Skip to Content

الــوداعــــة والـتـواضـــع - الموقع الرسمي لبطريركي انطاكية و سائر المشرق للسريان الارثوذكس

 

الــوداعــــة والـتـواضــــع

Click to view full size image

 

قال الرب يسوع:

«تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم، احملوا نيري عليكم وتعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحةً لنفوسكم، لأن نيري هيّن وحملي خفيف» (مت 11: 28ـ30)

 

أيها المؤمنون: إن التواضع والوداعة، فضيلتان سماويتان ساميتان، تكمّل إحداهما الأخرى، ففي تواضعنا نعظّم اللّـه معترفين بفضله الجمّ علينا، فهو خالقنا والمعتني بنا

وعلينا أن نواظب على تقديم الشكر له تعالى، معترفين بضعفنا وبافتقارنا إلى رحمته، واثقين بيقين أن كل ما نملكه من مواهب سماوية وأرضية، وما نتمتع به في الحياة من نِعم، إنما هما هبة مجانية منه تقدس اسمه، فلا يحق لنا إذن أن نتباهى ونتعجرف

بل علينا أن نعترف بفضل الله، متجنّبين الكبرياء التي تبعدنا عن الله، وتصمّ آذاننا عن سماع كلامه الحي، وتسوقنا إلى عبادة الذات والإلحاد، وعلينا أن نجعل التواضع يملأ عقلنا وقلبنا بنور المسيح ويؤجّج فيهما جذوة الإيمان بالله، والاتكال عليه

والتسليم بالحقائق الإيمانية التي أوحاها إلينا تعالى بكتابه المقدس الذي هو كلمة اللّـه الحية وبذلك نمجّد اسمه القدوس مع صاحب المزامير القائل:

«ليس لنا يا رب ليس لنا لكن لاسمك أعطِ مجداً»(مز 115: 1).

 

ففضيلة التواضع إذن هي أساس جميع الفضائل المسيحية ومنتهاها، أما الوداعة فهي ثمرتها الناضجة، ورفيقتها في الجهاد الروحي، الملازمة لها دائماً.

فعندما ترسخ فضيلة التواضع في قلب الإنسان وعقله، وتغدو مَلَكَة، أي صفة راسخة في نفسه، إذ يلمسها الناس بكل تصرفاته، حيث يمتلك ذلك الإنسان ناصية الوداعة

ويؤتى الشجاعة الروحية الكافية لمقارعة إبليس اللعين والتغلب على التجارب الصعبة ويهبه اللّـه القوة الكافية لضبط النفس

وكسر حدة الغضب، وضبط الفكر العدواني والحدّ من نزواته، مبتعداً عن الحقد والضغينة والبغضاء، متمثلاً بوصايا الرب القائل:

«لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضاً، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً»(مت 5: 39 و40)

و«أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم»(مت 5: 44)

بهذا فقط تصير الوداعة طبيعة لنا فنعامل الناس باللطف والمحبة، ونكون قد تشبّهنا بالمسيح ربّنا الذي أمرنا أن نتعلّم منه لأنه وديع ومتواضع القلب.

فقد بدت هاتان الفضيلتان واضحتين في كل تصرفاته له المجد خلال تدبيره الإلهي في الجسد، حيث أحبّ الأطفال فاستأنسوا إليه وأحبّوه، وعطف على النساء، وأشفق على الخطاة ومهّد لهم الطريق للعودة إلى اللّـه بالتوبة الصادقة

كما سامح أعداءه ومبغضيه، وهكذا علّمنا هاتين الفضيلتين بالمثال والأقوال والأمثال، فإذا تشبّهنا به، واقتفينا أثره، نجد سلاماً مع اللّـه بالتسليم التام للإرادة الربانية في السرّاء والضرّاء، كما نجد سلاماً مع أنفسنا فننال راحة الضمير بمحبتنا لله الذي أحبّنا

وإطاعة أوامره وتجنّب نواهيه، والقيام بالفروض البيعية، وأن نكون بسلام مع القريب محبّين إياه مقابلين إساءاته بالمغفرة، مصلّين لأجله، كوصية الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس

«أن يكون ذا رفق نحو الجميع صبوراً مؤدّباً بالوداعة المقاومين عسى أن يعطيهم اللّـه توبةً لمعرفة الحق»(2تي 2: 24و25).

 

بوداعته وتواضعه صحّح الرب يسوع مفهوم العالم حول الفضائل السماوية والقيم السامية، فإذا عُدَّت الوداعة قبل ميلاد الرب يسوع بالجسد ضعفاً، فهي في المسيحية قوة روحية فائقة، وإذا اعتبر التواضع في الماضي ضعةً فهو في المسيحية سموٌ وترفعٌ عن الرذائل

ونصرٌ مُبين على إبليس اللعين وأتباعه المتعجرفين، وإدانةٌ لكبريائهم التي هوت بهم إلى دَرَك المعصية فصاروا أعداءً لله والبشر

كما ورَّطت الكبرياء الإنسان أيضاً فتمرّغ في خطية التمرّد على الخالق واستحقّ الموت عقاباً.

لذلك، ولكي ينقذ الرب يسوع الإنسان من المعصية ويعيد إليه الحياة، عالجه بالتواضع وأمره بالتحلّي بفضيلة الوداعة قائلاً لتلاميذه:

«ها أنا أرسلكم كغنم وسط ذئاب، فكونوا حكماء كالحيات، وبسطاء كالحمام»(مت 10: 16).

 

أجل، وعى تلاميذ الرب عظمة معلمهم الإلهي، وعرفوا قدر أنفسهم الضعيفة وتأكدوا من افتقارهم إلى الرب دائماً، ولا غرو فقد أوضح الرب لهم هذه الحقيقة بقوله:

«اثبتوا فيَّ وأنا فيكم، كما أنّ الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته إنْ لم يثبت في الكرمة كذلك أنتم أيضاً إن لم تثبتوا فيَّ

أنا الكرمة وأنتم الأغصان، الذي يثبت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي بثمرٍ كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً»(يو 15: 4و5).

 

أيها الأحباء:

في هذا الزمن العصيب تجتاز كنيستنا المقدسة مرحلة قاسية تشكل منعطفاً حاداً وخطراً، في تاريخها الحديث. فالهجرة العشوائية تحاول تبديد أبنائها في متاهات دروب العالم

مبعدة إياهم عن جذورهم التاريخية، وينابيع القيم الروحية التي ورثوها عن آبائهم الميامين. كما أن أعداء الحق يتربصونهم ليصطادوهم في شباكهم وقد نصبوا لهم الأشراك الخبيثة، في الوطن والمهجر، فهناك أصحاب البدع القديمة الوخيمة، وهناك الفرق المستحدثة التي تدّعي المسيحية والمسيحية براء منها، وقد جاء أتباعها ذئاباً خاطفة بثياب حملان تريد الفتك بقطيع المسيح، وهناك الكبرياء أم الرذائل التي ساورت عقول بعض العلمانيين فجاؤوا بآراء فائلة باطلة، محاولين الهيمنة على الكنيسة

والعبث بنظمها الإدارية التي هي وضع إلهي لا بشري لأن الكنيسة هي مؤسسة روحية وهي جسد المسيح السري، والمسيح رأسها وقد أقام رسله الأطهار لخدمة أبنائها وأعطاهم السلطان على ذلك فهم المسؤولون عن إدارتها وتدبير شؤونها والعناية بأعضائها وهم ممثلوها الشرعيون وحماة عقيدتها الدينية واسمها وتراثها ولغتها وتقاليدها وحضارتها، ومعالمها، وصفاتها وسماتها التي منحتها إياها السماء وثبّتها التاريخ عبر الدهور والأجيال، والمسيح في داخلها فلن تتزعزع

وقد وعدها بقوله «وأبواب الجحيم لن تقوى عليها»(مت16: 18)

«وسيندحر من يشهر سيفاً في وجهها»، لأن سلطانها سماوي.

 

فعلينا بروح الوداعة والتواضع أن نقدم النصح والإرشاد لهؤلاء الضّالين فإذا عادوا إلى طاعة الكنيسة فستفرح السماء بخاطئ واحد يتوب، ونرحّب به في الكنيسة، وإذا أصرّوا على محاربة الكنيسة وبثِّ الفتن في صفوفها لتفريق أبنائها

وأصمّوا آذانهم عن سماع صوت الرعاة الحقيقيين، فعلينا أن نمارس صلاحياتنا الروحية للدفاع عن العقيدة السمحة والتقليد الشريف، وتأديب المتمرّدين على النظم البيعية، مكمّلين ما أوصانا به الرسول بولس في حال كهذه قائلاً:

«فاعزلوا الخبيث من بينكم»(1كو5: 13).

 

أيها الأحباء: إن حلول موعد الصوم الأربعيني المقدس يُعدّ فرصة ذهبية سانحة لنا لنجاهد روحياً ونقتدي بالرب يسوع بتواضعه ووداعته، ونمارس الفضائل السامية ونقرن إيماننا بالأعمال الصالحة وبخاصة أعمال الرحمة كتوزيع الصدقات ومساعدة الفقراء ورعاية الأيتام والأرامل إلى جانب محبتنا لكنيستنا السريانية الأرثوذكسية المقدسة ونظمها الادارية ولغتها السريانية وطقوسها البيعية وتعاليم آبائها القديسين. تقبّل اللّـه صومكم وصلواتكم وأهلّكم لتحتفلوا بعيد قيامته من بين الأموات ببهجة وسرور والنعمة معكم ܘܐܒܘܢ ܕܒܫܡܝܐ ܘܫܪܟܐ.



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +