Skip to Content

شباط - السنكسار الماروني

 

 

شهر شباط

 

أيام هذا الشهر ثمانية وعشرون يوماً والسنة الكبيس تسعة وعشرون

نهاره احدى عشرة ساعة وليله ثلاث عشرة ساعة.

اليوم الاول

تذكار فيونس الشهيد

كان فيونس كاهناً غيوراً في مدينة ازمير، يبشّر بايمان المسيح بلسانه وقلمه ومثله الصالح، ويشجع المؤمنين على تحمُّل العذاب، حتى اشتهر أمره فاستحضره الوالي فاعترف بايمانه بجرأة. فأخذ الوالي يحاول اقناعه ليكفُر بالمسيح ويضحّي للاوثان. فاندفع القديس يبيّن بطلان عبادة الاوثان ويؤيد صحة الدين المسيحي ويدعو الجميع الى اعتناقه. فاغتاظ الوالي وطرحه في السجن مكبَّلاً بالقيود. وكان عدد المؤمنين المسجونين معه خمسمئة، فأخذ يشجعهم على تحمُّل العذاب من اجل المسيح، فأصغوا اليه واستمرُّوا على ايمانهم حتى نالوا اكليل الشهادة بتمام الفرح.

أمّا هو فاستدعاه الوالي من السجن محاولاً، مرة ثانية، اقناعه بأن ينثني عن عزمه، فلم ينثن فأمر به فسمَّروا يديه ورجليه ووضعوه فوق نار متأججة، فكان يسبّح الله شاكراً، وبعد أن حرَّض المؤمنين على الاقتداء به، أسلم روحه الطاهرة بيد الله في السنة 167. صلاته معنا. آمين

 

 

وفي هذا اليوم ايضاً

تذكار البابا اوتيكيانوس

كان هذا البابا من بلد توسكانا بايطاليا مشهوراً بالفضائل السامية والغيرة الرسولية ولا سيما فضيلة العناية بالشهداء. وفي السنة 275 جلس على السدّة البطرسية، خلفاً للبابا فيلكس. وفي زمانه اشتدَّ الاضطهاد على المسيحيين فاستشهد منهم كثيرون وقد دفن هذا البابا بيديه المقدستين عدداً كبيراً منهم. ولما ظهرت بدعة ماني الفارسي القائل بوجود الهين، اله الخير واله الشر، قام هذا البابا الى مكافحتها واوقف انتشارها. وتوفي في روما سنة 283 بعد ان دبّر الكرسي الرسولي ثمان سنين بغيرة لا تعرف الملل. صلاته معنا. آمين.

 

  

اليوم الثاني

دخول السيد المسيح الى الهيكل

ابى ربُّ الشريعة له المجد إلاّ ان يُتم مع والدته العذراء الشريعة الموسومة، شريعة التطهير والتكفير كما جاء في سفر الاحبار (12: 6 -8).

وعلى ذلك قال لوقا البشير:" ولما تمت ايام تطهيرها بحسب ناموس موسى، صعدا به الى اورشليم ليقّرباه للرب على حسب ما كتب في ناموس الرب" (لوقا 2: 22- 23).

ففي مثل هذا اليوم يقف قدوس القديسين مع والدته العذراء البريئة من وصمة الخطيئة موقف الخطأة ويقدّم تقدمة الفقراء ليعلّمنا نبذ الكبرياء القتّالة والخضوع لشرائعه الالهية. وكان في اورشليم رجل صدّيق اسمه سمعان أقبل بالروح الى الهيكل فحمل الطفل يسوع على ذراعيه وقال:" ربِّ، اطلق الان عبدك بسلام، وفاقا لقولك. فقد رأت عيناي ما اعددته من خلاص للشعوب كلها نوراً لهداية الامم ومجداً لشعبك". وقال سمعان لمريم أمه:" انه جُعِلَ لسقوط كثير من الناس، وقيام كثير منهم في اسرائيل وآية ينكرونها. وانت سينفذ سيف في نفسك حتى تتكشف الافكار عن قلوب كثيرة". وقد تمت هذه النبوءة في أمّه مريم، لمّا طعن قلبها سيف الآلام والاوجاع، اذ كانت واقفة عند الصليب تشارك ابنها في سر الفداء. ثم اعطت مريم كاهن الهيكل خمسة دراهم فضة بحسب وصية الناموس في تقدمة الفقراء. وبعد ان اتموا واجبات الناموس، عادوا الى الناصرة مدينتهم. ان الاحتفال بهذا العيد المبارك يرتقي الى عصور الكنيسة الاولى (سنة 541). وتذكاراً له وضعت الكنيسة رتبة تبريك الشمع رمزاً الى اشعاع النور الذي قال عنه سمعان الشيخ انه ينجلي للأمم، وما هو الاّ صدى لقول الرب يسوع: انا نور العالم ( يو 8: 12). رزقنا الله بركة هذا العيد ومتعنا بضياء نوره الابدي.

 

اليوم الثالث

تذكار سمعان الشيخ وحنه النبية

ان سمعان الشيخ الذي وصفه لوقا البشير بالصدّيق التقي كانت قد اشكلت عليه آية اشعيا النبي القائل:" ها ان العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمَّانوئيل" (اشعيا 7: 14). لذلك خطر له ان يغّير كلمة "عذراء" بكلمة "صبيّة". لكن، سرعان ما كان اندهاشه في الغد، اذ رأى كلمة "صبيّة" ممحاة ومكانها لفظة "عذراء" كما كانت قبلا. فأيقن عندئذ أن ليس على الله أمر عسير. وأوحي اليه بالروح القدس انه لا يموت قبل ان يعاين مسيح الرب. ولذلك بات ملازماً الهيكل، مثابراً على الصوم والصلاة، الى أن رأى الاعجوبة رأي العين، فحمل الطفل على ذراعيه بايمان راسخ وقلب طافح بالمحبة والرجاء، وهتف:" ربِّ، اطلق الآن عبدك بسلام!".

وكانت حنه النبية بنت فنوئيل لا تفارق الهيكل، متعّبدة بالاصوام والصلوات ليلاً ونهاراً. ولشدة ما كان فيها من الشوق الى رؤية المخلص، منَّ الله عليها بأن تراه بعين الجسد بعد أن رأته بالايمان، ففي تلك الساعة حضرت تعترف للرب وتحدّث عنه كل من كان ينتظر فداء اسرائيل (لوقا2: 36-38). هكذا استطاعت ان تكون في طليعة المبشرين بالمسيح. صلاتهما معنا. آمين!

 

  

اليوم الرابع

تذكار ايذيدورس الفرمي

وُلد هذا القديس سنة 370 في مدينة الاسكندرية، من اسرة شريفة غنية، يمتُّ بالنسب الى البطريركين تاوافيلوس وابن اخته كيرللس. وتتلمذ للقديس يوحنا فم الذهب. واشتهر بسعة معارفه وسمو فضائله حتى عُدَّ من اعاظم رجال الكنيسة في عصره. وقد عرف ان يقرن ذكاءه وعلمه بفضيلتي الايمان والتواضع العميق.

بيد انه زَهد في الدنيا فترك اهله وثروته الطائلة واعتنق الدعوة الرهبانية في دير على جبل قريب من مدينة بيطوسا المعروفة اليوم بفرموس، لذلك لُقب بالفرمي. وكان في ذلك الدير الراهب المثالي بممارسة اسمى الفضائل. وما ارتقى درجة الكهنوت المقدسة حتى انبرى يدافع بكل غيرة رسولية عن المعتقد الكاثوليكي. افحم علماء اليهود بشرحه كتب الانبياء وأتى بالبراهين على حقيقة الثالوث الاقدس وسر التجسد. ضد اريوس ونسطور... وما كان يهاب احداً في الدفاع عن الحقيقة.

ولما علم ان البطريرك كيرللس الاسكندري ناقم على القديس يوحنا فم الذهب، كتب اليه، بوصفه مرشداً لهذا البطريرك، يستحثُّه على المصافاة والمحبة. فكان لكتابه وقعه الحسن عند البطريرك كيرللس فعمل بمَا اشار عليه مرشده القديم الحكيم.

وللقديس ايذيدورس تآليف جليلة ورسائل نفيسة عديدة جميعها تدل على سعة علمه وعلى جرأته الرسولية في سبيل مجد الله وخلاص النفوس. وعاش حياة طويلة مليئة بالمبرّات ورقد بسلام في السنة 449. صلاته معنا. آمين.

 

  

اليوم الخامس

تذكار الشهيدة اغاثا البتول

هي فتاة ايطالية رائعة الجمال غنية بالمال. أعرضت عن بهارج الارض وأمجادها وعلِقت نفسُها بالسماء وبمحبة السيد المسيح. علم بها كونتيانوس القنصل الروماني، وكان فظّ الاخلاق فاسقاً. فأخذ يراودها وهي تنفر منه، فاوقفها بحجة انها مسيحية وأودعها السجن معلّلاً النفس بانقيادها اليه صاغرة. فاستمرت صامدة بوجهه صمود اللبوءة الجبَّارة.

فاعادها اليه وسألها: مَن أنت وما هي هويتك؟ أأنت أمة أم حرة؟... فأجابت: أنا حرة ومن اسرة شريفة، لكنني انا أمة المسيح ولي الشرف الاسمى بخدمة الاله الحقيقي. فقال: ألسنا نحن من الشرفاء نعرف الآلهة وشرفها؟... فقالت له: لقد اضعتم شرفكم واصبحتم عبيداً للخطيئة ولآلهة صماء من خشب وحجر. فغضب كونتيانوس وهددها واعادها الى سجنها المظلم حيث اخذت تطلب من يسوع نعمة الثبات في محبته.

وفي الغد اعادها كونتيانوس الى مجلسه وأخذ يلاطفها ويقول: هل رجعتِ عن عنادك وفكّرتِ في خلاصك؟... فأجابت: إنّ خلاصي هو المسيح ربّي.

فلمّا رأى كونتيانوس ان لا سبيل الى اقناعها، اراد ان يشفي غليله منها، فأمر بقطع ثديَيها، فتفجرت دماؤها وهي معتصمة بالصبر على أمرّ الاوجاع. فأعادها الى السجن وفي منتصف الليل ظهر لها القديس بطرس بهيئة شيخ حكيم عزّاها وشفاها باسم الرب يسوع. وسطع في السجن نور سماوي بهر الحراس فهربوا مذعورين.

 وعرف كونتيانوس بشفائها، فتمزّق من الغيظ وأمر بان يجرجروها على قطع من خزف وجمر بذلك اسلمت روحها بيدي الله سنة 254.

 واجرى الله على يدها آيات كثيرة. وكان الجميع حتى اليهود يتزاحمون على طلب شفاعتها. أما كونتيانوس، فبعد ايام، جنحت به مركبته وغرق في النهر واختفى.

  

اليوم السادس

تذكار القديس بروكلّس اسقف أزمير

كان هذا القديس معاصراً للرسل فآمن على يدهم. رغب في الفضيلة وسار سيرة مسيحية حسنة. عرف به القديس يوحنا الحبيب، فاتخذه تلميذاً وشماساً. ثم رقّاه درجة الكهنوت وأقامه اسقفاً على مدينة ازمير ليكون راعياً لها تحت تدبيره. فأخذ هذا القديس يتفانى غيرة على التبشير بالانجيل حتى ردّ كثيرين من الوثنيين الى الايمان بالمسيح. وبنصائحه وارشاداته ثبّت المسيحيين في ايمانهم وشجعّهم على اكليل الشهادة والمجد الابدي. ولكثرة ما اجراه الله على يده من الآيات والعجائب، لقّبه الكاتب نيقورس " صانع الآيات". ومن أشهر تلاميذه القديس بوليكربوس الذي رقّاه شماساً ثم كاهناً وصار اسقفاً على ازمير خلفاً له. وبعد ان جاهد الجهاد الحسن في اسقفيته مدة عشر سنوات، رقد بالرب سنة 99. صلاته معنا. آمين.

 

وفي هذا اليوم ايضاً

تذكار الشهيدة فوسطا

كانت فوسطا من بسيزيكا في آسيا الصغرى بعهد الملك مكسيميانوس، راسخة الايمان بالمسيح. فاستحضرها والي المدينة وكلفها أن تكفر بايمانها، فلم تذعن له. فاسلمها لاحد كهنة الاصنام واسمه افلاسيوس. فاجرى عليها عذابات متنوعة. فجزّ شعرها وعلّقها بشجرة وهي ثابتة في ايمانها تشكر الله فأمر بأن تنشر وتشق شطرين واذ حاول الجلادون، جمدت سواعدهم وما تمكنوا من الحركة، فدهشوا لهذه الآية كما دهش افلاسيوس كاهن الاصنام نفسه، فآمنوا بالمسيح جهراً. عندئذ استشاط الوالي غيظاً وأمر فثقبوا رأس الشهيدة وهشموا جميع اعضائها والقوها في مقلاة وافلاسيوس معها فنالا اكليل الشهادة سنة 303. صلاتهما معنا. آمين.

 

اليوم السابع

تذكار القديس برتانيوس اسقف لامبساك

ولد برتانيوس في مدينة مالطا. كان ابوه خريستوفورس شماساً انجيلياً متسامياً بالفضائل، متضلعاً من العلوم، محبوباً من الجميع. لكنه لم يكن على سعة من العيش. فكان برتانيوس يصطاد السمك ويعيش منه الفقراء. وقد اكبّ على درس العلوم وتسامى بممارسة الفضائل. فرسمه فيليبوس اسقف مالطا كاهناً. وبعد رسامته اندفع بكل قواه الى التبشير وعمل الاحسان. أقيم اسقفاً على مدينة لامبساك فرب البحر الاسود.

وما تسلّم ابرشيته حتى تلألأت صفاته الكهنوتية واعماله الرسولية في تلك البلاد المتسكعة في ظلام الوثنية وكثرت الآيات والعجائب التي شرّفه الله بصنعها. وردّ كثيرين الى الايمان بالمسيح. ورقد بالرب في اوائل القرن الرابع. وقد كتب سيرته هذه تلميذٌ له يدعى كريسيدوس. صلاته معنا. آمين.

 

 

وفي هذا اليوم ايضاً

تذكار البابا انتاريوس الاول الشهيد

كان يونانياً ناسكاً متسامياً بالكمال والقداسة. ولما رقد بالرب البابا القديس يونسيانوس انتخب انتاريوس خلفاً له في اواخر سنة 235 ولم تطل مدة حبريته اكثر من شهر وبضعة ايام لانه توفي شهيداً أما سبب استشهاده فلأنه كان حريصاً على تدوين سير الشهداء. فجمع ما وصلت اليه يده منها، اذ كانت مشتّتة ومدَّونة في سجلات المضطهدين الظالمين. فاراد مكسيموس والي روما الحصول عليها. فطلبها من البابا فأبى ان يسلّمها وخبأها في مكان حريز. عندئذ ألقى مكسموس القبض عليه وأرسله الى محل العذاب حيث نال اكليل الشهادة في السنة236. صلاته معنا. آمين. 

 

اليوم الثامن

تذكار النبي زكريا بن يواداع

هو الحادي عشر من الانبياء الصغار، كان في ايام الملك يواش. قد نبأ على مجيء المسيح ودخوله اورشليم وديعاً متواضعاً، راكباً جحشا ابن اتان. وبعد ان عاد من السبي أخذ يحرّض الشعب مع النبي حجاي، على بناء الهيكل وترميم اسوار اورشليم.

ولما ترك رؤساء يهوذا بيت الرب اله ابائهم، كما جاء في سفر الاحبار الايام الثاني وعبدوا عشتروت والاصنام، حلَّ غضب الله عليهم لاجل معصيتهم... فشمل روح الله زكريا فوقف امام الشعب وقال لهم:" كذا قال الله: لمَ تتعدّون وصايا الرب؟ انكم لا تُفلحون، لانكم تركتم الرب، فترككم".

فتحالفوا عليه ورجموه بالحجارة بأمر الملك، في دار بيت الرب. فقال عند موته:" ينظر الرب ويطالب".

وكان ذلك سنة 656 قبل مجيء المسيح. فانتقم الله من قاتليه، اذ زحف جيش ارام على يهوذا واورشليم واهلكوا جميع رؤساء الشعب.

وزكريا هذا هو المقصود، على رأي القديس ايرونيموس وغيره من المفسرين، بقول المخلص للكتبة والفريسيين: لكي يأتي عليكم كل دم زكّي سفك على الارض، من دم هابيل الصدّيق الى دم زكريا بن براشيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح (متى 23: 35). وزكريا لفظة عبرانية تعني ذكر الله. صلاته معنا. آمين.

  

اليوم التاسع

تذكار ابينا المعظم القديس مارون

اشرقت انواره على جبال قورش شمال سورية، فهدَت النفوس الى الحق، يوم كانت البدع تعيث فساداً في تلك الانحاء.

أبو الطائفة المارونية ورافع لواء ايمانها مدى الاجيال.

ان العلاّمة المؤرّخ الشهير تيودوريطوس اسقف قورش في كتابه " تاريخ الرهبان والنساك"، يأتي على اعمال المتنسكين العظام، وفي طليعتهم "مارون الالهي" كما يسميّه.

" لقد زيّن مارون، يقول المؤرّخ، طغمة القديسين المتوحشين بالله ومارس ضروب التقشفات والاماتات تحت جو السماء، دون سقف سوى خيمة صغيرة لم يكن يستظلّها الا نادراً.

" وكان هناك هيكل وثنيّ قديم، فكّرسه مارون، كما يقول تيودوريطس، وخصصه بعبادة الاله الواحد، يحيي الليالي بذكر الله واطالة الركوع والسجود والتأملات في الكمالات الالهية، ثم ينصرف الى الوعظ وارشاد الزائرين وتعزية المصابين.

" كل هذا لم يكتفِ به مارون، يضيف المؤرخ، بل كان يزيد عليه ما ابتكرته حكمته جمعاً لغنى الحكمة الكاملة، لأن المجاهد يوازن بين النعمة والاعمال فيكون جزاء المحارب على قياس عمله. وبمَا انَّ الله غني كثير الاحسان الى قديسيه منحه موهبة الشفاء فذاع صيته على الآفاق كلها فتقاطر اليه الناس من كل جانب. وكان جميعهم قد علموا أن ما اشتهر عنه من الفضائل والعجائب هو صحيح وبالحقيقة كانت الحمّى قد خمدت من ندى بركته والابالسة قد أخذوا في الهرب والمرضى كلهم بَرئوا بدواء واحد هو صلاة القديس، لان الاطباء جعلوا لكل داء دواء، غير ان صلاة الاولياء هي دواء شاف من جميع الامراض".

ولم يقتصر القديس مارون على شفاء امراض الجسد بل كان يبرئ أيضاً امراض النفس.

ويختتم الاسقف الكبير بقوله:" والحاصل ان القديس مارون أنمى بالتهذيب جملة نباتات للحكمة السماوية وغرس لله هذا البستان فازهر في كل نواحي القورشية".

اعتزل مارون الناسك الشهرة واختلى علة قمَّة جبل، فشهرته اعماله التقوية وانتشر عرف قداسته. والقديس يوحنا فم الذهب ذكره في منفاه وكتب اليه تلك الرسالة النفيسة تحت عدد 36، العاقبة بمَا كان بين الرجلين من محبة روحية واحترام وأخَّوة في المسيح قال:

" الى مارون الكاهن الناسك. انَّ رباطات المودة والصداقة التي تشدُّنا اليك، تمثلك نصب عينينا كأنك حاضر لدينا، لأن عيون المحبة تخرق من طبعها الابعاد ولا يضعفها طول الزمان. وكنا نودُّ ان نكاتبك بكثرة لولا بعد الشقَّة وندرة المسافرين الى نواحيكم. والآن فإنا نهدي اليك اطيب التحيات ونحب ان تكون على يقين من اننا لا نفتر عن ذكرك أينما كنَّا، لما لك في ضميرنا من المنزلة الرفيعة. فلا تضنَّ انت ايضاً علينا بأنباء سلامتك، فان اخبار صحتك تولينا، على البعد أجل سرور وتعزية في غربتنا وعزلتنا فتطيب نفسناً كثيراً، اذ نعلم أنك في عافية. وجلًّ ما نسألك ان تصلّي الى الله من اجلنا". (في مجموعة مين للآباء اليونان مجلد 72 عمود 63).

ما انتشرت سمعة الكاهن مارون الناسك حتى تكاثر عدد الرهبان حوله فاقامهم اولاً في مناسك وصوامع على الطريقة الانفرادية، بحسب عادة تلك الايام، ثم انشأء ادياراً وسنَّ لهم قانونا وقام يرشدهم في طريق الكمال. وتعددت تلك الاديار المارونية ولا سيما في شمالي سورية، حتى أن تيودوريطس يغتبط بوجودها في أبرشيته.

 

 

وكانت وفاة مار مارون في السنة الاربع مئة والعشر.

مات القديس مارون متنسكاً عفيفاً، ولكنه لم يمت حتى رأينا ابناءه الروحيين المشرَّفين باسمه، ينتشرون الوفاً تحت كل كوكب. غير ان المارونية تركز كيانها في لبنان وفيه بسقت دوحتها وامتدت أغصانها الى أنحاء الدنيا. وما زال أبناؤها، مغتربين ومقيمين، يستشفون كل حين، اباهم القديس مارون، صارخين اليه:

 

بـاسمك دعـينا يـا أبـانـا            وعـلـيك وطّـدنـا رجـانـا كـن   في  الضيقات   ملجانا            واختم     بـالخير       مسـعـانـا

 

      

اليوم العاشر

تذكار الشهيدتين ابولونيا ودوروتيا

ولدت ابولونيا في مدينة الاسكندرية من اسرة مسيحية شريفة. ولما ثار الاضطهاد على المسيحيين في الاسكندرية، ثبتت ابولونيا راسخة في ايمانها، راغبة ان تموت لاجل المسيح. فقبض عليها لوسيانوس الوالي وبعد ان أذاقها مرَّ العذاب، أضرم ناراً وتهددها بالحريق إن لم تجحد ايمانها وتضحِّ للأوثان. عندئذ اضطرم قلبها بنار محبة الله فاندفعت بشجاعة الابطال الى القاء ذاتها في النار تشكر الله على نيلها اكليل الشهادة سنة 249.

قال القديس اوغسطينوس معلقاً على طريقة استشهادها انه كان بالهام الروح والاَّ لعدّ انتحاراً. وبهذا الالهام سار كثيرات من الشهيدات نظيرها حفاظاً على طهارتنّ.

أمّا القديسة دوروتيا فكانت من قيصارية الكبادوك، قدوة للجميع بفضائلها مشهورة بذكاء عقلها وبديع جمالها. فألقى القبض عليها سابريسيوس والي المدينة وأمرها بأن تضحّي للاوثان، فرفضت بتشدد، فحنق الوالي وأحضر لها آلة العذاب وأخذ يتهددها فاجابت: انَّ الرب قال: لا تخافوا ممّن يقتل الجسد وليس له أن يفعل اكثر (متى 10: 28). فبسطوها على آلة العذاب وجذبوها بقساوة بربرية وهي ثابتة صابرة تشكر الله. ثم سلَّمها الوالي الى امرأتين جاحدتين. تسمّى الواحدة مسيحية والاخرى كاليستا، فوعظتهما القديسة فتأثّرتا وتابتا معترفتين بايمانهما بالمسيح ونالتا اكليل الشهادة حريقاً في مرجل يغلي، فاستحضر الوالي دوروتيا وأجرى عليها عذابات أشدّ من الاولى فاستمرّت راسخة القدم في ايمانها، عندئذ أمر بقطع رأسها وبه نالت اكليل الشهادة سنة 304. صلاة الشهيدتَين معنا. آمين.

 

 

اليوم الحادي عشر

تذكار الشهيد كارلمبيوس

كان كارلمبيوس كاهناً يخدم النفوس في مانيسيا من اسيا الصغرى، مبشراً بانجيل الحق والخلاص استحضره لوتيانيوس والي آسيا الصغرى، وامره بالسجود للاصنام فقال له:" اننا لله وحده نسجد لا للشياطين الذين يرتعدون من ذكر اسمه". فاستشاك الوالي غيظاً وأمر بجلده فعرَّوه من الثوب الكهنوتي وجلدوه جلداً قاسياً من قمَّة رأسه حتى أخمص قدميه. وهو صابر لا يتذمَّر، بل التفت الى الجلادين وقال لهم بوجه باش:

" شكراً لكم، يا أخوتي، لانكم جددتم نفسي وجسدي بهذا العذاب". فقال الجلادون للوالي واعوانه: انَّ تعذيب هذا الكاهن عار عليكم وفخر له. فظنَّ قائدهم انهم قصّروا بجلده، فأنّبهم وهجم على القديس يوسعه ضرباً بيديه، فعلقت يداه بجسم الشهيد جامدتين، ووثب الوالي يتفل بوجهه فمسخ رأس الوالي فدهش الجلاّدونَ والحاضرون وارتعدوا وآمن كثيرون منهم... فصلّى القديس غافراً للوالي وللقائد، فاستقام رأس الوالي وانحلَّت يد القائد واسمه لوثيوس فآمن حالاً واعتمد. وبلغ ذلك الملك وهو في انطاكية فأرسل جنوداً أتوه بالقديس موثوقاً ومربوطاً بلحيته بذنب حصان. فأجرى عليه الملك عذابات مبّرحة ونال اكليل الشهادة بقطع الرأس في السنة 202.

وآمن اثنان من الجلادين هما بورفيريوس ودوكستوس وثلاث نساء من مانيسيا. قطعت رؤوسهنّ مع الجلادين ونالوا اكليل الشهادة في الوقت نفسه. صلاتهم معنا. آمين.

 

 

اليوم الثاني عشر

تذكار القديس ملاتيوس بطريرك انطاكيه

ولد هذا القديس العظيم بأرمينيا من أسرة شريفة. ترّبى تربية مسيحية وتسامى بالعلوم الالهية، فأقيم اسقفاً على مدينة سبسطية.

ولمَّا فرغ الكرسي الانطاكي بوفاة بطريركه القديس انستاسيوس، انتخب ملاتيوس خلفاً له. وما عرف الاريوسيون حتى قاموا يوغرون صدر الملك قسطنس عليه.

نُفي ثلاث مرات وهو صابر يشكر الله. ثم أعاد الملك غراسيانوس الكاثوليكي جميع الاساقفة الى كراسيهم، فعاد ملاتيوس الى شعبه، بعد غياب ست سنوات، فكان له استقبال منقطع النظير. فقام يلقي السلام والمحبة في القلوب ويرشد النفوس في طريق الخلاص.

حضر المجمع المسكوني الثاني في القسطنطنية سنة 381، وكان له المنزلة الرفيعة عند الآباء المجتمعين ولدى الامبراطور ثاودوسيوس الذي دعاه برسالة خاصة الى المجمع، حيث فاجأته المنيَّة في السنة نفسها.

رثاه تلميذه القديس يوحنا فم الذهب، كما رثاه ايضاً القديس غريغوريوس نيصص ونقل جثمانه الطاهر الى انطاكية، حيث دفن في الكاتدرائية سنة 381. صلاته معنا. آمين.


وفيه ايضاً: تذكار القديس اسكندر الفحَّام

ولد هذا القديس في البنطوس من آسيا الصغرى. درس العلوم حتى صار فيلسوفاً كبيراً. لكنه زهد في العالم واباطيله، وجاء الى مدينة كومانا في الكابدوك، حيث اخذ يشتغل بعمل الفحم ويمارس اعمال التقوى والتقشفات.

وفي غضون ذلك توفي اسقف كومانا فاجتمع اكليرسها وشعبها لينتخبوا خلفاً له، فلم يتفقوا. فجاء احدهم يقول مستهزئاً: فلننتخبنّ اذاً اسكندر الفحَّام، لاعتقاده أنَّه فقير حقير. أمّا غريغوريوس اسقف قيصرية، فاعتقد أنَّ ما قاله الرجل ربما كان بإلهامٍ من الله. وللحال استدعى الفحَّام فجاء بأثوابه الرثَّة وعليها غبار الفحم. فاستحلفه الاسقف فأباح عن سره وعن شرف اصله وأنّه لم يتخذ تلك الحالة الزريَّة الا رغبة في فضيلتَي التواضع والعفاف. فاعتبره القديس جداً. والبسه ثوب الكهنوت وخرج به الى الجماعة وأوعز اليه ان يخطب فيهم فارتجل خطاباً أدهش الجميع، حتى صرخوا: انه المستحق الاسقفية!

حينئذ رقّاه القديس غريغوريوس الدرجات المقدسة حتى الاسقفية. فدبّر كنيسته بكل حكمة وقداسة. وبغيرته الرسولية ردّ الكثيرين الى الايمان المسيحي.

ولمّا ثار الاضطهاد على المسيحيين في عهد داكيوس قيصر، قبض عليه واحرقه بالنار فنال اكليل الشهادة سنة 250. صلاته معنا. آمين.

 

  

اليوم الثالث عشر

تذكار القديس مرتينيانوس الناسك

ولد هذا القديس في قيصرية فلسطين في اواسط القرن الرابع. ومنذ صغره هجر وطنه وذهب الى القفر يسير في طريق الكمال بالنسك وممارسة الفضائل، فمنحه الله موهبة الآيات وصنع العجائب. وعاش في تلك الخلوة خمساً وعشرين سنة، عيشة ملائكية.

فدفع عدو البشر احدى النساء الساقطات لتغريه فذهبت اليه وأخفت زينتها في صرة وارتدت ثياب المتعبدات وجاءت تطرق بابه في ليلة اشتدَّ فيها المطر وطفقت تستغيث به ليقبلها ويؤويها ولا يدعها فريسة للوحوش في ذلك الظلام الدامس. ففتح مرتينيانوس باب صومعته ورأى تلم المرأة بهيئتها الرثَّة فرقَّ لها وادخلها واوقد لها ناراً واعطاها ثمراً لتأكل واعتزل في منسك قريب قضى الليل فيه بالصلاة. ولمّا لاح الفجر، ذهب الى تلك المرأة ليصرفها، فرأى امامه امرأة تتلألأ حسناً وزينة فوقعت من نفسه، لكنَّ نعمة الله سندته فادرك فظاعة الاثم ورفع عينيه الى السماء وأضرم ناراً ادخل رجليه فيها فانتصر على التجربة. ولدى هذا المشهد تأثرت المرأة جداً فنزعت ثيابها الثمينة وارتدت خلقانها الرثة وجثت باكية على قدمي القديس طالبة الصفح والغفران، واعدة بأن تمضّي عمرها بالتوبة، فأوعز اليها بان تذهب الى دير في بيت لحم تحت تدبير القديس باولا. فذهبت ومكثت اثنتي عشرة سنة، ممارِسةً افعال التوبة الشاقَّة. ثم رقدت بالرب.

  

أمّا مرتينيانوس فمَا زال الشيطان يلاحقه بالتجارب حتى ألجأه الى الهرب. فتاهَ على وجهه في كل مكان، يزور الكنائس ويعيش من الاستعطاء. ووصل الى اثنا، حيث عرف بدنّو أجله، فدخل الكنيسة، وبينما كان يصلّي مستعداً لملاقاة ربّه، جاء أسقف المدينة بإلهام الله، يعزّيه ويشجعّه. وبعد ان تزوَّد الاسرار المقدسة، رقد بالرب في أواخر القرن الرابع. صلاته معنا. آمين!

 

      

اليوم الرابع عشر

تذكار الشهيد والنتينوس الكاهن

أصل هذا القديس من روما، قد اشتهر بغزارة علومه وفضائله الكهنوتية وشديد غيرته على خلاص النفوس. فقبض عليه الملك كلوديوس الثاني وطرحه في السجن مقيداً بالسلاسل. ثم أخذ يتملَّقه ويلاطفه ليترك الايمان المسيحي ويعبد الاصنام وقال له:

" لم لا تكون صديقاً لنا فنرفع منزلتك، بدلاً من ان تكون عدوّاً فنسخط عليك؟" فأجاب بكل جرأة:" لو كنت تعلم، ايها الملك، انَّ الله الذي خلق السماء والارض هو اله واحد، يجب على كل خليقة ان تحبه، لكنت تسعد انت ومملكتك ايضاً". فسأله احد القضاة الحاضرين:" ماذا تقول في المشتري والمرّيخ؟" فأجاب:" تلك تماثيل صنع ايدي البشر. وانها، حسب اعتقادكم آلهة شهوات وملاذ بدنية لا خير منها يرجى". فصاح القاضي:" لقد جدّف على الآلهة والحكومة!" فأمر الوالي ان يتسلَّمه القاضي استيريوس ليعاقبه على تجديفه. فأخذه هذا الى بيته. وكانت ابنته قد فقدت بصرها منذ سنتين. فقدمها ابوها الى والنتينوس الكاهن، راجياً ان يشفيها، فصلَّى القديس عليها رافعاً عينيه الى السماء قائلاً:" يا سيدي يسوع المسيح، يا نور العالم، أنر أمتك هذه". وللحال انفتحت عيناها وأبصرت النور! عندئذ آمن استيريوس هو وامرأته فعلّمهم الحقائق الايمانية وعمّدهم جميعاً. فعرف الملك بذلك فقبض على استيريوس وأهل بيته وأنزل بهم أشد العذابات حتى أماتهم ففازوا باكليل الشهادة. أمّا والنتينوس فطرحه في السجن مدة طويلة وبعدها ضربوه بعصي جافية حتى تكسرت اعضاؤه وتفجَّرت دماؤه وهو صابر يشكر الله على نعمة الاستشهاد التي نالها بقطع الرأس سنة 268. صلاته معنا. آمين.

  

اليوم الخامس عشر

تذكار الشهيدين فوستينوس الكاهن ويوتيناس الشماس

كان هذان الشهيدان اخوين من مدينة براشيا بايطاليا. شبَّا على الفضيلة وتثقفا بالعلوم فرسم اسقفُ براشيا فوستينوس كاهناً وأخاه يوتيناس شماساً انجيلياً فتفانيا في خدمة الكنيسة والمؤمنين وردّا بوعظهما كثيرين الى الايمان بالمسيح. ولمّا استأنف الملك ادريانوس الاضطهاد على المسيحيين قبض عليهما والي براشيا وكلَّفهما السجود للاصنام، متملِّقاً ومهدِّداً اياهما، فلم يذعنا لامره. ثم مرّ الملك نفسه ببراشيا وأمر ان يسجدا للصنم في هيكل الشمس. وما دخلا الهيكل وصلّيا الى الله حتى خزي الصنم وسقط فحنق الملك وأمر فطرحوهما للوحوش فآنستهما ولذلك آمن كثيرون ومنهم أحد اعوان الملك وامرأة الوالي. فطُرِحا في السجن حيث اشرق نور وجاءت الملائكة تشجعهما وتفعم قلبيهما فرحاً. وكان لثباتهما ولكثرة الذين آمنوا بسببهما ما جعل الملك يخشى حدوث ثورة، فأخذهما الى ميلانو ومعهما كالوتيروس احد أعوان الملك لأنه آمن. وهناك بسطوهم على ظهورهم وصبوا رصاصاً مذاباً في أفواههم، فلم يتذمّروا ولم يشعروا باذى، ثم كووهم بصفائح من حديد محمية فطفقوا يسبحون الله وبذلك تمت شهادتهم. وجاءوا بالشهيدين الاخوين الى روما حيث أذاقوهما أشدّ العذابات هولاً فلم ينثنيا عن عزمهما وثباتهما. وبعد ذلك أرسلهما الملك الى نابولي حيث طرحوهما في البحر فخرجا منه سالمين. فقطعوا رأسيهما في السنة 122. صلاتهما معنا. آمين.

 

  

اليوم السادس عشر

تذكار القديس الشهيد تاوذورس التيروني

مسيحي من القواد البارزين في الجيش الروماني، قد أرسل مع فرقته الى أماسيا عاصمة الولاية في تركيا، فعسكرَ في تلك المدينة. يوم ثار الاضطهاد على المسيحيين. ولم يكن تاوذورس ليبالي بالاضطهاد والعذاب، بل كان يجاهر بكونه مسيحياً. فاستحضره القائد الاعلى وسأله عن معتقده، فأجاب أنه مسيحي وديانته تفرض عليه الاخلاص لربّه اولاً ثم لمليكه ووطنه. فأعجب رئيسه بتلك الصراحة العسكرية ورآه غضَّ الشباب، لطيفاً شهماً، لا غبار على مسلكه في الجندية. فعامله بالحسنى وتركه وشأنه. أمّا هو، وقد اضطرم قلبه غيرة ومحبة لله والقريب، فأقدم على اضرام النار في معبد الالهة سبلاَّ. فأوقف وأجري التحقيق معه فأقرّ مفاخراً بأنه قام بواجب الدفاع عن الاداب العامَّة، لان ذلك المعبد كان بؤرة رذلةٍ وفساد. فأمره القاضي يوليانوس بأن يكفّر عن اثمه باسترضاء تلك الالهة وتقديم الذبيحة لها والاّ فينال أشد العقاب. فأجاب برباطة جأش:" حاشا لي ان اسجد لغير الهي الواحد الصمد..." فجّردوه من سيفه ومن ثوبه العسكري وجلدوه جلداً عنيفاً، وهو اثبت من الصخر. ثم القوه في سجن مظلم ومنعوا عنه كل مأكل ومشرب ليموت جوعاً. فظهر له الرب يسوع في الليل وشجّعه وعزّاه وقال له:" اني لمغنيك عن كل قوت فلا تخف". فأخذ يسبِّح الله.

 

  

ثم أخرجوه من السجن واخذوا يتملّقونه بوعود كثيرة ليذعن لارادة الملك فازدرى بوعودهم. فجلدوه بقضبان من حديد. ولمّا أعيتهم الحيل، أخذوه الى غابة، حيث نضَّدوا حطباً وأضرموا ناراً وطرحوه فيها فقام وسط النار يسبح الله الى ان فاضت روحه الطاهرة وفاز باكليل الشهادة سنة 304.

هذا ما اثبته عنه القديس غريغوريوس نيصص في تأبينه. وانتشرت عبادته بمَا اجرى الله على يده من المعجزات شرقاً وغرباً. صلاته معنا. آمين.

 

  

اليوم السابع عشر

تذكار البار اغابيطوس اسقف سينادا في فريجيا

ولد اغابيطوس في الكبادوك من والدين مسيحيين. ونشأ على البر والتقوى. وكان جندياً في ايام الملك قسطنطين الكبير، فترك الجندية وآثر الحياة النسكية. فعكف على التقشف والاصوام وقهر الجسد بنوع غريب، يواظب الصلوات والتأملات في الكمالات الالهية.

ولمّا ثار الاضطهاد على المسيحيين، قبض عليه الوثنيون واذاقوه من العذابات ما كاد يودي بحياته، لكنّ الله ابقاه حياً لخير يرجى منه فمنحه صنع الآيات حتى اشتهرت قداسته وبلغت اسقف سينادا في فريجيا من اعمال آسيا الصغرى فاستدعاه واقامه معاوناً ورقاه شماساً ثم كاهناً. فأخذ يتفانى في خدمة النفوس. ولمّا توفي الاسقف، اختاره الشعب خلفاً له. فظهر راعياً صالحاً، مضطرماً بنار الغيرة على رعيته، دائباً في الوعظ والتعليم وعمل الخير ولا سيما في اغاثة البائسين والعناية بالفقراء، فاجرى الله بصلاته آيات باهرة. ثم رقد بالرب سنة 336. صلاته معنا. آمين.

 

  

 

وفي هذا اليوم ايضاً

 تذكار البار كونرادوس

كان كونرادوس من مدينة بلازنسا في ايطاليا رجلاً غنياً متزوجاً. خرج ذات يوم للصيد واشعل ناراً، فأثارها الهواء في الزروع فاحرقت حقولاً كثيرة فهاله الامر واغتمَّ له جداً، ولكنه لم يبح بأمره، فوقعت الشبهة على رجل فقير، قبضت الحكومة عليه. ولمّا استنطقه القاضي، اقرّ تحت الضغط والضرب، فحكموا عليه بالاعدام. وما عرف به كونرادوس حتى هب ينقذ ذلك الفقير المظلوم. وقف أمام القاضي وأقرّ بما حدث، مبّرئاً المحكوم عليه، ومستعداً للتعويض عمّا اتلفته النار وان كان عن غير قصد، فأطلق القاضي سبيل المتهم، وغرم كونرادوس قيمة المتلف. فباع كل ما يملكه وامسى فقيراً. فاتفق مع زوجته على هجر العالم فذهبت هي الى دير للراهبات. ومضي هو الى صقلّية، حيث عاش ناسكاً لمدة اربعين سنة، لذلك منحه الله معرفة المستقبلات وصنع الآيات. وانتقل الى ربّه سنة 1351. صلاته معنا. آمين.

  

اليوم الثامن عشر

تذكار القديس لاون الكبير بابا روما

كذلك يعد له ايضا في 29 شباط

 

ولد هذا البابا العظيم في روما من أسرة شريفة توسكانية. تثقف ثقافة عالية جمع فيها بين العلوم الدينية والزمنية. جعله البابا سكستس الثالث مستشاراً له. وعلى أثر وفاة هذا البابا سنة 440، انتخب لاون، باجماع الاصوات، خلفاً له.

وما تسنَّم عرش الرئاسة البطرسية، حتى ظهر اسداً (ﮐﭑسمه) جباراً يدافع عن حق الكنيسة بكل جرأة وعلم وفضيلة.

وكانت رسائله الرائعة تجوب الشرق والغرب وتقضي على البدع التي ظهرت في ايامه، ولا سيما بدعة اوطيخا. وبناء على طلب الملك مركيانوس امبراطور الشرق، أمر البابا بالتئام المجمع المسكوني في خلكيدونية 451، حضره ستمئة وثلاثون اسقفاً نبذوا فيه تعليم ديوسقورس واوطيخا واعتمدوا تعليم البابا لاون وفلافيانوس بطريرك القسطنطنية. وكتب البابا رسالة سلّمها الى نوابه وارسلهم ليرئسوا هذا المجمع باسمه. فكانت تلك الرسالة الشهيرة دستوراً في العقائد الدينية. فلمَّا قرئت، هتف آباء المجمع بصوت واحد: انّ بطرس تكلم بفم لاون. وارسل الآباء المجتمعون كتاباً الى البابا يقولون فيه:" انت الذي رئستنا، كما يرئس الرأس سائر الاعضاء".

ولمَّا جاء أتيلا ملك الهون، زاحفاً بجيوشه على البلاد الايطالية، تمكّن البابا لاون، بسياسته وحكمته الرشيدة، من ايقاف ذلك الزحف الهائل، وانقذ البلاد من الخراب والدمار.

وفي السنة 459، نهى عن الاعتراف جهراً، واوجب الاعتراف السري. وهو اول من سعى في اقامة سفراء للاحبار الاعظمين.

وبعد ان انهى هذا البابا العظيم حياة مليئة بالاعمال المجيدة، انتقل الى المجد الابدي في 4 ت2 سنة 461.

ولا بد ان نذكر هنا بالفخر انّ رهبان ابينا مار مارون، قد امتازوا هم وشعبهم، بتعلقهم بتعليم المجمع المسكوني الخلكيدوني وبرسالة البابا لاون الشهيرة الآنفة الذكر حتى خصّوا بها ودعوا "خلكيدونيين". وقد سجلت تلك الحقيقة التاريخية دماء الثلاثمئة والخمسين شهيداً. لمناضلتهم عن ذلك المجمع وعن تمسكهم بتلك الرسالة البابوية. صلاة القديس لاون تكون معنا. آمين!

 

  

اليوم التاسع عشر

تذكار القديسين ارشيبوس وفيليمون تلميذي القديس بولس

كان ارشيبوس وفيليمون من مدينة كولوسي وقد آمنا على يد بولس الرسول وكانا شريكين معه في التبشير. فذكرهما برسائله. استشهدا في الاضطهاد الذي أثاره نيرون في كولوسي. وذلك ان الوثنيين، بينما كانوا يحتفلون بعيد الالهة ديانا، هجموا على الكنيسة، حيث كان القديسان يصلِّيان مع سائر المؤمنين، فقبضوا عليهما وجلدوهما جلداً عنيفاً، ثم وضعوهما في حفرة وأخذوا يرجمونهما بالحجارة، حتى اسلما الروح بيد الله سنة 60 او 65 للميلاد. صلاتهما معنا. آمين.

 

 

وفي هذا اليوم ايضاً

 

تذكار الشهداء الاساقفة تيرانيوس وسيلوانوس والكاهن

زينوبيوس ورفاقهم اللبنانيين الذين استشهدوا في مدينة صور.

جاء في السنكسار الروماني في 20 شباط ما نصَّه الحرفي: في فينيقية لبنان، ذكر الشهداء الطوباويين الذين كانوا في أيام ديوكلتيانوس الملك، وبأمر فيتوريوس قائد العسكر، قتلوا الواحد تلو الآخر، باعذبة كثيرة مختلفة. فأولاً مزَّقوا اجسادهم تمزيقاً بضرب المجلد. ثم طرحوهم للوحوش الضارية المتنوعة، فلم تؤذهم بقوة الهيّة ثم عذّبوهم عذابات قاسية بالنار والحديد فنالوا بها اكليل الشهادة، سنة 304. صلاتهم معنا. آمين.

 

       

اليوم العشرون

تذكار البار يعقوب الناسك

هو من تلاميذ ابينا القديس مارون المشهورين

قد أتى العلاّمة المؤرخ تاودوريطس اسقف قورش على سيرة هذا القديس في كتابه "في النساك" قال:" كان هذا البار متنسّكاً في جبل قورش القريب من انطاكية، تحت جو السماء، ومصلياً، معرضاً للرياح من كل جانب ومثقّلاً جسمه بالحديد، طعامه الحبوب والاعشاب، ولهذا منحه الله صنع الآيات. وحاول الشيطان مرة ان يطرده من الجبل، فأباده بصلاته ثم تمثَّل الشيطان بصورة هذا القديس وكان يأخذ الماء عمن يحمله اليه ويصبُّه على الارض، نحو خمسة عشر يوماً، حتى كاد يميته عطشاً، ولما تحقق القديس حيل المحّال، طرده وارتاح من شره. ثم رقد بالرب في القرن الخامس. صلاته معنا. آمين.

 

  

اليوم الحادي والعشرون

تذكار القديس اوسطاطيوس بطريرك انطاكيه

ولد اوسطاطيوس في مدينة سيدا بمفيليه في اواسط القرن الثالث. واشتهر بالعلم والقداسة ورقّي الى اسقفية حلب فدّبرها بكل غيرة رسولية. ولمَّا توفي يولينوس بطريرك انطاكيه، انتخب اوسطاطيوس خلفاً له عام 324. وما تسنّم الكرسي البطريركي، حتى لمع بمَا فيه من فضيلة وعلم غزير.

وقد شغل مقاماً في المجمع النيقاوي المسكوني الاول المنعقد سنة 325. وهو الذي افتتحه بخطاب رائع شكر فيه قسطنطين الكبير على مساعيه الجليلة في سبيل الكنيسة. ودافع دفاع الابطال عن الايمان الكاثوليكي متصدياً لاريوس ومبيناً بالبراهين والحجج الراهنة فساد بدعته. ثم عاد وانصرف الى الاهتمام في شؤون الابرشية وأنعش روح المحبة بين الجميع، حامياً رعيته من ذئاب البدعة الاريوسية وتعاليمها الفاسدة.

لذلك ثار عليه الاساقفة الاريوسيون فحاكموا حوله جميع حبائل الكذب والافتراء وقّرروا حطّه عن كرسيه. فاعترضهم الاساقفة الكاثوليك فلم يعبأوا بهم. بل سبقوا واخبروا الملك قسطنطين بمَا كان وزادوا على سكاياتهم بان اوسطاطيوس يميل الى هرطقة سابيلوس. فأمر الملك بإبعاده. وما درى الشعب الموالي للقديس بذلك الحكم الجائر، حتى هاج وكادت تحدث ثورة في المدينة، لو لم يتداركها البطريرك بتهدئة الخواطر والاستسلام لمشيئة الله. وسار الى منفاه في مدينة فيلبي حيث انعكف على التأمل والصلاة وتأليف الكتب وتدبيج القيّمة ضد البدعة الاريوسية.

 

 

قضى هذا البطريرك القديس في منفاه صابراً وغافراً لاعدائه، سنة 337.

غير أنّ الله تعالى لا يبطئ حتى ينتقم لاصفيائه فان افسافيوس اسقف مكدونيه وزميله اسقف قيصرية اللذين سعيا بنفيه قد ذاقا هما أيضاً مرارة المنفى وعوقبا باثمهما. صلاة هذا القديس تكون معنا. آمين!

 

   

اليوم الثاني والعشرون

تذكار اقامة كرسي بطرس في انطاكيه

لمَّا تفرّق الرسل في الآفاق يبشرون بالانجيل، بقي القديس بطرس، بصفته الرأس، يبشر في اورشليم واليهودية، ويتحمّل التعب والعذاب والسجن نحو ثلاث سنين. وفي سنة 35 او 36 مضى الى انطاكية التي كانت في تلك الايام عاصمة الشرق، فأقام كرسي رئاسته فيها. واستمَّر يبشر بالانجيل ويرئس الكنيسة كلها حتى سنة 42.

وفي سنة 43، نقل كرسيّه، بإلهام الله، الى مدينة روما العظمى، المعروفة حين ذاك بعاصمة العالم. وأقام القديس اوديوس اسقفاً خلفاً له على كنيسة انطاكية وبقي هو في روما يدبر الكنيسة جمعاء، خمساً وعشرين سنة، الى ان استشهد مصلوباً، في عهد نيرون سنة 67 للميلاد.

وقد روت التواريخ ان بطرس كابد مشقات واسفاراً كثيرة في ملاحقته سيمون الساحر، من اورشليم وقيصرية انطاكية ثم روما. وفي مدة رئاسته في انطاكية تسمَّى المؤمنون " مسيحيين" وانتشروا في العالم. ومنذ القديم يتخذ بطاركتنا لقب "بطريك انطاكية وسائر المشرق" الى هذا اليوم. وكان المسيحيون، منذ القديم، يحتفلون بعيد اقامة كرسي بطرس في انطاكية، كما ذكره القديس اغناطيوس الشهيد باحدى رسائله الى اهل ماتيزيا بآسيا الصغرى. آمين.

         

اليوم الثالث والعشرون

تذكار القديس بوليكربوس اسقف أزمير

عاصر الكثيرين من تلاميذ المسيح وتنصّر على يدهم. تتلمذ للقديس يوحنا الحبيب الذي أقامه اسقفاً على مدينة أزمير.

فقام يسوس رعيته بحكمة وغيرة رسولية، ممَّا جعل يوحنا الحبيب يقول عنه في كتاب الرؤيا:" اكتب الى ملاك كنيسة أزمير: هذا ما يقوله الاول والآخر... لا تخف شيئاً مما يصيبك من التألم... فكن أميناً حتى الموت فسأعطيك اكليل الحياة" ( رؤيا 2: 8...).

وفيمَا كان القديس اغناطيوس بطريرك انطاكية ذاهباً الى روما للاستشهاد، مرَّ بمدينة ازمير فذهب بوليكربوي الى ملاقته وعانقه وقبَّل قيوده.

وعندما وقع الخلاف بين كنيسة روما وكنائس الشرق على يوم الاحتفال بعيد الفصح، ذهب بوليكربوس الى رومة لمقابلة البابا أناكليتوس الذي اكرم وفادته وعقد مجمعاً حضره بوليكربوس واتفق واياه بشأن عيد الفصح، على ان تبقى كل كنيسة من كنائس الشرق والغرب على ما اعتادته قبلاً.

وقد ذكر المؤرخ اوسابيوس في تاريخه الكنسي (ف 24)، ان البابا أناكليتوس قلَّد بوليكربوس ان يقوم بالوظيفة الحبرية نيابة عنه، جهراً في جماعة المؤمنين، وذلك تعظيماً له.

ولما ثار الاضطهاد على المسيحيين قبض والي آسيا على القديس فاستحضره واخذ يحاول اقناعه بان يكفر بالمسيح ويضحّي للاصنام. فأجابه: لقد مضى عليّ ست وثمانون سنة في خدمة المسيح، فكيف اكافيه بالجحود وهو ملكي والهي؟". فأمر الوالي بأن يحرق بالنار. فقال الشهيد:" ان النار التي تتهددني بها تطفأ، أمَّا تلك التي اعدها الله لتعذيب الاثمة فهي ابدية لا تطفأ".

حينئذ طرحوه في النار فرفع عينيه الى السماء وأخذ يصلّي ويسبّح الله فلم تؤذه النار. فطعنه جندي فجرى منه دم غزير اطفأ النار، فآمن كثيرون واسلم روحه في السنة 166، يوم سبت النور. صلاته معنا. آمين.

  

اليوم الرابع والعشرون

تذكار البارّة مرغريتا التائبة

ايطالية، ماتت امها فتزوج ابوها ثانية، ولم تكن خالتها تحسن معاملتها. ولفقرها وجمالها الرائع وقعت بيد رجل غني تعشَّقها. باذلاً لها المال لكي تعيش بالبذخ وتبقى منصاعة له. ثم قُتِلَ عاشقُها ولما رأته صريعاً تأثرت جداً ومست النعمة قلبها، فمقتت سيرتها الرديئة واعتزمت التوبة حياتها كلها. واسرعت الى دير مار فرنسيس فاعترفت بخطاياها وقبلت كراهبة ثالثية.

انصرفت الى ممارسة جميع الفضائل والتقشفات البالغة حد القساوة والغرابة، وكانت تتناول القربان المقدس الذي جعلت فيه كل مسرتها ولذتها. وبذلك كانت تنتصر على جميع التجارب التي يثيرها عليها ابليس. ولم يكن احبّ اليها من مساعدة الفقراء، تحسن اليهم لمّا توفره من اجرة شغلها، وقدج تناهت بفضيلة التواضع والتوبة الصارمة بنوع غريب. فانها وضعت يوماً حبلاً في عنقها، كما فعلت قبلاً، وأخذت تطوف في المدينة تصحبها امرأة تصيح قائلة: هذه هي مرغريتا التي اهلكت نفوساً كثيرة. كل ذلك تكفيراً عن ذنوبها.

فقبل الله توبتها ومنحها صنع آيات عديدة. وكثيرون تابوا وتقدسوا على يدها. ثم رقدت بالرب سنة 1297.

وجاء السنكسار الروماني ان جسدها بقي سالماً اكثر من اربعة اجيال تصدر عنه معجزات باهرة. صلاتها معنا. آمين.

 

  

اليوم الخامس والعشرون

تذكار البابا القديس فيليكس الثاني

كان هذا البابا ابن خوري اسمه فيليكس من أسرة رومانية غنية شريفة، اعطت الكرسي البطرسي حبراً آخر عظيماً هو القديس غريغوريوس الاول الكبير. وبعد ان توفي البابا سمبليسيوس انتخب فيليكس خلفاً له في الثاني من اذار سنة 483. وفي زمان حبريته ابتدأ الانشقاق بين الكرسي الروماني والبطريركيات الشرقية. ودام نحو خمس وثلاثين سنة، بسبب مسألة الطبيعتين في المسيح اللتين كان قد حدّدهما المجمع الخكيدوني المسكوني الرابع المقدس (451).

عقد البابا مجمعاً في روما حضره ستون اسقفاً، قرّر فيه حط بطرس الالثغ عن مقامه وقطعه من شركة الكنيسة وكان هذا قد اغتصب كرسي البطريركية الانطاكية. وأحصى اكاكيوس بين اصحاب البدع، لأنه كان مناصراً وشريكاً للالثغ. وتبعه بطرس القصَّار بطريرك انطاكية الذي اضطهد، فيمَا بعد، رهبان مار مارون وقتل منهم ثلاثمئة وخمسين راهباً.

وقد شمل البابا فيليكس الكنيسة الشرقية بعنايته الابوية الخاصة. وبذل جهده في انقاذ كنيسة افريقيا من شر الفندال البرابرة، وخفف وطأة الغوط الشرسين في اجتياحهم ايطاليا. وفي الجملة عاش هذا البابا القديس حياته كلها مجاهداً في سبيل الكنيسة وخير ابنائها. ورقد بالرب سنة 492.

ودفن في كنيسة القديس بولس الرسول في ظاهر رومة. ومن تآليفه ست عشرة رسالة. وهو اول من صدّر رسائله الى الملوك والسلاطين بكلمة "ابن"، وهو الذي انشأ كنيسة القديسين قزما ودميانوس في روما. صلاته معنا. آمين.

 

  

اليوم السادس والعشرون

تذكار القديس بروفوريوس اسقف غزّة ( 353 – 420)

ولد بروفوريوس في تسالونيكي من ابوين غنيين بالفضيلة والمال. ولما شب اتخذ السيرة الرهبانية في براري الاسقيط حيث قضى خمس سنوات، متسامياً بالفضائل. ثم زار الاماكن المقدسة حيث تنسك في مغارة موحشة، حتى نحل جسمه جداً واشرف على الموت، فرجع الى اروشليم، حيث شفاه الرب يسوع باعجوبة.

ارتسم كاهناً وتقلد حراسة خشبة الصليب المقدس. وفي السنة 369 رقّاه يوحنا رئيس اساقفة قيصرية الى اسقفية مدينة غزّة. وكان اكثر اهلها وثنيين فثاروا عليه وارادوا اهلاكه. فتوارى.

وفي تلك الاثناء انحبس المطر وعمّ القحط بلاد فلسطين. فأخذ الوثنيون يقدمون الذبائح للالهة ويتضرعون اليها فلم يكن من مجيب. ولمّا قام القديس يرفع الصلوات الحارة، هطل المطر مدراراً فآمن كثيرون من الوثنيين.

ثم ذهب بروفوريوس الى القسطنطنية وطلب الى الملك اركاديوس والملكة افدوكيا فارسلا جنداً الى غزّة فدكّوا معابد الاوثان وحطَّموا اصنامها.

وكانت الملكة قد جادت على القدّيس بمَال وافر فبنى كنيسة كبرى في غزّة دعاها " الافدوكيا" وكانت اجمل الكنائس.

وبعد تلك الاعمال المجيدة، انتقل الى المجد السماوي في السنة 420. صلاته تكون معنا. آمين.

 

 

 

وفيه ايضاً تذكار القديس اسكندر بطريرك الاسكندرية

ولد القديس اسكندر في الاسكندرية وتثقّف بالعلوم والفضائل، فرقاه تيونا اسقفه الى الدرجة الكهنوتية. وقد قاسى في سبيل رسالته اضطهاداً وعذاباً في أيام الملكَين ديوكلتيانوس ومكسيميانوس. وفي سنة 312 انتخب خلفاً للبطريرك اكيلاس. وكان أريوس الكاهن يبث بدعته الخبيثة في الشعب. والبطريرك اسكندر يبذل له النصح دون جدوى عندئذ عقد البطريرك مجمعاً في الاسكندرية وحرمه برسالة عامة. واخرجه مع بعض مشايعيه من الاسكندرية. فمضى الى فلسطين وخدع بعض الاساقفة ببدعته واستمالهم اليه. فكتب القديس اسكندر الى البابا سيلفسترس الاول فاتفق البابا مع الملك قسطنطين الكبير على عقد المجمع النيقاوي الاول سنة 325. وفيه حرموا آريوس وبدعته واتباعه.

وكان البطريرك اسكندر القديس في ذلك المجمع من أشد المدافعين عن العقيدة الكاثوليكية، بأن الابن مساو للآب بالجوهر، مفنداً بالحجج الراهنة ضلال أريوس الذي نفي بأمر الملك.

ولما عاد الى كرسيه لم يلبث سوى بضعة اشهر، فنقله الله الى الاخدار العلوية سنة 326. صلاته معنا. آمين.

 

  

اليوم السابع والعشرون

تذكار القديس تلالاوس

كتب سيرة هذا القديس المؤرخ تاودوريطس اسقف قورش بكتابه "في النساك" ( فصل 28) حيث قال:" ان اصله من جزيرة قبرص وقد زهد في العالم لكي يعيش لله وحده فأتى الى مدينة جبلة القريبة من طرابلس لبنان وصعد الى قمة جبل ونصب له كوخاً حقيراً على انقاض معبد للاصنام. وأقام فيه مثابراً على الصلوات والتأملات وممارسة التقشفات ثمّ ابتنى ناووساً ضيقاً، بحيث لا يمكنه الجلوس فيه الا مطأطئ الرأس حتى ركبتيه، قاعداً القرفصاء. واستمر على ذلك عشر سنوات". وأضاف تاودوريطس قائلاً:" اني عندما اتيت اليه سألته ما هذا النوع من العيشة؟ فأجابني: اني مثقَّل بخطايا كثيرة فاخترعت هذه الطريقة لأعاقب جسدي بعذاب متوسط، فأنجو من هول العذابات القاسية في الآخرة. فانّ ما اعانيه الآن، انما هو يسير بالنظر الى العذاب الابدي". وبمثل هذه التقشفات انهى حياته ورقد بالرب سنة 466. صلاته معنا. آمين.

  

اليوم الثامن والعشرون

تذكار الناسكتين كورا ومارانا البتولتين

 تلميذتي القديس مار مارون

كتب سيرة الناسكتين تاودوريطس اسقف قورش، قال: ان كورا ومارانا كانتا من مدينة حلب من أسرة شريفة زهدتا في العالم وتتلمذتا للقديس مارون. حبستا نفسيهما في مخدع ضيق له كوّة صغيرة تتناولان منها قوتهما الضروري، عاكفتين على الصلاة، صائمتين اربعين يوماً اقتدء بالفادي الالهي وبايليا النبي. ولم تكونا تكلمان احداً، الاّ في الخمسين يوماً، أي من احد القيامة الى احد العنصرة. وكانت مارانا وحدها تكلّم الزائرين، أما كورا فلم يسمع احد صوتها. وكان لباسهما خشناً مثقلاً بالحديد، حتى ان كورا حدبت لضعف جسمها. وقد زارهما تاودوريطس وأشار عليهما بنزع الحديد عنهما، فعملتا باشارته.

ثم زارتا الاماكن المقدسة ماشيتين لا تذوقان طعاماً وبعد وصولهما الى اورشليم وزيارتهما جبل الجلجلة والقبر المقدس ومهد بيت لحم، بمنتهى الخشوع وذرف الدموع، عادتا الى محلهما في حلب، تواصلان جهادهما في طريق النسك والقداسة، الى أن نقلهما الله اليه نحو سنة 445. صلاتهما معنا. آمين.

    

 

اليوم التاسع والعشرون

تذكار البابا لاون ( راجع 18 شباط )

  



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +