Skip to Content

الدفاع عن الحق والموت من أجله - لنيافة الأنبا رافائيل

  

همسات روحية

لنيافة الأنبا رافائيل

 

 

 Click to view full size image

الدفاع عن الحق والموت من أجله
 

هل نقبل الموت.. أم ندافع عن الحق؟!!!

مستعد أن أموت بيدك من أجلكَ.. ولكنني لا أريد أن تهلك أنتَ بسببي. فلذلك دعني أشرح لك الحق ثم اقتلني..

بولس وسيلا يُعارضان حُكمًا ظالمًا:

+ في مدينة فيلبي قام الغوغاء على بولس الرسول وصديقه سيلا، وهيّجوا عليهما ولاة المدينة، حتى أنهم حكموا ظلمًا عليهما بالضرب بالعصى، ثم "ألقوهُما في السجنِ، وأوصَوْا حافِظَ السجنِ أنْ يَحرُسَهُما بضَبطٍ. وهو إذ أخَذَ وصيَّةً مِثلَ هذِهِ، ألقاهُما في السجنِ الدّاخِلي، وضَبَطَ أرجُلهُما في المِقطَرَةِ" (أع16: 23-24).

وخضع الرسولان الطاهران لهذا الظلم دون تذمر، لسبب واحد.. هو أن هذا الظلم كان من أجل اسم المسيح، ومن أجل الكرازة بالإنجيل، لينطبق عليهما قول السيد المسيح: "طوبى للمَطرودين من أجل البِر، لأن لهم ملكوت السماوات. طوبى لكم إذا عَيَّروكُم وطَردوكُم وقالوا عليكم كل كلِمة شريرة، من أجلي، كاذبين. اِفرحوا وتهلَّلوا، لأن أجرَكُم عظيم في السماوات، فإنهم هكذا طَردوا الأنبياء الذين قَبلكُم" (مت5: 10-12).

لقد كان في ذهنهما قول مُعلِّمنا بولس بطرس الرسول: "كما اشتركتم في آلام المسيح، افرحوا لكي تفرَحوا في استعلان مجده أيضًا مُبتهِجين. إن عُيرتُم باسم المسيح، فطوبى لكم، لأن روح المجد والله يَحل عليكم" (1بط4: 13-14).

وهذا يذكرنا بموقف الآباء الرسل الذين قيل عنهم: "وأمّا هم فذهبوا فرحين من أمام المَجمَع، لأنهم حُسِبوا مُستأهِلين أن يُهانوا من أجل اسمه" (أع5: 41).

+ وفي السجن.. وبفعل الصلاة والتسبيح.. "حدث بَغتَة زلزلة عظيمة حتى تزعزعت أساسات السجن، فانفتحت في الحال الأبواب كلها، وانفَكَّتْ قُيود الجميع" (أع16: 26)، فآمن حافظ السجن.. "واعتَمَدَ في الحال هو والذين له أجمَعون" (أع16: 33). وهكذا كان سجن الرسولين سببًا في خلاص هذا الرجل وأسرته.

وانتهت قصة سجن الرسولين بموقف غريب من الولاة إذ "أرسَلَ الوُلاة الجَلاَّدين قائلين: أطلِق ذَينِك الرجلين. فأخبَرَ حافِظ السجن بولس بهذا الكلام أن الوُلاة قد أرسَلوا أن تُطلَقا، فاخرُجا الآنَ واذهَبا بسلام" (أع16: 35-36).

وكان يمكن أن ينتهي الأمر عند هذا الحد، لولا أن مُعلِّمنا بولس الرسول أراد أن يطالب بحقه القانوني.. "فقال لهم بولس:

ضَرَبونا جَهرًا غير مَقضي علينا، ونحن رَجُلان رومانيّانِ، وألقَونا في السجن. أفالآن يَطرُدوننا سِرًّا؟ كلاَّ! بل ليأتوا هم أنفسهم ويُخرِجونا. فأخبَر الجَلاَّدون الوُلاة بهذا الكلام، فاختَشوا لمّا سمِعوا أنهما رومانيّان. فجاءوا وتضرَّعوا إليهما وأخرَجوهما، وسألوهما أن يَخرُجا من المدينة" (أع16: 37-39).

وهذا الموقف القوي الذي طالب به الرسول القديس، صار لنا نموذجًا في كيفية المطالبة بالحقوق بطُرق مُنظمة.. مشروعة.. مُهذبة.. وكأن الرسول القديس يقول:

"مُستَعِدٌّ ليس أنْ أُربَطَ فقط، بل أنْ أموتَ أيضًا في أورُشَليمَ لأجلِ اسمِ الرَّب يَسوعَ" (أع21: 13)، دون تهرب أو اعتفاء، بل بكل شجاعة مُستعد أن أحني رقبتي بكل سرور، أما إذا أُتيحت الفرصة للمطالبة بالحق القانوني.. فليكن!!

- السيد المسيح يُظهر اعتراضه:

+ نفس الموقف عمله السيد المسيح عند محاكمته أمام رؤساء الكهنة، عندما لطمه واحد من الخدام كان واقفًا قائلاً: "أهكذا تُجاوب رئيس الكهنة؟ أجابَه يسوع: إنْ كنت قد تكلَّمت رَديًّا فاشهَد على الرَّدي، وإن حَسنًا فلماذا تضرِبُني؟" (يو18: 22-23).

إن التسامح ليس معناه عدم المطالبة بالحق.. بل معناه أنني مستعد أن أموت من أجل الذي يضربني، وأن أصلي من أجل خلاص نفسه، كما فعل السيد المسيح إذ قال:

"يا أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يَعلَمون ماذا يَفعلون" (لو23: 34).. وكذلك فعل استفانوس الشهيد الأول.. "ثُمَّ جَثا علَى رُكبَتَيهِ وصَرَخَ بصوتٍ عظيمٍ: يارَبُّ، لا تُقِمْ لهُمْ هذِهِ الخَطيَّةَ. وإذ قالَ هذا رَقَدَ" (أع7: 60).

- استفانوس يُوبِّخ ويُسامح:

+ لقد شرح استفانوس الإيمان بكل قوة، ووبَّخ المناقضين في اصحاح كامل بسفر الأعمال (ص7).. "يا قُساةَ الرقابِ، وغَيرَ المَختونينَ بالقُلوبِ والآذانِ! أنتُمْ دائمًا تُقاوِمونَ الرّوحَ القُدُسَ. كما كانَ آباؤُكُمْ كذلكَ أنتُمْ! أيُّ الأنبياءِ لم يَضطَهِدهُ آباؤُكُمْ؟ وقد قَتَلوا الذينَ سبَقوا فأنبأوا بمَجيءِ البار، الذي أنتُمُ الآنَ صِرتُمْ مُسَلميهِ وقاتِليهِ، الذينَ أخَذتُمُ النّاموسَ بترتيبِ مَلائكَةٍ ولم تحفَظوهُ" (أع7: 51-53).

هذا التوبيخ الصارم لم يكن معناه أنه يستعفى من الموت أو الرجم، وكذلك لم يكن هذا القلب القوي المُوبِّخ قلبًا قاسيًا عنيفًا.. لكنه كان يُوبِّخ راجميه بمحبة ورغبة صادقة في خلاص نفوسهم، بدليل أنه صلّى من أجلهم.

إن التسامح في المسيحية والخد الآخر والميل الثاني لا يعني الضعف وعدم المطالبة بالحقوق، ولا يعني السلبية واللامبالاة.. بل يعني محبة الآخر والرغبة في خلاصه.

- بولس الرسول يُمارس حقه في المواطنة:

+ في موقف آخر هاج الرعاع ضد بولس الرسول في قيصرية حتى أنهم.. "كانوا يَصيحونَ ويَطرَحونَ ثيابَهُمْ ويَرمونَ غُبارًا إلَى الجَو" (أع22: 23)، وأدى الأمر أن يصدر الأمير أمرًا ظالمًا بدون تحقيق أن يُضرب بولس الرسول.. "أمَرَ الأميرُ أنْ يُذهَبَ بهِ إلَى المُعَسكَرِ، قائلاً أنْ يُفحَصَ بضَرَباتٍ، ليَعلَمَ لأي سبَبٍ كانوا يَصرُخونَ علَيهِ هكذا" (أع22: 24).

وهنا أيضًا استخدم بولس الرسول حقه القانوني، واعترض على هذا القرار الظالم.. "فلمّا مَدّوهُ للسياط، قال بولس لقائد المِئة الواقف: أيَجوز لكم أن تجلِدوا إنسانًا رومانيًّا غير مَقضي عليه؟" (أع22: 25).

هذا الاعتراض القوي تسبب في انزعاج عند الأمير.. "فإذ سمِعَ قائدُ المِئَةِ ذَهَبَ إلَى الأميرِ، وأخبَرَهُ قائلاً: انظُرْ ماذا أنتَ مُزمِعٌ أنْ تفعَلَ! لأنَّ هذا الرَّجُلَ رومانيٌّ. فجاءَ الأميرُ وقالَ لهُ: قُلْ لي: أنتَ رومانيٌّ؟. فقالَ: نَعَمْ. فأجابَ الأميرُ: أمّا أنا فبمَبلَغٍ كبيرٍ اقتَنَيتُ هذِهِ الرَّعَويَّةَ. فقالَ بولُسُ:

أمّا أنا فقد وُلِدتُ فيها. وللوقتِ تنَحَّى عنهُ الذينَ كانوا مُزمِعينَ أنْ يَفحَصوهُ. واختَشَى الأميرُ لَمّا عَلِمَ أنَّهُ رومانيٌّ، ولأنَّهُ قد قَيَّدَهُ" (أع22: 26-29).

- الموقف المسيحي بين التسامح والمطالبة بالحقوق:

إننا في المسيحية.. مستعدون أن نموت من أجل الآخر، ولكننا أيضًا يجب أن تكون لنا القوة والشجاعة في إعلان الحق بطرق قانونية مهذبة، دون إساءة للآخرين، ودون تنازل ضعيف عن حقنا المشروع، وكذلك دون تهرب من حمل الصليب، أو تذمر من أي ضيق.

+ قد يتعرض أحدنا في وظيفته أو دراسته أو حتى مع جيرانه.. إلى موقف يستشعر فيه أنه مظلوم، وسيداس حقه، ويضيع.. ويتساءل:

هل أتسامح، أم أطالب بحقي؟ هل أقبل الظلم باعتباره ذبيحة حب من أجل المسيح، أم أثور على الظلم ولا أهدأ حتى يرجع حقي إليَّ؟

- ما هو التعليم المسيحي في هذا الخصوص؟

+ إن المواقف التي شرحتها الآن من السيد المسيح وبولس الرسول واستفانوس.. توضِّح لنا أنه مع ضرورة التسامح من كل القلب والمحبة لكل الناس، إلا أنه لا مانع من المطالبة بالحق بطريقة قانونية مشروعة دون أذية لأحد، ودون أن يفقد الإنسان طابعه الروحاني الهادئ الوديع..

مع الأخذ في الاعتبار: هل هذا الظلم الواقع عليَّ هو بسبب المسيح، أم أنه بسبب خطأي أو تقصيري.. كقول مُعلِّمنا بطرس الرسول: "لأن هذا فضل، إن كان أحد من أجل ضمير نحو الله، يَحتَمِل أحزانًا مُتألمًا بالظلم. لأنه أي مجد هو إن كنتم تُلطمون مُخطئين فتصبرون؟ بل إن كنتم تتألَّمون عاملين الخير فتصبرون، فهذا فضل عند الله" (1بط2: 19-20).

إن كثيرين منا يخطئون أو يهملون في واجباتهم الوظيفية، وحينما تقع عليهم العقوبة يظنون أنها نوع من الاضطهاد.. ليس مثل هذا اضطهاد، وليس له أجر عند الله، وحتى إن احتمل الشخص هذه العقوبة الواقعة عليه لا تحسب له فضيلة، لأن الكتاب المقدس يُعلِّمنا:

"طوبَى لكم إذا عَيَّروكُم وطَرَدوكُم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة، من أجلي، كاذبين" (مت5: 11).

دعنا الآن نتفق على مبادئ مسيحية في هذا الأمر:

(1) المسيحي يطالب بحقوقه كاملة بالطرق المشروعة القانونية، ولا يتنازل إطلاقًا عن هذه الحقوق.

(2) نتعامل مع كل الناس بالحب والتسامح.

(3) نتحمّل الاضطهاد والظلم والألم وحتى الموت.. إن كان من أجل اسم المسيح.

(4) يمكنني التنازل عن حقي بعد المطالبة به والحصول عليه، ويكون التنازل بسبب الحب وليس الضعف.

(5) لو لم أتمكن من الحصول على حقي بعد المطالبة به، ويكون سبب التعنت هو محبتي للمسيح.. فليكن ذلك بكل سرور، لأنني أعلم أن لي أجرًا عظيمًا في السماء.

(6) يجب على الإنسان المسيحي أن يكون مخلصًا لوطنه ومشاركًا في الحياة العامة الاجتماعية والسياسية، حسب قول الكتاب: "لتَخضَع كل نَفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سُلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مُرَتبة من الله، حتى إن مَنْ يُقاوِم السلطان يُقاوِم ترتيب الله، والمُقاوِمون سيأخُذون لأنفُسهم دينونة" (رو13: 1-2).

(7) المسيحي مواطن صالح يعمل الصلاح حتى ولو لم يكافأ من الناس.. ولا يعمل الخطأ حتى لو كانت هناك إمكانية الإفلات من العقوبة.. "فإن الحُكام ليسوا خوفًا للأعمال الصالحة بل للشريرة. أفتريد أن لا تخاف السلطان؟ افعَل الصلاح فيكون لكَ مَدح منه، لأنه خادم الله للصلاح! ولكن إن فعَلت الشر فخف، لأنه لا يَحمِل السيف عَبَثًا، إذ هو خادم الله، مُنتَقِم للغضب من الذي يفعل الشر. لذلك يَلزَم أن يُخضع له، ليس بسبب الغضب فقط، بل أيضًا بسبب الضمير" (رو13: 3-5).

"فمَنْ يؤذيكُم إن كنتم مُتمثلين بالخير ولكن وإن تألَّمتُم من أجل البر، فطوباكُم. وأمّا خَوفهم فلا تخافوه ولا تضطَرِبوا" (1بط3: 13-14).

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +