Skip to Content

تأملات شهر ايار - 2 - مريم والامومة الالهية /2 - رعية مار شربل الارن

أيار
مريم والأمومة الإلهية (٢)
 

((كيف يكون هذا؟))


مريم ((أم الله)) هل هذا ممكن؟ أليس فيه تضخيمٌ هائل؟ مريم أم الله! هل يُصدَّق؟ هل يُعقل؟... ولِمَ لا؟ مريم، أليست هي أمّ يسوع؟ ويسوع ، أليس هو أقنوم ((الكلمة)) الذي تجسّد؟ ((في البدء كان الكلمة. والكلمة كان لدى الله. وكان الكلمة الله. والكلمة صار جسداً وسكن في ما بيننا)) (يو 1\1 ، 14). يسوع بنُ مريم ليس أقنوماً إنسانيّاً سكن الله فيه. ولا هو أقنومٌ إلهيّ سكن فيه إنسان. يسوع بنُ مريم هو حقّاً إله، الإله المتجسّد، الإله بالذات قد أتى إلينا وسكن في ما بيننا، بعدما اتّخذ الطبيعة البشرية في بطن أمّه العذراء مريم. فلا يجوز القول إنّ مريم هي أمّ يسوع الإنسان، فيما الآب السماويّ هو أبٌ ليسوع الإله. لا، لا يجوز فإنّ طبيعته الإنسانيّة والإلهيّة متّحدتان بلا انفصام في أقنومه الإلهيّ الواحد، كما قد رأينا سابقاً. فكما أنّ الوالدة هي أم الولد بكليّته، جسداً ونفساً، وليس في جسده فقط (على الرغم من أنّ الله هو الذي يخلق النفس بفعلٍ مباشر)، وكما أن الولد هو بكلّيّته ابن أمّه، كذلك يسوع المسيح هو بكلّيّته ابن مريم أمّه... فالأمومة علاقة أقنوميّة تتعلّق بالأقنوم الذي وُلدَ، لا بالطبيعة التي وُلِدَتْ. ولمّا كان أنّ أقنوم يسوع بن مريم هو أقنوم الكلمة الإله، كانت بالتالي أمومةُ مريم أمومةً إلهية... عليه، فعندما كان يسوع ينادي ويقول: ((ماما))، فالمنادي هو الله بالذات، والمنادَى أمُّ الله! وعندما كانت مريم تنادي وتقول: ((يا بُنَي))، فالمنادي هو أمّ الله، والمنادَى هو الله بالذات!... أما كيف كان في وِسعها أن تجمع، بحركةٍ من القلب واحدة، بين حنان الأمّ لولدها وسجود الخليقة لخالقها، فيا للسرِّ العجيب!...

((الروح القدس يأتي عليك))

قد يعترض أحدهم، مستشهداً بالقديس منصور دي بّول القائل، في غير مجال، إنّ النعجة تَلِد نعجة، فيقول: ((المماثِل يَلِد مماثلاً له. فالحيوان يَلِد حيواناً، والإنسان أنساناً... فكيف من ثَمّ يستطيع الإنسان أن يَلِد إلهاً؟)).لا بأسَ بالاعتراض... ولذا، فإنّ الله سيباشر أولاً برفع مريم إلى مستوى التألُّه، لا بحيث يجعل منها إلاهةً، بل بحيث إنّه يقرّبها منه كلّيّاً ( ((يُدَوْزِنها)) على ذاته، إن صحّ التعبير). لقد نوّه المجمع الفاتيكاني الثاني بذلك، لمّا قال إنّ مريم ((قد عجنها الروح وكوّنها خليقةً جديدة.)) هذا ما فعله لمّا ـ بعد أن جعلها بريئة من الخطيئة الأصليّة لكي تُصبح، في كيانها الأنثويّ، أمّاً صالحة للمسيح صورة الآب الجوهريّة ـ استولى عليها كلّيّاً، يوم البشارة، ليرفعها إلى المستوى الإلهي. هذا هو معنى كلام الملاك: ((الروح القدس يأتي عليك، وقدرة العليّ تظلّلك. لذلك (من أجل أنّك ((دُوْزِنتِ)) على ما هو الهيّ)، فالمولود منك يدعى ابن الله.)) مريمُ رُفِعت إلى المستوى الإلهيّ. لذلك سوف يكون في وسعها أن تلد إلهاً. (نحن أيضاً، بنعمة المعموديّة، نرفع ـ وإنْ لم يكن مثلَ مريم بالتمام ـ إلى المستوى الإلهي. هل يصدر عنّا ما هو إلهيّ؟ كما وبنعمة المعمودية ونعمة الإفخارستية، نتطعّم ـ وإن لم يمكن مثلَ مريم بالتمام ـ بالمسيح الغُصن الصحيح. هل نُثمر ثمار الصلاح؟). عودةٌ إلى النص الإنجيليّ: كلمة ((لذلك)) مهمّة جدّاً لفهم مجيء الروح القدس على مريم، رافعاً إياها إلى المستوى الإلهيّ. كان الملاك قد قال: (( الروح القدس يأتي عليك. لذلك فالمولود منك يدعى ابن الله.)) فالملاك يقيم بين استيلاء الروح القدس على مريم وبين بنوّة يسوع الإلهية، الصلة القائمة بين العلّة والمعلول ( ((لذلك))، لهذا السبب، لهذه العلّة). فالمولود من مريم قدّوسٌ هو ابنُ الله، لأنه يولد بتوليّاً من عذراء قد أخصبها الروح القدس. وعليه فإنّه لا يكفي، لفهم هذا الكلام، أن نقول إنّ المولود من مريم، ذلك الإنسان الإله، قدّوسٌ هو وابن الله، فقط لأن ((الكلمة)) هو كذلك منذ الأزل في الثالوث. وإلاّ لما عاد أيُّ معنىً ولا أيُّ داعٍ لكلمة ((لذلك))، بل لكان الملاك يقول: ((الروح القدس يأتي عليك، لنّ المولود منك هو ابن الله))... إن لم يقلها فلأنّ المولود، يسوع المسيح، لن يخرج من حضن الآب، بل من بطن مريم، في طبيعته البشرية. إذاً ينبغي القول إنّ مريم، باستيلاء الروح القدس عليها، قد ((ألِّهتْ)) (رُفِعَتْ إلى المستوى الإلهيّ) واتُّخِذتْ، في كيانها الأنثويّ، على غرار القرينة، ليث لأنّ المولود منها يُدعى ابنَ الله، بل حتى المولود منها يُدعى ابن الله... بما نُشبِّه هذه الأمومة الإلهيّة؟ يقول مِيدينا، دومينيكانيّ أسبانيّ في أواخر القرن السادس عشر: ((عندما نقول إنّ الطوباويّة مريم هي أمّ الله، لا نعني أنّها مصدر الألوهيّة، بل أنّها أمّ إنسانٍ هو إلهٌ حق، كما عند قولنا إنّ فلانة هي أمّ أسقف، لا نعني أنها مصدر أسقفيّة ابنها، بل أنّها أمّ إنسانٍ قد صار أسقفاً.)) بأيّ مقدار يصحّ هذا التشبيه؟ ولا بشيء! لأنّ المرأة أمَّ الأسقف لا أمومة أسقفيّة لها، أمّا مريم فأمومتها إلهيّة. ذلك أنّ الأسقف ليس أسقفاً منذ الحَبَل به، ولا الملك ملكاً، الخ... أمّا يسوع فهو إله منذ الحبل به في حشا أمّه. هل يصحّ في المقابل، تشبيهُ الأمومة الإلهيّة بالأمومة المسيحية، أو الإسلامية، أو اليهودية؟ أيضاً لا! فأمومة الأمّ ليست أمومةً ((مسيحية)) أو ((إسلامية)) أو ((يهودية)). إنّها أمومة ((إنسانيّة))، لأن الولد ليس مسيحيّاً أو مسلماً أو يهوديّاً عند الحَبَل به، بل مُجرَّد إنسان، ينتظر المعمودية أو الختان ليصير مسيحياً أو مسلماً أو يهودياً... أمّا يسوع فهو إله عند الحَبَل به. لذا يحقّ لنا أن نقول، مع الكردينال دي بارول، إنّ لمريم وللآب نفسَ الابن، يسوع المسيح، وكما أنّ للآب أبوّةً إلهيّة، لمريم أيضاً أمومة إلهية...



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +