Skip to Content

الأمثال في الكتاب المقدس - مثل الفريسي و العشار


مثل الفرِّيسي و العشَّار

نصُّ الإنجيل

 

ضربَ  يسوع  هذا  المثل : صعِدَ  رجلانِ  إلى الهيكلِ  ليُصلِّيا , أَحدُهما  فرِّيسي  والآخرُ  عشَّار . فانتصبَ  الفرِّيسي  قائِماً  يُصلِّي  فيقولُ  في  نفسِهِ :    

" اللَّهُمَّ , شُكراً  لكَ  لأَنِّي  لسْتُ  كسائِرِ  الناسِ  السرَّاقينَ  الظالمينَ  الفاسقين , ولا  مِثْلَ  هذا  العشَّار . إنِّي  أَصومُ  مرَّتَيْنِ  في  الأُسبوع , وأُؤَدِّي  عُشْرَ  كُلِّ  ما  أَقتَني ." 

أَمَّا  العشَّارُ  فوقفَ  بعيداً  لا  يُريدُ  أَنْ  يرفعَ  عينَيْهِ  إلى السماء , بلْ  كانَ  يَقرَعُ  صَدْرَهُ  ويقولُ : " اللَّهُمَّ  ارحمْني  أَنا الخاطئ ."  أَقولُ  لكُم  إِنَّ  هذا  نَزَلَ  إلى بيتِهِ  مَبْروراً . وأَمَّا  ذاك  فلا . فكلُّ مَنْ  رَفَعَ  نفسَهُ  وُضِع , ومَنْ  وَضَعَ  نفسَهُ  رُفِع . ( لوقا 18/10-14 )


الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل

إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ الصلاة المقترنة بالكبرياء والتعالي ومدح الذات واحتقار الآخرين غيرُ مقبولة عند الله, ولا تأتي لصاحبها بأيَّة فائدة روحيَّة.

إنَّ الصلاة التي تُبرِّر المُصلِّي هي الصلاة الموصوفة بالتواضع والتوبة وطلب الرحمة ومغفِرة الذنوب. وإليكم إيضاح هذه الفكرة.

من الفرِّيسي؟

    إنَّ كلمة "فرِّيسي" كلمة عبريَّة تعني "المُعتزل" و"المُبتعد" عن الخطأة. فالفرِّيسي رجلٌ يهودي ينتسب إلى جماعةٍ متطرِّفة تتبع مذهباً دينيَّاً مُتشدِّداً وتفرض على أعضائها أن يعتزلوا عن الناس الذين تعتبرهم خطأة, وتدعوهم إلى التمسُّك التامّ بأحكام الشريعة الموسويَّة وبفرائض سُنَّة الأقدمين, كالوضوء الكثير, وغسل الأسرَّة, والامتناع كُليَّاً عن العمل في يوم السبت, وأداء عُشْر دخلهم إلى الهيكل, والامتناع عن تناول بعض اللحوم النجسة، وغير ذلك من الأعمال التي تصفها بالتديُّن.

اضغط لعرض الصورة بالحجم الكامل

ومن العشَّار؟

    العشَّار هو الجابي اليهودي الذي كان يجبي من أبناء وطنه العُشْرَ, أيْ الضرائبَ والرسومَ المقدَّرة بعُشْرِ دخلهم. لقد كان اليهود يكرهون العشَّارين لأنَّهم كانوا يتعاونون مع السلطة الرومانيَّة المُستَعمِرة,

ويفرضون على الناس ضرائِبَ أكثر مِمَّا يجب عليهم, فيدفعون منها مبلغاً محدَّداً إلى الدولة الرومانيَّة ويحتفظون بالباقي لأنفُسهم, فيجمعون من جرَّاء ذلك أموالاً طائِلة. ولذلك فإنَّ كلمة "عشَّار" كانت عند الشعب اليهودي مرادفة لكلمة "خاطئ" أيْ لصّ وخائن.


اعتداد الفرِّيسي وكبرياؤُه

    لمَّا كان الفرِّيسي يحافظ بدقَّة فائقة على شريعة موسى وعلى الفرائض الدينيَّة الموروثة عن الأقدمين, فقد أخذ يشعر في نفسه شعوراً عميقاً بأنَّه إنسانٌ بارّ وقدِّيس, وبأنَّه يعيش في جوٍّ دينيٍّ صافٍ أسمى بما لا يُقاس من الجوِّ الدينيِّ المُتدنِّي الذي كان ينغمس فيه سائر الناس, ولا سيَّما من كان منهم عشَّاراً.

    إنَّ هذا الشعور الداخلي بالقداسة الفائقة قد جعله يعتدُّ بنفسه حتى أمام الله وهو يصلِّي في الهيكل, ويفتخر بتقواه, ويعدِّد بالتفصيل أعماله الصالحة, ويقيم المقارنة بينه وبين سائر الناس. لقد ارتكب الفرِّيسي خطأَيْن كبيرَيْن في صلاته أمام الله:


الخطأ الأوَّل هو أنَّه استسلم إلى الكبرياء

    استسلم إلى خطيئة الكبرياء فمدح نفسه ولم يذكر خطاياه, بل شكر لله أنَّه في سلوكه الدينيّ والخُلُقيّ أفضل من سائر الناس. وقد بلغ شأواً بعيداً من البِرِّ والقداسة حتى أصبحت حياته نموذجاً ومثالاً للتقوى وحفظ الشريعة وتتميم الفرائض الموروثة.


الخطأ الثاني هو أنَّه قابل نفسه بالآخرين

    والخطأ الثاني الذي ارتكبه هو أنَّه أقام مقابلةً بينه وبين سائر الناس. فَهُمْ على خلاف ما هو عليه من التقوى والعدل وحفظ الوصايا. إنَّهم لصوص وظالمون وفاسقون, ومن أقبحهم العشَّار اللصّ الواقف عند باب الهيكل. إنَّ هذا الفرِّيسي لم يعرف معنى الصلاة الحقيقيَّة. فهو لم يطلب نعمة الثبات على التقوى وحُبِّ الفضيلة, بل اعتبر نفسه مصدر التقوى والقداسة, فلا يحتاج إلى أيَّة نعمة سماويَّة ترفعه إلى مستوى روحي أعلى ممَّا هو عليه.

إنَّ اعتداده بنفسه دفعه إلى مثل هذه الكبرياء الفاحشة فخرج من الهيكل ولم ينل مغفِرة خطاياه, ولم يحظَ بالبرارة الداخليَّة الحقَّة.


كبرياء بعض المسيحيين

    إنَّ هذا الموقف المتَّصف بالكبرياء والتعالي على الآخرين يَقِفُهُ اليومَ بعضُ المسيحيين المتكبِّرين الذين يعتدُّون بتقواهم وسيرتهم الصالحة ومحافظتهم المُثلى على وصايا الله ووصايا الكنيسة, ولا يهدأون عن التشهير بالناس, فيصفونهم بأنَّهم مصدر الشرّ, وأعوان إبليس, ومنبع الخطايا والشكوك والعثرات.

    إنَّهم يعتبرون أنفسهم, كالفرِّيسي المُتكبِّر, مثال الكمال الروحي, فلا يحتاجون إلى نعمة الله للثبات على التقوى وممارسة الواجبات الدينيَّة, ولا يرفعون إلى الله الضراعة لطلب الرحمة ومغفِرة خطاياهُم.

إنَّ الكبرياء هي خطيئةُ الشيطان التي فتحت في وجهه باب جهنَّم, وخطيئةُ آدم التي أغلقت أمامه باب السعادة السماويَّة.

اضغط لعرض الصورة بالحجم الكامل


تواضع العشّار وتوبته

    لقد اعترف العشَّار أمام الله, في موقفٍ متواضع بليغ, بأنَّه إنسان خاطئ وطلب منه الرحمة: " اللهُمَّ ارحمني أنا الخاطئ". وهذا ما دفعه إلى التوبة, فغفر له الله خطاياه, فخرج من الهيكل مبرَّراً وقد زالت عنه خطاياه كلُّها.


صلاة العشَّار قدوة لنا

إنَّ صلاة العشَّار التائب المتواضع تُبيّن لنا أنَّ علينا ثلاثة واجبات:

 1- الواجب الأوَّل أن نعترف بأنَّنا خطأة, وبأنَّ خطايانا قد أهانت جلال الله غير المحدود, وجعلتنا ننسى ما قاساه يسوع من عذابات حتّى الموت على الصليب في سبيل خلاصنا الأبدي.


 2- الواجب الثاني أن نسأل رحمة الله وعطفه ونعمته بتواضعٍ وإلحاح لنتوب إليه تعالى التوبة الصادقة ونحصل على نعمة البرارة التي تُقدِّس حياتنا أمام عينَيْهِ.


 3- الواجب الثالث أن نساهم بعزيمة إرادتنا مع نعمة الله لنتمكَّن من أن نسلُك طريق حياة جديدة تنتعش دوماً بممارسة الفضائل المسيحيَّة والأخلاق الصالحة لنخلع "الإنسان القديم ونلبس الإنسان الجديد" كما علَّمنا ذلك بولس الرسول. (أفسس 4/22-24)


التطبيق العملي

 1- تذكَّر دوماً ما قالته مريم العذراء في نشيدها لمَّا دخلت بيت أليصابات:" إنّ الرب القدير حطَّ المتكبِّرين ورفع المتواضعين ". فتواضعْ أمام الله, ولا تعتبرْ نفسك خيراً من غيرك, ولا تنتقدْ سلوك الآخرين بأقوالٍ جارحة أو بمقارنةٍ داخليَّة بينك وبينهم لئلاَّ تكون على مثال الفرِّيسي المتكبِّر.


 2- ولا تنسَ أنَّ هدفَ الصلاة تمجيدُ الله وشكره تعالى. فمتى دخلت الكنيسة لتصلِّي, فلا تعملْ كما عمل الفرِّيسي المتكبِّر, بل اسجدْ لله سجوداً عميقاً واشكرْ له بعواطف الإيمان والمحبَّة وعرفان الجميل كُلَّ نعمة منحك إيَّاها.


 3- واذكرْ, وأنت في الكنيسة, الموقفَ الصحيح الذي وَقَفَهُ العشَّار. فقد سأل الله بتواضعٍ عميق أن يغفِر لـه خطاياه. فاطلبْ إلى الله, وأنت في بيته المقدَّس, أن يغفر لك خطاياك, ويزيد فيك النعمة المقدِّسة ويجعلها تتلألأ في قلبك تحت نظر الله تعالى.

وأفضل طريقة روحيَّة لتقتدي بسلوك العشّار أمام الله هي أن تسعى دوماً إلى أن تعيش مع يسوع عيشة الاتِّحاد العميق. إنَّ هذا الاتِّحاد ينقِّي عواطف قلبك, فتفهمُ بعمق ما ذكره في التطويبات الإنجيليَّة,

وتعيشُ هذه التطويبات التي تشيد بالتواضع, والوداعة, ونقاء القلب, وبالجوع والعطش إلى حياة القداسة التي دعانا إليها يسوع, وهدفُهُ أن يقودنا إلى تمجيد أبيه السماوي.



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +