Skip to Content

الكذب - الأرشمندريت توما (بيطار)

 

الكذب

Click to view full size image

 

هناك كذب على الصدق وكذب على الحقّ.

الكذب على الصدق أن لا تصدق.

أن تقول رأيت فلاناً وأنت لم تره. وأن تقول فعلت كذا وأنت لم تفعله..

أما الكذب على الحقّ فأن تقصد الإساءة والتضليل.

أن تقول سمعت أنّ فلاناً سرق أو زنى. قد تكونُ سمعتَ ذلك فعلاً وقد لا تكون.

قد تقول الصدق في ما تنقله وقد لا تقول. ولكنْ ليس هنا بيت القصيد.

بيت القصيد أن نيّتك من جهة مَن تنقل الخبر بشأنه غير نقيّة. تقول ما تقوله عنه وقصدك أن تؤذيه في سمعته

أن تضلّل الآخرين في شأنه. في مثل هذه الحال قد تكون صادقاً لكنك لا تكون في الحقّ.

سيّان عندك، ساعتذاك، أن تقول الصدق أو أن تخترع كلاماً على سواك.

ليس هذا ما يشغلك والحال هذه. ما يشغلك أنّك تريد به شرّاً لأنّك لا تحبّه.

تكذب في شأنه عن انتقام أو عن حسد أو بقصد التضليل لأنّ هذا يرضي غروراً فيك.

 ما يجعل الكذب لديك فضيلة أو رذيلة ليس محدوداً بقولك الصدق أو عدمه بل بما تقصده في نفسك.

يسوع، لما ساير التلميذَين في الطريق إلى عمواس تظاهر كأنّه منطلق إلى مكان أبعد.

بتصرّفه، على هذا النحو، أرادهما أن يصرّا عليه أن يمكث معهما.

أخفى قصده وقال غير ما في نيّته ولكنْ للخير.

لذا لم يأتِ سيّئة.

وأنت إن أردتَ أن تصلح ما بين اثنين، كل يقول شرّاً في صاحبه

 

وقصدت أن تنقل لكل منهما عكس ما سمعتَه من رفيقه لتقرّب ما بينهما

فإنّك تصنع حسناً.

هذا قال عن ذاك إنّه يكرهه وأنت تقول له إنّه يحبّه.

هذا يقول عن ذاك كلاماً جارحاً وأنت تقول له إنّ الكلام في شأنه طيِّب.

فإذا غضضت عن السيّئات وقلتَ الطيِّبات، إذا ما أحسنت التقريب ما بينهما

وجعلتهما ينسيان سوء التفاهم بينهما وأن ما يقال هو من محبّي السوء الذين ينقلون كلاماً مسيئاً

ليباعدوا ما بين الصديق وصديقه

فقد تكون في موقع مَن يمكن أن ينجح في إحداث مصالحة حقيقية ما بين الإثنين.

فإذا ما قرنت ذلك بإعلام كل منهما أنّك لم تنقل رأيه في صاحبه بل ما كان يليق به أن يكون عليه

فإنّك، إذ ذاك، تمتِّن علاقة ما بين شخصين كادت أن تتداعى.

ربما أخفيت، ربما لم تنقل الكلام بصدق، ولكنّك رتّبت المشهد على نحو جعل قلب هذا ينعطف على قلب ذاك.

وفي ذلك فضيلة لأنّه قيل

"طوبى لصانعي السلام فإنّهم أبناء الله يدعون".

وعلى عكس ذلك كثيرون يقولون الصدق ولكنْ في معرض الإساءة للغير وفي معرض التضليل.

هؤلاء يكذبون على الحقّ ولو صدقوا.

لذا لا تصدِّق مَن كان على عداوة بسواه.

ولو أتاك بوقائع فإنّه يستعمل الوقائع باطلاً.

وإذا ما خرجتْ من فيه كلمة صادقة أخرج معها كلمات كثيرةً كاذبة.

هو فقط يستعمل الصدق لأنّه يوافق مراميه.

لأنّه يريد أن يعطيك الانطباع بأنّه صادق ويتوخّى الحقّ في كل ما يقول.

الشيطان هو سيّد الكاذبين على هذا الصعيد. يصدقك أحياناً ليكذبك، ليضلّلك.

أهل السياسة والتجارة، بخاصة، في العالم، يتعاطون هذا المسرى.

ذكاؤهم، بعامة، مركّز على الخداع. لا فرق لديهم أن يصدقوا أو أن يكذبوا.

كلا الأمرين لديهم وسيلة الغرض منها الربح، تحقيق المكاسب

تحريك الرأي العام في الاتجاه الذي يرغبون. لذلك أهل السياسة والاقتصاد يمكن أن يتحوّلوا

ولكنْ لا بالضرورة، لأنّ ثمّة، ولو قلّةً، لها ضمير حيّ

أقول يمكن أن يتحوّلوا إلى أبناء للشيطان.

ميدان المال والسلطة هو الأمثل لعمل الشيطان.

هناك مَن ينشغلون بمصير فرد أو جماعة صغيرة ويرومون أن يتسلّطوا عليها

وهناك مَن ينشغلون بمصير أمّة أو أمم.

إبليس يعمل هنا وهناك، على هذا الصعيد وعلى ذاك.

لكن فنونه التضليلية تتفتّق بخاصة على صعيد مصير الأكثرين.

لذا كان الكذب على الحقّ لدى بعض أهل السياسة والاقتصاد مرهفاً ذكياً خبيثاً.

هؤلاء خبراء في الابتزاز والإرهاب كما هم خبراء في لعب دور الحمل.

يهمّهم مظهرهم وصورة الناس عنهم. يعرفون جيداً أن يستغلوا الإعلام وأن يلعبوا على عواطف الناس.

يعلمون أن يطلقوا الشعارات ويحرِّكوا الجماهير وأن يشوّهوا صورة خصومهم وسمعتهم.

هؤلاء يصيرون أبناء الشيطان بامتياز.

يصير لهم فكر الشيطان.

يكونون في وضع يستطيع الشيطان معه أن يبثّهم فنوناً من الرياء والخباثة والضلال.

كل هذا كذب على الحقّ. كل قوى الإنسان، في هكذا سياق،

يتحوّل إلى أدوات للكذب ولا يعود لدى الأكثرين حدود أو محرّمات.

هذا لأنّ المال يُسكر والسلطة تُسكر.

ليس كهذين الأمرين يجعل الإنسان قريباً من تذوّق الألوهة بشرياً

الألوهة المتمثّلة في السيطرة على حياة الشعوب ومصائرها.

على أن بذرة الكذب على الحقّ كامنة في كل نفس.

مَن كان عابداً لنفسه، لفكره، لهواه، فليس في الحقّ.

وكذا مَن لم يكن محبّاً لله أولاً ولإخوته كنفسه. طالما الإنسان إلهُه نفسه وهواه عبادتُه فكل شيء لديه يصير مباحاً.

إن لم يكن بذل النفس أساس سلّم الفضائل في مسرى العلاقة بالغير لديه فديدن الإنسان الرذائل.

وأساس سلّم الرذائل هو مبدأ اللذّة. اللذّة تمسي الفضيلة لديه. همّه نشوة نفسه، أناه. أن يبدو عظيماً..

أن يقول الناس فيه حسناً. أن يكون الآخرون رهن بنانه.

 

هنا تكمن الرؤية الداخلية لعاشق نفسه.

الآخرون لديه أدوات برسم الاستعمال، لا فرق قلّة كانوا أم كثرة.

الإحساس بالآخرين، إذ ذاك، يموت. يتحوّل الآخر لديه رقماً، حالةً، ملفّاً.

أن يموتوا وأن يعيشوا سيّان لديه. المهم أن يحقّق حلمه، رؤيته. أن يدور الآخرون حوله

حول ما يقول وما يفعل. لذا كان الكاذب على الحقّ قاتلاً أبداً. يلغي الآخرين بسهولة.

وإن لم يلغهم في الفكر يلغيهم في الفعل.

يتخلّص منهم بالدم البارد وفي إطار نظرية التضحية بالفرد خدمة للجماعة.

يمتهن الكذب لدرجة أنّ كيانه كلّه يصير مشبعاً بالكذب.

فيصير الكذب لديه هو الحقّ ويَسخر من الحقّ الحلال.

يعتبره غباءً. لذا قيل الكذب ملح الرجال. كل هذه استعدادات كامنة في النفس الساقطة.

فقط الظروف والوضعيات تنمي الكذب في النفس لتبلّغه منزلة رفيعة من الرياء والخباثة وتشييء الله والناس.

أما بعد فالنقاوة هي أن تخرج من لولبية الكذب على الحقّ.

حين تمسي عينك بسيطة، عينُك الداخلية، إذ ذاك تقيم في الحقّ.

لذا فتّش عمّا في نفسك. رُمِ الخيرَ في كل ما تفعل. مظهرك لا يهمّ.

إنسان القلب الخفيّ هو الأهم. هناك تلقى ربّك ناظراً. هناك تلقى الإنسان كلّه.

بنقاوة القلب يتنقّى كل ما فيك. بذا تصدّق الحقّ، تصدّق الروحَ.

المهم ألا تكذب على الله. الكذب على الحقّ كذب على الله.

ومَن كذب على الله كان مصيره كحنانيا وسَفِّيرة اللذين اتفقا على تجربة روح الربّ فكانت النتيجة أن وقعا وماتا.

خوف عظيم على جميع الكنيسة صار إثر ذلك.

المهم أن يخاف كلٌّ الله، كلٌّ الحقّ.

 

بدء الحكمة مخافة الله.

هذه هي الدرب المفضية إلى الحكمة الحقّ التي تُعطَى من فوق للذين يتنقّون من الكذب على الحقّ.



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +