Skip to Content

الأمثال في الكتاب المقدس - مثل الكرّامين القتلة

مثل الكرَّامين القتلة

Click to view full size image

نصُّ الإنجيل

 غرَسَ  رَجُلٌ  كَرْماً  فآجرَهُ  بَعْضَ  الكرَّامينَ  وسافَرَ  مدَّةً  طويلة . فلمَّا  حانَ  وقتُ  الثمَرِ  أَرسلَ  عَبداً  إلى الكرَّامينَ  لِيُؤَدُّوا  إليهِ  نَصيبَهُ  مِنْ  ثَمَرِ  الكَرْم.  فضرَبَهُ  الكرَّامونَ  وصرفوهُ  فارِغَ  اليَدَيْن . فأَرسَلَ  عَبداً  آخرَ , وذاكَ  أَيضاً  ضربوهُ  وأَهانوهُ  وصَرَفُوهُ  فارِغَ  اليَدَيْن . فأَرسَلَ  عَبداً  ثالِثاً, وذاكَ  أَيضاً  جرَّحُوهُ  وطردُوهُ . فقالَ  ربُّ  الكرْمِ:" ماذا  أَصنَعُ ؟ سأُرسِلُ  إليهم  ابنيَ  الحبيبَ  لعلَّهُم  يهابونَهُ."  فلمَّا  رآهُ  الكرَّامون  تشاوَروا  فيما  بينَهُم  قائلين:" هوذا  الوارِثُ ! فَلْنَقتُلْهُ  لِيَعودَ  الميراثُ  إِلينا."  فأَلقَوهُ  خارِجَ  الكَرْمِ  وقتلوه . فماذا  يفعلُ  بهم  ربُّ  الكرْمِ  سيأْتي ويُهلِكُ  هؤلاءِ  الكرَّامينَ  ويُعطي  الكَرْمَ  لآخرين . فلمَّا  سمِعوا  ذلِكَ  قالوا : " حاشَ ! "  فحدَّقَ  إليهم وقال : " ما  معنى  هذِهِ  الآية : الحجرُ  الذي رذلَهُ  البنَّاؤونَ  صارَ  رأْسَ  الزاوية ؟  كلُّ  مَنْ  وقعَ  على  ذلك الحجرِ  تهشَّمَ . ومَنْ  وقعَ  هذا  الحجرُ  عليهِ  طحنَهُ." (لوقا20/9-18)

الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل

    إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ الله يُعاقِب الذين يخونون الأمانة الروحيَّة التي سلَّمهم إيَّاها, ويمتنعون عن تأدية ثمار الأعمال الصالحة التي يطلبها منهم, ويعتدون على ابن الله بالاستسلام إلى الخطيئة بتصلُّبٍ وعناد طمعاً في مال الدنيا الحرام أو في ملذَّاتها وشهواتها, كما فعل رؤساء اليهود الخونة.
وإليكم إيضاح هذه الفكرة.

خيانة رؤساء بني إسرائيل

    سرد يسوع في هذا المثل على الشعب المتجمهر حولَهُ في الهيكل تاريخَ بني إسرائيل في خطوطه العريضة, وألحَّ على خيانة الرؤساء الروحيين, وعلى طمعهم الدنيوي, ومقاومتهم لتدبير الله, واستغلالهم للكرْم الذي سلَّمهم الله إيَّاه.

    إنَّ الكرْم هو شعب الله. فقد أودعهم الله شعبه ليعلِّموه قواعد دينه ويهذِّبوا أخلاقه, ويقدِّموا لله ثِمار أعماله الصالحة وطاعته وتقواه.

    ولكنَّ هؤلاء الرؤساء أهملوا تعليم الشعب وتهذيبه, واستغلُّوه لتحقيق مصالحهم الشخصيَّة من مال وجاه ونفوذ.

    فأرسل الله إليهم أنبياءَهُ القدِّيسين واحِداً بعد واحد ليحذِّروهم من سوء سلوكهم ويطالبوهم القيام بواجباتهم الدينيَّة نحو شعبه. ولكنَّ الرؤساء  وهم الكهنة والكتبة والفريسيُّون ومعلِّمو الشريعة- قاوموا مَهمَّة الأنبياء مُقاومةً شرِسة, فشتموا بعضهم, وضربوا بعضهم, وجرَّحوا بعضهم, ولم يرتدعوا عن جشعهم وتسلُّطِهم.

    وأخيراً أرسل الله إليهم يسوع ابنه الحبيب قائلاً في نفسه: " لعلَّهم يهابونه لِما يصنع أمامهم من معجزات وما ينشر بينهم من تعاليم سامية. " ولكنَّ الرؤساء الحاقدين الجشعين ائتمروا فيما بينهم على ابن الله, فانقضُّوا عليه وأخرجوه خارج مدينة أورشليم وقتلوه معلِّقين إيَّاه على الصليب.

انتصار ابن الله على رؤساء اليهود

    لمَّا سمع الرؤساء هذا المثل أيقنوا أنَّ يسوع قد عناهم فيه ووصف سلوكهم الشائن وأنذرهم بالإبادة.  قال لهم: " ماذا  يفعلُ  بهِم  ربُّ  الكَرْم ؟ سيأْتي  ويُهلِكُ  هؤلاءِ الكرَّامين ."

    فصرخوا: " حاشَ أَن نضمحلّ ! "  فحدّق إليهم يسوع وقال: "فما  مَعنى هذه  الآية : الحَجَرُ  الذي  رذَلهُ  البنَّاؤونَ  صارَ  رأْسَاً  لِلزاوية ؟ فمَنْ  وقَعَ  على  ذلِكَ الحَجَرِ  تهشَّمَ , ومَنْ  وقعَ  هذا  الحجرُ  عليهِ  طَحَنَهُ ." (سفر المزامير 117/22)

    لقد أكَّد يسوع بهذا القول أنَّه هو ذلك الحجر الذي اختاره الله ليكون رأسَ الكنيسة وقوَّةً إلهيَّة لا تُقاوم. فمن اعتدى على يسوع اِبنِ اللهِ زال عن الوجود, ومن رذلـه اِبنُ الله هَلَك للأبد. فإنَّه, وإنْ قتله الرؤساء وصلبوه, سيقوم حيَّاً من بين الأموات, وينتصر على هؤلاء المجرمين القتلة ويُبيدهم, ويسلّم شعب الله إلى رؤساء آخرين يؤدُّون لله ثمار الكرْم: "

إنَّ  ملكوتَ  اللهِ  يُنْزَعُ  عَنكُم , ويُسلَّمُ  إلى  أُمَّةٍ  تُثمِرُ  ثمرَهُ ." (متى 21/43) 

    إنَّ الرؤساء الروحيين الجُدُد هم الرسل القديسون الذين اعتنوا بشعب الله الجديد الذي هو الكنيسة - العناية الفُضلى, فاستطاع أن يُقدِّم لله تعالى ثمار إيمانه وتقواه وطاعته وقداسة حياته.

هذا المثل إنذارٌ للمسيحي الخاطئ

    1- إنَّ هذا المثل يُنذر بالعقوبة الأبديَّة المسيحي الخاطئ المُتمسِّك بالخطيئة التي تمنعه من أن يؤدِّي لله ثمار الحياة الفاضلة.

    لقد سلَّم الله كُلَّ مسيحي كرْماً روحيَّاً, وطلب منه أن يعتني به, ويستثمره بأمانة ليقدِّم لله الثمار الطيِّبة. إنَّ هذا الكرْم الروحي هو نفسُهُ الخالدة.

    إنًّ هذه النفس قد زُرِعت فيها نِعمةُ الله بالمعموديَّة المقدَّسة, وتغذَّت بتعاليم يسوع وثِمار موته وقيامته, فأضحت أهلاً لأن تقوم بالأعمال الصالحة التي ينتظرها الله منها لمجد اسمه على الأرض وفي السماء.

    2- فعلى المسيحي ألاَّ يستسلم, كرؤساء اليهود, إلى المطامع الأرضيَّة الحرام, ويُهمل العناية بحاجات نفسه الروحيَّة, ويُعرض عن استثمار النِعم السماويَّة التي أُعطيت له بغزارة.
إنَّ هذا الإهمال وما يتبعه من تهالُكٍ على الأرضيَّات الممنوعة يجرُّه تدريجيَّاً إلى العيش في الفتور الروحي, ثُمَّ إلى ارتكاب الخطيئة والتمسُّك بها.

    ومَنْ ارتكبها طمعاً في الدنيا الفاسدة وفي ملذَّاتها وشهواتها, تصرَّف كما تصرَّف قبله رؤساء اليهود الذين صلبوا يسوع المسيح ليُحقِّقوا مآربهم الشخصيَّة الأثيمة. فإنَّ من ارتكب الخطيئة بعنادٍ وطمعٍ أرضي صلَبَ ابن الله ثانيةً. وهذا ما قاله بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين: " إنَّ  الذين  سقَطوا  في  الخطيئةِ  يَصلِبونَ  ابنَ  اللهِ  ثانيةً  لخُسرانِهم ." (6/6)

    3- وكما تحطَّم رؤساء اليهود وزالوا عن الوجود, هكذا يتحطَّم المسيحي الخاطئ, وتزول عنه في الأرض النعمةُ الإلهيَّة, مصدرُ سعادته, ويكون مصيره في الآخرة الخسارة الأبديّة.

هذا المثل دعوةٌ أيضاً إلى الأمانة لله

    1- إنَّ هذا المثل دعوةٌ أيضاً لكُلِّ مسيحي لكي يؤدِّي لله تعالى ثمار أعماله الصالحة بسلوك الحياة الفاضلة, والأخلاق القويمة, والقيام بالواجبات الدينيَّة بدقَّةٍ وأمانة, طَوالَ أيَّام حياته.

    2- إنَّ من قام بواجباته الدينيَّة فأحبَّ الله حُبَّاً صادقاً, وخدم الكنيسة التي أسَّسها يسوع الخِدمة الصالحة, وآزر الآخرين المؤازرة الفعَّالة, لبَّى دعوة الله إلى الأمانة في استثمار كرْمه الروحي, ونال رضاه تعالى, وكانت له المكافأة السعيدة التي أعدَّها الله لكُلِّ من كان أميناً لـه في العمل الذي سلَّمه إيَّاه. وهذا ما أوضحه يسوع بجلاء في مثل الوزنات. فكافأ الملكُ العبدَ الصالح الذي استثمر الوزنات التي تسلَّمها من سيِّده.

قال لـه الملك: " أَحسنتَ  أيُّها  العبدُ الصالحُ  الأَمين. كُنتَ  أَميناً على  القليلِ  فسأُقيمكَ  على  الكثيرِ . أُدخُلْ  نعيمَ  سيِّدِكَ ." (متى 25/21) 

التطبيق العملي

    1- سلَّمك الله نفساً خالدة, وطلب منك أن تُقدِّم له ثمار أعمالك الصالحة بشجاعةٍ وإخلاص. فلا تَخُنِ الأمانة, ولا تتشبَّه برؤساء اليهود الخونة, ولا ترتكبْ الخطيئة لئلاَّ يكون مصيرك كمصيرهم. فقد رذلهم الله واستبدلهم بالرسل الأمناء.

    2- تذكَّر دوماً أنَّ المسيحي أمينٌ ليسوع في العمل الذي تسلَّمه منه. إنَّ الخيانة شرٌّ عظيم, رفضها جميع الشهداء ففضَّلوا العذاب والموت على أنْ يخونوا الربَّ يسوع. فاقتدِ بهؤلاء الشهداء الأبطال الذين حافظوا على الإيمان وسلَّموه إلينا نقيَّاً لا شائبةَ فيه.

    3- إنَّ الأمانة ليسوع ليست عملاً بشريَّاً محضاً. إنَّها ثمرة العبادة الحقَّة والحبِّ الصادق اللذين تتزيَّن بهما نفس الإنسان المسيحي.

فالدعوة إلى الأمانة التي يوجِّهُها إليك يسوع في هذا المثل هي في الواقع دعوة موجَّهةٌ إليك لتعبُد يسوع عِبادةً صادقة وتُحِبَّهُ حُبَّاً قلبيَّاً لا غشَّ فيه ولا تردُّد.



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +