Skip to Content

الأمثال في الكتاب المقدس - مثل الأمناء


مثل الأمناء

Click to view full size image

نصُّ الإنجيل

ذهبَ  رجُلٌ  شريفُ  النَسَبِ  إلى  بلدٍ  بعيدٍ  ليحصُل  على  المُلْكِ  ثمَّ  يعود.  فدعا  عَشَرَةَ  خُدَّامٍ  لَهُ , وأَعطاهُم  عَشَرَةَ  أَمناء . وقالَ  لهُم : " تاجِروا  بِها  إلى  أَنْ  أَعود ."  وكانَ  أَهلُ  بلدِهِ  يُبغِضونَهُ , فأَرسلوا  وَفْداً  في  إِثْرِهِ  يقولونَ :        " لا  نُريدُ  هذا  ملِكاً    علينا ."  فلمَّا  رَجَعَ , بعدما  حَصَلَ  على  المُلْكِ , أَمرَ  بأَن  يُدعى  الخَدَمُ  الذينَ  أَعطاهُم  المالَ , ليعلَمَ  مكْسَبَ  كُلٍّ  مِنهُم . فمَثَلَ  الأَوَّلُ  أَمامَهُ  وقالَ : " يا  مولايَ , رَبِحَ  مَنَاكَ  عشَرَةَ  أَمناء ."  فقالَ  لهُ : " أَحسَنتَ  أَيُّها  الخادِمُ  الصالِح . كُنتَ  أَميناً  على  القليل , فليكُنْ  لكَ  السُلطانُ  على  عَشْرِ  مُدُن."  وجاءَ  الثاني  فقالَ : " يا  مولايَ , ربِحَ  مَنَاكَ  خمْسةَ  أَمناء ." فقالَ  لهذا أيضاً: " وأنتَ كُنْ على خَمْسِ مُدُن ." وجاءَ  الآخَرُ  فقال : " يا  مولايَ , هُوَذا  مَنَاكَ  قد  حَفِظتُهُ  في  مِنْديلٍ , لأَنِّي  خِفتُكَ , فأَنتَ  رجُلٌ  شديدٌ  تأْخُذُ  ما  لم  تستودِعْ  وتحصُدُ  ما  لم  تزرَعْ ." فقالَ لهُ : " بكلامِ  فمِكَ  أَدينُكَ  أَيُّها  الخادِمُ  الشرِّير . عَرَفتَني  رَجُلاً  شديداً , آخُذُ  ما  لم  أَستودِعْ , وأَحصُدُ  ما  لم  أَزرعْ . فلِماذا  لم  تَضَعْ  مالي  في  بعضِ  المصارِفِ ؟ وكُنْتُ  في  عودَتي  أَسترُدُّهُ  مع  الفائِدة ." 

ثمَّ  قالَ  للحاضرين : " خذُوا  مِنهُ  المَنا  وأَعطوهُ  صاحِبَ  الأَمناءِ  العَشَرة ."  فقالوا  لهُ : " يا  مولانا , عِندَهُ  عَشَرَةُ  أَمناء ." أَقولُ  لكُم : " كُلُّ  مَنْ  كانَ  لهُ  شيءٌٌ  يُعطى . ومنْ  ليسَ  لهُ  شيءٌ , يُنتَزَعُ  مِنهُ  حتَّى  الذي  لهُ . أَمَّا  أَعدائي  أُولئكَ  الذين  لم  يُريدوني  مَلِكاً  عليهم , فأْتوا  بهم  إلى  هُنا , واضرِبوا أَعناقهُم  أَمامي ."

( لوقا 19/12-27 )

الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل  

إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل الذي يُشبه مثل الوزنات  هي أنَّ الناس اليوم, بالنسبة إلى نشر ملكوت يسوع وتوطيده في العالم الحاضر, ثلاث فئات: فئة تُعادي يسوع وتسعى إلى إزالة ملكوته, وفئة تُناصره وتُجاهد في نشر اسمه في العالم, وفئة لا تُبالي به ولا تهتمُّ بتحقيق مطالبه.

فعندما يعود يسوع إلى الأرض  كما عاد الملك إلى بلده في يوم الدينونة العامَّة, ويُحاسب الجميع على أعمالهم, يقضي على أعدائه الكفرة بالهلاك الأبدي, ويُكافئ مُناصريه المؤمنين بالسعادة الأبديَّة, ويجعل اللاّمبالين به وبمطالبه خارجَ الملكوت السماوي. وإليكم إيضاح هذه الفكرة

من هذا الرجل الشريف النسَب؟

من قرأ هذا المثل وكان مطَّلعاً على تفاصيل تاريخ الملوك في أيَّام السيِّد المسيح, تبادر إلى ذهنه أنَّ يسوع كان يشير إلى أحداثٍ سياسيَّة جرت في زمنه.

فالرجل الشريف النسَب هو أركيلاوس بن هيرودس الكبير, أو هيرودس أنتيباس أخوه, وقد ذهب كِلاهُما, الواحد بعد الآخر, إلى رومة وتسلَّما المُلْكَ من الأمبراطور الروماني. إنَّنا لا نستبعد أن يكون سَفَرُ أحَدِ  هذين المَلِكَين إلى رومة قد أوحى إلى يسوع فكرة ضرب مَثَلِ الأمناء.

الرجل الشريف النسب هو يسوع نفسه

1- لم يتدخَّل يسوع قطّ في سياسة بلاده ولم يشأ أن يصف في مثله تصرُّف هذا الملك أو ذاك, خشيةَ أن يُنسب إليه موقفٌ سياسيٌّ معيَّن. فقد كان يرفض رفضاً قاطعاً أن يعتبره الناس مسيحاً سياسيَّاً تنحصر مَهَمَّتُهُ الأساسيَّة في محاربة الرومانيين المُستعمِرين, وطردهم من البلاد, وإعادة السلطة السياسيَّة إلى دولة إسرائيل. ولذلك فإنَّ لمثل الأمناء بُعداً روحيَّاً محضاً قد أراده يسوع, ولم يكن له أيُّ ارتباط بالناحية الأرضيَّة أو بالاتِّجاه السياسي الخاصّ ببلاده.

 2- ولم يتحدَّث يسوع إلاَّ عن نفسه. فالرجل الشريف النسَب هو يسوع نفسُهُ. لقد اتَّخذ المُلْكَ من أبيه السماوي وأصبح مَلِكاً حقيقيَّاً. ولكنَّ مُلْكَهُ ليس مُلكاً أرضيَّاً, بل مُلْكَاً روحيَّاً. قال لبِيلاطس: " إنَّ  مملكتي  ليسَتْ  مِنْ  هذا  العالم ." (يوحنا 18/36).

    إنَّه ملكٌ روحيٌّ تمتدُّ مملكته لا على بقعةٍ محدَّدةٍ من الأرض, بل تشمل الكون كلَّه. وهو يملك على قلوب المؤمنين لا بقوَّة السلاح, بل بالرضى الشخصي, أيْ بالإيمان به والمحبَّة له والفرح الداخلي الذي يشعر به كلُّ من يعيش تحت لوائه السماوي.

Click to view full size image

موقف الناس من الرجل الشريف النسَب

ذكر المثل أنَّ الرجل الشريف النسَب دعا قَبْلَ أن يُسافر إلى بلدٍ بعيد لينال المُلك, عشَرَةً مِنْ خُدَّامه, وسلَّم كُلَّ واحدٍ منهم مَنَا واحداً وطلب منه أن يُتاجر به إلى أن يعود. والمَنَا كميَّة زهيدة من المال, تقلُّ قيمته عن عشرين دولاراً.

ففي أثناء سفره الطويل اتَّخذ الناس منه ثلاثة مواقف متباينة:

كان الموقف الأوَّل عدائيَّاً. لقد أرسل أعداؤه وفداً في إثْرِه يقول لإمبراطور رومة:" لا نُريد هذا مَلِكاً علينا ". فخذلهم الإمبراطور ونصَّبه ملِكاً, ولم يأبه لاحتجاجهم ومعارضتهم.

وكان الموقف الثاني أميناً ومُخلِصاً. لقد تاجر الخادِم الأوَّل بالمَنَا الذي تسلَّمه وربح عشرة أمناء. وكذلك الخادِم الثاني ربِح مَنَاه خمسة أمناء. وسلَّم كلٌّ منهما رِبحَهُ إلى الملك.

وكان الموقف الثالث متخاذلاً ووقحاً. فالخادِم الثالث لم يُتاجر بالمَنَا, بل لفَّه بمنديل وانتظر عودة سيِّده ليعيده إليه من دون أن يجهد نفسه ويُحقِّق الربح. ولمَّا حاسبه الملك عن تصرُّفه دفعته وقاحتُهُ إلى انتقاد سلوك سيِّده, وادَّعى أنَّه لم يتسلَّم منه الرأسمال الضروري الذي يؤمِّن له إمكانيَّة العمل. فنال جزاء تخاذله ووقاحته.

موقف الناس من يسوع الملك

إنَّ هذه المواقف الثلاثة نفسها قد اتَّخذها الناس  ولا يزالون يتَّخذونها من يسوع الملك.

1- الموقف العدائي: وقف رؤساء اليهود من يسوع موقفاً عدائيَّاً. فقد رفضوا الإيمان به, وقاوموا تعليمه, وائْتمروا عليه وصلبوه.

إنَّ هذا الموقف العدائي يتَّخذه في كلِّ جيلٍ وفي كلِّ بلد المُلحدون والكُفَّار والأشرار المتمسِّكون بشرِّهم. إنَّهم يرفضون يسوع رفضاً قاطِعاً, ويريدون إزالته عن الوجود, ويسعون إلى إبادة كنيسته من هذا العالم.

 2- الموقف الأمين المُخلص: إنَّ هذا الموقف قد وقفه رسل يسوع الأوفياء, ويتَّخذه المسيحيُّون الأتقياء, والمُرسَلون النشيطون الذين يعملون من دون هوادة على نشر اسمه وكنيسته في العالم, فيضحُّون براحتهم وصحَّتهم, وأحياناً بحياتهم, في سبيل هداية الناس وفتح باب ملكوته السعيد في وجوههم.

   3- الموقف المتخاذل الوقح: إنَّ هذا الموقف يَقِفُهُ المسيحيُّون الخاطئون الذين يستسلمون إلى اللاّمبالاة وعدم القيام بواجباتهم الدينيَّة عن تهاملٍ وكسل, ويعيشون في الخطيئة, وينتقدون تدبير الله وحكمته انتقاداً مرّاً.

فيدَّعون أنَّ الله يُهملهم ولا يُساند أعمالهم الشخصيّة بأيَّة مؤازرةٍ فعليَّة. ولذلك فإنَّهم يقضون حياتهم وكأنَّهم غيرُ مسيحيين, فلا يعبأون بتحقيق مطالب يسوع في مجالات الإيمان وعمل الخير والممارسة الدينيَّة واستثمار مواهبهم الروحيَّة في سبيل تمجيد اسمه ونشر ملكوته.

الملك يُكافئ ويُعاقب

عاد الملك إلى مملكته بعد سفره الطويل ودعا خُدَّامه وحاسبهم. فكافأ الخادِمَيْن الأوَّل والثاني مكافأةً رفيعةَ المقام. فنصَّب الأوَّل والياً على عشْر مدن, ونصَّب الثاني على خمْس مدن.

أمَّا الخادم الثالث المتخاذل والوقح فاسترجع منه المَنَا الذي سلَّمه إيَّاه, وأعطاه للعبد الأمين المُخلص صاحب الأمناء العشَرة, ثمَّ عاقبه. ولم يكتفِ بأنَّه لم يُسنِد إليه أيَّة مَهَمَّةٍ جديدة في الدولة, بل نزع عنه كُلَّ ما كان يملكه من مال أو يتصوَّر أنَّه يملكه, حتى إنَّه أصبح فارغ اليدَيْن تماماً أمام سيِّده.

وأمَّا الأعداء الذين رفضوا أن يملك عليهم فأنزل بهم حُكم الإعدام. وكان هذا الحُكم شديداً للغاية حتّى إِنَّه أمر بأن يُنفَّذ  فيهم فوراً وفي حضرته.

يسوع الملك يُكافئ ويُعاقب

سيعود يسوع الملك إلى الأرض عند انقضاء الدهر كما عاد الملك من سفره, ويُحاسب الناس على مواقفهم وأعمالهم كما حاسب الملك خُدَّامه وأعداءه.

 1- فمن كانوا أُمَنَاء له وقاموا بواجباتهم الدينيَّة بإخلاصٍ وتضحية ومحبَّة, واستثمروا نِعَم الله في سبيل تقديس نفوسهم ونفوس الآخرين وتوطيد مُلكِهِ في العالم, كافأهم المكافأة السنيَّة في ملكوت السماء, وأشركهم معه في ملكه الأبدي, فأصبحوا على مثاله ملوكاً:

" أَنتُم  الذين  تَبعتموني  في  عهدِ  التجديد , متى  جلَسَ  ابنُ  الإِنسانِ على عرْشِ مجْدِه , تجلِسونَ أَنتُم أَيضاً على اثنَيْ عشَرَ عرشاً , وتَدينونَ أَسباطَ إِسرائيل  الإِثنَيْ عَشَر ."

( متى 19/28 ).

 2- ومن كانوا متخاذلين ولم يقوموا بواجباتهم الدينيَّة, ولم يستثمروا مواهب الله, وعاشوا حياة الخمول والإهمال والخطيئة مُدَّعين أنَّ الله لا يُساندهم بمؤازرته نَزَعَ عنهم النعمة الإلهيَّة التي تؤهِّلهم للدخول إلى ملكوت السماء وجعلهم خارج الملكوت، وقال لهم ما قاله للعذارى الجاهلات المتوانيات اللواتي لم يستقبلن العريس: " الحقَّ  أَقولُ لكُنَّ إِنِّي لا أَعرِفُكُنَّ ."

(متى 25/11)

3- وأمَّا من أظهروا له العداوة في  تصرّفهم وسلوكهم, بالإلحاد المتجبِّر أو التمسُّك بالمعاصي, فإنَّه يُعاقبهم  كما عاقب الملك أعداءه أشدَّ العقاب في يوم الدينونة ويقول لهم:  " إِذهَبوا عنِّي يا ملاعِينُ إلى النارِ الأَبديَّة ."

( متى 25/41)

التطبيق العملي

   1- يسوع ملكنا يطلب منَّا أن نتاجر بموهبة النعمة التي منحنا إيَّاها. وأجدى وسيلة للتجارة بها ممارسةُ المحبَّة. فالمسيحي الذي يعيش حياة المحبَّة هو الخادم الأمين ليسوع الملك. فكن خادماً أميناً ليسوع في إظهار محبَّتك لله وللآخرين.
 2- لقد وعدت يسوع يومَ معموديَّتك  بوساطة العرَّاب  بأن تناصر يسوع وتعمل على نشر ملكوته, وقد أصبحت اليوم واعياً, فلا تتراجعْ عن وعدك, وجاهدْ في سبيل اسم يسوع تنَلْ المكافأة الجزيلة الثمن, وهي مكافأة أبديَّة.

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +