Skip to Content

لوحة عودة الابن الضال للفنان الهولندي رامبرانْت (1606-1669)

 


لوحة عودة الابن الضال للفنان الهولندي رامبرانْت

1606-1669

انقر هنا للتكبير

 

يتوشَّح الأب بالجلال وينتصب كأنَّه الألِف في البداية. يقف وينحني انحناء القوس الذي يقوم عليه البناء.. ينحني كأنَّه الدائرة في كمالها.. لَكأنّ وجهه وجه الضرير. ذابت عيناه، أذابهما وهو يمارس أبوَّته،

يُحدِّق في الليالي الدامسة، يترقَّب رجوعاً كاد أن لا يكون، فضلاً عن دموعٍ طالما انهمرت ولم يقوَ على إخفائها.أمَّا الابن، فرقبته كرقبة مَنْ حُكِم عليه بالأشغال الشاقة . ثوبه رثّ مهلهل كأنَّه شراع المركب الغريق، تجعَّدت ثناياه بفعل الريح العاتية الشعواء.

يُسند خدَّه إلى أحشاء والده، كأنّي به الوليد في عمق بطن الأم. إنَّه يُتمِّم ولادةً كانت قبلُ ناقصة. الصوت الصامت، النابع من الأحشاء، الصوت الذي أصمَّ عنه أذنيه، أخذ يهمس الآن في مسمعه، وإنَّه لَيَسْمَع.

ارفع عينيك أنت الجاثي، الهائمَ في تعاستك والمطهَّرَ مع ذلك في الجلال... ارفع عينيك وانظر إلى هذا المحيّا، إلى الوجه القدّوس المتأمِّلَ فيك وهو يذوب ألماً ورِقّةً ومحبة. أمعنِ النظر فيه واسمعه يقول لك: "هاءنذا حَفرتُك على صفحة يديّ، فأنت ثمين في عَيْـنِي.

هاتان اليدان لم يبقَ لي سواهما، يدان فقيرتان ولهانتان، وضعتُهما كالرداء على كتفيك الهزيلتَين - فأنت تعود من بعيد- يدان منوَّرتان، ملءُ إحداهما الرِقَّة والأخرى القوّة، شأن الحب بين المرأة والرجل. إنّهما ما زالتا ترتجفان من فرط الوَلَه والسعادة بعد الألم".

أبتِ، أعود إليك يوم أخرجتني من حوض العماد، من رحم البيعة، كان كيوم أخرجتني من مياه التكوين لابساً نعمة النعيم في الجسد الحي الباقي. ثم كان، أن خرجت عنك وعليك، ونزعت ثوب الفردوس، ووشاح العماد، ورحت أتيه في كورة بعيدة حيث توَّرط الابن الشاطر الأول، أبي آدم، من ورثت منه اليتم والعري والتلف وهذه الأرض الشائكة، وهذه النفس القاحلة.

أعود إليك عارياً من كلِّ شيء سوى عاري، حتى ليخفي سكان بيتك، الملائكة والقديسون، وجههم مرتين، مرَّةً خجلاً بسبب ذنبي إليك، ومرَّةً ذهولاً لدى حبك لي. فكيف أصنع أنا بهذا وبذاك، بالذنب وبالحب؟ أين أضع وجهي؟..

أعود إليك عابراً البحر الأحمر وبريّة سينا ووادي التيه، عابراً شقاء الأرض والنفس والتاريخ، عائداً إلى ذاتي البكر الأولى التي خبأْتَ كنز مجدها تحت صورة الهوان.

أعود إليك، تغيَّر كلّ شيء فيّ حتى كدت لا أحدِّق نظري أم شحَّت رؤيتي منذ شحَّت مياه العماد ويبس العود الأخضر. يا إلهي.. أين أنت؟.. لمَ تغيّرتَ، أو بالأحرى، لمَ تركتني أتغيّر؟..

حوض عمادك لا يبرح طافحاً ألا صُبَّ منه قطرة ماء، فقد أتلفني العطش في هذا الجحيم! أرسل من روحك نسمة إلى وجهي فأنتعش من رائحة الميرون النقية فقد يبست عظامي! ردَّني إلى حيث وحين نشأنا معاً..

يا فتوّة القلب والعالم، أعود إليك من كورة الاغتراب أبحث عن الأردن، لأغتسل فيه أو في أحد روافده عساني أسمع مجدّداً صوت الارتضاء بالابن الحبيب.

Click to view full size image

 

تأمّل

للأب ميشيل الحايك

أبتِ، أعود إليك يوم أخرجتني من حوض العماد، من رحم البيعة، كان كيوم أخرجتني من مياه التكوين لابساً نعمة النعيم في الجسد الحي الباقي. ثم كان، أن خرجت عنك وعليك، ونزعت ثوب الفردوس،

ووشاح العماد، ورحت أتيه في كورة بعيدة حيث توَّرط الابن الشاطر الأول، أبي آدم، من ورثت منه اليتم والعري والتلف وهذه الأرض الشائكة، وهذه النفس القاحلة.

أعود إليك عارياً من كلِّ شيء سوى عاري، حتى ليخفي سكان بيتك، الملائكة والقديسون، وجههم مرتين، مرَّةً خجلاً بسبب ذنبي إليك، ومرَّةً ذهولاً لدى حبك لي. فكيف أصنع أنا بهذا وبذاك، بالذنب وبالحب؟ أين أضع وجهي؟..

وهل كان من يعرفني إن كشفت عنه لولاك؟.. أنت فضحتني لمّا اتخذت عارهُ وظهرت به على مشهد من الخليقة كلِّها.  

أعود إليك عابراً البحر الأحمر وبريّة سينا ووادي التيه، عابراً شقاء الأرض والنفس والتاريخ، عائداً إلى ذاتي البكر الأولى التي خبأْتَ كنز مجدها تحت صورة الهوان.

أعود إليك، تغيَّر كلّ شيء فيك حتى كدت لا أحدِّق نظري أم شحَّت رؤيتي منذ شحَّت مياه العماد ويبس العود الأخضر. يا إلهي.. أين أنت؟.. لمَ تغيّرتَ، أو بالأحرى، لمَ تركتني أتغيّر؟..

حوض عمادك لا يبرح طافحاً ألا صُبَّ منه قطرة ماء، فقد أتلفني العطش في هذا الجحيم! أرسل من روحك نسمة إلى وجهي فأنتعش من رائحة الميرون النقية فقد يبست عظامي! ردَّني إلى حيث وحين نشأنا معاً، إذ كان المجد لله في العلى فوق رأسنا وعلى أرضنا المسرّة والرجاء الصالح لبني البشر، وهم إذّاك بنوك وأنا منهم.

يا فتوّة القلب والعالم، أعود إليك من كورة الاغتراب أبحث عن الأردن، لأغتسل فيه أو في أحد روافده عساني أسمع مجدّداً صوت الارتضاء بالابن الحبيب

 

 




عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +