Skip to Content

المعجزات في الكتاب المقدس - شفى يسوع رجلاً أصم معقود اللسان


 

شفى يسوع رجُلاً أصمَّ معقودَ اللِّسان

نصّ الإنجيل

جاءَ الناسُ إلى يسوع بأصَمَّ معقودَ اللِّسانِ وسأَلوهُ أن يضَعَ يَدَهُ عليهِ. فانفَرَدَ بهِ عَن الجمعِ، وجَعَلَ إِصْبَعَيْهِ في أُذُنَيْهِ ، ثُمَّ تَفَلَ ولَمَسَ لِسانَهُ.

ورَفَعَ عينَيْه نحوَ السَماءِ مُتَنَهِّداً وقالَ لهُ : " إَفَّتِحْ " (أيْ انفَتِحْ). فانفَتَحَ مِسْمعاهُ وانْحَلَّتْ عُقْدَةُ لِسانِهِ، فتَكَلَّمَ بِلِسانٍ طليق. وأوصاهُمْ ألاّ يُخْبِروا أحَداً. فكانَ كلَّما أكْثَرَ مِنْ توصيَتِهِمْ، أكثَروا مِنْ إذاعَةِ خَبَرِهِ. وكانوا يقولون وهُمْ في غايةِ الإِعْجاب : " قد أبْدَعَ في أعمالِهِ كلِّها، إذْ جَعَلَ الصُمَّ يَسمَعون والخُرْسَ ينطِقون ".

(مرقس 7/31-37) 

كان لهذه المعجزة طابعٌ خاص

لم تكن هذه المعجزة كغيرها من المعجزات التي صنعها يسوع، بل كان لها طابعٌ خاص بها. كان من عادته أن يقول كلمةً واحدة، وتحدُثُ المعجزةُ، كمعجزة إحياء ابن أرملة نائين : " أيّها الفتى لكَ أقولُ : قُمْ " (لوقا 7/11-17) ، أو أن يأمر المرض بالزوال وهو بعيدٌ عن المريض، فيزول المرض، كمعجزة شفاء خادم قائد المئة  (متى 8/5-13) ، أو أَلاَّ يتفوّه بأيّة كلمة، كمعجزة شفاء المرأة المنزوفة

(متى 9/20-22) .

 

ولكنّه غيّر طريقته في إجراء هذه المعجزة. فقد اخذ الأصمّ المعقود اللِّسان على انفراد، ورفع عينَيْه نحو السماء، وتنهّد، وجعل إصبَعيْه في أُذُنَيْه، ولمس لسانه بريقه وقال له : " انفتحْ ". لقد أشرك إنسانيّته في عمله الإلهي : أشرك فمه الذي تكلّم، وقلبه الذي تنهّد، وعينَيْه اللتين وجّه بصرهما نحو السماء، وإصبعَيْه اللتين ادخلهما في أُذُنَيْ الأصمّ، ولسانه الذي أعطى الأخرس شيئاً من ريقه.

وبتعبيرٍ آخر، فإنّ قوّته الإلهيّة التي شفت هذا الأصمَّ المعقود اللِّسان، لم تُعِدْ إليه السمع، ولم تَفُكَّ عُقدة لسانه بعملٍ مباشر، بل مرّت بقناة إنسانيَّته. فقد صنع هذه المعجزة وهو إلهٌ وإنسانٌ معاً.

إنه استخدم هذه الطريقة أمام تلاميذه لأنه كان مزمعاً أن يفرضها يوماً ما عليهم، وعلى الكنيسة من بعدهم، لمنح المؤمنين الحياة الإلهيّة. لذلك كانت هذه المعجزة تمهيداً لرسم " الأسرار السبعة " التي يعمل بها يسوع اليومَ لتقديس نفوس المؤمنين به.

يسوع يعمل الآن بوساطة الأسرار المقدّسة

إن هذه المعجزة ذات الطابع الخاص تعلّمنا أموراً ثلاثة جليلة الأهميّة وهي :

1- إن يسوع الذي عمِلَ كثيراً في حياته الأرضيّة لأجل المرضى والمتألّمين، لا يتوقف اليومَ عن العمل، بل يعمل أكثر مِمَّا كان يعمَلُهُ قديماً. فهو يعمل الآن لا في سبيل البائسين وحدَهم، بل في سبيل جميع المؤمنين به، ولا يستثني أحداً من عطفه وعنايته ومواهبه الإلهيّة.

2- ثمّ إنّ هدف عمله الإلهي قد تغيّر، ويكاد التغيير أن يكون كاملاً. كان في الماضي يعمل، في كثيرٍ من الأحيان، لمنفعة أجساد الناس. أمّا اليومَ فهو يعمل ليحقّق في نفوس المؤمنين به ما جاء لأجله إلى العالم،

وهو أن يمنحهم الحياة الإلهيّة، ويمنحهم إيّاها بوفرة. قال: " لقد أتيتُ لتكونَ لهُم الحياةُ، وتكونَ لهُم بوفرَة ".(يوحنَّا 10/11) إنّه يعمل الآن في نفوسهم ليهبَهم روحه القدّوس، ويُلهِمَهم الانقياد إلى هذا الروح الإلهي، ويجعلهم به أبناءَ الله بالتبنّي (رسالة بولس الرسول إلى اهل رومة 8/14-17).

3- والأمر الثالث هو أنّ يسوع كان على الأرض يعمل بنفسه أعمالاً مباشرة، ولا يلجأ إلى أحد ليُشرِكَه معه في أعماله. أمّا اليومَ فهو يعمل بوساطة خدّام الكنيسة، مِنَ الأساقفة والكهنة، وعن طريق منح الأسرار المقدّسة السبعة التي رسمها للمؤمنين قبل أن يصعد إلى السماء.

فعندما يعمّد الكاهن طفلاً بالماء المقدّس، وهو يلفظ اسم الآب والابن والروح القدس، فإنّ يسوع نفسَهُ الإله والإنسان، والحاضر بألوهيّته وإنسانيّته مع الكاهن حضوراً غير منظور، يمنح الطفل المعموديّة، ويمنحه بها الحياة الإلهيّة التي تجعله ابناً لله بالتبنّي.

فليس الكاهن إلاّ وساطة منظورة قائمة بين يسوع والمعمَّد. وهكذا فإنّ يسوع نفسه الحاضر حضوراً حقيقيّاً، وإنْ كان غير منظور، يثبّت المعمَّد في الإيمان، ويحوّل الخبز إلى جسده والخمر إلى دمه في أثناء القدّاس، ويغفِر خطايا المؤمن  التائب،  ويَهَب المؤمنين المتزوّجين نعمة ثبات الزواج المسيحي، ويُبعِد عن المنازع تجارب الشيطان.

إنّ ما عمله يسوع في الماضي بصورةٍ منظورة ليمنَحَ الأصمَّ الأخرس السمَعَ وطلاقةَ اللِِّسان، يعمله اليومَ بطريقةٍ غير منظورة، فيمنح المؤمنين به، بوساطة خُدّام الكنيسة والأسرار المقدّسة، الحياةَ الإلهيّة، ويجعلهم أبناء الله بالتبنّي.

إنّ هذه المعجزة أثارت إعجاب الناس

1- إنّ هذه المعجزة  التي صنعها في سبيل الأصمِّ المعقودِ اللِّسان  قد أثارت إعجاب الحاضرين أكثرَ من غيرها، لأنها ذكّرتهم بالمعجزات السابقة التي صنعها في سبيل المرضى والحزانى والصُمّ والعُميان والمقعدين والمتألّمين. ولذلك فإنّهم أذاعوها في كلّ مكان، على الرَّغم من أنّ يسوع قد أوصاهم كثيراً بأن يكتموها ولا يخبروا بها أحداً.

إنّ هذا الإعجاب دليلٌ واضح على ما أبداه يسوع من حنانٍ على الناس المتألّمين وحبّه لهم، وعلى اهتمامه بمشكلاتهم الجسديّة الكثيرة.

2-غير أن سعيه لإنقاذ الشعب المتألّم من آلام هذه الحياة الأرضيّة كان رمزاً لسعيه لإنقاذ الخطأة من آلام الخطيئة المتحكّمة بقلوبهم. فإنّه لم يأتِ إلى الأرض لإصابة أهدافٍ أرضيّة، من شفاء ومؤاساة وتعزية وإحياء الموتى، بل جاء لإصابة أهدافٍ روحيّة، وهي نشر ملكوت الله، وفتح أبواب السماء المُغلقة في وجوه مَنِ اهتدَوا إلى الإيمان به، وعمِلوا البِرّ ، وتبعوه على طريق العبادة والتضحية والمحبّة.

نسمع ونتكلّم لنسبّح الله ونمجّده

1- جعل يسوع الرجل الأصمّ والأخرس يسمع ويتكلّم. فمِمَّا لا شكّ فيه أنّ للكلام والسمع هدفاً حيويّاً واجتماعياً. فإنّه من الصعب جداً على المرء أن يعيش وهو أصمّ أخرس لا يسمع ولا يتكلّم. فإنّ حاجاته اليوميّة تقتضي أن يكون له أُذُنَان تسمعان ولسان يتكلّم .

2- إنّ للسمع والكلام هدفاً آخر أسمى من الهدف الأرضي، وهو أن يسبّح الله بهما ويمجّده. فالمسيحي الحقّ يسمع كلام الله الوارد في الإنجيل، ويتكلّم بكلام الله المطبوع في قلبه بعد أن يكون قد سمعه من التلاوة الإنجيليّة. فهو ينقل بلسانه إلى الآخرين الحقيقة الإلهيّة، ويبشّرهم بملكوت الله.

3- يدعونا الكتاب المقدّس إلى أن نتكلّم بكلام الحكمة، ونمتنع عن كلام الجهل والكَذِب والشهادة بالزور وكلام الفحش : " لا تعوّدْ فاكَ فحشَ الكلام، فإنّ ذلك لا يخلو من خطيئة ". (ابن سيراخ 23/17) وقال بولس الرسول : " كفّوا عن الكذب، وليصدُق كلٌّ منكم قريبَهُ ". (أفسس 4/25)

التطبيق العملي

1- إنّ الأسرار السبعة المقدّسة التي رسمها يسوع تقدّسنا وترافقنا من المهد إلى اللَّحد. فالمعموديّة تَلِدُنا للحياة الإلهيّة، والميرون يثبّت فينا هذه الحياة، والقربان الأقدس يغذّيها وينمّيها، وسرّ التوبة يُعيدها إلينا إذا ما فقدناها بالخطيئة، والمسحة الأخيرة تصونها من هجمات الشيطان عند ساعة الموت، وسرّ الزواج يقدّس الزوجين ويؤازرهما على أن يعيشا عيشة المحبّة المتبادلة.

أمّا سرّ الكهنوت فهو الوسيلة الروحيّة الكبرى التي يمنح بها يسوع، الكاهنُ الأعظم، المؤمنينَ به الأسرارَ المقدّسة، فتكون حياتهم الأرضيّة منتعشة بالحياة الإلهيّة التي تؤهّلهم للحياة الأبديّة.

2- نلاحظ أن بعض المسيحيّين اليومَ يتهرّبون من سماع المواعظ الدينيّة، أو إذا فُرِضت عليهم في أثناء القدّاس فإنّهم ينتظرون بفارغ الصبر نهاية "العظة" التي ينعتونها بالعِظة




عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +