Skip to Content

كلمة حياة تشرين الثاني 2010: "طوبى لأنقياءِ القلوب، فإنّهم يعاينونَ الله"

 

كلمة حياة

Click to view full size image

                                            تشرين الثاني 2010

 

"طوبى لأنقياءِ القلوب، فإنّهم يعاينونَ الله" (متّى 5، 8)

ترسمُ العظةُ على الجبلِ بدايةَ حياةِ يسوعَ العلنيّةِ والتبشيريّة. فمِنْ على تلّةٍ في جوارِ كفرنحوم، قبالةَ بُحيرةِ طبريّا، جلسَ يسوعُ كما كان يفعلُ المعلّمون، وراحَ يشرحُ للجموعِ مَنْ هوَ إنسانُ التطويبات. تردّدت في العهدُ القديمُ مراراً كلمة "طوباوي" وهي تمجيد لكلِّ مَن يُتمِّمُ كلمةَ الربّ بمختلف الطرق.

والتطويباتُ التي أعلنَها يسوعُ كانت تُحيي لدى التلاميذِ مفهومًا سبقَ لهم أن عرفوه. ولكنّهم سمعوا ولأولِ مرّة، أنّ أنقياءَ القلوب لا يستحقّون أن يتسلّقوا جبل الربّ (أنظر المزامير 24، 4) وحسب، كما تنشدُ المزاميرُ، بل يستطيعونَ أيضاً أن يعاينوا وجهَ الله. فما هو نقاءُ القلبِ هذا الّذي يستحقّ مثلَ هذا الثواب؟ سوفَ يشرحُ يسوعُ هذا الأمرَ أكثرَ من مرّة أثناء تبشيره. فلنتبعْه ولنغرفْ من ينبوعِ النقاءِ الأصيل.

 

"طوبى لأنقياءِ القلوب، فإنّهم يعاينونَ الله"

قبل كلّ شيء، حسبما يقولُ يسوعُ هناك وسيلةَ تطهيرٍ تفوقُ الوسائلَ كلّها: "ها أنتم أطهارٌ وأنقياءُ بفضلِ الكلمةِ التي قلتُها لكم" (يوحنّا 15، 3). فليستِ الممارساتُ الطقسيّةُ إذًا هي التي تُنقّي النفس، إنّما كلمةُ الله. وكلمةُ يسوع ليست كباقي الكلمات البشريّة. فالمسيحُ حاضرٌ فيها، كما هو حاضر في الإفخارستيّا، وإن بطريقةٍ مختلفة. بفضل "الكلمةِ" يدخلُ يسوعُ إلى قلوبِنا. وإن تركنا "الكلمة" تفعلُ، تحرّرْنا من الخطيئة وتمنحْنا قلبًا نقيًّا. الطهارةُ إذًا هي ثمرةُ الكلمةِ المعاشة، كلِّ كلمةٍ من كلمات يسوع، التي تُحرّرُنا من "تعلّقاتنا" حيث نقع بالتأكيد، إن لم يتعلّقْ قلبُنا باللهِ وحدَه وبتعاليمِه. قد يكونُ تعلّقاً بالأموال أو بالأشخاص أو حتّى بذواتِنا. أمّا إذا تركّز قلبُنا على اللهِ وحدَه فكلُّ الباقي يزول. ولكي نبلغَ هذا التجرّد، من المفيدِ لنا أن نردّدَ ليسوع، لله، أثناءَ النهارِ، دعاءَ المزمور: "أنتَ، يا ربّ، خيري الوحيد" (أنظر المزامير 16، 2).  لنردّدْه مرارًا، خصوصًا عندما تجرُّنا تعلّقاتُنا نحو تخيّلاتٍ وأحاسيسَ وشهواتٍ قد تضلّلُ ضميرَ الخيرِ فينا وتسلبُنا حريّتَنا. هل تغرينا بعضُ الإعلاناتِ أو البرامجِ المتلفزة مثلاً، فنميل

إلى مشاهدتها؟ كلاّ، فلنقلْ له: "أنتَ يا ربُّ خيريَ الوحيد". ستكون هذه الخطوةُ الأولى التي تساعدُنا على الخروجِ من ذواتِنا إذ نجدِّدُ إعلان محبّتَنا لله. وإن فعلْنا هكذا نكتسب الطهارة. هل يعترضُ شخصٌ أو عملٌ ما علاقتَنا بالله، فيفسدُها أو يشكّلُ عائقًا أمامَها؟ إنّه الوقتُ المناسبُ لنردِّدَ له: "أنتَ يا ربُّ خيريَ الوحيد". فيساعدُنا هذا الدعاءُ على تنقيةِ نوايانا واستعادةِ حرّيتِنا الداخليّة.

"طوبى لأنقياءِ القلوب، فإنّهم يعاينونَ الله"

إنّ عيشَ الكلمةِ يجعلُنا أحرارًا وأطهارًا لأنّ "الكلمةَ" محبّة. فالمحبّةُ تنقّي أفكارَنا وكيانَنا الداخليّ بنارِها الإلهيّة. ذلك لأنّ "القلبَ" بحسب الكتابِ المقدّسِ هو مركزُ الذكاءِ والإرادة. ولكن، ثمّةَ نهجُ محبّةٍ يطلبُهُ منّا يسوع، ويساعدُنا على عيشِ هذه الطوبى بشكلٍ خاصّ. إنّها المحبّةُ المتبادلة. محبةُ مَنْ هو مستعِدٌّ أن يهبَ حياتَه من أجلِ الآخرين على مثالِ يسوع. نهجُ المحبّةِ هذا يخلقُ تيّارًا وتبادلاً ومناخًا حيثُ تغلبُ الشفافيّةُ والطهارة، لأنّ اللهَ حاضرٌ في هذا النوعِ من المحبّة. وهو وحدَه قادرٌ على أن يخلقَ فينا قلبًا نقيًّا (أنظر المزامير 50، 12). حيثُ تسودُ المحبّةُ تستطيعُ الكلمةُ أن تعمل فينا فتطهِّرَنا وتقدّسَنا. إنّ الإنسانَ لأعجزُ من أن يصمدَ طويلاً بمفردِهِ في وجهِ إغراءاتِ العالم. في حين أنّه يجد في المحبّةُ المتبادلة بيئةً سليمة قادرة على حماية طهارته وحياتهُ المسيحيّةَ الأصيلة.

"طوبى لأنقياءِ القلوب، فإنّهم يعاينونَ الله"

وها هي ثمرة النقاوة هذه، التي سنظفر بها دائماً من جديد: نستطيع أن "نعاينُ" الله. أن نعاينَه يعني أن نسمعَ صوتَه في قلوبِنا وأن نفهمَ عملَه في حياتِنا وفي مجرياتِ التاريخ، يعني أن ندركَ حضورَه حيث هو: في كلمتِه، في الفقراءِ وفي المشاركةِ الأخويّةِ، في الإفخارستيّا وفي الكنيسة. كلُّ هذا يمنحُنا تذوقًا مسبقًا لحضورِ اللهِ الأزليّ، أُعطيَ لنا منذُ هذه الحياة. "فنسيرُ في هذه الحياةِ مبصرين الله لا بالعين بل بالإيمان" (2 قور 5، 7)، بانتظارِ أن "نتمكّنَ من رؤيتِه وجهًا لوجه"  (1 قور 13، 12) إلى الأبد.                                                                

             كيارا لوبيك (تشرين الثاني 1999)



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +