Skip to Content

الأمثال في الكتاب المقدس - مثلا بناء البُرْج وخوض الحرب


مثلا بناء البُرْج وخوض الحرب

Click to view full size image

نصُّ الإنجيل

وكانتْ  جموعٌ  كثيرةٌ  تسيرُ  مَعَ  يسوع , فالتفتَ  وقالَ  لهُم : " مَنْ  أَتى  إِليَّ  ولَمْ  يُفضِّلْني  على  أَبيهِ  وأُمِّهِ  وامرأَتِهِ  وبَنيهِ  وإِخوتِهِ  وأَخواتِهِ , بلْ  على  نفسِهِ  أَيضاً ,  لا  يستطيعُ  أَنْ  يكونَ  لي  تلميذاً . ومَنْ  لمْ  يحمِلْ  صليبَهُ  ويتبَعْني  لا  يستطيعُ  أَنْ  يكونَ  لي  تلميذاً .

فمَنْ  مِنكُم , إِذا  أَرادَ  أَنْ  يَبنيَ  بُرجاً , لا  يجلِسُ  قَبْلَ  ذلكَ  ويَحسُبُ  النفقَةَ , ليرى  هَلْ  بإِمكانِهِ  أَنْ  يُتِمَّهُ , مخافةَ  أَنْ  يضعَ  الأَساسَ  ولا  يَقْدِرَ  على  الإتمام , فيأَخُذَ  جميعُ  الناظرينَ  إِليهِ  يسخَرونَ  مِنْهُ  ويقولون : هذا  الرجلُ  شرَعَ  في  بِناءٍ  ولم  يَقْدِرْ  على إِتمامِهِ . أَمْ  أيُّ  ملكٍ  يسيرُ  إلى مُحاربةِ  ملكٍ  آخَرَ , ولا  يجلِسُ  قبلَ  ذلك  فيُفكِّرُ  ليرى  هل  يستطيعُ  أَنْ  يُلاقيَ  بعشَرَةِ  آلافٍ  مَنْ  يزحَفُ  إِليهِ  بعشرينَ  أَلفاً ؟ وإلاَّ  أَرسَلَ  وفداً،  ما  دامَ  ذلكَ  الملكُ  بعيداً  عَنهُ , يسأَلُهُ  عنْ  شروطِ  الصُلح .

وهكذا  كُلُّ  واحدٍ  منكُم  لا  يتخلَّى  عَنْ  جَميعِ  أَموالِهِ  لا  يستطيعُ  أََنْ  يكونَ  لي  تلميذاً."         ( لوقا 14/25-33 )


الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذين المثلَيْن

    إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذين المثلَيْن هي أنَّ المسيحي لا يستطيع أن يُتَمِّمَ بناءَ بُرْج خلاصه الأبدي, ولا أن يحارب عدوَّه إبليس وينتصر عليه إذا اكتفى بعاطفة دينيَّة سطحيَّة تنهار تحت تأثير الصدمة الأولى, بل يجب عليه ليُصيب هذا الهدف الديني السامي أن يستند إلى غِنى يسوع وقوَّته الإلهيَّة, وإلى مساهمة إرادته الصامدة المصمِّمة على اتباع المعلِّم الإلهي, مهما كانت مطالبُهُ صعبةً وشاقَّة. وإليكم إيضاح هذه الفكرة.

العاطفة الدينيَّة السطحيَّة تنهار بسرعة

    رأى يسوع أنَّ كثيرين مِنَ الناس يواكِبونَهُ, تدفعهم إلى السير معه عاطفة الحماسة الدينيَّة السطحيَّة. فالتفت إليهم وقال لهم: " من أتى إليَّ ولم يتخلَّ عن أحبِّ الناس وأقربهم إليه, وحتى عن نفسه, ولم يحملْ صليبه ويتبعْني, فلا يمكن أن يكون لي تلميذاً " .

    بهذا الكلام الواضح القاطع حذَّرهم يسوع مِنَ الاكتفاء بالعاطفة الدينيَّة السطحيَّة غير المؤسَّسةِ فيهم على الإيمان الراسخ به والمحبَّة الصادقة له والإرادة الصامدة أمام الصعوبات, ذلك لأنَّ العاطفة وحدَها مؤقَّتة وضعيفة لا تلبث أن تنهار وتضمحلَّ أمام متطلَّبات يسوع الشاقَّة, فيتركونه نهائيَّاً وينقطعون عن السير معه, وعن سماع أقواله وتعاليمه, وتتلاشى فيهم كُلُّ علاقةٍ إيمانيَّةٍ به. وأراد يسوع أن يوضِّح فكرته فضرب لهم مثلَيْ بناء البُرْج وخوض الحرب.

بناء البُرْج وخوض الحرب

    شبَّه يسوع من يستسلم إلى العاطفة الدينيَّة السطحيَّة وحدَها برجُلٍ أخذ يبني بُرْجاً ولم يحسُب نفقة البناء. فما كادت جدران البُرْج ترتفع حتى توقَّف عن العمل لأنَّه استند إلى عاطفة الافتخار بقدرته الماليَّة الوهميَّة, ولم يستندْ إلى الطاقة الماليَّة الفعليَّة الضروريَّة لإتمام البناء.

    وشبَّهَهُ أيضاً بملكٍ أراد أن يُحارب ملكاً آخر بعشَرة آلاف جندي, مع أنَّ جيش الملك خصمه مؤلَّف من عشرين ألفاً. فلو أقدم على خوض المعركة ضدَّه مُستنداً إلى عاطفة الاعتزاز بجيشه الأضعف لوقع حتماً في الأسر وأضاع مملكته وفَقَدَ حياته.

    لذلك فمن أراد أن يبني بُرْجاً بكامله يجب عليه ألاَّ يكتفي بعاطفة الافتخار الوهميَّة, بل يجب أن تكون لدَيْه القدرةُ الماليَّة الحقيقيَّة. وكذلك الملك الذي يريد أن يحارب ملكاً آخر ويربح الحرب يجب عليه ألاَّ يكتفي بعاطفة الاعتزاز بجيشه الضعيف, بل يجب أن تكون لدَيْه الطاقةُ العسكريَّة المتفوِّقة.

    هكذا فإنَّ من أراد أن يتبع يسوع باستمرار طوالَ أيَّام حياته يجب ألاَّ يكتفي بعاطفة دينيَّة سطحيَّة تنهار أمام الصدمة الأولى, بل يجب أن تكون لدَيْه القدرةُ  الفعّالة التي تمكِّنه من تحقيق مطالب يسوع الثلاثة الصعبة. وهذه القدرة تأتيه من مؤآزرة الله, والإيمان بالمسيح, ومساهمة إرادته القويَّة المصمِّمة على اتباع يسوع. ومتى حقَّق مطالب يسوع الثلاثة استطاع أن يتمِّم بناء بُرْج خلاصه الأبدي, ويحارب عدوَّه إبليس وينتصر عليه.

مطالب يسوع الثلاثة الصعبة

    عندما نتحدَّث عن مطالب يسوع نتصوَّر أنَّه يريد منَّا أن نقوم بأعمال صالحة محدَّدة, كالصوم والصلاة والإحسان. إنَّ مطالبَ يسوع أعمقُ منها وأصعب. إنَّه يريد منَّا أن نتخلَّى عن ثلاثة أمور غالية الثمن, وهي أموالنا, وأقاربنا, وحياتنا نفسها. وإليكم إيضاح مطالب يسوع الثلاثة:

1- التخلِّي عن الأموال كلِّها

    من أراد أن يكون تلميذاً ليسوع يجب عليه أن يتخلَّى عن جميع أمواله: " هكذا  كُلُّ  واحدٍ  مِنكُم  لا  يتَخَلَّى  عنْ  جَميعِ  أَموالهِ  لا  يستطيعُ  أَنْ  يكونَ  لي  تلميذاً"
لا يطلب يسوع بهذا القول أن يكون تلميذه فقيراً مُعدماً يحتاج إلى لقمة العيش, بل يطلب منه ألاَّ يتعلَّق قلبه بحُبِّ المال, ولا يجعل المال إلَهاً يعبده من دون الله. فالله قد أعطانا المال لنعيش بكرامة, ونساعد الفقراء, ونعمِّم الخير في العالم, ونساهم في نشر ملكوت الله على الأرض فنؤازر الكنيسة ونساعد المرسَلين في العالم, وغير ذلك من الحاجات الإنسانيَّة والدينيَّة الضروريَّة.

2- التخلِّي عن قيود القرابة

    من أراد أن يكون تلميذاً ليسوع يجب عليه أن يتخلَّى عن قيود القرابة: " مَنْ  أَتى  إليَّ  ولَمْ  يُفَضِّلْني  على  أَبيهِ  وأُمِّهِ  وامرأَتِهِ  وبَنيهِ  وإِخوتِهِ  وأَخواتِهِ  لا  يستطيعُ  أَنْ يكونَ  لي  تلميذاً." لقد وجَّه يسوع هذا القول إلى فئتين من المسيحيين:

    فالفئة الأولى هي الفئة المختارة التي دعاها يسوع إلى أن تفضِّل الحياة معه على كلِّ قرابة. وهذه الفئة تتألَّف من مجموعة الرهبان والراهبات والمُرسَلين والمُرسَلات. إنَّهم يتركون بلادهم ووالديهم وإخوتهم وأخواتهم, ويمتنعون عن الزواج, ويعيشون كُليَّاً مع يسوع في الأديار وأماكن الإرساليّات, ويبشِّرون باسمه في كُلِّ قطرٍ من أقطار العالم أرسلتْهم إليه إرادتُهُ الإلهيَّة.

    والفئة الثانية تتألَّف من سائر المسيحيين الأتقياء المنتشرين في العالم. هؤلاء لا يتركون بيوتهم ولا أقاربهم, ولا يمتنعون عن الزواج, بل يتخلَّون عن كُلِّ ما تميل إليه الطبيعة البشريَّة من شهوات ورغبات وعلاقات خاطئة, فيعيشون مع يسوع عيشة الحُبِّ بصفاء, ويمارسون واجباتهم الدينيَّة بأمانة, وينصرفون إلى تحقيق مطالب المحبَّة الأخويَّة بصدق, ويقدِّمون للمسيح بكرم وسخاء أولادهم المدعوِّين إلى سلوك الحياة الكهنوتيَّة والحياة الرهبانيّة المكرَّسة, فيكون ليسوع في قلوبهم المقامُ الأوَّلُ حتى بالنسبة إلى أقرب أقاربهم.

3- التخلِّي عن الأنانيَّة الشخصيَّة

    من أراد أن يكون تلميذاً ليسوع يجب أن يتخلَّى عن أنانيَّته الشخصيَّة وحُبِّه المفرط لذاته, ويحمل صليبه كُلَّ يوم ويتبع يسوع: " مَنْ  أَتَى  إِلَيَّ  ولم  يُفَضِّلْني  على نَفسِهِ  ولمْ  يَحمِلْ  صليبَهُ  ويَتبعْني  لا  يستطيعُ  أَنْ  يكونَ  لي  تلميذاً."

    بهذا الكلام أراد يسوع أن يُقاوِمَ المسيحيُّون الإفراط في حُبِّ ذواتهم, ويتخلَّوا عن نزوات أنانيَّتهم الفرديَّة, ويسيطروا على عواطفهم الشخصيّة, ويفضِّلوا حبَّه ورغباته الروحيَّة على كُلِّ حُبٍّ ذاتي وكلِّ رغبةٍ شخصيَّة ماديّة, ويقبلوا من يده القدوسة كلَّ متاعب الحياة وصعوباتها وصُلبانها باستسلام كامل إلى إرادة الله تعالى.

البنَّاؤون المهرة والملوك الظافرون

    ومن هم هؤلاء البنَّاؤون المَهَرة والملوك الظافرون؟ إنّهم القدِّيسون. لقد فهموا أنَّهم لن ينالوا السعادة الأبديَّة المرجوَّة إلاَّ إذا بنَوا لأنفسهم بُرْج الخلاص, وخاضوا ضدَّ إبليس معركة النصر. وفهموا أيضاً أنَّهم لن يتمكَّنوا من بناء هذا البُرْج والانتصار في المعركة إلاَّ إذا تسلَّحوا بقدرة الربِّ يسوع الإلهيَّة. فإنَّهم بشرٌ ضِعاف, ومقدرتهم الشخصيَّة ضئيلة, وذخائِرَهم القتاليَّة محدودة جدَّاً. لذلك فإنَّهم يلجأون إلى الربِّ يسوع ليؤازرهم على إصابة هدفهم السامي. إنَّهم يُنفِّذون مطالب يسوع الثلاثة, فيتخلَّون عن أموال الدنيا الزائلة, وعن قيود القرابة البشريَّة, وعن كلِّ رغبةٍ أرضيَّة, فينالون المعونة المطلوبة, ويبنون بُرْج خلاصهم, وينتصرون على إبليس, ويهيِّئون أنفسهم لأن يكونوا من سكَّان السَماء ويتمتَّعوا يوماً ما بالمطلب الحقيقي الأسمى وهو يسوع نفسه.

يسوع هو المطلب الحقيقي الأسمى

1- إنَّ المسيحي الصادق لا يتخلَّى عن كُلِّ شيء في الدنيا إلاَّ ليحصل على يسوع نفسه ويتمتّع به مدى الأبد. فإنَّه اللُؤْلُؤَةُ الثمينة والكنزُ الحقيقي والمطلب الأسمى.
2- وكذلك فإنَّه لا يبدأ بناء البُرْج المؤدِّي إلى السماء, ثمَّ يتوقَّف عن ضجرٍ أو عجزٍ أو عدمِ حكمةٍ روحيَّة, ولا يُقدِم على محاربة عدوِّه إبليس من دون أن يُقدِّر سلطته وقوَّته الشيطانيَّة, بل يتمسَّك بشخص يسوع وقدرته الفائقة, ويسأله مؤازرة نعمته الإلهيَّة, ويبدي استعداده لأن يضحِّي في سبيل الحصول عليه بكُلِّ شيء في هذه الحياة ليكون قويَّاً بقوَّة يسوع, وعندئذِ يستطيع أن يُتِمَّ بناء بُرْج خلاصه, ويتغلَّب على إبليس عدوِّه, ويحظى بيسوع نفسِهِ مطلبِهِ الأسمى ومصدر سعادته الأبديَّة.

التطبيق العملي

1- يطلب منك يسوع أن تقوم بالجهاد الروحي المتواصل وتتبعه باستمرار. فلبِّ طلبه بإرادةٍ حازمة متوكِّلاً على نعمة الله. ولا يكُنِ المالُ أو ميلُ الطبيعة البشريَّة أو حبُّ الذات المفرط عائِقاً يمنعُك من تحقيق ما يريده منك.

 2- وإذا دعاك يسوع إلى تبنِّي الحياة الكهنوتيَّة أو الحياة الرهبانيَّة المكرَّسة, أو حياة الخدمة الرسوليَّة, فلا ترفضْ هذه الدعوة السامية, ولا يكُنْ تعلُّقك بأهلك حاجِزاً ينتصب بينك وبين دعوته لك.

3- ولا تنطوِ أبداً على ذاتِك تحت تأثير الأنانيَّة, بل افتحْ قلبك لكُلِّ نداء يوجِّهه إليك يسوع صديقك المُخْلص. وتحمَّلْ كُلَّ مشقَّة وتعب في سبيل تحقيق رغباته فيك.



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +