Skip to Content

المقالة الرابعة: عبادات مختلفة الموضوعات - كتاب امجاد مريم

 

Click to view full size image

المـقـالـة الـرابـعـة 

عبادات مختلفة الموضوعات

رتبت مائدتها، وأرسلت جواريها تنادي على ظهور أعالي المدينة:

هلموا كلوا من طعامي وأشربوا الخمر التي مزجتها لكم...

أتركوا الجهالات فتحيوا، وسيروا في طريق الفهم.(أمثال 9/2) 

طوبى لكم اذا عيروكم وأضطهدوكم وأفتروا عليكم، وقالوا لكم كلمة سوءٍ من أجل أسمي،

أفرحوا وأبتهجوا فأن أجركم غظيم في السماء،

أنهم هكذا أضطهدوا الأنبياء من قبلكم. (متى 5/10)

 

Click to view full size image

الفصل الأول

* فيما يلاحظ هذه العبادات بوجه العموم*

أن سلطانة السماء مريم البتول هي هكذا سخيةٌ ومنعمةٌ وحافظة المعروف، حتى أنها تكافي بأشياءٍ عظيمةٍ أصغر العبادات وأوجزها المقدمة تكريماً لها من عبيدها... يقول القديس أندراوس الأقريطشي (في خطبته الثانية على نياحها):" أن هذه السيدة الكلية العظمة تجازي أقل الأشياء المقدمة لها مجازاةً عظيمةً". ولكن مع هذا يلزم الأمر شيئين ضروريين لممارسة عباداتها حسناً.

فأولهما: أننا نكرم هذه الأم الإلهية بتقدمة عباداتنا لها بنفسٍ مطهرةٍ من الخطايا، والا فهي تقول نحونا ما قالته مرةً ما لذاك الجندي الرديء السيرة (كما أخبر القديس بطرس سلستينوس) الذي كان يكرم هذه السيدة يومياً ببعض عباداتٍ. فهذا الجندي يوماً ما اذ كان متألماً من شدة جوعه لعدم حصوله على شيءٍ يقتات به، قد ظهرت له والدة الإله عينها وقدمت أمامه بعض مواكيل فاخرة جداً، ولكنها موضوعةٌ ضمن وعاءٍ بهذا المقدار كريه المنظر من شدة أوساخه، حتى أن الجندي مع حال كونه جائعاً جداً لم يمكنه أن يتناول من تلك الأطعمة شيئاً، ثم قالت له: أنا هي مريم والدة الإله أتيت لآسعفك في حال جوعك، فأجابها الجندي قائلاً: لكنني لا أقدر أن آكل من الأطعمة في هذا الإناء الكريه الوسخ. فحينئذٍ قالت له هذه السيدة: فكيف اذاً أنت تريد مني أن أقتبل عبادتك لي المصنوعة منك في حال وجود نفسك ملتطخةً بحماة الرذائل: فالجندي عند سماعه هذه الكلمات رجع الى الله تائباً وأنفرد في القفر سائحاً مدة ثلاثين سنةً وساعة موته ظهرت له ثانيةً والدة الإله وأقادت نفسه الى الحياة الأبدية.*

فقد قلنا في الجزء1من الفصل8 من القسم1( وجه247) من هذا الكتاب، أنه لمن المحال أدبياً أن يهلك أحدٌ من المتعبدين لمريم العذراء ولكن هذا يفهم تحت شرطٍ وهو أن المتعبد لها أما أنه يعيش من دون أفتعال الخطايا مطلقاً، وأما أن يكون حاصلاً على أستعدادٍ ورغبةٍ قلما يكون في أن يخرج من حال الأثم راجعاً الى الله بالتوبة، لآن هذه السيدة حينئذٍ تساعده على أصلاح نفسه، وبالعكس اذا وجد أحدٌ مصراً على أفتعال المآثم تحت رجاء أن والدة الإله تهتم في خلاصه، فهذا بذنبه يصير ذاته غير مستحقٍ لحمايتها ولمحاماتها عنه، بل يضحى موضوعاً غير قابلٍ لذلك.*

الشيء الثاني الضروري: المثابرة بثباتٍ على العبادة لهذه السيدة. لأن القديس برنردوس يقول:" أن الثبات على البر وحده هو الذي يستحق الأكليل". فتوما الكامبيسي حينما كان في سن الشبوبية، قد كان من عادته أن يلتجئ يومياً الى البتول المجيدة تالياً في عبادتها بعض صلواتٍ، فيوماً ما قد ترك تلاوة تلك الصلوات وبعده أهملها بعض جمع، وأخيراً ما عاد مارسها بالكلية. فليلةً ما شاهد في الحلم والدة الإله كانت تأتي عند وأحدٍ فواحدٍ من رفاقه العباد وتعانقه، ولكن لما دنت منه قالت له: ماذا تنتظر ههنا أنت الذي تركت عباداتك الأولى، فأغرب من هنا لأنك لست مستحقاً أن أعانقك. ففي سماعه هذه الكلمات قد أستيقظ من النوم مملؤاً رعدةً وأرتجافاً، وحالاً رجع الى ممارسة عباداته السابقة. ولذلك يقول ريكاردوس: أن من يواظب على عبادة مريم العذراء بثباتٍ، فهذا يكون مغبوطاً في الرجاء لأنه يفوز بكل الأشياء المرغوبة. ولكن من حيث أنه لا يمكن لأحدٍ أن يثق مطمأناً بأنه حقاً هو من الثابتين على عمل البر، فهكذا لا يمكن لأحدٍ مطلقاً أن يتأكد حقيقة أمر خلاصه الا حين موته. فاذاً لشيءٌ يستحق الذكر والأعتبار العظيم هو ما تركه لأخوته الرهبان اليسوعيين يوحنا باركمانس، الذي حينما سأله هؤلاء الرهبان ساعة موته، أن يترك لهم تذكرةً في شأن العبادة لوالدة الإله بالنوع الأجود مما سواه. لأجل أكتساب حمايتها فأجابهم: أن ذلك هو كل شيءٍ مهما كان جزئياً بحيث أن يكون بثباتٍ. فلأجل هذه الغاية أنا رأيت ملائماً أن أحرر في المقالة الحاضرة بنوعٍ بسيط، ما يلاحظ بعض عباداتٍ مختلفة موضوعاتٍ نقدر أن نمارسها في تكريم أمنا الإلهية، لكي نكتسب رضوانها وأنعامها، وهذه الأشياء أنا أعتبرها الأكثر أفادةً من جميع ما كتبته في هذا المؤلف، ولكنني لا أتضرع للقارئ الحبيب بأن يمارسها كلها. بمقدار ما أتوسل إليه في أنه يمارس نوع العبادة الذي هو يختاره منها برضاه، بمواظبةٍ ثابتةٍ مع خوفٍ من أن يخسر حماية هذه الملكة المقتدرة اذا هو ترك أستعماله بعد أن يكون أبتدأ به. فكم وكم من الهالكين الآن في الجحيم لكانوا فازوا بالخلاص الأبدي، لو أنهم يكونون ثابروا مواظبين على العبادة التي مرةً ما كانوا تمسكوا بها في تكريم والدة الإله. وبعد ذلك تركوها مهملين ممارستها.* 

 

الفصل الثاني

* في تكريم مريم العذراء بتلاوة السلام الملائكي*

فالبتول الكلية القداسة تقتبل بالرضى وبمسرةٍ وافرةٍ تكريمها بتلاوة السلام الملائكي، لأنه يبان كأنه يتجدد في قلبها الفرح والأبتهاج اللذان كانت هي شعرت بهما حينما بشرها زعيم الملائكة جبرائيل بأنها قد أختيرت أماً لله، ونحن بهذه النية يلزمنا أن نسلم عليها بهذا السلام الملائكي مراتٍ كثيرةً، كما يقول توما الكامبيسي: حييها يا هذا بالكلمات الملائكية أي بالسلام لكِ يا مريم ألخ لأنها تستمع هي نغمة هذا السلام بكل سرورٍ ورضى: بل أن هذه الأم الإلهية نفسها قالت في الوحي للقديسة ماتيلده: أنه لا يمكن لأحد أن يكرمني بمدائح أفضل من أن يسلم عليَّ بالسلام الملائكي، فمن يحيي مريم بالسلام تحييه هي بمثله. فالقديس برنردوس يوماً ما سمع بنوعٍ واضح حسيٍ صوت والدة الإله من أحدى أيقوناتها التي كانت تمثالاً مجسماً تسلم عليه قائلةً: السلام لك يا برنردوس: ويقول القديس بوناونتورا: أن سلام مريم البتول أنما هو أيهابها نعمةً ما تكافئ هي بها دائماً من يسلم عليها: ويضيف الى ذلك ريكاردوس بقوله:" اذا تقدم إليها أحدٌ قائلاً لها السلام عليكِ يا مريم، فلا يمكن أن تنكر عليه هي النعمة التي يلتمسها". بل أن والدة الإله عينها قد وعدت القديسة جالتروده بأن تسعفها حين موتها بمعوناتٍ توازي عدد المرات التي هي في حياتها سلمت عليها بالسلام الملائكي. وكتب الطوباوي الانوس بقوله: أنه حينما يقال السلام عليكِ يا مريم، فكما أن أهل السماء يفرحون بهذه التحية، فهكذا يرتعد الشيطان ويهرب: حسبما يشهد توما الكامبيسي بأنه اذ ظهر له مرةً ما الشيطان، فحالما هتف السلام لكِ يا مريم، قد هرب إبليس من أمامه مدبراً.*

أما ممارسة هذه العبادة نحو العذراء المجيدة، فلتكن على الأسلوب الآتي شرحه وهو:

أولاً: أن العابد يتلو كل يومٍ صباحاً حين نهوضه من فراشه ومساءً قبل رقاده ثلاث مراتٍ: السلام لكِ يا مريم: منحنياً بوجهه الى الأرض، أو قلما يكون جاثياً على ركبتيه، مضيفاً الى هذه الصلاة الوجيزة وهي: بحق بتوليتكِ المقدسة، والحبل بكِ البريء الدنس، طهري أيتها العذراء نفسي، وقدسي جسدي آمين: ثم يلتمس منها البركة بحسبما هي أمنا جميعاً، كما كان يفعل القديس سطانيسلاوس. وبعد هذا فليصنع ذاته تحت ذيل حمايتها متوسلاً إليها بأن تحفظه من الخطيئة في ذاك النهار أم في تلك الليلة ولأجل هذه الغاية يفيد جداً أن يحوي العابد أحدى أيقونات هذه السيدة الجميلة معلقةً بالقرب من فراشه.*

ثانياً: أن يواظب حسب العادة تلاوة السلام الملائكي صباحاً ونصف النهار وعند غروب الشمس وهي الصلاة المدعوة عموماً: ملاك الرب. فأول من منح غفراناً على تلاوة هذه الصلاة هو الحبر الأعظم يوحنا الثاني والعشرون، لأجل الحادث الشهير الذي يخبر عنه الأب كراسات (في البحث6من المجلد2) وهو أن إنساناً كان محكوماً عليه بالموت محروقاً لأجل ذنوبه، فهذا في بارامون عيد البشارة اذ كان وضع ضمن لهيب النار. فبمجرد أستغاثته بأسم مريم العذراء لبث غير محترقٍ حتى ولا بأثواب ملبوسه، ثم فيما بعد البابا بناديكتوس الثالث عشر قد أعطى غفران ماية يومٍ لكل من يتلوها، وفي رأس الشهر غفراناً كاملاً لمن يتلوها اذ يكون معترفاً ومتناولاً. والأب كراسات عينه يورد بأن الحبر الأعظم أكليمنضوس العاشر قد منح غفراناتٍ أخرى لمن يضيف الى تلاوة كلٍ من: السلام لكِ يا مريم: هذه الكلمات وهي: نشكر الله ومريم: ففي الأزمنة السالفة كان المؤمنون عند سماعهم دق الناقوس لملاك الرب يجثون على ركبهم تالين هذه الصلاة غير أن البعض في أزمنتنا هذه يستحون من ذلك. الا أن القديس كارلوس بوروماوس لم يكن يستحي من أن ينزل من مركبته أو من على ظهر فرسه جاثياً في الأرض ليتلوها. حتى أنه بعض الأحيان لم يكن يأنف من أن يركع فوق الطين. ثم يقال في الأخبار أن أحد الرهبان الكسالا لم يكن يجث عند قرع الجرس لتلاوة هذه الصلاة، فيوماً ما شاهد قبة الناقوس عند كل مرةٍ من ضرب الجرس تنحي الى أسفل، وسمع صوتاً يقول له:" هوذا أنت لم تشأ أن تصنع ما تصنعه المخلوقات الغير الحساسة". ويجب أن يعلم ما يفسره في هذا الشأن البابا بناديكتوس الرابع عشر. وهو أنه في الأيام الفصحية الثمانية تتلى عوض ملاك الرب الصلاة المبدوة:" يا سلطانة السماء" وأنه من حين صلاة الغروب نهار السبت مساءً الى نهاية نهار الأحد يقال ملاك الرب من دون ركوع، بل بأقدام منتصبة.*

ثالثاً: أن تتلى: السلام لكِ يا مريم: من العابد كل مرةٍ يسمع قرع ناقوس الساعة. فألفونسوس رودريكوس كان معوداً ذاته على هذه العبادة بتلاوة السلام الملائكي مرةً في كل ساعةٍ. فمن ثم كان في حين رقاده ليلاً ينبه من ملاك الرب ليستيقظ ويتلوها من دون تفويت.*

رابعاً: في حين خروج العابد من بيته وفي وقت دخوله إليه يتلو هذا السلام الملائكي، لكي تحفظه والدة الإله خارجاً وداخلاً من الخطيئة، مع تقبيل قدميها في أحدى أيقوناتها، كما يفعل الآباء الرهبان السكوتيون.*

خامساً:أنه كل مرةٍ يشاهد أيقونتها في مكانٍ ما فيحييها بهذا السلام. وما أحسن ما يفعل من يقدر أن يضع بالقرب من بيته أحدى أيقونات هذه السيدة جميلة التصوير ليكرمها المجتازون، كما توجد في مدينة نابولي، وخاصةً في مدينة رومية في حيطان الطرقات أيقوناتٌ جليلةٌ في الغاية لهذه الأم الإلهية محركة الى عبادتها.*

سادساً: أن الكنيسة المقدسة قد رسمت على الأكليروس بأن يتلوا هذا السلام الملائكي في بداية كلٍ من ساعات الفرض وفي نهايتها، فاذاً يفعل حسناً العابد اذا تلى هذه الصلاة في بداية كلٍ من أعماله وعند نهايته، سواءٌ كانت أعمالاً روحيةً كالصلوات الخصوصية أم الأعتراف بالخطايا، أو تناول القربان الأقدس، أو قراءة كتابٍ روحي، أو أستماع الوعظ وأمثال ذلك. أم أعمالاً جسديةً، كالدرس، أو أعطاء المشورة، أم عمل اليد، أو الجلوس على مائدة الغداء، وما أشبه هذه الأشياء. فسعيدةٌ هي تلك الأعمال التي توجد مقيدةً فيما بين سلامين ملائكيين، أي عند البداية بها وحين نهايتها، وكذلك في الذهاب الى الرقاد، وحين النهوض منه، وعند هجوم تجربة ما أو خطر ما، وحين هيجان روح الغضب والغيظ وأمثاله.*

فضع بالعمل أيها القارئ الحبيب هذه العبادة، وستشاهد الثمرة الكلية الإفادة التي تجنيها منها، وينبغي أن تعلم بأنه ممنوح من السدة الرسولية غفران عشرين يوماً على كل مرة يتلى السلام الملائكي، غير ذلك ينبه الأب أورياما بأن والدة الإله قد وعدت القديسة ماتيلده، بأن تستمد لها ميتةً صالحةً أن كانت تواظب على تلاوة هذا السلام ثلاث مراتٍ في كل يومٍ، تكريكاً لصلاحها وحكمتها وأقتدارها وهذه الأم الإلهية عينها قالت يوماً ما للطوباوية يوفانا ده فرنسا، بأن السلام الملائكي هو كلي القبول لديها، لا سيما اذا قيل عشر مراتٍ تكريماً لفضائلها العشر، كما يورد ذلك العلامة ماراجي، حيث يبرهن عن غفراناتٍ كثيرةٍ ممنوحةٍ لمن يتلو هذه

*العشر مراتٍ السلام عليكِ يا مريم.*  

Click to view full size image

الفصل الثالث

أيتها المتلألئة بالضياء أنه لا يستطيع العدو الجهنمي، أن يأخذ من عبيدكِ أحداً،

لأنكِ برجٌ مبنى بالمحاصن ومعلقٌ عليه ألف ترس، وكافة أسلحة المقتدرين.(نشيد6/10)

ثم رأيت أمرأة ملتحفة بالشمس، والقمر تحت قدميها، وعلى رأسها إكليل من أثنتي عشر كوكباً.(رؤيا12/6)

* في العبادة الملقبة بالتسعاوية، التي تمارس في مدة تسعة أيامٍ*

* متقدمةٍ على كلٍ من أعياد والدة الإله*

أن المتعبدين للعذراء المجيدة يكرمون بحسن تدينٍ الأيام المتقدمة على أعيادها المقدسة، التي فيها هذه الأم الإلهية تهب أعتيادياً لهؤلاء أنعاماً خصوصيةً غير محصاة. فالقديسة جالتروده قد شاهدت يوماً ما تحت برفير مريم البتول عدداً عظيماً من الأنفس، قد كانت هذه السيدة ترمقهن بحبٍ ورأفةٍ وأنعطافٍ، وقد فهمت هي أي جالتروده أن تلك الأنفس هي أنفس أولئك الذين يمارسون عباداتهم بأستعداداتٍ تقويةٍ لتكريم عيد نياحها المقدس، في الأيام المتقدمة على هذا العيد. أما الرياضات الروحية التي تمكن ممارستها في الأيام التسعاوية المشار إليها فهي الآتي إيرادها، أي*

أولاً: صنيع الصلاة العقلية كل يومٍ صباحاً ومساءً، مع زيارة القربان المقدس في أحدى الكنائس، ثم تلاوة تسع مراتٍ: أبانا الذي: والسلام لكِ: والمجد للآب:*

ثانياً: أن تعمل في مدة التسعة الأيام ثلاث مراتٍ الزيارة لهذه السيدة الجليلة أمام أحدى أيقوناتها المقدسة. مع تقدمة الشكر لله على النعم العظيمة التي وهبها تعالى إياها. وفي كل مرةٍ من هذه الزيارات تطلب من العذراء المجيدة نعمةٌ ما خصوصية. وفي أحدى الزيارات المذكورة تتلى الصلاة المعينة في آخر الفصل المختص بذاك العيد المقبل، المدونة منا في الفصول السبعة الملاحظة أعيادها السنوية السبعة، في المقالة الأولى من هذا القسم الثاني.*

ثالثاً: أن تمارس في بحر هذه التسعة الأيام مراتٍ كثيرةً أفعال الحب نحو يسوع المسيح، ونحو والدته العذراء (مثلاً مئة مرةً أو قلما يكون خمسين) لأنه لا يمكننا أن نصنع شيئاً أكثر قبولاً لديها، من عواطف حبنا نحو أبنها، حسبما حققت ذلك هي نفسها للقديسة بريجيتا بقولها لها: أن كنتِ ترغبين أن تتحدي بي برباط الأتحاد الوثيق فأحبي أبني يسوع:*

رابعاً: أن تصير في كل يومٍ من هذه الأيام التسعة، قراءة مقدار ربع ساعة من الزمان، في بعض الكتب المختصة بتكريم والدة الإله*

خامساً: أن تعمل بعض أماتاتٍ خارجة، كلبس المسح أو ممارسة الجلد، وأمثال ذلك مع الصوم، أو الأمتناع عن بعض أشياء من المآكل المرغوبة أو من الأثمار المحبوبة قلما يكون بترك جزءٍ من ذاك الشيء المقدم على المائدة للغداء، وكذلك مضغ بعض الحشائش المرة. وأما بارامون العيد فيصير فيه الصوم على الخبز والماء فقط، غير أنه يجب أن تمارس هذه الأشياء كلها بأذن الأب المرشد الروحي. الا أن الأماتات الباطنية التي تصنع في مدة هذه التسعة الأيام هي أكثر أفادةً، كالأمتناع عن مشاهدة تلك الأشياء أو أستماع تلك الأخبار التي لا أحتياج إليها، بل بمجرد رغبة الفحص عن كل شيء، وكالأبتعاد عن ضوضاء العالم في الأنفراد بقدر الأمكان، وحفظ الصمت، وأتقان واجبات الطاعة، وعدم رد الجواب بقلة صبرٍ، وأحتمال المقاومات، وما يضاهي ذلك مما تمكن ممارسته من دون خطرٍ مبين للمجد الباطل، وبأعظم أجرٍ للنفس، ومن غير أذن المرشد الروحي. واما الرياضة الفضلى، فهي القصد الثابت من أول يومٍ من الأيام المذكورة على أستئصال ملكةٍ رديئة، أو  عادةٍ مذمومةٍ، أم نقصٍ يسقط فيه العابد مراتٍ كثيرةً. ثم يفيد جداً أن يطلب الغفران من هذه السيدة في كلٍ من الثلاث الزيارات السابق ذكرها، عن النقائص التي تكون حدثت، مع تجديد القصد على عدم الرجوع إليها، وطلب العون من هذه العذراء المجيدة على الحفظ من السقوط جديداً. فالعبادة الأكثر قبولاً لدى والدة الإله هي أقتفاء أثر فضائلها. ولهذا سوى ما تقدم إيراده، يفيد كثيراً أن يصير الأجتهاد في أن تكتسب في كل تسعاويةٍ من هذه الأيام فضيلةٌ ما من فضائلها، أي أن العابد يهتم في أن يكتسب لذاته مثلاً فضيلة نقاوة النية، في الأيام المختصة بعيد الحبل بها البريء من دنس الخطيئة الأصلية. وفضيلة التجديد بالروح من فتور العبادة، في أيام عيد ميلادها. وفضيلة أحتقار الأشياء الزمنية، وأستئصال محبة ذاك الموضوع الذي هو يميل إليه بأشد أنصبابٍ، في أيام عيد تقدمتها للهيكل. وفضيلة التواضع وأحتمال الأهانات بصبرٍ في أيام عيد بشارتها بالحبل الإلهي. وفضيلة محبة القريب بعمل الصدقات وأمثالها، في أيام تذكار زيارتها عند نسيبتها القديسة أليصابات، أو قلما يكون يصلي من أجل أرتداد الخطأة الى التوبة. وفضيلة الطاعة للرؤساء في أيام عيد تطهيرها، أي تقدمتها أبنها الى الهيكل. وأخيراً فضيلة أحتقار خيرات الأرض والأستعداد يومياً الى الموت، كأن كل يومٍ هو الأخير من حياته، في أيام عيد نياحها. فعلى هذه الصورة تثمر الأيام التسعاوية الأثمار العظيمة.*

سادساً: ما عدا تناول القربان المقدس في يوم العيد، فحسنٌ هو أن العابد يستمد الأذن من مرشده الأب الروحي بأن يتناول السر الأقدس مراتٍ أخرى في بحر التسعة الأيام. فكان الأب بولس السنيري من عادته أن يقول: أنه لا يمكننا أن نكرم مريم العذراء بأفضل نوعٍ، الا حينما نكون متحدين مع يسوع: بل أن هذه السيدة عينها قد أوحت الى نفسٍ من الأنفس القديسة بأنه لا توجد لديها تقدمةٌ أكثر قبولاً، من أن عبيدها يواظبون تناول جسد أبنها الإلهي. لأنه تعالى بهذه الرياضة يجمع بيديه من الأنفس أثمار آلامه المقدسة.

ثم يبان كأن هذه الأم الإلهية لا تشتهي شيئاً أكثر من هذا العمل الجليل، ولذلك تهتف نحو الجميع عن لسان الحكيم قائلةً: تعالوا كلوا من خبزي وأشربوا الخمر الذي مزجته لكم.*

سابعاً: وأخيراً يلزم أن العابد يقدم ذاته في يوم العيد، بعد تناوله القربان المقدس لخدمة هذه الملكة. مع ألتماسه منها نعمة تلك الفضيلة التي يكون هو في الأيام المتقدمة عزم على أكتسابها، أم أنه يطلب منها نعمةً أخرى خصوصيةً. وأمرٌ مفيدٌ هو أن يصير في كل سنة الأجتهاد، في أحد الأعياد الذي يكون للعابد تعلق قلبٍ به أشد مما سواه. في أن يجدد في هذا العيد عبوديته لهذه الأم الإلهية بأكثر حرارةٍ، وبأشد أنعطافٍ، وبأفضل نوعِ. متأهباً ليكرس ذاته من جديد لخدمتها، متخذاً إياها شفيعته ومحاميته الخصوصية. وأماً له بأحترامٍ تقويٍ خاص. وحينئذٍ يلزمنا أن نطلب من العذراء المجيدة الغفران عما صدر منا من التهاون في عبادتها في تلك السنة الماضية، وأن نعدها بالأمانة في خدمتها بكل نشاطٍ في السنة المقبلة. وأخيراً أن نلتمس منها بتضرعاتٍ حارةٍ أن تقبلنا عبيداً لها، وأن تستمد لنا نعمة الميتة الصالحة.*

تـنـبـيـه

أنه توجد في الجزء3 من الباب 7وجه 137 من كتاب الرياضة اليومية صلاتان، أحدهما لتكريس الإنسان ذاته لعبادة هذه السيدة، وثانيهما لتكريسه لها عيلته. فعليك أيها العابد بأستعمالهما.*

في طريق العدل أتمشى، في وسط سبل الحق، فأورث محبي رزقاً واملأ خزائنهم. (أمثال8/20) 

Click to view full size image

الفصل الرابع

* في العبادة المختصة بالمسبحة الوردية. وبفرض البتول المجيدة، أو قانونها*

فأمرٌ معروفٌ من الجميع هو أن العبادة المختصة بالوردية المقدسة قد أوحى بها من والدة الإله عينها للقديس عبد الأحد، حينما كان هو ممتلئاً من الغموم، لأجل أن الأراتقة الألبيجازيين كانوا وقتئذٍ يسببون للكنيسة أضراراً عظيمةً. ولذلك أخذ هذا القديس يتشكى لسيدته الأم لإلهية من تلك الحال السيئة، فهي أجابته قائلةً له في الوحي: أن هذه الأرض ستلبث عقيمةً من الأثمار، الى حينما تنحدر عليها الأمطار: فالقديس حينئذٍ فهم أن الأمطار المومى إليها قد كانت عبادة المسبحة الوردية، التي كان يلزمه أن يشهرها هو في كل مكانٍ، الأمر الذي حالاً باشره بالعمل، منذراً في كل صقعٍ بهذه العبادة، التي أعتنقها المؤمنون الكاثوليكيون عموماً، بنوع أنه في الوقت الحاضر لا توجد عبادةٌ ممارسةٌ من المسيحيين كافةً، من كل جنسٍ وسنٍ ودعوةٍ، بمقدار هذه العبادة المقدسة، أي المسبحة الوردية. فالأراتقة المحدثون، نظير كلفينوس وبوجاروس وغيرهما، قد أجتهدوا بكل قوتهم في أن يصيروا أستعمال هذه العبادة مكروهةً عند المؤمنين. غير أنه معلومٌ لدى الجميع الخير الروحي العظيم الذي جلبته للعالم هذه العبادة الشريفة. فكم من الناس بواسطتها قد خلصوا من رذائلهم ومآثمهم: وكم هم الذين بممارستهم إياها حصلوا على سيرةٍ فاضلةٍ وحيوةٍ مقدسة، وفازوا أخيراً بميتةٍ صالحةٍ، وهم الآن في الفردوس السماوي. فلتقرأ في هذا الموضوع الكتب الكثيرة المخبرة عن هذه الأثمار العظيمة، والفوائد العمومية والخصوصية. ويكفي القول أن هذه العبادة قد تثبتت من الكنيسة المقدسة، وأن الأحبار الرومانيين قد أغنوها من الغفرانات. فقد منحوا لكل من يتلو ثلث هذه المسبحة الوردية غفران سبعين ألف سنةً. ولكل من يتلوها كلها ثمانين ألف سنةً. وأكثر من ذلك لكل من يتلوها أمام هيكل الوردية. والبابا بناديكتوس الثالث عشر أعطى أخيراً لكل من يتلو من المسبحة الوردية قلما يكون ثلثها، مستعملاً أحدى المسابح المباركة من الآباء رهبان القديس عبد الأحد. كل الغفرانات الممنوحة لمسبحة القديسة بريجيتا، أي غفران ماية يوماً عن كلٍ من: السلام لكِ يا مريم: ومثله على كلٍ من: أبانا الذي: وأن من يمارس هذه العبادة يكتسب غفراناً كاملاً في كلٍ من أعياد والدة الإله، ومن الأعياد الكنائسية المتميزة، وكذلك في أعياد القديسين الذين من قانون البار عبد الأحد، بزيارة كنائسهم بعد الأعتراف والتناول. ولكن ينبغي أن يفهم، انه يكتسب هذه الغفرانات أولئك الذين يكونون أشتركوا في عبادة الوردية، وتدونت أسماؤهم في السجلات المختصة بها. كما أن كلاً من هؤلاء المشتركين يربح غفراناً كاملاً يوم تدوين أسمه في الشركة، اذ يكون معترفاً ومتناولاً. ثم مئة سنة أن كان يحمل معه المسبحة. وأما الذي يصنع الصلاة العقلية كل يومٍ مقدار نصف ساعة فيربح غفران سبع سنواتٍ في كل مرة يمارس هذه الصلاة، وغفراناً كاملاً في كل شهرٍ.*

الا أنه لأكتساب الغفرانات الممنوحة لعبادة الوردية، يلزم أن يصير التأمل في أسرارها حين تلاوة المسبحة، وهذه الأسرار هي معروفةٌ ومدونةٌ في كتبٍ كثيرةٍ. ولكن حينما لم يكن العابد يعرفها غيباً فيكفيه أن يتأمل بعض أسرار آلام مخلصنا المقدسة، مثلاً جلده، أم موته أو غيرهما. ثم يجب أن تتلى المسبحة الوردية بحسن عبادةٍ وفي هذا الشأن قالت العذراء الكلية القداسة عينها للطوباوية أفلاليا: أنها هي تقبل أفضل قبولاً تلاوة خمسة بيوت بأنتباه وعبادة، من تلاوتها كلها أي الخمسة عشر بيتاً بأسراعٍ ودمجٍ، وبعبادة فاترة. فأمرٌ جيدٌ جداً هو أن تتلى هذه المسبحة ممن يكون جاثياً على ركبتيه، وأمام أحدى أيقونات والدة الإله، وأنه عند بداية كل بيتٍ منها يمارس باطناً فعل حبٍ نحو يسوع ووالدته بعواطف قلبية، طالباً منهما نعمةً ما. ثم يفيد كثيراً أن تتلى هذه المسبحة من كثيرين معاً، أفضل من تلاوتها من شخصٍ بمفرده.*

وأما بخصوص الفرض أو القانون، المختص بالبتول المجيدة، الذي يقال أنه مؤلفٌ من القديس بطرس داميانوس، فالبابا أوربانوس الثاني قد منح غفراناتٍ كثيرةً لمن يتلوه، ووالدة الإله مراتٍ عديدةً قد أوضحت بكفايةٍ كم هي مقبولةٌ لديها هذه العبادة. كما أنها تقبل بالرضى تلاوة الطلبة المختصة بها، الممنوح لكل من يتلوها غفران مايتين يوماً في كل مرةٍ تقال منه. ومثل ذلك الصلاة المبدوة: السلام عليكٍ يا مريم النجمة: حيث أن هذه البتول رسمت على القديسة بريجيتا أن تتلوها يومياً، وبأكثر من هذه وتلك التسبحة التي هي نفسها ألفتها أي: تعظم نفسي للرب، وتبتهج روحي بالله مخلصي ألخ. لأن والدة الإله بهذه التسبحة قد مجدت الله ومدحت عظائمه، ونحن بتلاوتنا إياها نمدحها بألفاظها عينها التي هي أستعملتها في تعظيم الرب.* 

Click to view full size image

الفصل الخامس

* في عبادة والدة الإله الكلية الطوبى بواسطة الأصوام*

أن كثيرين من المتعبدين لهذه الأم الإلهية قد أعتادوا أن يكرموها بصيامهم على الخبز والماء، في أيام السبوت، وفي بارامونات أعيادها. فأمرٌ واضحٌ هو أن الكنيسة المقدسة قد كرست نهار السبت لتكريم هذه السيدة الشريفة:" لأنه (كما يقول القديس برنردوس) في يوم السبت بالخصوص قد تلألأت فضيلة إيمانها الثابت في أبنها بعد موته ودفنه". ومن ثم عبيد هذه الملكة الجليلة لا يدعون أن يمر نهار السبت من دون أن يكرموها به ببعض عباداتٍ خصوصية. لا سيما أولئك الذين يصومون فيه على الخبز والماء، كما كان يصنع القديس كارلوس بوروماوس، والكردينال طولادوس وغيرهما كثيرون، بل أن أسقف بامبارغا نيطاردوس والأب يوسف أريغا اليسوعي لم يكونا يذوقان في يوم السبت شيئاً من المآكل مطلقاً. وأما أخبار النعم العظيمة التي وزعتها هذه السيدة على أولئك الذين يكرمونها بهذا الصيام، فيمكن الأطلاع عليها مفصلاً في الرأس 17من المجلد 1 من تأليف الأب أورياما، ويكفي لأيضاح مراحمها ما صنعته مع أحد رؤساء اللصوص، الذي اذ قطعت هامته وكان هو في حال الخطيئة المميتة، فأستمر رأسه حياً الى أن أعترف بخطاياه ونال الحل عنها، وبعد أن أخبر بأن هذه النعمة أعطيت له من والدة الإله، لأجل أنه كان يكرمها بصيام يوم السبت، فحالاً أنفصلت نفسه عن تلك الهامة المتكلمة من دون جثتها. فاذاً ليس هو شيئاً مستعظماً على من يدعي بأنه متعبدٌ خاص لهذه الملكة، لا سيما ذاك الذي يكون بخطاياه أستحق جهنم، أن يقدم لها صيام يوم السبت، لأني أقول أن من يمارس هذه العبادة، فأمرٌ عسرٌ جداً هو أنه يمضي هالكاً. لا كأنه اذا أدركه الموت في حال الخطيئة المميتة، فوالدة الإله تخلصه من الهلاك بواسطة أعجوبةٍ، كما صنعت مع القائد المنوه عنه آنفاً،كلا، لأن هذه هي أفعال عجائب الرحمة الإلهية الغير المتناهية التي تحدث نادراً جداً. وبالتالي أن من ينتظر أمر خلاصه بواسطة هذه العجائب فهو أحمق فاقد العقل. بل أقول أن الذي يكرم هذه السيدة بصيام السبوت، فبسهولةٍ يجعلها أن تستمد له من الله موهبة الثبات في النعمة، وميتةً صالحةً. فجميع الأخوة الموجودين في جمعيتنا الحقيرة يصومون السبوت على الخبز والماء (حينما يقدرون على ذلك) تكريماً لمريم العذراء وأنما قلت حينما يقدرون على ذلك. لأوضح أنه يتفق أحياناً أن يلتزم البعض منهم بعدم حفظ هذا الصيام لأجل عارض مرضٍ، أو بأمر الطبيب، ولكن الذين على هذه الصورة لا يستطيعون على الصيام، فلا يتغافلون عن صنيع الأماتات الممكنة لديهم. مثلاً الأكل من شكلٍ واحدٍ فقط من الأطعمة، أو الأمتناع عن الفواكهة، أم عن شيء آخر محبوبٌ منهم.*

ففي أيام السبوت يلزم أن تصنع بعض عباداتٍ خصوصيةٍ تكريماً لهذه السيدة، كتناول القربان الأقدس، أو على القليل أستماع القداس، وكزيارة بعض أيقوناتها المقدسة بتقوى وحسن تعبدٍ، أو بلبس المسح، وبما يضاهي ذلك. فالمتعبد لهذه الأم الإلهية يجتهد قلما يكون في أن يكرم أعيادها السنوية السبعة بصيامه في باراموناتها على الخبز والماء، أم بأستعماله نوعاً آخر من الصيام حسبما هو ممكنٌ لديه.* 

Click to view full size image

الفصل السادس

* في العبادة التي تكرم بها والدة الإله، بواسطة *زيارات أيقوناتها المقدسة*

أن الأب بولس السنيري يقول: أن الشيطان لم يعرف أن يعزي ذاته نوعاً، عن الخسارة التي ألمت به في ملاشاة العبادات الوثنية القديمة الا بواسطة أستخدامه الأراتقة في أضطهاد الأيقونات المقدسة. ولكن كنيسة المسيح الجامعة قد حامت عن تكريم هذه الأيقونات حتى بسفك دماء شهداء كثيري العدد، وكذلك البتول الأم الإلهية قد أظهرت بواسطة عجائب عظيمةٍ وعديدةٍ. كم هو مقبولٌ لديها تكريم أيقوناتها الطاهرة!. فقد قُطعت يد القديس يوحنا الدمشقي لأجل أنه أستخدمها بتحريك قلمه الجليل في المحاماة عن أيقونات هذه السيدة، غير أن سلطانة العالمين هذه قد ردت يده صحيحةً بأعجوبةٍ شهيرة. وأخبر الأب سبينالي، بأنه في القسطنطينية قد كان في كل سنةٍ سترٌ يحجب أيقونة والدة الإله. نهار الجمعة بعد صلاة الغروب يسحب مفتوحاً من ذاته، نهار السبت بعد صلاة الغروب يغلق أمام الأيقونة بنوع فائق الطبيعة. وقد حدث نظير هذا الأمر مع القديس يوحنا ديديو، أي أنه اذ دخل هو يوماً ما الى أحدى الكنائس لزيارة أيقونة والدة الإله هناك، فقد أنسحب ستر الأيقونة مفتوحاً من ذاته، بنوع أن خادم الكنيسة ظن البار سارقاً فجاء إليه ورفسه برجله الا أن تلك الرجل قد يبست حالاً. فعباد هذه السيدة قد أعتادوا دائماً أن يكوموها بواسطة زيارتهم أيقوناتها المقدسة، والكنائس المشيدة على أسمها مراتٍ كثيرةً بحسن تدينٍ. فحسب قول القديس يوحنا الدمشقي أن هذه الأيقونات والكنائس المختصة بوالدة الإله هي مدن الملجأ والحماية، التي بهربنا إليها نجد النجاة من وثبات أعدائنا الجهنميين الذين يحاربونا بالتجارب، ثم الخلاص من العقوبات التي أستحقيناها بخطايانا المفعولة منا. فالملك القديس أنريكوس كان من عادته في حين دخوله الى كلٍ من المدن، أن يزور قبل كل شيءٍ أحدى الكنائس هناك على أسم العذراء المجيدة. والأب توما سانكس لم يكن أعتيادياً يرجع الى بيته قبل أن يكرم هذه البتول بزيارة بعض كنائسها. فلا ينبغي اذاً أن يصعب علينا أن نزور ملكتنا كل يومٍ في أحدى الكنائس أم المعابد المختصة بها، أو قلما يكون في بيوتنا ذاتها. حيث أنه يكون أمراً حسناً اذا تعين في أحد أمكنتها مخدعٌ خصوصي في محلٍ منفردٍ، وتكون فيه أيقونتها مكرمةً بزينةٍ ما، وبزهورٍ وشموعٍ، أو بقنديلٍ. وأمامها تتلى الصلوات من أهل البيت، كالطلبة ومسبحة الوردية وأمثالها. ففي شأن الزيارات التي نحن في صددها قد ألفت كتيباً (الذي قد طبع لحد الآن ثمان مراتٍ) مختصاً بزيارة القربان الأقدس وبزيارة العذراء أيضاً مقسوماً على عدد أيام الشهر، ثم أنه يستطيع بعض المتعبدين لمريم أن يصنع على مصروفه، في أحدى الكنائس أو المعابد. الأحتفال ببعض أعيادها، مع التسعة الأيام المتقدمة على العيد، بصمد القربان المقدس، وبعظاتٍ أيضاً. الأمر الجزيل القبول والفائدة.*

الا أنه يليق هنا أن ننبه بما أخبر به الأب سبينالي في العدد 75من كتابه على عجائب والدة الإله، عما حدث سنة 1611 في المعبد الشهير المختص بهذه السيدة. في المكان الملقب" بحبل العذراء" وهو أنه في بارامون عيد العنصرة، حينما كان أجتمع في الأمكنة التي حول هذا المعبد جمٌ غفيرٌ من الناس، الذين ألتئموا، يسكرون ويرقصون ويبذخون، وهكذا دنسوا المعبد الإلهي، فبغتةً أضطرمت نيران الحريق في تلك الأمكنة الخشبية، حيث كانوا مجتمعين، بنوع أنه في مدة نصف ساعةٍ فقط قد أفنى اللهيب كل تلك الأمكنة، وأحالها الى رمادٍ، مع ألف وخمسماية شخصاً قد ماتوا محروقين. ما عدا خمسة أنفارٍ قد أستمروا في الحياة. وهؤلاء شهدوا تحت أقسامٍ رهيبةٍ وحلفاناتٍ أحتفاليةٍ، بأنهم شاهدوا بأعينهم والدة الإله نفسها، حاملةً بيديها مشهابين متقدين. وجايلةً تلقي بهما اللهيب في كل تلك الأمكنة. فلذلك أنا أتضرع الى عبيد مريم بقدر أستطاعتي بأنهم يمتنعون عن الذهاب الى الأعياد التي تصنع خارج المدن في بعض الكنائس، وبأن يجتهدوا في أن يصدوا الآخرين من المضي الى أعيادٍ هذه صفتها، التي يحصل منها الجحيم على أثمار أكثر مما تحصل عليه هذه الأم الإلهية من العبادة والتكريم. ومن ثم أن ذاك الذي يشعر بأنعطافٍ الى أن يزور أحد المعابد المومى إليها، تكريماً لوالدة الإله، أم لغايةٍ أخرى صالحة، فليذهب، ولكن لا في الأيام التي فيها يصير أحتفال أعياد هذه المعابد، بل في أيامٍ أخرى سابقة أو متأخرة عن يوم العيد.*

Click to view full size image

الفصل السابع

* في العبادة للبتول الكلية القداسة بحمل ثوبها في عنق المتعبد لها*

أنه كما أن الأنام الأشراف المتقدمين في الوظائف المدنية يفتخرون في أن خدامهم يتردون بتلك الأثواب الحاوية علامات شرفهم أم وظائفهم، فهكذا والدة الإله تسر بأن عبيدها وخدامها يحملون معلقةً في أعناقهم أثوابها المكرسة، علامةً لتكريمها وللتعبد لها مشرفين في خدمتها. فالأراتقة المحدثون حسب عادتهم يستهزئون بهذه العبادة، ولكن الكنيسة المقدسة قد أثبتت عبادة ثوب السيدة بمراسيم ومناشير رسولية عديدة ذات أنعاماتٍ وغفراناتٍ سخية. فالأب كراسات، ومثله لاتسانا يخبران بتكلمهما عن ثوب سيدة الكرمل، بأنه نحو سنة 1251 قد ظهرت والدة الإله للطوباوي سمعان سطوكيوس، الذي من بلاد أنكلترا، واذ أعطته ثوبها بالصورة المصنوع بموجبها ثوب السيدة، قد قالت له أن أولئك الذين يحملون في أعناقهم هذا الثوب ستخلص أنفسهم من الهلاك الأبدي. وهذه ألفاظها عينها هي:" أقتبل مني يا أبني العزيز هذا الثوب الذي هو الأسكيم، علامة لأخويتي التي هي رهبنتك، وهو أختصاصٌ لك ولجميع الرهبان الكرمليتانيين. فكل من يموت وهو حاملٌ في عنقه هذا الثوب، فلا يحترق في النيران الأبدية". ثم أن الأب كراسات عينه يبرهن، بأن هذه السيدة المجيدة قد ظهرت مرةً أخرى للحبر الأعظم يوحنا الثاني والعشرين، وأمرته بأن يعرف أولئك الذين يحملون ثوبها المذكور، بأن أنفسهم عتيدةٌ أن تخلص من العذابات المطهرية، في نهار السبت الأول الذي يأتي بعد موتهم. حسبما أوضح ذلك هذا الحبر الروماني نفسه في منشوره الرسولي الذي أشهره بعد هذه الرؤيا، المثبت فيما بعد من الباباوات ألكسندروس الخامس، وأكليمنضوس السابع وغيرهما. ونحن قد أوردنا في الوجه265 من هذا الكتاب كيف أن الحبر الأعظم بولس الخامس يشير الى جميع ما تقدم عنه القول، وكأنه يفسر مراسيم سلفائه بشرحه الشروط التي بموجبها تكتسب الغفرانات الممنوحة لهذه العبادة، وهي حفظ العفة بقدر أستطاعة كل إنسانٍ في دعوته، وتلاوة الفرض الوجيز المختص بوالدة الإله، وأن الذي لا يمكنه أن يتلو هذا الفرض، فيحفظ قلما يكون صيامات الكنيسة، ممتنعاً عن أكل اللحم نهار الأربعاء. وأما الغفرانات الممنوحة لأولئك الذين يحملون ثوب سيدة الكرمل، ومثله ثوب أحزان العذراء، وثوب سيدة النجاة، وخاصةً ثوب الحبل بها بلا دنس. فهي غفرانات لا تحصى عدداً، كاملةً وغير كاملةٍ، يوميةً وشهريةً وسنويةً، في مدة الحياة وساعة الموت. وأنا أتعزى بأني مشتركٌ في هذه الأثواب كلها. ويلزم أن أنبه هنا، بأن الثوب المختص بالحبل بهذه السيدة البريء من الدنس، الذي يبارك من كهنة جمعية التياتيين، فما عدا الغفرانات الخصوصية الممنوحة له، توجد أيضاً معطاةً للذين يحملون هذا الثوب المبارك منهم الغفرانات الأخرى كلها، الموهوبة لجميع الرهبنات، ولسائر أمكنة التقوى، ولكل الأشخاص مجملاً ومفرداً، لا سيما اذ تلى حاملون هذه الأثواب الست مراتٍ: أبانا الذي: والسلام لك: والمجد للآب: تكريماً للثالوث الأقدس، وللحبل بالعذراء البريء من الدنس، فيكتسبون كل الغفرانات المعطاة من مدن روميه، وأسيزي، وأورشليم، وغاليتسيا. وهذه تبلغ الى أربعماية وثلاث وثلاثين غفراناً كاملاً، ما عدا الغفرانات الغير الكاملة الفائقة الإحصاء، فهذا كله أخذناه عن صكٍ مطبوع من هؤلاء الآباء التياتيين. حيث تورد فيه هذه الغفرانات بالتفصيل.* 

Click to view full size image

الفصل الثامن

* في الأشتراك بالأخويات المختصة بعبادة والدة الإله*

أنه يوجد البعص يذمون الأخويات المشتركة، أو قلما يكون لا يمدحونها، قائلين أنه مراتٍ كثيرةً توجد هي علةً للخصومات والدعاوى، وأن كثيرين يشتركون بها لغاياتٍ بشريةٍ. ولكن كما أنه لا يمكن أن تذم الكنائس والأسرار المقدسة. لأجل أن كثيرين ينافقون بها. فهكذا لا يلزم أن تذم الأخويات لأجل هذه العلة. فالأحبار الرومانيون ليس فقط لم يرذلوا هذه الأخويات بل أيضاً قد أثبتوها ومدحوها وأغنوها بالأنعامات والغفرانات والأختصاصات. والقديس فرنسيس سالس يحرض كثيراً العلمانيين على الدخول في الأخويات المثبتة. والقديس كارلوس بوروماوس قد أبذل كل عنايته الرعائية في نمو أخوياتٍ هذه صفتها، وأهتم في تأييدها، وكان بنوعٍ خاص يحتم في مجامعه الأقليمية على خوارنة الرعايا بأن يجتهدوا في أقناع تلاميذهم بالأشتراك في الأخويات. وهذا بكل صوابٍ، لأن الأخويات لا سيما المختصة بعبادة والدة الإله. هي نظير سفنٍ نوحية يجد فيها العلمانيون المساكين ملجأً ومهرباً من الغرق العرمرمي. أي من التجارب الشيطانية، ومن الخطايا التي تغرق العالم. فنحن وجمعيتنا قد عرفنا بالعملية، وأختبرنا بالتجربة بواسطة الرسالات التي باشرناها في أمكنةٍ مختلفةٍ بكم هو عظيم الإفادة الناتجة للعلمانيين من الأشتراك في الأخويات، لأننا اذا تكلمنا بوجه العموم وأعتيادياً، فنقول أنه توجد مآثم في رجلٍ علماني غير مشترك بهذه الأخويات، أكثر من خطايا عشرين رجلاً علمانيين مشتركين بها. ومن ثم يمكن أن يقال عن أخويةٍ مثبتةٍ، ما قيل عن عروسة النشيد: أن عنقكِ كبرج داود المبني بالمحاصن المعلق عليه ألف ترسٍ، وكافة أسلحة المقتدرين: (نشيد ص4ع4) وهذا هو النجاح الروحي العظيم الناتج من الأخويات. لأن المشتركين بها يكتسبون لذواتهم أسلحةً قويةً جداً ضد قوات الجحيم. وفي هذه الأجتماعات المقدسة يتروضون بممارسة الوسائط التي بها يحفظون أنفسهم في حال النعمة الإلهية، الوسائط التي خارجاً عن هذه الأخويات تمارس نادراً وبصعوباتٍ وافرة.*

فأولاً: أن إحدى هذه الوسائط هو التفكر في الموت، كقول الروح القدس: أذكر عواقبك فلن تخطئ أبداً (أبن سيراخ ص7ع40) ولذلك كثيرون يهلكون لعدم تفكرهم بالموت، كقول أرميا النبي: خراباً خربت الأرض لأن ليس من يفتكر في القلب: (ص12ع11) فالذين يترددون الى الأخويات يتذكرون جيداً هذه الأشياء مراتٍ عديدةً، من قبل الصلوات العقلية التي تمارس منهم هناك، ومن قبل القراءات الروحية والمواعظ. كقوله تعالى: أن خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها وهي تتبعني، وأنا أعطيها حيوة الأبد: (يوحنا ص10ع27).*

ثانياً: أنه لنوال الخلاص يلزم التوسل لله والطلب المتصل، كقول مخلصنا: أسألوا فتعطوا ليكون فرحكم كاملاً: (يوحنا ص16ع24) والحال أن المشتركين في الأخويات يمارسون في أجتماعاتهم هذه الطلبات بتكاثرٍ. بل بأتصالٍ! والباري تعالى يستجيب لهم كوعده الصادق بقوله: لأنه أينما أتفق أثنان منكم على الأرض في كل شيء يطلبانه، فيكون لهما من قبل أبي الذي في السموات. لأن حيثما أجتمع أثنان أو ثلاثة بأسمي فأنا أكون هناك في وسطهم: (متى ص18ع19) وفي هذا الشأن قال القديس أمبروسيوس: أن كثيرين من الصغار الضعفاء اذ يجتمعون بروحٍ واحدٍ فيصيرون أقوياء جداً. وكذلك صلوات كثيرين بتضرعاتٍ متواترة لمن المستحيل الا تقبل:*

ثالثاً: أنه في الأخويات تقتبل الأسرار بأكثر سهولةٍ، وبأوفر مثابرةٍ، نظراً الى فرائض هذه الجمعيات. ونظراً الى النموذجات التي تعطى من الواحد للآخر. وبهذه الطريقة تحفظ الأنفس بأكثر سهولةٍ في حال نعمة الله، اذ أن المجمع التريدنتيني المقدس قد أوضح (في القانون 2 من الجلسة 13) أن التناول هو دواءٌ به نشفى من زلاتنا اليومية. ونحفظ من الخطايا المميتة.*

رابعاً: أنه ما عدا المواظبة على تناول الأسرار، تمارس من ذوي الأخويات أماتاتٌ مختلفةٌ للتواضع، وللمحبة نحو الأخوة المرضى، ونحو الفقراء ولقد يكون أمراً جيداً أن تدرح في كلٍ من الأخويات هذه العادة المقدسة، وهي الأعتناء في مساعدة مرضى البلد الفقراء وتكون الأثمار الروحية عظيمةً جداً اذا جرت العادة في هذه الأخويات بأن تصير تكريماً للبتول والدة الإله الجمعيات السرية، المؤلفة من الأخوة الأشد حرارةً في العبادة، والأكثر نشاطاً في الأعمال الروحية. وهوذا أنا بكل أختصار أورد ما هي الرياضات التي تمارس في هذه الجمعيات السرية، وهي:

1.        قراءة روحية مقدار نصف ساعة.

2.        تتلى صلاة الغروب وصلاة النوم المختصتين بالروح القدس.

3.        تقال الطلبة، وحينئذٍ الأخوة المعينون لعمل بعض أماتاتٍ، كحمل      الصليب على عاتقهم. وما أشبه ذلك فيمارسونها.

4.        تصير صلاةٌ عقلية بالتأمل مدة ربع ساعةٍ في آلام مخلصنا المقدسة.

5.        كل واحدٍ من الأخوة يعترف حينئذٍ بالنقائص التي صنعها ضد فرائض الأخوية. ويقبل عنها قانون من الأب المرشد.

6.        تقرأ علانيةً من الأخ المعين لذلك أعمال الأماتات التي تكون تمارست مشتهراً من الأخوة في السنة الماضية، وتعلن الأيام التسعاوية التي تبتدئ في السنة المقبلة.

7.        وأخيراً تصير رياضة الجلد على تلاوة المزمور الخمسين: والسلام عليكٍ أيتها الملكة أم الرحمة: وهكذا كلٌ من الأخوة يمضي فيقبل قدمي المصلوب المقدس الموضوع على درجة الهيكل.

وأما فرائض هذه الجمعيات السرية، فهي:

1.        أن كلاً من الأخوة يمارس يومياً الصلاة العقلية.

2.        أن يزور كل يومٍ القربان الأقدس، وأحدى أيقونات والدة الإله.

3.        أن يفحص ضميره كل ليلةٍ قبل الرقاد.

4.        الا يهمل يومياً القراءة الروحية.

5.        أن يمتنع عن اللعب بالورق وغيره ويهرب من الأجتماعات العالمية.

6.        أن يواظب على أقتبال الأسرار المقدسة، وعلى بعض أماتاتٍ ممكنةٍ لديه، كحمل زنار الحديد، أو عمل الجلد وأمثالهما.

7.        أن يتوسل لله كل يوم من أجل الأنفس التي في المطهر، ومن أجل أرتداد الخطأة الى التوبة.

8.        اذا كان أحد الأخوة مريضاً فتلتزم الأخوة كلهم بزيارته.

 وبهذا كفاية. فلنرجع الى موضوعنا الأول.*

خامساً: قد قلنا فيما سلف كم هو أمرٌ مفيدٌ للخلاص الأبدي التعبد لمريم العذراء وخدمتها كالواجب. فالأخوة في جمعياتهم ماذا يصنعون الا واجبات عبادتها وخدمتها، فكم يمدحونها هناك، وكم يتضرعون إليها. اذ أنهم منذ أشتراكهم بهذه الأخويات يكرسون ذواتهم لخدمتها وعبادتها. مختارينها بنوعٍ خاص سيدةً وأماً لهم. وبالتالي كما أنهم عبيدٌ لها وأبناءٌ، أخصاء. فهكذا هي بنوع متميز تعضدهم وتحامي عنهم في مدة حياتهم وفي ساعة موتهم. فاذاً يمكن القول عن كل أحدٍ من المشتركين بأخويات هذه الأم الإلهية أنه مع الأخوية قد أقتبل كل خيرٍ، كقول الحكيم: جاءتني الخيرات كلها معها، والثروة التي لا تحصى في يديها: (سفر الحكمة ص7ع11).*

الا أن كل واحدٍ من المشتركين بهذه الأخويات يلزمه أن يجتهد في أمرين:

أحدهما: هو الغاية، أي في أن يكون تردده الى الأخوية لا لغايةٍ أخرى الا لعبادة الله وخدمته، وللتعبد لوالدته المجيدة. ولكي يهتم في خلاص نفسه.

ثانيهما: أن لا يهمل لأجل أعمالٍ عالميةٍ الذهاب الى الأخوية في الأيام المعينة للأجتماع، لأن تردده الى الأخوية أنما هو لممارسة العمل الأهم والأصر والأخص من جميع أعمال العالم، وهو عمل خلاصه الأبدي. ثم أن يجتهد بقدر مكنته في أن يجتذب الآخرين أيضاً الى هذا الأجتماع، لا سيما في أن يصير أولئك الأخوة الذين تركوا التردد الى الأخوية أن يرجعوا الى حالهم الأولى. لأنه كم وكم عاقب الله بقصاصاتٍ ظاهرةٍ مهيلةٍ، أولئك الذين اذ كانوا مرةً ما مشتركين في إحدى الأخويات المختصة بعبادة مريم العذراء قد أهملوها بعد ذلك بالكلية. ففي مدينة نابولي قد كان أحد الأخوة ترك الأخوية مطلقاً واذ حرضه البعض على الرجوع إليها، قد أجابهم التعيس قائلاً: أني سأرجع إليها حينما تكسر قصبتا رجلي وتقطع هامتي: فقد صار هو نبياً على ذاته بهذا القول، لأنه لم يمضِ على ذلك الا زمنٌ وجيزٌ. واذا بأعداءٍ كانوا لهذا الإنسان قد وثبوا عليه بغتةً، فكسروا ساقيه، وقطعوا رأسه. وبالعكس أن عبيد مريم البتول المثابرين على الأجتماعات بهذه الأخويات فهم مسعفون منها ومنعم عليهم من قلبها بخيراتٍ روحيةٍ وزمنيةٍ أيضاً. وعنهم قيل: أن أهل بيتها جميعهم لابسون ثياباً مضعفةً: (أمثال ص31ع21).*

ففي الرأس4 من المجلد 2من تأليف الأب أورياما توجد مدونةً حوادثٌ كثيرةٌ في أثبات النعم العظيمة الممنوحة من والدة الإله للمشتركين في أخوياتها، ليس في مدة حياتهم فقط، بل في حين موتهم أيضاً. فيخبر الأب كراسات (في القسم 5من المجلد 2) بأنه في سنة 1586 اذ كان أحد الشبان مناهزاً للموت قد نام ثم أستيقظ وأعلم معلم أعترافه قائلاً: أواه يا أبتي أنني قد حصلت في خطرٍ عظيمٍ للهلاك، ولكن أمي الإلهية قد خلصتني، لأن الشياطين قدموا ضدي في ديوان الله جميع خطاياي. وكانوا مستعدين لأن يأخذوني متكردساً الى جهنم. ولكن قد جاءت حينئذٍ السيدة والدة الإله، وقالت لهؤلاء الأبالسة: الى أين آخذين معكم هذا الشاب، وأي حقٍ يوجد لكم على أحد عبيدي، الذي خدمني زمناً مديداً في الأخوية المختصة بالعبادة لي: فهكذا هربت الشياطين وأنا خلصت من أيديهم:*

ثم أن الأب المذكور عينه يخبر هناك عن حادثٍ آخر، وهو أن رجلاً من المشتركين بأخوية العذراء، قد حصل في ساعة موته على معركةٍ قوية جداً من قوات الجحيم، ولكن اذ أنتصر عليهم أخيراً، قد هتف صارخاً: يا له من خيرٍ عظيمٍ هو خدمة مريم البتول في أخويةٍ مختصةٍ بعبادتها: وهكذا مات ممتلئاً من التعزية السماوية. ويضيف الى ذلك، أنه في مدينة نابولي اذ كان الرجل الشريف "دوكا" بوبولي مدنفاً على الموت قال لأبنه هكذا: أعلم يا ولدي أن الخير الوجيز الذي أنا عملته في حياتي، فأنا أعترف به أنه ناتجٌ عن أشتراكي بأخوية العذراء، فاذاً لا يوجد عندي خيرٌ أعظم أتركه لك بعد موتي من هذه الأخوية، التي أعتبر ذاتي شريفاً بالأشتراك فيها، أكثر من شرفي بأني دوكا بوبولي:* 

Click to view full size image

الفصل التاسع

* في أعطاء الصدقة عبادةً لوالدة الإله وتكريماً لها*

أن المتعبدين لمريم البتول الكلية القداسة من عادتهم أن يوزعوا بعض صداقاتٍ، لا سيما في يوم السبت أكراماً لهذه السيدة. فالقديس غريغوريوس الكبير يخبر في أدابياته عن ذاك الرجل البار القديس عطا الله، الذي كانت صنعته عمل الأحذية، فهذا كان يوزع على الفقراء والمساكين تكريماً لهذه الأم الإلهية في نهار السبت، جميع ما كان يربحه في أيام السبت من تعب يديه، فالباري تعالى أظهر في الرؤيا لأحد أبراره داراً عظيمةً ذات قصورٍ ملوكيةٍ في السماء كانت مهيأةً لهذا الرجل عبد مريم البتول عطا الله، وأنها لم تكن تتشيد وتتزين الا في أيام السبوت. والقديس جاراردوس في مدة حياته كلها لم يكن ينكر قط على أحدٍ تتميم ما كان يسأله إياه أكراماً للعذراء المجيدة، متى كان يطلب منه بأسمها. ومثل ذلك كان يصنع الأب مرتينوس غوتيازاز اليسوعي، الذي أعترف فيما بعد بأنه قط لم يكن هو ألتمس من هذه السيدة نعمةً ما، الا ونالها منها. ومن حيث أن الأوغونوتيين وثبوا يوماً ما على عبد مريم هذا البار فقتلوه، وتركوا جثته في الأرض. فحينئذٍ ظهرت ملكة السماء هذه وبرفقتها عددٌ من العذارى، اللواتي بأمرها قد لفين جسده بسباني نقيةِ، وأخذنه. وكذلك القديس أباراردوس أسقف ساليسبورك كان يتصرف على هذه الصورة. ولذلك قد شاهده في الرؤيا أحد الرهبان الأبرار، محمولاً من والدة الإله على ذراعيها نظير طفلٍ، وقالت هي عنه هكذا:" هذا هو أبني أباراردوس الذي قط ما نكر عليَّ شيئاً مما طلبته منه". وبمثله كان يسلك ألكسندروس ألاس الذي اذ طلب منه يوماً ما بأسم مريم العذراء أحد الرهبان الفرنسيسكانيين أن يترهب في قانونهم، فحالاً هو ترك العالم ودخل في الرهبنة المذكورة. فلا يصعب اذاً على عبيد مريم أن يعطوا كل يومٍ صدقةً ما تكريماً لها. وأن يصنعوا ذلك بأوفر سخاءٍ في يوم السبت. واذا لم يكن للبعض منهم أعطاء الصدقة، فقلما يكون يمارس تكريماً لهذه السيدة المجيدة بعض أعمالٍ تلائم محبة القريب، مثلاً خدمة المرضى، أو التوسل لله من أجل أرتداد الخطأة الى التوبة، والتضرع من أجل الأنفس التي في المطهر، وما يضاهي ذلك. لأن أعمال الرحمة هي كلية القبول لدى ملكة الرحمة هذه.* 

Click to view full size image

الفصل العاشر

* في الألتجاء المتواتر الى والدة الإله بطلب معونتها وأسعافها.*

* وفي بعض عباداتٍ أخرى*

فأنا أقول أنه فيما بين جميع العبادات والتكريمات التي خدام هذه الأم الإلهية وعبيدها يكرمونها بها، لا توجد لديها عبادةٌ أكثر قبولاً من ألتجائهم إليها، وأستمدادهم منها النعم والمعونات في جميع أحتياجاتهم الخصوصية، نظير طلب المشورة في أعمالهم. أو حينما يلتزمون بأعطاء المشورة لقريبهم، أم في حين أحزانهم وضياقاتهم، أو في وقت توارد التجارب الشيطانية عليهم، لا سيما المضادة الطهارة. فمن دون ريبٍ، بل بكل تأكيدٍ هي حينئذٍ تسعفنا وتنقذنا، متى بادرنا الى حمايتها وألتجأنا الى شفاعتها، وطلبنا معونتها قائلين نحوها: تحت ذيل حمايتكِ نلتجئ يا والدة الإله القديسة.أو: السلام لكِ يا مريم: أم أننا نستغيث بمجرد أسمها الكلي القداسة مريم الذي فيه قوةٌ عظيمةٌ خصوصيةٌ ضد الشياطين. فالطوباوي سانتي الراهب الفرنسيسكاني، اذ تجرب يوماً ما بتجربةٍ قويةٍ ضد العفة، وأستغاث بأسم هذه الأم الإلهية، فحالاً ظهرت هي له، ووضعت يدها على صدره فأنقذته من التجربة. ولهذا يفيد كثيراً في وقت التجارب أن المجرب ضد العفة أو غيرها من الفضائل، ينظر الى إحدى أيقونات والدة الإله، أم يقبل المسبحة الوردية، أو يضمها الى صدره، أم يقبل ثوب السيدة. وليعلم أن من يذكر أسم يسوع ومريم فيربح غفران خمسين يوماً ممنوحاً من الحبر الأعظم بناديكتوس الثالث عشر.*

ثم أنني أضيف الآن أخيراً بعض عباداتٍ أخرى تمكن ممارستها تكريماً لوالدة الإله، وهي:

أولاً: تقدمة الذبيحة الإلهية، أو طلب تقدمتها من الغير، أم قلما يكون حضورها، أكراماً لهذه السيدة. فلا ينكر أن الذبيحة الكلية القداسة لا تتقدم سوى لله الذي تقرب له أولوياً وبدءاً، أعترافاً بسلطانه المطلق، ولكن يقول المجمع التريدنتيني المقدس (في القانون 3من الجلسة 22) أن هذا لا يمنع أن تتقدم الذبيحة الغير الدموية لله شكراً له على النعم التي وهبها لقديسيه، وللكلية الطوبى والدته، وأننا اذ نذكرهم على هذه الصورة فهم يتضرعون لله من أجلنا. ولهذا يقال في القداس:" أن تقدمتنا، كما هي لتكريمهم، فكذلك تفيدنا خلاصاً". فالعذراء المجيدة نفسها قد أوحت لأحد عبيدها، بأن تقدمة القداس على النوع السابق ذكره، وهكذا تلاوة ثلاث مراتٍ: أبانا الذي: والسلام لكِ: والمجد للآب: للثالوث الأقدس شكراً له على النعم العظيمة التي وهبها إياها. فهو شيءٌ كلي القبول لديها. لأنه اذ لم تستطع هذه السيدة أن تشكره عز وجل بكفايةٍ عن جميع النعم والأختصاصات والمواهب التي شرفها هو بها، فتسر هي جداً بأن عبيدها وأولادها يساعدونها في تقدمة الشكر عن ذلك لديه تعالى.

ثانياً: تكريم أولئك القديسين أقرباء هذه الملكة الجليلة الأكثر نسبةً لها، نظير القديس يوسف خطيبها، والقديس يواكيم والدها، والقديسة حنه أمها. بل أن هذه العذراء المجيدة نفسها يوماً ما قد أوصت أحد الأنام الشرفاء، بأن يكون متعبداً لوالدتها القديسة حنه. وكذلك تكرمة القديسين الذين في حياتهم كانوا بنوع متميز عن الآخرين مستحرين في عبادتهم لها، نظير القديس يوحنا الإنجيلي، والطوباوي يوحنا المعمدان، والقديس يوحنا الدمشقي المحامي عن أيقوناتها المقدسة، والطوباوي برنردوس. والقديس أبدالفونسوس المناضل عن دوام بتوليتها، وما يضاهي هؤلاء.

ثالثاً: قراءة بعض أوراقٍ يومياً في أحد الكتب المتكلمة عن أمجادها وعظائمها، والوعظ والأنذار، أو قلما يكون التعليم بقدر الأمكان، خاصةً للأقرباء والخصيصين بالعبادة لها. كما قالت يوماً ما هذه السيدة للقديسة بريجيتا:" أجتهدي في أن تصيري أولادكِ بنيناً لي". ثم التضرع كل يومٍ من أجل أولئك المستحرين في عبادتها، أحياءً وأمواتاً.*

وهنا نورد بعض العبادات التي منحت لأجلها من ألحبار الرومانيين غفراناتٌ خصوصية لتكريم البتول الكلية القداسة.

فأولاً:" يكتسب غفران مئة سنةً كل من يتلو أحدٌ هذه الكلمات وهي:" فليكن مسبحاً على الدوام من كل البريئة، الحبل بمريم البريء من دنس الخطيئة الأصلية". ويقول الأب كراسات أن من يضيف الى لفظة البريء من الدنس كلمة: "الكلي الطهر". فيربح غفراناً آخر أسعافاً للأنفس المطهرية.

ثانياً: ممنوحٌ على تلاوة: السلام عليكِ أيتها الملكة أم الرحمة: غفران أربعين يوماً.

ثالثا: على تلاوة الطلبة معطى غفران مايتين يوماً.

رابعاً: كل من يحني رأسه عند ذكر أسم يسوع وأسم مريم يربح غفران عشرين يوماً.

خامساً: كل من يصلي خمس مراتٍ: أبانا الذي: والسلام لكِ: أكراماً لآلام المسيح ولأحزان والدته. فيكتسب غفران عشرة آلاف سنة.*

ثم أني أفادةً للأنفس أريد أن أنبه هنا عن غفراناتٍ أخرى معطاة من الأحبار الرومانيين وهي:

أولاً: غفران 3800 سنةً لكل من يستمع القداس في أي يومٍ كان.

ثانياً: أن البابا بناديكتوس الرابع عشر قد منح غفران سبع سنواتٍ لكل من يتلو أفعال الديانة بنية أن يتناول الأسرار المقدسة في حياته وحين موته، وأن من يداوم تلاوتها مدة شهرٍ يومياً فيربح غفراناً كاملاً أسعافاً لأنفس الموتى، وأيضاً لذاته في ساعة موته.

ثالثا: كل من يصلي خمس عشرة مرةً: أبانا الذي: والسلام لكِ: من أجل أرتداد الخطأة الى التوبة فيربح غفران ثلث القصاصات المستحقتها خطاياه.

رابعاً: ثم أن البابا بناديكتوس 14 عينه قد منح غفراناتٍ مختلفةً مع غفرانٍ كاملٍ مرةً في الشهر، بشرط الأعتراف والتناول لكل من يمارس الصلاة العقلية يومياً مقدار نصف أو ربع ساعة.

خامساً:كل من يتلو الصلاة المبدوة "نفس المسيح" قد منح غفران ثلاثماية يوماً.

سادساً: من يرافق القربان الأقدس لمناولة المرضى يكتسب غفران خمس سنواتٍ، وأن رافقه بمصباحٍ فيربح غفران سبع سنين، ومن لا يقدر أن يرافقه بل يصلي مرةً: ابانا الذي: والسلام لكِ: فيربح غفران مئة يومٍ.

سابعاً: كل من يجثو أمام القربان الأقدس يكتسب غفران مايتي يومٍ.

ثامناً: لكل من يقبل الصليب منح غفران سنةً واربعين يوماً.

تاسعاً: كل من يحني رأسه عند تلاوة: المجد للآب: يربح غفران ثلاثين يوماً.

عاشراً: قد منح للكهنة الذين قبل القداس يتلون الصلاة المبدوة:" أنا أريد أن أقدم الذبيحة:" غفران خمسين يوماً.

حادي عشر: كل من يقبل الثوب الرهباني يكتسب غفران خمس سنواتٍ. ثم من يريد الأطلاع على غفراناتٍ أخرى كثيرةٍ ممنوحةٍ على عباداتٍ مختلفةٍ، فيمكنه أن يراها في تأليف الأب فيفا. وأمرٌ معلومٌ هو أنه ينبغي أن المسيحي يجتهد في أن يبرز فعل الأنسحاق عند أكتسابه الغفرانات المقدم إيرادها، ليكون بذلك متأهباً لربحها.*

هذا وأترك التكلم عن عباداتٍ أخرى مختصةٍ بتكريم والدة الإله موجودة في كتبٍ مختلفةٍ، نظير العبادات التي لأفراحها السبعة، والتي لأختصاصاتها الأثني عشر وأمثال ذلك. فأنا أنهي التأليف الحاضر بكلمات القديس برنردينوس الجليلة، الموردة منه في العظة الحادية والستين وهي قوله نحو والدة الإله هكذا: أيتها الأمرأة المباركة في النساء كلهن، فأنتِ هي شرف الجنس البشري، وأنتِ هي خلاص شعبنا. يا من أنتِ حاصلةٌ على أستحقاقٍ لا حدود له، وعلى سلطانٍ كاملٍ فوق الخلائق بأسرها. فأنتِ هي والدة الإله، وسيدة العالم، وملكة السماء وأنتِ هي موزعة النعم كلها، وزينة كنيسة المسيح المقدسة. وأنتِ هي النموذج الحي الأبرار، وتعزية القديسين وبهجتهم. وأصل تخليصنا وأفتدائنا، بل أنتِ هي فرح سكان الملكوت وسرورهم، وباب السماء ومجد الله. فهوذا أننا قد أذعنا مدائحكِ، ومن ثم نتوسل إليكِ يا أم الصلاح بأن تتممي نقصنا وضعفنا، وتعذري جرأتنا وتجاسرنا، وبأن تقبلي عبوديتنا وخدمتنا، وبأن تباركي على أتعابنا بواسطة رسمكِ في قلوب الجميع حبكِ مطبوعاً، حتى بعد أن نكون كافةً أحببنا على الأرض في مدة حياتنا أبنكِ الإلهي، وخدمناه وكرمناه، فنستطيع أن نسبحه ونباركه في السموات الى أبد الآبدين ودهر الداهرين آمين.*

فها أنني أودعك، ثم أستودعك أيها الأخ القارئ العزيز والمحب الصادق لأمنا الإلهية مريم البتول، وهكذا أفارقك قائلاً لك، واظب سالكاً في أن تحب هذه السيدة الشريفة وتكرمها، وأجتهد في أن تصيرها محبوبةً من جميع الذين بكل أستطاعتك تحثهم وتحرضهم على حبها، ولا يكن عندك أرتيابٌ أصلاً. بل أحسن رجاك بطمأنينةٍ في أنك اذا ثبت مواظباً على عبادتك للبتول والدة الإله الى حين موتك، فخلاصك يكون أكيداً خالياً من الأرتياب. فأنا أنهي خطابي ليس كأنه لم يعد لي شيءٌ آخر أقوله فيما يخص تماجيد هذه الملكة العظيمة، بل لكيلا أسبب لك الملل من الأطالة. لأن الشيء الوجيز الذي كتبته الى ههنا يكفي لأن يجعلك مغرماً في محبة هذا الكنز الفائق الأثمان، وهو العبادة لهذه الأم الإلهية التي هي تهتم بنموها بواسطة حمايتها المقتدرة، فأقتبل مني أيها الأخ الحبيب عواطف أشواقي المتقدة، التي قصدت بها بواسطة تأليفي هذا أن أراك مستفيداً منه لذاتك خلاصاً، وأن تصير قديساً، بمشاهدتي إياك قد حصلت أبناً محباً بل مغرماً بعشق هذه السلطانة التي هي موضوعٌ كلي للمحبة. واذا كنت تعلم أنني بكتابي هذا قد أفدتك أفادة ما ولو قليلةً للغاية المذكورة، فأتوسل إليك بحق المحبة بأن تصلي من أجلي لدى مريم البتول طالباً لي منها هذه النعمة، كما أنني أنا أيضاً أطلبها لك من مراحمها، وهي أن يشاهد أحدنا الآخر معاً يوماً ما في الفردوس السماوي عند قدمي هذه السيدة، ملتئمين جملةً مع سائر أولادها الآخرين الأعزاء.*

ثم أني أخيراً أتجه نحوكِ يا أم إلهي وأمي مريم الكلية القداسة، متضرعاً إليكِ بأن تقبلي مني هذه الأتعاب القليلة، مع أشواقي الى أن أراكِ محبوبةً ومكرمةً وممدوحةً من الجميع، فأنتِ تعلمين جيداً كم أنني رغبت بحرارةٍ في أن أتمم تأليفي هذا المختص بأمجادكِ، قبل أن تنتهي أيام حياتي التي ناهزت الأضمحلال ودنت من النهاية. فالآن يمكنني القول أنني أموت راضياً مسروراً تاركاً في الأرض كتابي هذا، الذي يستمر حاوياً على الدوام مدائحكِ وأذاعة مجدكِ، نظير ما أجتهدت بأتصالٍ في أن أصنع ذلك في جميع سني توبتي التي نلتها من الله بواسطتكِ، فأنا أتوسل إليكِ يا مريم البريئة من العيب والدنس من أجل كل الذين يحبونكِ، خاصةً من أجل أولئك الذين يقرأون كتابي هذا، وبأبلغ نوعٍ من أجل أولئك الذين يصنعون معي رحمةً في أن يصلوا لديكِ من أجلي، فإمنحيهم كافةً أيتها السيدة نعمة الثبات، وقدسيهم جميعاً، لكي تقودينا هكذا كلنا الى أن نمجدكِ ونمدحكِ في السماء. فأي نعم أيتها الكلية الحلاوة أمي أني أنما أنا خاطٍ شقي، ولكنني أفتخر في أني أحبكِ، وأنا أرجو منكِ أشياء عظيمةً. وفيما بينها هو أن أموت في محبتكِ، وأرجو أن في حال نزاعي عند موتي، حينما يضع الشيطان أمام عيني جميع خطاياي. فآلام مخلصي يسوع المسيح أولاً، ثم شفاعاتكِ عتيدةٌ أن تشجعني وتقويني لأن أخرج من هذه الحياة في حال نعمة الله. لكي آتي الى السماء حيث أحبه تعالى، وأشكركِ أنتِ يا أمي الى جيل الأجيال

* آمين، هكذا أؤمل وكذلك فليكن لي*

( يقول القديس برنردوس أو من تنسب له العظة 4 على تفسير:

*السلام عليكِ أيتها الملكة أم الرحمة:*

أيتها السيدة قولي من أجلنا لدى أبنكِ، أن ليس عندهم خمرٌ، فيا لكأس خمر الحب الإلهي الصرفة كم هي رايقةٌ طافحةٌ، لأن خمرة حب الله تسكر شاربيها، وتجعلهم محتقرين العالم، ومستحقرين وأقوياء وتصيرهم في الأمور الزمنية متهاونين متناعسين، وفي الأمور الروحية نشيطين مستيقظين، فأنتِ هي الأرض الصالحة المخصبة الممتلئة نعمةً، والموعبة فضائل، وأنتِ هي نجمة الصبح المشرقة متلألئةً بالضياء ومزينةً بالجمال فأنتِ قد سموتِ متعاليةً نظير مطلع الصبح مشرقةً ومخضبةً بالأحمرار، لأنكِ بعد أن أنتصرتِ على الخطيئة الأصلية بحلولكِ في مستودع أمكِ. قد ولدتِ مستنيرةً بنور معرفة الحقائق الأزلية. مخضبةً بأحمرار حب الفضيلة. ولم يمكن للعدو أن يغتنم منكِ أفادةً لذاته، لأنكِ برجٌ مبني بالمحاصن ومعلقٌ عليه ألف ترسٍ وكافة أسلحة المقتدرين، وليس في الوجود فضيلةٌ ما الا وتلألأتِ مشرقةً فيكِ بنوعٍ كاملٍ سامٍ، وكل ما حصل عليه القديسون أجمعون من الفضائل والأختصاصات الفريدة، التي كلٌ منهم تلألأ بواحدةٍ منها فأنتِ وحدكِ جمعتيها كلها فيكِ، فيا سيدتنا ووسيطتنا وشفيعتنا تضرعي من أجلنا لدى أبنكِ، وبأستحقاق تلك النعمة التي أنتِ أيتها المباركة نلتيها منه تعالى صيري هذا الإله الذي بواسطتكِ تنازل الى أن يشترك بضعفنا وشقائنا، أن يجعلنا بشفاعاتكِ مشتركين في غبطته ومجده آمين*



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +