Skip to Content

الأمثال في الكتاب المقدس - مثل الزارع


مثل  الزارع

Click to view full size image 

(تعليمي)

نصُّ الإنجيل

هُوَذا  الزارعُ  قدْ  خرَجَ  لِيزْرَعَ. وَبَيْنَما  هُوَ  يَزرَعُ  وَقََعَ  بعضُ  الحَبِّ على جانِبِ  الطريق . فجاءَتِ  الطيورُ  فالتَقَطتْهُ . ووَقَعَ  بعضُهُ  الآخرُ  على أَرضٍ  رَقيقةِ  التُرابِ, فنَبتَ  مِنْ  وقتِهِ  لأَنَّ  ترابَهُ  لم  يَكُنْ  عميقاً . فلمَّا  أَشرَقتِ  الشمسُ  احتَرَق, ولم  يَكُنْ لهُ  أَصْلٌ  فيَبِس.

ومِنهُ  ما  وَقَعَ  على الشَّوْكِ  فارتَفعَ  الشَّوْكُ  فخَنَقَهُ. ومِنهُ  ما  وَقَعَ  على الأَرضِ  الطيِّبَةِ. فأَعطى  بَعضُهُ  مِئةً, وبَعضُهُ  سِتّين,  وبَعضُهُ  ثلاثين.

(متى 13/3-9)

الفكرة الأساسَّية الواردة في هذا المثل 

إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ يسوع ابن الله يزرع كلام الله في قلب الإنسان كما يزرع الزارعُ الحَبَّ  في قلب الأرض. وكما أنَّ الأرض على أنواع مختلفة, فكذلك قلبُ الإنسان. فهناك القلبُ الطائش, والقلبُ السطحي, والقلبُ المختنق بهموم الحياة الدنيا, والقلبُ الطيِّب.

وهذا القلبُ الطيِّب يثمر وحدَهُ ثماراً تدوم للحياة الأبديَّة. ولكن هذه الثمار ليست كلُّها على قدْر واحد,ٍ بل متفاوتة الكميَّة. وإليكم إيضاح هذه الفكرة.

الزارع هو يسوع نفسُهُ

جاء يسوع إلى الأرض ليفتدي الناس ويعلِّمهم التعليم الديني القويم وينشر في العالم ملكوت الله. فكان يتجوَّل في أرض فلسطين, ويزرع كلام الله في قلوبهم مِثْلَ الزارع الذي يتجوَّل في حقله وهو يزرع الحَبَّ في قلب الأرض.

وما هو الكلام الذي يزرعه يسوع في قلب الإنسان؟ إنَّه على نوعَيْن وهما : كلامُ الله الموحى إلى البشريَّة كلِّها, وكلامُ الله الخاصُّ الموجَّه إلى المسيحي الفرد.

الزرع هو كلام الله الموحى إلى البشريَّة كلِّها

الزرع هو الكلام الذي أوحاه الله إلى البشريَّة كلِّها بوساطة الأنبياء القدِّيسين, ثمَّ بوساطة ابنه الأوحد يسوع المسيح, وهو مكتوبٌ في الكتب المقدَّسة, ولا سيَّما في الأنَاجيل الأربعة التي كتَبها الإنجيليُّون متَّى ومرقس ولوقا ويوحنَّا, وفي الرسائل الإحدى والعشرين التي كتبها الرسل القدِّيسون, وأشهرُها رسائل بولس الرسول إلى المسيحيين الأوَّلين. وقد تسلَّمت الكنيسةُ كلام الله الموحى, وهي تحافظ عليه بكلِّ عناية و دقَّة وأَمانة, وتنشره في العالم بين الناس ليهتدوا به إلى الإيمان القويم.

إن هذا الكلام الموحى إلى البشرية يزرعُهُ يسوع في قلب الإنسان. 

الزرع هو كلام الله الخاصُّ بالفرد

لا يكتفي يسوع بأن يزرع في قلوبنا الكلام الذي أوحاه الله إلى البشرية كلها، بل يزرع أيضاً في قلب كلّ واحد منّا بمفرده كلاماً  خاصَّاً به يناسب وضعه الديني وحاجته الروحيَّة. ويستخدم يسوع ليزرع هذا الكلام  طُرُقاً وأساليبَ متعدِّدة، منها:

 - إنَّه يهمِس في قلبه فكرةً روحيَّةً صالحة هَمْساً داخليَّاً لطيفاً ليبعدَه في أثناء التجربة عن الشرِّ وارتكاب الخطيئة, ويقودَه إلى عمل الخير وممارسة الفضيلة. ونسمّي هذا الهَمْس الداخلي "صوت الضمير" وهو في الحقيقة صوت يسوع الإله فيه.

 - إنَّه يقدِّم له نصيحةً روحيَّةً ملائمة بوساطة إرشاد  والد تقيّ, أو توجيه كاهن فاضل, أو قول صَديق مُخْلص. وهذه النصيحة تردُّه عن الشرّ, وتقوِّي فيه الإيمان, وتقوِّم لدَيْه الأخلاق, وتدفعه إلى أن يعيش وَفْقَ أوامر الله ووصاياه.

- وإنَّه يهيِّئ له الإطلاع على قدوة صالحـة تظهر في سلوك صديـق  أمين,     فتكون لـه هذه القدوة مثلاًً ونوراً وهدايةً في حياته الروحيَّة, وتحمله على أن يرتدع عن الخطيئة و يسير في طريق الخير والفضيلة والطاعة لإرادة الله تعالى.

 - وإنَّه يسمح أحياناً بأن تنتابَهُ مِحنةٌ جسديَّة أو ماديَّة أو روحيَّة فتهزُّه هزَّاً روحيَّاً قويَّاً وتُعيده إلى طريق الصواب في تفكيره الديني وتصرُّفاته الخُلُقيَّة.

وهناك أساليب أخرى خفيَّة لا حصر لها يكلِّم يسوع بها المسيحي ليوطِّد في قلبه الإيمان, وينعش في نفسه حُبَّ الفضيلة, ويحبِّب إليه الإقبال على الأعمال الصالحة. وهذا الكلام الخاصّ بالفرد هو كلام الله بالمعنى المجازي لا المعنى الحصري.

Click to view full size image

لأرض هي قلب الإنسان

إنَّ الأرض التي يقع فيها كلام الله هي قلب الإنسان. وهناك مجموعتان من القلوب

المجموعة الأُولى: تتألَّف المجموعة الأُولى من القلب الطائش, والقلب السطحي, والقلب المختنق بهموم الحياة الدنيا. وإليكم كلمة على كلٍّ من هذه القلوب:

1- القلب الطائش

    إنَّ جانب الطريق الذي وقع فيه بعضُ الحَبِّ وأكلته الطيور هو القلب الطائش. إنَّه قلب المسيحي الذي يسمع من يسوع في الإنجيل  كلام الله ولكنّه لا يفكِّر فيه ولا يتأمَّل في معانيه, بل يعيش لاهياً عنه, وعن واجباته الروحيَّة, وعن آخرته الأبديَّة.

    إنَّ هذا الطيش الروحي يفسح للشيطان المجال لأن يهبِط على هذا القلب, فيلتقط ما قد زُرع فيه من إيمان وأخلاق وعادات قويمة, فتنقلب حياة الإنسان الطائش فارغةً دينيَّاً, بل ملوَّثةً بالخطايا, فلا يحمل معه إلى الأبديَّة أيَّ عمل صالح يشفع فيه يومَ الدينونة.

2- القلب السطحي

    إنَّ الأرض الحَجِرة التي وقع فيها بعضُ الحَب ِّ فنما  بسرعة ثم  يَبِس  هي  القلبُ السطحي. إنَّ هذا القلب يشبه الأرضَ التي ينتشر على وجهها ترابٌ رقيق يخفي تحته الصخرَ القاسي, فلا تتعمَّق في هذا القلب أقوال الله, لأنَّها تصطدم بقساوته وجفافه فلا تنمو روحيَّاً, بل تيبَس بسرعة وتموت, فيفارق صاحب هذا القلب الحياة الدنيا من دون أن يكون قد أتى بأعمال صالحة تفيده للحياة الأبديَّة.

3- القلب المختنق بهموم الحياة الدنيا

إنَّ الأرض الشائكة التي وقع فيها بعضُ الحَبِّ هي القلبُ المختنق "بهموم الحياة الدنيا وغِناها وملذَّاتها." إنَّ صاحب هذا القلب كان في أيَّام صباه مسيحياً تقيَّاً, ولكنَّ نداءات العالم الفاسد انهالت عليه بكثرة, وأحاطت بقلبه, فلم يقاومْها, بل أصغى إليها, فنمت وأصبحت أشواكاً كثيفة حادَّة خنقت كلام الله الذي زُرع فيه, فقضى حياته من دون أن يحمل معه عند الموت أعمالاً بارَّة .

المجوعة الثانية: التي تحدَّث عنها يسوع مؤلَّفة من القلوب الطيِّبة التي قبلت كلام الله, ولكنْ على درجات متفاوتة. فهي:

 

1 - القلب الذي أثمرت فيه الحبَّة مئة حبَّة

    إنَّ هذا القلب هو قلب المسيحي الصادق الذي أحبَّ الله حُبَّاً صافياً, وبقي ثابتاً على حُبِّه وإيمانه وتقواه, على الرَّغم من كلِّ التجارب والمِحَن والاضطهادات التي انتابته. وكانت حياته ملأى بالأعمال الفاضلة طاعةً لله وحبَّاً لإخوته البشر المحتاجين. فكانت كالحبَّة التي وقعت في الأرض وأثمرت مئة حبَّة, ففتحتْ له أبواب الحياة الأبديَّة. إنَّ هذا القلب المُحبّ هو أفضلُ القلوب وأقربُها إلى الله, إذْ إنَّ صاحبه قد فسح المجال لنموّ كلام الله فيه, وخضع خضوعاً كاملاً لإرادته تعالى تمجيداً لاسمِهِ القدُّوس واقتداءً بالربِّ يسوع الذي مجّد أباه السماوي طَوال حياته. (يوحنا 17/4)

 

2- القلب الذي أثمرت فيه الحبَّة ستِّين حبَّة

    إنَّ هذا القلب هو قلب المسيحي الصالح الذي قَبِلَ زَرْعَ كلام الله بتقوى. ولكنَّ الضَعف البشري كان يستولي عليه حيناً بعد حين, فيتراخى في القيام بواجباته الدينيَّة. ثم لا يلبث أن يشعر بخطئه, فيندم عليه الندامة الصادقة, ويعود إلى حبِّ الله وإلى السلوك القويم. فكانت حياته متأَرجحةً بين السقوط والنهوض, فأعطت كالحبَّة الواحدة ستِّين حبَّة.

Click to view full size image

3- القلب الذي أثمرت فيه الحبَّة ثلاثين حبَّة

    إن هذا القلب هو قلب المسيحي صاحب الرغبات الصالحة, الذي نُسجت حياته بخيوط بيضاء وسوداء, وتوالت أيامُهُ على الأرض بين الأمانة لكلام الله الذي زُرع فيه والاستسلام إلى إغراء العالم, فكثرت خطاياه.  ولكنَّه تاب إلى ربّه وندم على ما فعل من الذنوب. فتوفي وفي يدَيْهِ ثلاثون حبَّة مقابل الحبَّة التي زُرعت في قلبه, فكافأه الله المكافأة العادلة التي يستحقُّها, وذلك على قدْر جَهدِهِ الروحي الذي بذله للعودة إلى الله بالتوبة الصادقة.

التطبيق العملي 

1- إنَّ هذا المثل يطرح عليك الأسئلة التالية: مِنْ أيِّ نوع قلبُك؟ أهو قلب طائش؟  أم سطحي؟ أم مختنق بهموم الحياة الدنيا؟ أم قلب طيِّب؟

إذا كان قلبك طيِّباً وأرجو الله أن يكون طيِّباً  فما هو قدْر طيبة قلبك؟ أهو قلب مستسلمٌ كلِّياً إلى الله ؟ أم متردِّدٌ بين أوامر الله ورغبات الدنيا؟ أم ميَّالٌ إلى الدنيا أكثر مِمَّا هو ميَّالٌ إلى الله؟ أجبْ عن هذه الأسئلة بصراحة.

2- إنَّك ولا شكَّ مطَّلع على سيرة بعض القدِّيسين الذين أحبُّوا الله حُبَّاً لا تردُّدَ فيه - كالقدّيس انطونيوس أبي الرهبان، والقدّيسة ريتّا، والقديسة تريزيا الطفل يسوع، والقديس شربل -  فنما كلام الله الذي زُرِعَ في قلوبهم نموّاً رائعاً. فتمثَّلْ بحياتهم واقتدِ بحُبِّهم وفضائلهم. ولاحظْ أنَّهم جميعاً عاشوا حياة التأمُّل والصلاة وتحمُّل آلام الحياة بالاشتراك مع آلام يسوع وحُبَّاً له. 3- ثمَّ التجئْ إلى نعمة الرب بالصلاة الحارَّة وأعمال التقشُّف, واطلبْ من يسوع أن يجعل قلبك طيِّباً يثمر لا ثلاثين ولا ستِّين حبَّة فقط, بل مئة حبَّة مقابل الحبَّة الواحدة, فتمجِّد الله بطيبة قلبك الصافي أفضلَ تمجيد, وتنال المقام السامي في مقرِّ الحياة الأبديَّة.

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +