التجأنا اليها، فمن دون كل ريبٍ نحصل على النعمة: ثم مما جاء مدوناً عن هذه السيدة في العدد العاشر من الاصحاح الثامن والأخير من سفر نشيد الانشاد المقدس وهو: أنا سورٌ وثدياي كبرجٍ. فكنت أنا في عينيه كواجدة سلامٍ: يتضح أن الله قد أقامها سوراً وملجأً لنا لأجل حمايتنا. وواسطة فيما بيننا نحن الخطأة وبينه تعالى للسلام، فسنداً على الكلمات المقدم ذكرها يشجع القديس برنردوس الخاطئ قائلاً له: أمضِ الى أم الرحمة هذه، وأكشف لها الجراحات الكائنة في نفسك من قبل خطاياك، وحينئذٍ هي بتأكيدٍ تتضرع الى ابنها بأن يغفر لك أكراماً للحليب الذي أرضعته إياه من ثدييها، وابنها لحبه اياها العظيم يستجيب من كل بد تضرعها من أجلك: كما يتضح من عملية الكنيسة المقدسة التي تجعلنا أن نطلب من الله أن يمنحنا معونة شفاعة مريم ذات الاقتدار، لكي ننهض من أحداث خطايانا. وذلك بواسطة تلك الصلاة الاعتيادية وهي: امنح أيها الإله الرحوم عوناً لضعفنا، حتى نحن المحتفلين بتذكار القديسة والدة الإله، فبمعونة شفاعاتها نكون ناهضين من سقطات مآثمنا وقباحتنا.*

فاذاً بالصواب يسمي مريم البتول القديس لورانسوس يوستينياني: رجاء عمال الأثم. لأنها هي وحدها تلك التي تستمد لهم من الله غفران خطاياهم. وكذلك بكل لياقةٍ يدعوها القديس برنردوس: سلم الخطأة: لأن هذه الملكة الشفوقة. اذ تمد يدها الى الأثمة المساكين الواقعين في حفرة الخطيئة، فتنتشلهم مصعدةً أياهم من هوة الأثم الى الله كعلى سلمٍ. وهكذا بكل عدالةٍ يسميها القديس أوغوسطينوس: (في عظته18 على القديسين) "رجانا نحن الخطأة". لأننا بوساطتها هي وحدها نترجى الصفح عن ذنوبنا كلها، وهذا نفسه يقوله القديس يوحنا فم الذهب أي: أن الخطأة بشفاعات مريم فقط يفوزون بالغفران من الله. ومن ثم بعد ذلك يحييها بالسلام عن لسان جميع الخطأة (في فرض عيد ميلادها) قائلاً: السلام عليكِ من الرب يا والدة الإله وأمنا، أيتها العرش السماوي حيث يجلس الله، فأنت هي السدة التي منها يوزع الرب أنعامه كلها، فتوسلي الى يسوع دائماً من أجلنا، لكي نستطيع بواسطة صلواتكِ أن نستمد الغفران في يوم المحاسبة، ونفوز بالمجد الطوباوي الى الأبد.*

وأخيراً بالصواب تدعى مريم مطلع الصبح كما هو مدون عنها هكذا: من هي هذه المستشرقة كمطلع الصبح جميلة كالقمر منتخبة كالشمس: (نشيد الانشاد ص6ع9) أي نعم أنها هي الفجر الصباحي، لأن الحبر الأعظم أينوشانسيوس يقول (في عظته الثانية على صعودها): أنه من حيث أن الصباح هو نهاية الليل وبداية النهار، فبالصواب أن مريم البتول قد شبهت بالصبح، لأنها هي نهاية الرذائل وبداية الفضائل: فالمفعول عينه الذي صنعته مريم في العالم حين ميلادها تفعله في نفس كل انسانٍ حين تتلد فيه العبادة نحوها، ولذلك يخاطبها القديس جرمانوس (في عظته الثالثة على نياحها) قائلاً: يا والدة الإله أن حمايتكِ ونصرتكِ هي عديمة الفناء، وشفاعتكِ هي الحيوة: وفي عظته المختصة بعيد وضع زنارها يقول: أن إسم مريم لمن يتلفظ به بحسن عبادةٍ وحبٍ هو علامة وجود الحياة. أو أنه من دون أبطاءٍ يحصل المتلفظ به على الحياة.*

فقد رتلت هي نفسها قائلةً: ها منذ الآن يعطيني الطوبى جميع الأجيال: (لوقا ص1ع48) فيقول نحوها القديس برنردوس. (في عظته المختصة بالعنصرة): أي نعم يا سيدتي لأجل ذلك يدعوكِ طوباوية البشر جميعهم. لأن عبيدكِ كلهم ينالون بواسطتكِ حياة النعمة والمجد الأبدي: (ويقول في خطبته على ميلادها) أن الخطأة بكِ يجدون الغفران، وأما الصديقون فيحصلون بكِ على نعمة الثبات، وبعد ذلك على الحياة السرمدية: (وهنا يتكلم المتعبد لها يرنردينوس البوسطي في عظته على ميلادها قائلاً): لا يقل رجاك أيها الخاطئ، حتى ولو أنك تكون أرتكبت أفعال الخطايا كلها. بل ألتجِ بطمأنينةٍ الى هذه السيدة لأنك تجدها مملؤة اليدين من الرحمة... فمريم ترغب أن تصنع معك الخير وتهبك النعم. بأكثر وأفضل مما أنت ترغب وتشتهي أن تقتبل منها.*

ثم أن القديس أندراوس الأقريطشي يسمي مريم: طمأنينة الغفران الإلهي: وهذا يفهم به أنه حينما تلتجئ الخطأة الى مريم لكي يتصالحوا مع الله، فالباري تعالى يعدهم بالغفران بنوعٍ أمينٍ كليّ الطمأنينة، ويعطيهم عربوناً لهذه الطمأنينة مريم نفسها، التي قد وهبناها عز وجل محاميةً عنا، ولأجل شفاعاتها يغفر الخطايا بقوة أستحقاقات يسوع المسيح لأولئك الذين يستغيثون بها ويقصدون نصرتها. والقديسة بريجيتا قد عرفت من الملاك (في الرأس9) أن الأنبياء القديسين كانوا يتهللون عندما عرفوا أن الله لأجل تواضع مريم وطهارتها، كان مزمعاً أن يرتضي بمصالحة الخطأة، وبان يتقبل في نعمته أولئك الذين كانوا أغاظوه.*

فلا ينبغي لكائنٍ من كان من الخطأة أن يخاف أصلاً، من أنه يمكن أن مريم تطرده خارجاً، اذا أستدعاها لمعونته مستغيثاً برأفتها، كلا، لأنها هي أم الرحمة، وبحسب صفتها هذه ترغب خلاص الخطأة الأكثر شقاوةً. فيقول القديس برنردوس: أن مريم هي تلك السفينة التي كل من يحتمي فيها لا يدركه الغرق الأبدي: فداخل سفينة نوح قد خلصت من الطوفان البهائم والوحوش أيضاً. وهكذا ضمن حماية مريم وتحت ظل عنايتها تخلص الخطأة أيضاً. فالقديسة جالتروده قد شاهدت في الرؤيا يوماً ما مريم البتول مقتبلةً تحت أذيال برفيرها كثرةً من الوحوش الضارية، أسوداً، نمورةً، دبباً وغيرها، ثم لاحظت كيف أن مريم ليس فقط لم تكن تطرد من حولها تلك الوحوش، بل بالعكس كانت بأشفاقٍ وحنوٍ تجمعها وتلاطفها وتنعطف نحوها، ومن هذه الرؤيا قد عرفت القديسة أن الخطأة الأشد تعاسةً والأكثر أثماً، حينما يبادرون الى حماية هذه الأم الرأوفة، فلا يقصون من أملهم مطرودين، بل يقبلون منها مخلصين من الموت الأبدي، فلنذهب اذاً وندخل ضمن هذه السفينة، ولنلتجِ تحت ذيل حماية مريم التي من المؤكد لا تطردنا، بل من دون ريبٍ تهتم في أمر خلاصنا*

* نموذج *

أن الأب بوفيوس يخبرنا فيما بين الأشياء الأخرى عن أمرأة رديئة السيرة أسمها هيلانه. فهذه اذ أتفق لها يوماً ما بطريق الصدفة، أن تستمع في الكنيسة عظةً مختصةً بالوردية، فلما خرجت من المعبد الإلهي أشترت مسبحةً من مسابح الوردية، الا أنها حملتها خفيةً كيلا يراها أحدٌ، ثم شرعت فيما بعد تمارس صلاة هذه المسبحة، ومع أنها كانت تتلوها من دون عواطف العبادة، فمع ذلك قد أفاضت البتول القديسة في قلبها عذوبةً وتعزيةً بهذا المقدار عظيمةً عندما كانت تصلي بها، حتى أنها ما عادت تعرف تهمل تلاوتها، وبذلك قد حصل عندها تكرهٌ ونفورٌ من سيرتها القبيحة، بنوع أنها لم تعد تحتمل توبيخ ضميرها الشديد، أو تجد راحةً لأفكارها القلقة. ومن ثم شعرت بنفسها منجذبةً بأغتصابٍ الى أن تمضي تعترف بخطاياها في منبر التوبة. كما فعلت حقاً بتوجعٍ وندامةٍ قلبيةٍ بهذا المقدار عظيمةٍ، حتى أن معلم أعترافها قد أستوعب من ذلك أنذهالاً، فبعد نهاية الاعتراف ذهبت أمام هيكل والدة الإله، لكي تقدم الشكر لمعينتها هذه المقتدرة، وهناك أكملت صلوة الوردية، فالأم الإلهية قد تنازلت لأن تخاطبها من تلك الأيقونة قائلةً لها: يكفيكِ يا هيلانه ما قد أغظتِ به الله لحد الآن، وما أهنتيني به، فمنذ هذا اليوم فصاعداً غيري سيرتكِ، وأنا سأهبكِ جانباً ليس بقليلٍ من أنعامي: فهيلانه الخاطئة المسكينة قد أمتلأت خجلاً وأنذهالاً وأجابتها هاتفةً: أيتها البتول الكلية القداسة، أنني بالحقيقة قد عشت لحد هذا الوقت خاطئةً أثيمةً شقيةً دنسةً، ولكن أنتِ من حيث أنكِ قادرةٌ على كل ما تشائين، فعينيني لأني أهبكِ ذاتي بجملتها. وأريد أن أصرف ما بقي من حياتي في أعمال التوبة وفاءاً عن مآثمي. ثم خرجت من الكنيسة وبمعونة والدة الإله قد وزعت كل ما كانت تملكه على الفقراء والمحتاجين، وشرعت تمارس أفعال التوبة الأشد صرامةً. فأي نعم أن التجارب قد نهضت لمحاربتها ووثبت عليها بقوةٍ كلية. الا أنها أي هيلانه لم تكن تغفل عن الألتجاء المتصل الى معينة التائبين، وبذلك كانت دائماً تنتصر على أعدائها الجهنميين، وقد حصلت على انعامٍ وافرةٍ فائقة الطبيعة، حتى أنها فازت بأوحيةٍ وجلياناتٍ سماوية وبروح النبوة أيضاً. وأخيراً قبل نياحها بأيامٍ وجيزة، قد أنذرتها والدة الإله مخبرةً اياها عن وقت خروجها من هذه الحياة. ولما جاءت الساعة قد حضرت اليها هذه الأم الإلهية عينها مع ابنها الحبيب لتعزيتها، وعند أنفصالها من الجسد قد شوهدت نفسها بصورة حمامةٍ بيضاء جزيلة الجمال، قد تراقت متطايرةً الى السماء لتمجد الله في السعادة الأبدية سرمداً.*  

† صلاة †

هوذا أنني منطرحٌ على قدميكِ يا والدة إلهي. يا رجاي الوحيد أنا الخاطئ الشقي طالباً منكِ الرأفة. فأنتِ تدعين من الكنيسة كلها ومن المؤمنين أجمعين: ملجأ الخطأة: فاذاً أنتِ هي ملجأي ويخصكِ أن تخلصيني: فأنتِ تعلمين كم هي عظيمة رغبة ابنكِ أمر خلاصنا، وتعرفين يا والدة الإله الكلية الحلاوة مقدار ما يسر وحيدكِ المبارك بتخليصنا: (غوليالموس الباريسي) ومعلومٌ هو لديكِ كم قد أحتمل يسوع لأجل خلاصي، فأنا أذكركِ يا أمي بألام حبيبكِ. وهي البرد الذي تكبده في مغارة بيت لحم، مشقة هربهِ الى مصر، أتعابه، أعراقه، دمه الذي سفكه، أوجاع الموت التي أحتملها أمام عينيكِ مقتولاً على الصليب، فأوضحي ذاتكِ أنكِ تحبين هذا الابن الإلهي. في الوقت الذي فيه أنا أتوسل اليكِ بأن تعينيني حباً به. أمددي يدكِ اليَّ أنا الواقع الملتمس منكِ الشفقة. فلو أني أكون قديساً لما كنت طلبت الرحمة، بل من حيث أني خاطٍ فأنا ملتجٍ اليكِ لكونكِ أم المراحم، فأنا أعلم أن قلبكِ الحنون يتعزى كثيراً بأعانة البائسين، حينما يمكنكِ أن تعينيهم اذ لا تجدينهم مصرين على آثامهم. فاذاً أبهجي اليوم قلبكِ الرأوف وعزيني، لأنه توجد لكِ حجة لأن تخلصيني. اذ أني مسكينٌ مستحق جهنم، وتقدرين أن تساعديني، لأني لا أريد أن أكون مصراً على عمل الخطيئة. فأنا أضع ذاتي في يدكِ، فقولي لي ماذا يجب أن أصنع. وأستمدي لي قوةً لأقدر أن أتمم ما ترسمينه عليَّ، في الوقت الذي فيه أنا أقصد أن أفعل كل ما يمكنني صنعه، لكي أرجع الى حال النعمة الإلهية. فأنا أهرب محتمياً تحت كنف وقايتكِ، وابنكِ يسوع يريد أن التجئ اليكِ. حتى لأجل مجده ومجدكِ بحسب كونكِ أمه يسعفني للخلاص ليس فقط دمه المسفوك لهذه الغاية، بل معونة صلواتكِ أيضاً من أجلي لديه. فهو أرسلني اليكِ لكي تعينيني، وهوذا أنا أسرعت مستغيثاً بكِ. وواثقاً فيكِ برجاءٍ وطيدٍ، فأنتِ تطلبين متضرعةً من أجل الكثيرين. فصلي من أجلي أنا أيضاً ولو كلمةً واحدةً. قولي لله أنكِ تريدين أن تخلصيني. وحينئذٍ لا ريب في أنه تعالى يخلصني، فقولي له أني أنا خاصتكِ، وأكثر من هذا أنا لا أطلب منكِ.*

الجزء الثاني

Click to view full size image

* أن مريم هي حياتنا كونها تستمد لنا نعمة الثبات في البر*

بي تمتلك الملوك، والذين يعملون فيَّ لا يخطئون (أمثال 8/15)

مغبوط الإنسان الذي يستمعني والذي يسهر كل يوم عند أبوابي

ويحفظ أوزان مداخلي. (أمثال 8/34) †

أن نعمة الثبات الأخيرة هي موهبة إلهية عظيمة جداً، وكما حدد المجمع التريدنتيني المقدس هي موهبةٌ مجانيةٌ مطلقاً، لا يمكننا أصلاً أن نستحقها بذواتنا، بل كما يعلّم القديس أوغوسطينوس أن كل أولئك الذين يلتمسون من الله نعمة الثبات فينالونها، وحسبما يقول سوارس أنهم حقاً ينالونها من دون خللٍ، طالما يداومون على أن يطلبوها من الله بأجتهاد لحد نهاية حياتهم، لأن هذا الثبات على ألتماسها يومياً. كما يقول الكردينال بالارمينوس يعتبر كبرهان على أنهم يومياً ينالونها. فإن كان أمراً حقيقياً هو أن كل النعم التي تفاض علينا من الله. فتتوزع علينا بواسطة مريم البتول. حسب الرأي الكائن الأن رأياً عاماً، والذي أنا أعتده صادقاً، كما سأبرهن عنه في الفصل السادس من هذا القسم، فكذلك يكون أمراً حقيقياً هو اننا بواسطة مريم فقط. يمكننا أن نرجوا نعمة الثبات الأخيرة هذه العظمى وأن نفوز بها. ومن دون ريبٍ نحن ننالها أن كنا نطلبها بدالةٍ وبحسن أتكالٍ دائماً من هذه القديسة، التي هي نفسها وعدت بأن تمنحها لكل أولئك الذين يخدمونها بأمانةٍ في هذه الحيوة. حسبما تستخدم الكنيسة المقدسة عن لسانها في خدمة عيد الحبل بها، كلمات العدد الثلاثين من الاصحاح الرابع والعشرين من سفر حكمة ابن سيراخ، وهي هذه: أن الذين يعملون فيَّ لا يخطئون، ومن شرحني تحصل لهم الحياة الأبدية.*

فلكي ننحفظ نحن في حياة النعمة الإلهية، فضروري لنا هو أن نكون حاصلين على القوة الروحية، ليمكننا أن نصادم كل أعداء خلاصنا، فهذه القوة نحن نقدر أن نحصل عليها بواسطة مريم فقط، كما جاء عنها في العدد الرابع عشر من الاصحاح الثامن من سفر الأمثال بهذه الكلمات: لي هي القوة بي تتملك الملوك: فاذاً مريم تقول أن هذه القوة هي لي. لأن الله قد دفع في يدي هذه الموهبة لكي أوزعها أنا على المتعبدين لي. وبي تتملك الملوك، أي أن عبيدي بواسطتي يتملكون مسلطين على حواسهم كلها، وعلى آلامهم، وبهذه الصورة يؤهلون لأن يملكوا فيما بعد الملك السماوي الى الأبد. فيا لها من قوة عظيمة هي تلك الفائز بها المتعبدون لهذه السيدة الكلية العظمة، وبها ينتصرون على تجارب الجحيم كلها. ثم أن مريم العذراء هي ذاك البرج المدون عنه هكذا: أن عنقكِ هو كبرج داود المبني بالمحاصن المعلق عليه ألف ترسٍ وكافة أسلحة المقتدرين: (نشيد الانشاد ص4ع4) فهي نظير البرج الحصين المستدير بالأسوار لمحافظة محبينها الملتجئين اليها لتحامي عنهم، والمتعبدون لها يجدون في هذا البرج الذي هو مريم، كل الأسلحة التي بها يحاربون عن ذواتهم ضد قوات الجحيم.*

فمن ثم تدعى البتول الكلية القداسة شجرة الدلب كما جاء عنها القول في سفر حكمة ابن سيراخ (ص24ع19) هكذا أنني كالدلب أرتفعت على شط الماء في الشوارع. فالكردينال أوغون يفسر ذلك، بأن شجرة الدلب لها أوراقها بصورة الأتراس، وبذلك يتضح المعنى بأن مريم تتخذ على ذاتها حماية كل أولئك الذين يلتجئون اليها مستغيثين بمعونتها وترد عنهم قوة أعدائهم. ثم أن الطوباوي آماداوس (في ميمره الثامن) يعطي هذا النص تفسيراً آخر وهو: أن مريم تسمى شجرة الدلب، لأنه كما أن هذه الشجرة هي ذات كبرٍ وأغصانٍ ضخمةٍ وأورقٍ مدغمةٍ، وبالتالي تعطي تحتها وحولها ميداناً واسعاً، فيه يستظل المسافرون عابروا الطريق مستترين بفيها من حرارة الشمس، ومحتمين تحتها من الأمطار. فهكذا تحت أذيال حماية مريم وعنايتها، يجد البشريون ميداناً فيه يلتجئون من حرارة نيران الشهوات والآلام، ومن شدة عواصف التجارب:*

فيا لتعاسة تلك الأنفس التي تبتعد عن هذا الملجأ الأمين، وتهمل التعبد لهذه السيدة. وتتغاضى عن الأستغاثة بها في حين الأحتياج، فيقول القديس برنردوس: ترى كيف يكون حال العالم سوى ظلمةٍ حالكةٍ دائمةٍ مكروهةٍ. اذا أفترضنا أن الشمس لا تعود تشرق في جلد السماء، فكذلك اذا خسرت نفسٌ ما عبادتها لمريم، فحالاً تضحى تائهةً في تلك الظلمة المقال عنها من المرتل: جعل الظلمة فكان ليلٌ وفيه تعبر سائر وحوش الغاب: (مزمور104/ع20) أي حينما لا يشرق في نفسٍ ما النور الإلهي، فيصير ظلامٌ وتضحى النفس مربضاً لوحوش الخطايا كافةً وللشياطين أيضاً. فالويل اذاً (يقول القديس أنسلموس) ثم الويل لأولئك الذين يحتقرون ضياء هذه الشمس، أي يرفضون التعبد لمريم محتقرينه: ومن ثم بالصواب كان القديس فرنسيس بورجيا يرتاب في أمكانية أن يفوز بنعمة الثبات الأخيرة، أنفس أولئك الذين لا توجد فيهم عبادةٌ خصوصيةٌ نحو البتول الطوباوية، فهذا القديس يوماً ما دخل عند المبتدئين في الرهبانية، وأخذ يفحصهم سائلاً كل واحدٍ منهم عن القديس الذي كانت له نحوه عبادةٌ أشد حرارةً، ومن ذلك عرف أن البعض منهم لم تكن فيهم هذه العبادة لمريم العذراء، فأستدعى معلم المبتدئين وحرضه بالسهر بنوعٍ خاص على تصرفات المشار اليهم، الذين قد تحقق عنهم فيما بعد بالعمل أنهم أضاعوا أثمار دعوتهم بتعاسةٍ. لأنهم خرجوا من الرهبنة. فاذاً ليس من دون برهان راهن كان القديس جرمانوس يسمي والدة الإله: نسمة حياة المسيحيين: مبرهناً ذلك بقوله (في خطبته على والدة الإله): أنه كما أن الجسد لا يمكنه أن يحميى من غير التنفس فهكذا النفس لا يمكنها أن تحميى من دون أن تلتجئ الى مريم، التي بوساطتها نحن بالحقيقة نكتسب النعمة الإلهية حياة النفس وننحفظ بها. فقد أتفق يوماً ما أن الطوباوي ألانوس قد حصل في تجربةٍ لفعل الخطيئة، ومن كونه تغاضى عن أن يلتجئ الى والدة الإله مستغيثاً بمعونتها، فكاد عما قليلٍ أن يتكردس متهوراً في هوة الأثم، الا أن هذه السيدة قد ظهرت له، ولكي تجعله في المستقبل أكثر حرصاً، قد لطمته على خده قائلةً له: أنك لو كنت أستدعيتني لمعونتك حالاً، لما كنت حصلت في هذا الخطر المبين.*

وبالعكس (تقول مريم): مغبوطٌ هو الانسان الذي يستمعني والذي يسهر كل يومٍ عند أبوابي ويحفظ أوزان مداخلي: (سفر الأمثال ص8ع34: كما ترتل الكنيسة في عيد الحبل بهذه السيدة) أي الطوبى لذلك الانسان الذي يصغي الى صوتي، ولذلك يلبث مستيقظاً ويأتي بأتصالٍ ليقرع أبواب رحمتي، ويستمد مني الاستنارة والمعونة. على أن البتول مريم تهتم في أن تستميح من الله لهذا المتعبد لها نوراً وقوةً. ليمكنه أن يخرج من عوائده الرديئة، ويسلك في سبل الفضائل، ولذلك نعتت العذراء المجيدة من الحبر الأعظم أينوشانسيوس الثاث في عظته الثانية على صعودها الى السماء بهذه الكلمات وهي: أن مريم هي قمرٌ في الليل، ونجمةٌ في الصبح، وشمسٌ في النهار: فهي قمرٌ لمن هو أعمى في ليل الخطيئة. لكي تنيره لمعرفة الحال الشقية الكائن هو بها المؤدية إياه الى الهلاك. وهي نجمة الصبح أي (سابقة الشمس ومنذرة بقرب أشراقها) لمن قد أستنار عقله. وعرف سوء حاله، لكي تصيره أن يخرج من هوة الآثام ويرجع الى حال النعمة الإلهية، وهي أخيراً شمسٌ لمن هو حاصلٌ على نعمة التقديس، لكيلا يرجع متهوراً بالسقوط في خطيئةٍ ما.*

ثم أن العلماء يخصصون مريم الطوباوية بتلك الكلمات المقولة في حكمة ابن سيراخ وهي: أن رباطاتها هي رباطات الخلاص: (ص6ع31): فما هي رباطات الخلاص (يسأل القديس لورانسوس يوستينياني، ويجيب هو على سؤاله بقوله) هي أن مريم توثق عبيدها برباطات الحفظ الخلاصية، لكيلا يتوهوا في طريق الرذائل: والقديس بوناونتورا في تفسيره الكلمات الأخرى وهي في جمهور القديسين مقامي: (ابن سيراخ ص24ع16) يقول هكذا: أن مريم ليس فقط أن مقامها هو في جمهور القديسين، بل أيضاً هي تحفظ القديسين (أي الأبرار الأحياء في العالم) لكيلا يرجعوا الى الوراء متقهقرين. وتحفظ فضائلهم كيلا تنقص فيهم، وتمنع الشياطين لكيلا يضروهم بشيء رديء:*

وقد يقال أن المتعبدين لمريم هم متردون بأثوابٍ مضعفةٍ، كما هو مكتوب: أن أهل بيتها جميعهم لابسون ثياباً مضاعفةً (أمثال ص31ع21) فكورنيليوس الحجري يفسر ما هي هذه الثياب المضعفة بقوله: أن البتول القديسة تزين عبيدها الأمناء بفضائل أبنها وبفضائلها هي أيضاً، واذ يكونون على هذه الصورة لابسين أثواب الفضائل. فينحفظون في نعمة الثبات: ولذلك القديس فيلبس نيرى كان دائماً يرشد تلاميذه قائلاً لهم: يا أولادي أن كنتم ترغبون نعمة الثبات الأخيرة. فكونوا حسني العبادة لمريم العذراء: وكذلك كان يقول الطوباوي الأخ يوحنا باركمانس اليسوعي: أن من يحب مريم ينل نعمة الثبات الأخيرة: ونعما الرأي هو ما يلاحظه الأنبا روبارتوس في مثل الابن الشاطر بقوله: أنه لو كانت أم هذا الابن المتمرد بعد حيةً. فأماً أنه لم يكن قط أبتعد عن بيت أبيه. وأما أنه لما كان تأخر عن الرجوع كل ذاك الزمان المستطيل: ويعني بهذا أن من هو ابنٌ لمريم البتول. فأما أنه لا يبتعد أصلاً عن الله. وأما اذا أبتعد لسوء حظه فلا يبطؤ عن الرجوع اليه تعالى بالتوبة.*

فليت كل البشر يحبون هذه السيدة الكلية الأشفاق والمحبة، وفي حين محاربتهم من التجارب يلتجئون اليها سريعاً، فاذا فعلوا ذلك أهل يسقط أحدٌ منهم في الأثم، او هل يمضي أحدٌ منهم هالكاً، كلا، بل أنه يسقط في هوة الخطيئة وينحدر الى هاوية الجحيم من لا يلتجئ الى هذه الملكة. فالقديس لورانسوس يوستينياني يخصص بوالدة الإله تلك الكلمات المقالة في سفرحكمة ابن سيراخ (ص24ع8) وهي: في أمواج البحر مشيت: ثم يجعلها أن تتكلم هكذا: أنني أمشي جملةً مع عبيدي فيما بين العواصف حيث هم يوجدون، لكي أساعدهم معينةً، وأخلصهم منجيةً من هوة الأثام ومن بحر الخطيئة.*

فيخبر الأب برنردينوس البوسطي أن البعض من مربي الطيور المناغية كان علم طيراً صغيراً هذه الكلمات وهي: السلام لكِ يا مريم: ليناغي بها. فيوماً ما أنقض الطير الخطاف وهو الباشق على ذاك الطير الصغير ليخطفه ممزقاً، الا أنه حالما الطير صرخ السلام لكِ يا مريم: فالباشق سقط في الأرض مائتاً، فبهذا الحادث أراد الباري تعالى أن ينبهنا، على أنه أن كان طيرٌ عديم التعقل قد خلص من الموت، لتلفظه بأسم مريم، فكم بأولى حجةٍ ينجو من التجارب ومن وثبات الشياطين. ذاك الذي يهتم في أن يعود ذاته على الألتجاء الى هذه السيدة مستغيثاً بها. فيقول القديس توما الفيلانوفي (في عظته على ميلاد البتول) أنه لا يلزمنا أن نصنع شيئاً آخر في حادث التجارب حينما تأتي ضدنا الأبالسة لتجربنا، سوى ما تصنعه فراخ الدجاجة حينما ترى الطير الخطاف، أي أنها تهرب سريعاً وتختفي تحت جناحي الدجاجة، فهكذا نحن عندما نشعر بقدوم التجربة وبالهواجس الرديئة، فمن دون أبطاءٍ ومن غير أن نتكلم شيئاً ما عن التجربة. فلنسرع واضعين ذواتنا تحت كنف هذه الأم الإلهية: (ثم يقول أيضاً): وأنتِ أيتها السيدة أمنا يلزمكِ أن تحمينا منجيةً لأنه لا يوجد لنا بعد الله ملجأٌ آخر سواكِ، فأنتِ هي رجاؤنا الوحيد والمحامية عنا الفريدة، وبكِ نثق مطمئنين.*

فلنختتم اذاً الأيراد مع القديس برنردوس (في ميمره على أنجيل البشارة) بقوله: أيها الإنسان من أية رتبة كنتَ، فأنتَ تعلم أنك في هذه الحياة لا تزال سائراً في بحرٍ عجاجً فيما بين الأخطار والتهلكات المملؤة منها هذه الأرض، فان كنت لا تريد أن تغرق هالكاً، فلا تحد نظرك عن هذه النجمة التي هي مريم، بل تفرس فيها وأستغث بها، ثم في أخطار الخطايا، وفي حدوث الأنزعاجات والمصائب والتجارب والأرتيابات، وفي الأشياء التي يلزمك أن تمارسها وتعتمد عليها، أفتكر دائماً في أن مريم تقدر أن تعينك، ولذلك أدعها اليك مستغيثاً بها، فهي تعضدك وتنقذك، فلا يبرح من قلبك أسمها المقتدر بحسن الأتكال، ولا ينتزح عن شفتيك بأستدعائك اياها لمعونتك، فان كنت تتبع هذه السيدة لاحقاً، فلا تضل في الطريق تائهاً عن سبيل الخلاص، وطالما أنتَ ملتجٍ اليها. فلا يمكن أن تخيب من رجائك، واذا هي مسكتك بيدها، فلن تسقط أبداً، وان هي حامت عنك، فليس لك أن ترتاب في خلاصك، وان هي قادتك، فمن دون تعبٍ أنت تبلغ الى السعادة الأبدية، وبالأجمال أن كانت مريم تهتم في أمورك، فمن دون ريب أنت تمتلك السماء.*

* نموذج *

أنها لشهيرة هي حياة القديسة مريم المصرية المدونة في الكتاب الأول من سير الآباء. فهذه اذ كان عمرها أثنتي عشرة سنةً، هربت من بيت أهلها ومضت الى المدينة الاسكندرية حيث عاشت بسيرة هكذا قبيحة، حتى أنها صارت حجر عثرةٍ لجميع سكان المدينة. فبعد أن أستمرت على عمل القبائح مدة ست عشرة سنة، مضت الى أورشليم في زمن الأحتفال بعيد رفع الصليب المقدس. وتحركت لأن تدخل هي أيضاً الى الكنيسة بروح التفرج أحرى مما بروح العبادة، ولكن عندما دنت من باب المعبد الإلهي، شعرت بيدٍ غير منظورة كانت تردها غصباً الى الوراء كيلا تدخل داخلاً، واذ أمتحنت الأمر مرةً ثانيةً ثم ثالثةً ورابعةً، ومنعت بقوةٍ فائقة الطبيعة عن الدخول الى الكنيسة. فحينئذٍ قد أنفردت في ناحيةٍ من النرتكس، وعرفت الشقية ليس من دون أشراق النور الإلهي في عقلها، أن الله لأجل قبائح سيرتها قد كان يرذلها من كنيسته أيضاً، فلأجل حسن حظها قد رفعت عينيها حيث كانت، فرأت أمامها على الحائط أيقونة العذراء المجيدة، فأتجهت نحوها بدموع قائلةً: يا والدة الإله أرحمي هذه الخاطية المسكينة، فأنا ألاحظ أنه لأجل كثرة خطاياي لا أستحق أن تنظري اليَّ، ولكن أنتِ هي ملجأ الخطأة، فعينيني حباً بأبنكِ يسوع، وأجعليني أن أدخل الكنيسة، لأني أريد أن أغير سيرتي، وأمضي فأمارس أفعال التوبة حيثما تريدين: فحينئذٍ قد شعرت كأن البتول القديسة كانت تقول لها باطناً: أنه لأجل أنكِ التجأتِ اليَّ قاصدةً أن تتوبي عن مآثمكِ، فأنهضي وأدخلي الكنيسة لأن بابها عاد مفتوحاً لكِ: فقامت ودخلت بيت الرب وسجدت للصليب المقدس وبكت على خطاياها، ثم رجعت أمام الأيقونة قائلةً: يا سيدتي أوضحي لي أين أنفرد لعمل التوبة. اذ أني مستعدةٌ لأن أتمم ما ترسمينه عليَّ: فأجابتها العذراء الطوباوية بقولها: أذهبي الى جايز الاردن، وهناك تجدين مكان راحتكِ: فأنطلقت وأعترفت بخطاياها وتناولت القربان الأقدس وأجتازت نهر الاردن، ودخلت الى القفر الذي فهمت هي أنه فيه كان يلزمها أن تباشر أفعال التوبة. ففي مدة السبع عشرة سنة الأولى التي مكثت بها في ذلك القفر، قد أحتملت محارباتٍ شديدةً من التجارب الشيطانية، ولكن ماذا كانت تصنع هي حينئذٍ، أنها لم تكن تفعل شيئاً آخر سوى الألتجاء المتصل لوالدة الإله. وهذه الأم الرأوفة قد أستمدت لها من الله قوةً لأن تقاوم الأرواح الجهنمية في بحر تلك السنين وتنتصر عليها، وهكذا عند نهاية السبع عشرة سنة قد هدأت عنها التجارب، وأستمرت هي في ذلك القفر الى حد السنة السابعة والخمسين من أنفرادها فيه. فلما بلغت الى السنة السابعة والثمانين من حياتها. فبعنايةٍ إلهيةٍ قد وجدها هناك الأنبا القديس زوسيموس، الذي أخبرته هي بسيرة حياتها كلها، وتوسلت اليه بأن يأتيها في السنة المقبلة بالقربان الأقدس. كما تمم هو مطلوبها برجوعه اليها وبمناولته اياها السر المسجود له، ثم بعد ذلك تضرعت اليه بأن يزورها في السنة الأخرى أيضاً. الا أنه حينما رجع اليها في الميعاد قد رآها مائتةً، وكان جسدها محاطاً بأشعةٍ نورانيةٍ، ورأى مكتوبةً عند رأسها هذه الكلمات وهي: أدفن في هذا المكان جسدي أنا الخاطئة المسكينة وصلي من أجلي لدى الله. فقد دفنها عندما جاء اليه أسدٌ وحفر له الأرض، ثم رجع الى ديره وأخبر بعجائب الرحمة الإلهية التي صنعها الله مع هذه التائبة السعيدة.* 

† صلاة †

أيتها الفائقة القداسة أم الرأفة مريم البتول، هوذا عند قدميكِ منطرحٌ الإنسان الخائن. الذي لأنه أوفى بئس المكافأة، بل بنكران لجميل النعم التي نالها من الله بواسطتكِ، فحصل خائناً لله ولكِ، ولكن أعملي أيتها السيدة أن شقاوتي هذه ليس فقط لا تنزع مني رجاي فيكِ، بل أيضاً توطده وتزيدني أملاً وثقةً بكِ، لأني أعتبر أن شقاوة حالي تضاعف فيكِ الشفقة نحوي. فأظهري ذاتكِ يا مريم، أنكِ أنتِ بالنسبة اليَّ هي تلك الرحومة عينها نحو كل أولئك الذين يستغيثون بكِ، المملؤة من السخاء والرأفة، فيكفيني أن ترمقيني بنظركِ العطوف وأن تشفقي عليَّ، فان كان قلبكِ يحنو عليَّ، فلا يمكنكِ أن لا تحامي عني. واذا صرت أنا في حمايتكِ فممن أخاف، كلا أنني لا أخشى من شيءٍ أصلاً، لا من قبل خطاياي، لأنكِ أنتِ قادرةٌ أن تصلحي فيَّ الضرر الذي حدث، ولا من الشياطين، لأنكِ أنتِ أقوى من الجحيم بأسره، ولا من قبل أبنكِ المغتاظ عليَّ بعدلٍ، لأنه تعالى بكلمةٍ واحدةٍ تتوسلين بها لدية من أجلي يهدأ غضبه. فأنا أنما أخاف من شيءٍ واحدٍ فقط، وهو أني أنسى أن ألتجئ اليكِ حينما تداهمني التجربة، وهكذا أهلك، ولكن هذا هو الشيء الذي أريد اليوم أن أعد به، وهو أني دائماً أسرع اليكِ ملتجئاً، فأنتِ ساعديني على أن أتمم ذلك، ثم لأحظى هذه الفرصة الجيدة التي فيها أنتِ ترغبين أن تكملي مسرتكِ، وهي أن تسعفي أحد البائسين الأذلاء الذي أنا هو.*   

فرجائي هو فيكِ عظيمٌ يا والدة الإله، ومنكِ أنتظر نوال النعمة بأن أبكي على خطاياي كما هو متوجبٌ عليَّ. وبأن أفوز بالقوة على أن لا أرجع الى الخطيئة، فأن كنت أنا سقيماً، فأنتِ قادرةٌ على أن تشفيني أيتها الطبيبة السماوية، وأن كانت مآثمي قد صيرتني ضعيفاً، فمعونتكِ تجعلني قوياً، فأنا أرجو كل شيء منكِ يا مريم المجيدة، لأنكِ تقدرين على كل شيءٍ لدى الله آمين.*

من يبتعد عني يضر نفسه،

 وكل مبغضيّ يحبون الموت (أمثال 8/36)

يا مريم أنتِ رجائي، وخلاصي متعلق بكِ. 

 

الجزء الثالث

Click to view full size image

* في أن مريم البتول الحلوة اللذيذة، تجعل الموت عذباً*

* للمتعبدين لها*

أنه مكتوبٌ: أن الصديق يكون محباً في كل زمانٍ وأن الأخ يعرف في حين الشدائد: (أمثال ص17ع17) فالأصدقاء المحقون والأقرباءالخصيصون، لا يعرفون جيداً في زمن السعادة، بل في حين المصائب والتعاسة. فأما الأصدقاء العالميون فلا يهملون صديقهم طالما هو في السعة والنجاحات، ولكناذا سقط هو في محنةٍ، ألمت به شدة لا سيما عندما يدنو من الموت، فحينئذٍ يتركونه حالاً معرضين عنه. وأما مريم البتول فلا تتصرف هكذا مع عبيدها، لأن هذه السيدة الصالحة والأم العطوفة، لا تهمل خدامها الأمناء المتعبدين لها. ولا تتغافل عنهم في أوقات أحتياجاتهم، لا سيما عند موتهم الذي هو الوقت الأكثر أحتياجاً، لأنه زمن الشدة الأمر من كل شدائد العالم، وبحسبما أنها صارت علة حياتنا في مدة سكنانا في الأرض التي نحن فيها منفون، فهكذا توضح ذاتها أنها هي تعزيتنا ولذتنا حين موتنا، بأكتسابها لنا ميتةً حلوةً مغبوطةً، لأن هذه السيدة منذ ذاك اليوم العظيم الذي فيه حصلت هي على الحظ السعيد، وعلى الحزن الشديد معاً، بحضورها تحت صليب ابنها عند موته، فاذ كان هو رأس المنتخبين للمجد، فقد أكتسبت هي هذه النعمة، وهي أن تحضر عند جميع المختارين حين موتهم، ولذلك تصيرنا الكنيسة المقدسة أن نتوسل الى هذه البتول الطوباوية، بأنها تساعدنا بنوعٍ خاص في ساعة موتنا، بقولنا لها في السلام الملائكي: صلي لأجلنا نحن الخطأة، الآن وفي ساعة موتنا آمين.*

فشدائد المنازعين هي كثيرةٌ وأحزانهم مرةٌ، أولاً: لأجل توبيخ ضمائرهم عن الخطايا التي فعلوها. ثانياً: لأجل الخوف من المحاسبة والدينونة القريب حدوثها، ثالثاً: من قبل عدم معرفة حقائق أمر خلاصهم الأبدي. ففي ذاك الوقت بنوعٍ أخص تثب على تلك النفس المنازعة قوات الجحيم متسلحةً ضدها، والشيطان يبذل كل أستطاعته في أكتسابها حصته قبل أن تدخل الى الأبدية، لمعرفته أن زمناً وجيزاً بقي له في محاربتها. وأنه اذا نفذت هي من يده في تلك الساعة، فلا يعود يمكنه أن يكتسبها أبداً. كما هو مكتوبٌ في الأبوكاليبسي (ص12ع12): الويل للأرض والبحر لأن ابليس نزل اليكما، وله غضبٌ عظيمٌ، لأنه يعلم أن زمناً قليلاً بقي له. ولذلك فالشيطان الذي أعتاد أن يجرب تلك النفس في مدة حياتها، فلا يكتفي بأن يجربها هو وحده في حين أنفصالها من الجسد، بل يستدعي معه آخرين من رفاقه، كما قال أشعيا النبي: وتمتلئ بيوتهم تنانين: (ص13ع21) أي أنه حينما يدنو الإنسان من الموت، فيمتلئ بيته من الشياطين الذين يتحدون معاً لمحاربته وخسارته.*

فيورد عن القديس أندراوس أفالينوس، أنه حينما دنت ساعة موته، قد جاءت اليه عشرة آلاف شيطاناً ليحاربوه بالتجارب. ولذلك قد حصل هو في حين نزاعه على معركةٍ قويةٍ جداً من القوات الجهنمية بهذا المقدار هائلة، حتى أن جميع الرهبان الذين كانوا محيطين به قد أرتاعوا خوفاً، وقد شاهدوا وجه القديس قد أنتفخ بزيادةٍ من شدة المجاهدة، وأستحال الى السواد. ونظروا أعضاء جسده كلها ترتعش فرقاً بأنزعاجٍ قويٍ، وعينيه مدرفةً تياراتٍ من الدموع، ورأسه يختبط بأغتصابٍ، وهذه العلامات كلها كانت تدل بكفايةٍ على شدة المعركة التي كان القديس يحارب بها قوات الجحيم. فالجميع طفقوا يبكون من التوجع له، ويضاعفون الصلوات والابتهالات من أجله، في الوقت الذي فيه كانوا يرتجفون من شدة الخوف والهلع اللذين ألما بهم، عند مشاهدتهم ديساً يموت على هذه الحال، غير أن تعزيتهم الوحيدة كانت قائمةً في أنهم، كانوا يشاهدونه مراتٍ مترادفةً يحول بعينيه نحو أيقونة والدة الإله الموجودة بالقرب من فراشه كمن يلتمس منها المعونة، متذكرين ما كان يقوله هو لهم في مدة حياته مراتٍ كثيرةً، بأن مريم البتول مزمعةٌ أن تكون ملجأه في ساعة موته. فقد أرتضى الله أخيراً بأن عبده هذا البار يفوز بالأنتصار الكامل المجيد، لأن جسمه قد هدأ من أختباطه، وزال أنتفاخ وجهه، وأرتد الى لونه القديم، وأحدق بنظره بعبادةٍ في تلك الأيقونة محنياً لديها رأسه بأحترامٍ، كمن يشكر فضلها، (ويظن بالصواب أن البتول المجيدة قد ظهرت له حينئذِ) وهكذا بكل هدوءٍ وسلامٍ قد أنتقل الى الحياة الأبدية، مسلماً نفسه بيدي هذه السيدة الجليلة بعذوبةٍ سماويةٍ، وفي تلك الساعة عينها كانت أحدى الراهبات الكبوجيات مدنفةً على الموت، فهتفت نحو الراهبات الحاضرات عندها قائلةً: يا أخواتي أتلون السلام الملائكي، لأنه الآن قد مات قديسٌ:*

فيا لها من تعزيةٍ عظيمةٍ وهي أن المردة الجهنميين يهربون عند حضور هذه الملكة، فان كنا نحن نحصل على مريم عند ساعة موتنا محاميةً عنا، فأي خوفٍ يمكن أن يعترينا من قوات الجحيم كلها. فالنبي والملك داود عندما ألم به الخوف من التفكر في ساعة موته، قد شجع ذاته بقوة الرجاء بأستحقاقات موت مخلصه العتيد، وفي قوة شفاعة مريم البتول، ومن ثم هتف مرتلاً: أن أنا مشيت في وسط ظلال الموت فلا أخشى الشر لأنك معي، عصاك وقضيبك هما يعزياني (مزمور 22/3) فالكردينال أوغون يفسر هذه العصا بعود الصليب الذي عليه مات فادينا، ويعني بالقضيب مريم البتول، التي قيل عنها: يخرج قضيبٌ من أصل يسى، وتصعد زهرةٌ من أصله: (أشعيا ص11ع1) ثم يقول القديس بطرس داميانوس: أن هذه الأم الإلهية هي ذاك القضيب الذي به تغلب أغتصابات الأعداء الجهنميين. ولذلك أنطونينوس يشجعنا بقوله: أن تكن مريم معنا فمن يقدر أن يقاومنا. فالأب عمانويل باديال اليسوعي حينما أدنف على الموت، قد ظهرت له مريم العذراء مشجعةً إياه بقولها له: هوذا الآن قد جاءت الساعة التي فيها تفرح معك الملائكة مقدمين لك التهنئة وقائلين: يا لها من مشقاتٍ وأتعابٍ سعيدةٍ، ويا لها من أماتاتٍ وتقشفاتٍ قد كوفئت حسناً: ثم في الوقت عينه قد شوهد عددٌ جزيلٌ من الشياطين هاربين برجزٍ وصارخين: أواه يا لتعاستنا أننا ما عدنا نقدر أن نصنع شيئاً، لأجل أن تلك التي هي بريئة من العيب تحامي عنه. ومثل ذلك الأب كاسبار هيافود قد وثبت عليه الشياطين ساعة موته بتجربة قوية جداً ضد الإيمان، أما هو فألتجأ حالاً الى والدة الإله الكلية القداسة. وبعد ذلك سمع صوته هاتفاً أنني أشكركِ يا مريم لأنكِ أتيتِ لمعونتي:*

أما القديس بوناونتورا: فيقول: أن مريم ترسل زعيم الملائكة ميخائيل مع ملائكته ليحاموا عن عبيدها في ساعة موتهم، ويصدموا عنهم عاجلاً محاربة الشياطين، ولكي يتسلموا أنفسهم كافةً، لا سيما أولئك الذين كانوا يلتجئون اليها على الدوام.*

وأما أشعيا النبي فيقول: أن الجحيم من أسفل تمرمر من تلقاء مجيئك أثار لك الجبابرة: (ص14ع9) أي أنه عند خروج الإنسان من هذه الحياة يقلق الجحيم، ويرسل الشياطين الأشد رداوةً لكي يجربوا تلك النفس قبل أنفصالها من الجسد، ثم ليرافقوها بعد خروجها منه الى الى المحكمة الإلهية، حيث مزمعة أن تحاكم من يسوع المسيح ليشتكوا عليها هناك. الا أن ريكاردوس يقول: أنه حينما تكون تلك النفس في حماية مريم العذراء، فالشياطين لا يتجاسرون ولا على أن يشتكوا ضدها، لمعرفتهم أن القاضي قط لم يكن قبلاً حكم بالهلاك، على نفسٍ ما تكون والدته العظيمة قد حامت عنها، بل ولا هو عتيدٌ أن يحكم مثل ذلك على نفسٍ توجد تحت حمايتها. والقديس أيرونيموس كتب في رسالته الثانية الى البتول أوسطوكيو: أن مريم تساعد عبيدها المحبوبين وتعينهم. ليس في ساعة موتهم فقط، بل أنها تأتي أيضاً لملاقاتهم في دخولهم الى الحياة العتيدة، لكي تشجعهم وترافقهم الى المحكمة الإلهية، وهذا هو مطابق لما قالته والدة الإله عينها للقديسة بريجيتا، بتكلمها عن المتعبدين لها حينما يدنون من ساعة موتهم هكذا: أنني بحسب كوني سيدتهم وأمهم المكرمة منهم، أعتني بهم حين موتهم وأملأهم من التعزية والنعيم. ويضيف الى ذلك القديس فينجانسوس فراري بقوله (في عظته على عيد نياحها): أن هذه الملكة الكلية الحب تقتبل تحت برفيرها أنفس عبيدها، وهي ذاتها تقدمهن لدى أبنها الديان، وبهذا النوع تستمد لهن الخلاص من دون ريبٍ. وهذا نفسه قد حدث لكارلوس ابن القديسة بريجيتا، وهو أنه اذ مات هذا الشاب حينما كان خادماً بالوظيفة الجندية المخطرة، في مكانٍ بعيدٍ عن والدته القديسة، فهذه قد حصلت في أرتيابٍ بأمر خلاصه، الا أن الطوباوية مريم البتول قد أوحت اليها، بأن كارلوس قد فاز بالخلاص، لأجل الحب الذي كان هو يحبها به، ولذلك هي عينها قد ساعدته، وحركته الى أبراز أفعال الفضائل الضروري فعلها من المسيحيين في تلك الساعة، ثم أن القديسة قد رأت في الوقت عينه يسوع المسيح جالساً على العرش، وأن الشيطان قد أمتثل أمامه متشكياً من قضيتين، وهما أن البتول مريم قد منعته عن أن يجرب كارلوس في ساعة موته، وأنها هي أحضرت نفسه في المحكمة الإلهية وخلصتها من دون أن تعطيه زمناً لأن يقدم ضد هذه النفس، البراهين التي لأجلها كان يقتضي على زعمه أن تهلك وتكون خاصته، ثم شاهدت أخيراً أن الديان الإلهي قد طرد الشيطان من أمامه مقصياً، وأن نفس كارلوس قد أخذت الى السعادة الأبدية.*

فيقول يشوع بن سيراخ (ص6ع29و31): أن رباطاتها هي رباطة الخلاص: فأن في أواخرك تجد الراحة بها: فالطوبى لك أيها الأخ أن كنت في آخر حياتك ساعة الموت، توجد مقيداً بقيود الحب العذبة نحو والدة الإله، لأن هذه السلاسل هي رباطات الخلاص، التي تضمن لك أمر سعادتك الأبدية، وتجعلك أن تتمتع حين موتك بتلك الراحة والسلام وبالهدوء المغبوط الذي يكون هو بدء السلام الدائم والنعيم السرمدي. فيخبرنا الأب بيناتي بأنه اذ أتفق له أن يحضر عند أحد المتعبدين لمريم الأتقياء حين موته، فقد سمع هو من فمه قبل رقوده هذه الكلمات وهي: آه لو كنت يا أبتي تعلم حقيقة التعزية العظيمة والسرور الباطن، اللذين أشعر أنا بهما لأجل أني خدمت والدة الإله الكلية القداسة، فأنا لا أستطيع أن أشرح لك ماهية الأبتهاج والتهليل الحاصلين في قلبي الآن في ساعة الموت: والأب سوارس لأجل أنه كان حاراً جداً في عبادته لهذه الطوباوية (حتى أنه كان يقول أن أستحقاق تلاوة السلام الملائكي مرةً واحدةً هو لديه أشرف من علومه كلها) فقد حصل ساعة موته على فرحٍ بهذا المقدار عظيمٍ، حتى أنه تفوه بهذه الكلمات حال أنفصال نفسه من جسده قائلاً: أنني لم أكن قط أتصور بعقلي أن الموت بهذ المقدار هو لذيذٌ. فمن دون شكٍ أنك أنت أيضاً أيها القارئ المتعبد لمريم، ستشعر بهذه التعزية والسرور حين موتك، أن كنت في تلك الساعة تفتكر في أنك قد أحببت في حياتك هذه الأم الصالحة، التي لا تعرف أن لا تكون أمينةً نحو أولادها، الذين يكونون أمينين في خدمتها، ويكرمونها بزيارات كنائسها أو أيقوناتها وبتلاوة ورديتها وبصياماتٍ ما. وبأكثر من ذلك بتقدمة الشكر لها مراتٍ كثيرةً، وبمدائحها وبالألتجاء المتكرر الى كنف وقايتها وطلب معوناتها.*

ثم لا يمكن أن يعدمك هذا الأبتهاج الباطن تفكرك بحال كونك في زمنٍ ما قد كنت خاطئاً، هذا أن كنت منذ الآن فصاعداً تهتم في أن تعيش بسيرةٍ صالحةٍ، وفي أن تخدم هذه السيدة الكلية الحنو والأشفاق والأمينة نحو عبيدها، فهي في حين شدائدك، وفي أوقات التجارب التي يثب عليك بها الشيطان لكي يسقطك في قطع الرجاء تعضدك وتشجعك، حتى أنها هي نفسها تحضر عندك ساعة موتك لتسعفك. فالقديس بطرس دامانوس يخبر بأن شقيقه مرتينوس، قد مضى يوماً ما أمام هيكل والدة الإله، ليكرس ذاته أسيراً لها، من أجل أنه كان يعرف ذاته أنه أغاظ الله بفعلٍ أثميٍ، ثم وضع زناره في عنقه علامة أسره لها قائلاً: يا مرآة الطهارة سيدتي، أني أنا الخاطئ التعيس قد أهنت إلهي وأغظتكِ بأثلامي ختم العفة، فلا يوجد عندي دواءٌ آخر سوى أن أقدم ذاتي أسيراً لكِ، فهوذا أني اليوم أكرس نفسي عبداً لكِ، فأقبلي هذا اليائس العاصي المتمرد ولا تعرضي عنه مستكرهةً منه: ثم وضع عند درج الهيكل كميةً من المال، واعداً بأن يقدم مثلها كل سنةٍ بمنزلة جزيةٍ وخراجٍ تأكيداً لكونه أسيرها. فبعد مدةٍ من الزمان قد مرض مرتينوس المرض الأخير، ولكن قبل أن يموت قد سمعه البعض في أحد الأيام صباحاً يتكلم هكذا: قوموا ناهضين، أنتصبوا واقفين وقدموا الأكرام منحنين لسيدتي: ثم بعد ذلك قال: ما هذه النعمة العظيمة يا ملكة السماء، أهكذا أنت تتنازلين مرتضيةً بأن تزوري هذا العبد الخاطئ، فباركيني يا سيدتي، ولا تسمحي بأن أمضي هالكاً بعد أنكِ شرفتيني بحضوركِ عندي: واذ دخل حينئذٍ اليه أخوه القديس بطرس، فمرتينوس قد أخبره بمجيء والدة الإله عنده، وبأنها باركته، الا أنه تشكى له من أن أولئك الأشخاص الذين كانوا حاضرين عنده، أستمروا جالسين على الكراسي بحضرة هذه السيدة الجليلة، قال هذا وبعد برهةٍ رقد بالرب بسلامٍ وعذوبةٍ هادياً. فعلى هذه الصورة ستكون ميتتك أيها القارئ العزيز، أن كنت تعيش أميناً في عبادتك لمريم. هذا ولو كنت فيما مضى أغظت الله بآثامك، فمع ذلك هي تعتني في أنك تحصل على ميتةٍ صالحةٍ حلوةٍ لذيذةٍ. واذا أتفق أنك في حين الموت تمتلئ خوفاً ورعدةً، ويضعف رجاؤك عند تأملك كثرة خطاياك، فهذه الأم الحنونة تأتي اليك لتشجعك وتقويك، كما فعلت مع أدولفوس صاحب مقاطعة الساتسيا، الذي بعد أن كان هجر العالم وترهب تحت قانون القديس فرنسيس، كما يورد في تاريخ هذه الرهبنة. فقد أضحى كلي التعبد لوالدة الإله، فلما بلغ الى أيام حياته الأخيرة، وحضرت أمام عينيه عقلياً جميع تصرفاته التي كان مارسها في العالم، وما عامل به الرعايا الذين كانوا مخضعين له، ثم تأمل صرامة دينونة الله العادلة، فبدأ يخاف كثيراً من الموت، لأرتيابه في أمر خلاصه الأبدي. فحينئذٍ مريم (التي لا تنام حين وجود عبيدها في الشدائد) قد جاءت اليه مرافقةً من عددٍ وافرٍ من القديسين، واذ أخذت تشجعه قالت له هذه الكلمات المملؤة عذوبةً هكذا: يا أدولفوس العزيز لدي جداً، أنت هو خاصتي. وقد أعطيت لي، فالآن لماذا تخاف بهذا المقدار من الموت: فوقتئذٍ عبد مريم المذكور عندما سمع منها هذه الألفاظ قد زال عنه كل خوفٍ وأستوعب بهجةً، وهكذا تنيح مسروراً بسلامٍ.*

فلنتشجع نحن أيضاً ولئن كنا خطأة، ولنسلح ذواتنا بهذا الرجاء وهو أن مريم عتيدة أن تأتي لمعونتنا في ساعة الموت، ولتعزيتنا بحضورها عندنا، هذا أن كنا نخدمها بأمانةٍ ومحبةٍ في زمن حياتنا الباقية لنا على الأرض. فملكتنا هذه اذ خاطبت يوماً ما القديسة ماتيلده، قد وعدت بأنها تأتي في ساعة الموت عند جميع المتعبدين لها، الذين يكونون في زمن حياتهم خدموها بأمانةٍ لكي تسعفهم وتعينهم، وهذه هي كلماتها:" أني أريد بحسبما أنا أمٌ كلية الحنو والأشفاق، أن أحضر من غير نقصٍ في ساعة الموت، عند جميع أولئك الذين يكونون في حياتهم خدموني بحسن عبادةٍ، لكي أحامي عنهم وأعزيهم". فيا لها من تعزيةٍ لا توصف تكون لنا في ذلك الوقت الأخير، الذي يداركنا فيه قيام الدعوى المعلقة بها الحكومة الأبدية على أنفسنا وهي، أن نشاهد عندنا ملكة السماوات مساعدةً لنا، ومشجعةً ايانا بوعدها لنا في أن تحامي عنا في تلك المحكمة الرهيبة. فما عدا النموذجات المتقدم ايرادها في شأن مساعدة مريم عبيدها ساعة الموت، توجد مدونةً في كتبٍ كثيرةٍ ومختلفةٍ، أخبارٌ غير محصاة عدداً تحقق لنا ذلك. وفيما بين الآخرين قد فازت بهذه النعمة القديسة كياره، والقديس فيليكوس الكبوجي، والطوباوية كياره التي من جبل فالكو، والقديسة تريزيا، والقديس بطرس الكانتراوي. ولأجل زيادة تعزيتنا نشير الى هؤلاء الآخرين أيضاً بأختصارٍ. فيخبر الأب كراسات بأن  القديسة مريم أونياجانسه، قد رأت البتول الطوباوية واقفةً عند فراش امرأةٍ أرملةٍ مدنفة على الموت في مدينة فيلامبروى، التي كانت متعوبةً جداً من شدة الحمى الحاصلة لها، فمريم الكلية القداسة كانت تعزيها وترطب عنها سعير الحمى بواسطة مروحةٍ كانت بيدها. والقديس يوحنا دي ديو الذي كان جزيل التعبد لهذه السيدة، قد كان ينتظر حضورها اليه ساعة موته، واذ لم ير ذاته حاصلاً على أتمام هذا الأمل قد أعتراه الغم الشديد، وربما أنه أخذ يشكو من ذلك، الا أنه في الزمن المرسوم قد حضرت عنده هذه الأم الكلية الطوبى، وكأنها أرادت أن تؤنبه على ضعف رجائه. فقالت له هذه الكلمات الجليلة التي ينبغي أن توعب قلوب جميع عبيد مريم شجاعةً وتعزيةً وهي: أنه ليس من عادتي يا يوحنا أن أترك في ساعة الموت المتعبدين لي: وكأنها كانت تقول له بماذا كنت تفتكر يا يوحنا خاصتي، أهل أنك ظننت أني تغافلت عنك، أما تعلم أني لا أعرف أن أترك في ساعة الموت المتعبدين لي مهملةً إياهم، فأنا ما أتيت اليك قبل هذا الوقت، لأنه لم يكن بعد جاء الزمن، وأما الآن فاذ حضرت الساعة، فهوذا أني جئت لأخذك، فهلم معي لنذهب الى الفردوس السماوي: وبعد ذلك ببرهةٍ قد رقد القديس بالرب وأرتقت نفسه الى النعيم الأبدي لتشكر فضل ملكتها الكلية الحب. (وهذا جميعه هو مدون في مجموع البولانديستي تحت اليوم الثامن من شهر آذار).*

* نموذج *

فالآن نحن ننهي هذا الجزء بالنموذج الحاضر أيضاً، الذي منه يفهم الى أي حدٍ من الحنو والرأفة والشفقة تتصل هذه الأم الصالحة نحو أولادها في ساعة موتهم (وهذا الخبر هو مدون في الرأس 38 من القسم3 من تأليف كريسوغونوس الملقب بالعالم المريمي) وهو أن خوري أحدى الكنائس اذ كان حاضراً عند أحد الأغنياء المدنف على الموت الذي كان كان قاطناً في دار مزينةٍ بأمتعةٍ ثمينةٍ مخدوماً من كثرةٍ من العبيد ومن الأقرباء والمحبين، فنظر الشياطين محتاطين بالمسكين بصورة كلابٍ ينتظرون موت ذاك الغني، ليأخذوا نفسه الى الجحيم، كما قد تم لأنه مات في حال الخطيئة، ففيما كان الخوري مقيماً عنده حين منازعته قد دعي ليأخذ القربان الأقدس زوادةً أخيرةً الى امرأةٍ فقيرةٍ من أهل رعيته مرضة. قد ألتمست أن تقتبل الأسرار المقدسة قبل أن يدركها الموت، فالخوري لأنه لم يمكنه أن يترك نفس ذاك الغني المحتاجة الى المساعدة القصوى، قد أرسل بدلاً منه كاهناً آخر لخدمة تلك الأمرأة، فالكاهن أخذ القربان المقدس من الكنيسة وأنطلق الى بيت الأمرأة التي حينما وصل الى مكان سكناها لم ير هناك لا عبيداً يخدمونها، ولا أصدقاء ومعزين، ولا أمتعةً غنيةً في البيت، لأن تلك الأمرأة الصالحة كانت فقيرةً وربما راقدة على قليلٍ من التبن، ولكنه شاهد الأمر العجيب في الغاية، وهو أن البيت كان يلمع بأشراق أنوارٍ لا يحدق بها، وبجانب مرقد الأمرأة كانت واقفةً والدة الإله المثلثة القداسة تعزي المريضة، وبيدها لفافة رفيعة كانت تمسح بها عرق الموت عن تلك المنازعة. فالكاهن عند نظره هذه السيدة أمتلأ تهيباً وتوقف عن الدخول الى المخدع الراقدة فيه المريضة. الا أن البتول القديسة أشارت اليه بأن يدخل، وهي نفسها قدمت له الكرسي الذي كان هناك ليجلس عليه ويستمع أعتراف عبدتها المريضة، التي حينئذٍ قد أعترفت لديه وبعده تناولت من يده القربان الأقدس بعبادةٍ كلية. وأخيراً سلمت نفسها بين يدي أم الرحمة متنحيةً بالرب.*

                                      † صلاة †

                                آمين.* †             

أواه ترى كيف عتيدةً أن تكون ميتتي أنا الخاطئ التعيس يا أمي الكلية الحلاوة، فأنا عند تأملي في تلك الساعة التي فيها مزمعة أن تنفصل نفسي من جسدي. وتحضر الى المحكمة الإلهية، فمنذ هذا الوقت أرتعد خائفاً وأجزع مرتعشاً، وأرتاب مشككاً في أمر خلاصي، لتذكري بأني مراتٍ كثيرةً قد سجلت أنا بعيني حكومة الهلاك على نفسي، أي كل مرةٍ أرتكبت الخطيئة المميتة، الا أن رجاي كله مستندٌ على أستحقاقات دم أبنكِ يسوع يا مريم الطوباوية. ومؤسس على اقتدار شفاعاتكِ، فأنتِ هي ملكة السماء وسيدة العالمين، ويكفي القول أنكِ والدة الإله، فاي نعم أنكِ لعظيمة الجلال، ولكن عظمتكِ لا تبعدكِ عن الأنعطاف والتنازل لملاحظة شقاوتنا وذلنا، الذي هو نفسه يجتذبكِ للحنو نحونا. فمحبوا العالم عندما يرتفعون الى مقامٍ عالٍ ويحصلون على مرتبةٍ شريفةٍ، فيبتعدون مستنكفين حتى من النظر أيضاً الى أصدقائهم الأولين الفقراء الأذلاء... غير أن قلبكِ الشريف المملوء من الحب ليس هو كذلك، بل حيثما يشاهد الناس الأكثر مسكنةً، والأشد ذلاً، والأوفر أحتياجاً، فهناك ينعطف أعظم أنعطافاً لأسعافهم، فأنتِ حالما تستدعين منا، تسرعين الى أغاثتنا، بل بالأحرى تسبقين تضرعاتنا بأيهابكِ إيانا ما نحتاج اليه، وتعزينا في حال أحزاننا، وتبددين عنا زوابع التجارب وعواصف المحن، وتصدين عنا أعداءنا، وبالأجمال لا تهملين فرصةً ما من أنت تسعي بها فيما يأول الى خيرنا، فلتكن مباركةً تلك اليد القادرة على كل شيء، التي جمعت في شخصكِ الجليل، مع سمو العظمة والرفعة، شدة الأنعطاف والحنو، ومع جلالة المرتبة والوظيفة، حرارة الحب والعناية، فأنا أشكر إلهي دائماً على هذه المواهب، وأفح بها متهللاً مع ذاتي، لأني أضع في سعادتكِ سعادتي أنا أيضاً، وأحتسب شرفكِ وحسن حظكِ كانه خاص بي.

فيا معزية الحزانى عزي حزيناً ملتجياً اليكِ، فأنا أشعر بالغم والحزن من قبل توبيخ ضميري المثقل بخطايا هكذا عديدة، التي لا أعلم أن كنت بكيت عليها ومن أجلها بكفايةٍ، وألاحظ أن أعمالي كلها مملؤةٌ من الوحل والحماة ومن النقائص الشنيعة. وأنظر أن قوات الجحيم هي منتظرة موتي لكي تشتكي عليَّ في المحكمة الرهيبة، وأتأمل في كيف أن العدل الإلهي المهان مني يريد حق الوفاء عن الأهانة، فما عساه أن يحل بي يا أمي، لأنه أن كنتِ لا تسعفيني فلا شك في أني أهلك، فماذا تقولين الا تريدين أن تعينيني، فعزيني أيتها البتول الروأفة، وأستمدي لي قوةً لأن أصلح سيرتي، ولأن أثبت أميناً نحو الله في المدة الباقية من حياتي. وعندما بعد ذلك أحصل في ساعة الموت، فلا تهمليني يا رجائي، بل أسعفيني حينئذٍ بأوفر عنايةٍ. شجعيني بالا أيأس عند نظري كثرة خطاياي التي من أجلها يقاومني الشيطان في المحاسبة، ثم أغفري لي يا سيدتي جرأتي في ألتماسي منكِ أن تأتي اليَّ وقتئذٍ أنتِ بذاتكِ، لكي تعزيني بحضرتكِ، فأنتِ منحت هذه النعمة لكثيرين، فاذاً أنا أيضاً أرغبها ملتمساً، واذا كانت جسارتي بهذا الطلب هي باهظةً، فجودتكِ وصلاحكِ يفوقانها عظمةً، لأنكِ تفتشين على الأشد دناءة والأوفر ذلاً لتنعمي عليهم. ومن ثم أنا واثقٌ بصلاحكِ، فليكن مجد أفتخاركِ مؤبداً في أنكِ خلصتِ نفساً من قعر الجحيم بعد أن كانت هلكت، وأقتدتيها الى مملكتكِ التي فيها أرجو أن أتعزى بوجودي دائماً أمام قدميكِ. لكي أشكركِ وأبارككِ وأحبكِ الى الأبد. يا مريم أنا أنتظركِ، فلا تدعيني أن أمضي خائباً من هذه التعزية التي أرجو نوالها. فليكن فليكن كل تضرع تصنعه هي، فهو محسوبٌ بمنزلة شريعة مرسومة من الله،

 بأن توهب الرحمة والنعمة لكل أولئك الذين تتوسل هي من أجلهم. (أمثال31).



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +