Skip to Content

تأملات شهر ايار - 6 - مريم أمة الرب المطيعة /2 - رعية مار شربل الارن

 

٦ أيار
مريم
أمة الرب المطيعة (٢)

 
 

 

((مشهد البشارة))

Click to view full size image


واضحٌ في مشهد البشارة كم أنّ الله يأخذ بعين الاعتبار حرّيّة خليقته، وكم يُعنى بأن تكون له شريكةً مُدركةً لدورها في التدبير الخلاصيّ.

فإنه يعامل مريم، لا كأداةٍ منفعلةٍ (بالمعنى الفلسفي: Passive)غير مسؤولةٍ، بل كأقنومٍ حرّ، مُدركٍ، فعّال ومسؤول (Actif). يقول الكردينال دي بيرُول، مخاطباً مريم: ((إنّ الله قد جعل أسمى أسراره، التجسّد، منُوطاً برضاكِ. إنّه يطلب، ثم ينتظر... وهو لن يعمل بمشيئته، إلاّ بعد أن يكون قد وقف على التزامك بتلك المشيئة. إنه ينتظر منك كلمةَ التواضع: ((ها أنا أمة الرب))، ثم كلمة الاقتدار: ((فليكن))، تلك الكلمة التي كانت، في نتائجها، أقدرَ من كلمة الله في خلقه للكون: فإنْ كانت كلمةُ الله قد صنعت الكون، كلمتُكِ أنتِ صنعت صانعَ الكون)) (في ناسوته، طبعاً). ويقول اللاهوتي البيزنطي كباسيلاس: ((لولا رضى الكلّيّة الطهارة، لولا إسهام إيمانها، لكان التجسُّد مستحيلاً، كما هو مستحيلٌ من دون تدخُّلِ الأقانيم الثلاثة نفسها. إنّ الله لم يتّخدها له أمّاً، ولم يَستعِرها الجسدَ الذي تتفضّل بإعارته، إلاّ بعدما أعلمها وأقنعها. فكما أنّه كان يريد أن يتجسّد، كان يريد أيضاً أن تَلِدَه أمّه بملءِ حرّيّتها.)) رُبّ معترضٍ يقول: ((لكنّ اللهّ، ألم يكن عالماً أنّ مريم سوف ترضى؟)).

... ومع ذلك فهو يحترم حرّيّتها ورضاها. حقّاً، إنّ الكلّيّ القدرة هو على كلِّ شيء قدير. لكنّه لا ولن يَغصِبَ حرّيّة أحد. فمريم قالت نعم بملء حرّيّتها. هل كان في وسعها أن ترفض؟ في المطلق، نعم. أمّا في الواقع، فلا. ذلك أنّها، منذ الحَبَل بها، قد اختيرتْ لتكون أمّ الكلمة المتجسّد. وهي، على مدى الحياة، أرادتْ بملء الحرّيّة أن تتوافق ومشيئة الله. (أين نحن من ذلك التوافق؟)...

1-    كلمة ((ليكن)) على لسان مريم نقيضُ كلمة ((لن يكون)) على لسان حواء. كلمة حواء كانت انطلاقاً للسقوط، كلمة مريم انطلاقاً للنهوض. يقول القديس إيرينايُس: ((كما أنّ حواء قد أغراها ملاك، فَعَصَتِ اللهَ وتهرّبت، كذلك أيضاً أعلمَ الملاكُ مريمَ بالبُشرى، فأطاعتِ الله وحبِلتْ به. فأصبحت مريم شفيعة حواء. وكما أنّ الجنس البشريّ قد أُخضِع للموت بعذراء، كذلك أيضاً أعتِق منه بعذراء. فكان أنّ تمرُّدَ عذراء قد وازاه خضوعُ عذراء.)) وعليه فإنّ التجسّد يبدو وكأنّه نقطةُ انطلاقٍ لبشريّة جديدة، والعذراء مريم كأنّها أمٌّ جديدة للأَحياء.

((ليكن لي بحسب قولك.)) فكان لها بحسب قوله: صار الكلمة جسداً في أحشائها... وكان، كما جاء في الليتورجيا البيزنطية، أنّ الله الممجّد قد ((جدّد الكونَ كلَّه في حشا مريم.)) يهتف الكردينال دي بيرول قائلاً: ((أيتها العذراء القديسة! إنّك تحملين حاملَ الكون. تحوين من يحوي الكلّ. تُحيطين بمن لا يُحاطُ ولا يُدرَك. ها هو قد أصبح جزءاً منكِ، ومن جوهرك يتغذّى. يا للأمرِ العُجاب! من يُقيم في الآب، فيكِ يُقيم! مَن يحيا في الآب من جوهر الآب، فيكِ ومِن جوهركِ يحيا! هذه لُجّة الروائع! إنّك تمنحين يسوعَ الحياة لأنه ابنكِ ومنه تستمدّين الحياة لأنّه إلهك!... تمنحين يسوع الحياة، فتُحْيينَ بقلبك وذِهنِك قلبَ يسوع وذِهنه، كما وإنّك تستمدّين من قلب يسوع ومن جسده حياةً لقلبك وجسمك وذهنك، في آنٍ واحد!..))

لم يَسَعِ القديسَ فرنسيس الأسيزي، حِيال هذه الروائع، إلاّ أن يهتف ويقول:

((السلامُ عليكِ، يا صَرْحَ الإله!

السلامُ يا خباء الله! السلامُ يا بيتَ الله!

السلامُ يا ثوب الله! السلامُ يا أمَة الله! السلامُ يا أمَّ الله!...)).



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +