Skip to Content

يهوذا العصر الجديد - الأرشمندريت سلوان أونر - اليونان

 

مقالات دينية  

يهوذا العصر الجديد

بقلم الأرشمندريت/ سلوان أونر - اليونان

لطالما كان موضوع الفتور الروحي الذي يعانيه الإنسان المسيحي المؤمن في علاقته مع الله يحتل الموقع الأول من اهتماماته، بعضها يُقلقه لفترات طويلة وأخرى أقل، طبعا الكنيسة الأرثوذكسية وبلسان الآباء تُشير باستمرار إلى أن النضوج في الحياة الروحية يتعلق بعوامل كثيرة وهو ليس حالة ثابتة، لكن بالأساس يعتمد على صدق الإنسان في صلاته وصومه و اعترافه. الإصرار على الصدق في التعامل مع الله بكل ما تقدمه الكنيسة لنا من حياة أسرارية أو حتى اجتماعية هو الذي ينقذ الإنسان من الوقوع في ازدواجية الحياة بين ما يعيشه في الكنيسة أو خارجها. وأعتقد أن الكثير من المؤمنين مُتعَبون لأنهم يضعون فاصلاً بين الكنيسة وبين العالم، والخطأ في ذلك أنهم يرون فيهما عالمين مختلفين وقد يرونهما متناقضين، ولكن على عكس ذلك، عليهم أن يعيشوا روح الله في الكنيسة وينقلوه للعالم حتى يصبح عالماً كما يريده الله. والعثرة الكبيرة تأتي من هؤلاء الذين يعيشون الفصل بين الكنيسة والعالم كشيئين مختلفين متناقضين، وبالذات أولئك الذين يرجحون روح العالم على روح الله ويعيشون الكنيسة بروح عالمية.

الفريسيون والكنيسة:

    دعونا نرى الموضوع بوضوح أكثر ولنعُد إلى زمن المسيح فنلاحظ في مقاطع كثيرة من الكتاب المقدس أن الكثير من الناس كانوا يحيطون به ليسمعون كلامه، منهم التلاميذ والفريسيون وأناس بسطاء: "فلما نظر الفريسيون قالوا لتلاميذه لماذا يأكل معلمكم مع العشارين والخطاة" (يو11:9). أما الفريسيون فكانوا ينقضون كل عمل أو قول يعمله أو يقوله السيد إذ كان لهم دوما رأي مخالف ومعاكس لما يعمله المسيح. ولكن هؤلاء كانوا من خارج مجموعة الرسل الذين اختارهم السيد، ونستطيع تشبيههم بكثير من المسيحيين الذين لا يريدون أن يعيشوا مسيحيتهم وإيمانهم ولكنهم وباستمرار ينتقدون الكنيسة في كل ما تعمل و تقول ويفرضون بآرائهم وبكلامهم ما يجب على الكنيسة أن تعمله. ولكن الكنيسة لا تستطيع أن  تعمل بروح عالمية بل بروح كنسية راعية وصايا الله والقوانين الكنسية، هدفها أن يتقدس الإنسان، وتالياً هي لا تستطيع أن تأخذ آرائهم تلك كآراء بناءة بل هدّامة.

يهوذا في الكنيسة:

    أما الحالة الدقيقة التي أريد تسليط الضوء عليها فهي حالة يهوذا، أحد الرسل الإثني عشر، الذي كان دوماً بقرب المسيح يسمع كلامه يرى عجائبه، رغم ذلك كان هو من سلّم المسيح إلى اليهود، إذ سمح للشك أن يدخل قلبه حتى أودى به إلى أن يخسر خلاصه. وهذه هي حالة الكثيرين ممن هم في الكنيسة ويعملون فيها ولكنهم تركوا قلبهم يمتلئ بالشك بدون أن يعالجوه. هم يستغلون تواجدهم في الكنيسة لممارسة أعمال سيئة حتى غير أخلاقية، ونتائج أعمالهم في الكنيسة تكون بلا فائدة روحية لأحد، لا بل تكون عثرة كبيرة للذين داخل الكنيسة وخارجها، ويُطلَق عليهم لقبُ "يهوذا العصر الجديد".

    يهوذا العصر الجديد هو الذي يختار كل ما في هذه الدنيا عن اختيار المسيح والعيش بقربه، هو الذي ترى عيناه كل ما هو مادي في هذه الدنيا ولا ترى الأمور الروحية، هو الذي يخون المسيح من أجل المال، هو الذي يستغل الكنيسة ليكون فيها بالجسد وخارجاً عنها بالروح، هو الذي يخدم ليحقق بعضاً من مصالحه الخاصة، هو الذي يعتبر ذاته من بين تلاميذ المسيح ورسله ولكنه يخون الرسولية.

تصحيح طريق يهوذا

    أمّا نحن، فليسأل كل واحد ذاته هل أنا يهوذا هذا العصر؟ ندخل الكنيسة لنمارس ما لا نستطيع ممارسته خارجها. نطلب منها كل ما هو مادي يفرح رغباتنا وشهواتنا، نذهب لنمارس السلطة على الآخرين في حين أنه لا سلطة لنا على ذواتنا، ننسى أو نتناسى أن نسعى إلى ما هو للفائدة الروحية التي تدعونا أن نتخلى عن كل ما مصدره أهوائي أو شيطاني وأن نقدّس أنفسنا. الكنيسة ليست مكاناً لنمرح فيه بل مكان نتقدس فيه وكل شيء يخرج عن كونها سبب لانسكاب نعمة الروح القدس علينا هو غريب عنها.

    أخي لا تبحث في حياتك عن شيء سوى عن المسيح. كل الذين يعيشون في الكنيسة واضعين أولاً أهوائهم رافضين حمل الصليب بفرح، كل الذين يعيشون في الكنيسة بعيداً عن المسيح ويعملون أو يعلّمون هم كيهوذا العصر الجديد. فلا نجعلنّ الكنيسة مكاناً لعيش أهوائنا بل للخلاص منها، فلنسعى أن لا يكون هدفنا هو المادة، كما سعى يهوذا ليقبض ثمن من لا ثمن له، بل المسيح ذاته ولا شيء آخر.

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +