Skip to Content

المعجزات في الكتاب المقدس - شفاء حماة بطرس


شفى يسوع حماة بطرس

اضغط لعرض الصورة بالحجم الكامل

نصّ الإنجيل

ولمَّا خرَجَ يسوعُ مِنَ المَجمَع، جاءَ إلى دارِ سِمعانَ وأندَراوس، يَصحَبُهُ يَعقوبُ ويوحنَّا، وكانت حماةُ سِمعان مُلقاةً على الفِراشِ مَحمومة، فأَطلَعوهُ على حالتِها. فدَنا مِنها فأَخَذَ بِيَدِها وأَقامَها، فأَقلَعَتْ عنها الحُمَّى، وأَخَذَتْ تَقومُ بضِيافَتِهِمْ . (مرقس 1/29-31)


الحمّى الشديدة والشهوة الرديئة

إنَّ الحمّى الشديدة التي استولت على حماة بطرس تذكّرنا  بالشهوة الرديئة التي تستولي على نفسِ الإنسان، وتفتح لنا المجال لأن نتحدّث عن الشهوة بالتفصيل.

إن شهوة النفس  أو الهوى  على أنواعٍ كثيرة، ومن أهمّها الكبرياء، والحقد، والطمع، وعشق الملذّات، والكراهية، والخوف، والغضب، والحسد، والبخل، واليأس، والحزن. إنَّ هذه الشهوات، إذا ما اشتدّت وتفاقمت، دمّرت نفس من يستسلم إليها، وأفقدته حياة النعمة المقدّسة.

فإذا أردنا أن نتلافى تأثيرها الرديء فلا بدَّ لنا من أن نعرف أوَّلاً مساوئَها، ثمّ نطّلع على ما فينا من شهواتٍ خبيثة، ونسلك بعدئذٍ الطريقة الفضلى لمحاربتها بقوّةٍ وشجاعة قَبْلَ أن تتأصّل في قلوبنا.

مساوئ الشهوة في نفوسنا

إنَّ مساوئ الشهوة الرديئة كثيرة، نذكر أشدَّها تأثيراً في النفس، وهي:

    1- الاضطراب الداخلي: كلّنا اختبرنا  في كثير أو قليل  مساوئ الشهوة الرديئة في نفوسنا. إنّها تنشئ فينا اضطراباً داخليَّاً عنيفاً، وتعذّبنا بهزّاتها المتواصلة. فتارةً تجمّدنا من الخوف وتملأنا من اليأس، وتارةً أخرى تُضرم فينا نار الغضب والحقد والرغبات القبيحة.

وفي بعض الأحيان تتصارع فينا الشهوات المتناقضة، وتمزّقنا بلا رحمة، وتزرع في عقولنا الحَيْرة والضلال، فلا نعود نحكم على الأمور حكماً صائباً، حتى إننا نسمّي الشرَّ خيراً، والعارَ شرفاً، والعبوديّة حرّيةً، والألم لذَّةً، والشقاء سعادة


    2- وضَعف الإرادة والمقاومة : إنّها تسبّب فينا ضَعف الإرادة أيضاً، فلا نعود نقوى على محاربة جاذبيَّة التجارب التي تستهوينا، بل ننقاد لنزوات النفس ورغباتها الفاسدة من دون أيّة مقاومة. ويتفاقم فينا أحياناً تأثيرُ الشهوة الرديئة، فنهمل الصلاة، وأعمال العبادة، ونُعرض عن تتميم إرادة الله، ونرتكب الخطايا الكثيرة.


    3- ثم تشويه جمال النفس : إنّها تشوّه جمال نفوسنا تشويهاً عميقاً. فتنزع عنها اللُّطف، وكَرَمَ الأخلاق، والعادات السليمة، والطاعة البَنَويّة، والفرح الداخلي. فتصبح طباعُنا حادّة، ولهجتُنا قاسية، وحركاتُنا عنيفة، وأقوالُنا مستهجَنة. ونستسلم تارةً إلى حزنٍ أسود، وتارةً أخرى إلى فرحٍ جنوني، فتفقِدُ نفوسُنا جمالها وتوازنها الطبيعي.


    4- وتحكّم الشهوة في نفوسنا : وإنّها تتغلغل بعُمقٍ في نفوسنا المضطربة كما تتغلغل الحمّى في أجسادنا المريضة، فتهدّ كياننا، نفساً وجسدا،ً هدّاً بعيد المدى. لقد كان بإمكاننا أن نتخلََّص من تأثيراتها السيِّئة لو حاربناها منذ بدء نشأتها. ولكنّها متى تأصّلت فينا تتحكّم في سلوكنا وتفرض علينا مطالبها القاسية وتجعلنا عبيداً لها.


معرفة ما فينا من شهوات رديئة

لا نستطيع أن نحارب ما فينا من شهوات نفسيّة رديئة إلاّ إذا عرفناها معرفةً واضحة وحدّدناها تحديداً دقيقاً. فكما أن الطبيب لا يحارب المرض إلاّ إذا شخّصه وحدّده، فكذلك المسيحي لا يحارب الشهوات الرديئة في نفسه إلاّ إذا شخّصها وحدّدها

    1- إن الشهوات في النفس ليست كلّها على مستوى واحد من القوّة والعنف والعمق. فبعضها سطحي وبعضها عميق، وبعضها هزيل وبعضها عنيف. وفي النفس الواحدة تكون الشهوات أحياناً هائجة، وأحياناً أخرى هادئة.

    2- أمّا أنواع الشهوات فتختلف من شخصٍ إلى آخر . فهذا متكبّر وذاك حسود، وهذا طمّاع وذاك حقود، وهذا غضوب وذاك يائس أو شهواني.

    3- لذلك فإنّ القاعدة الكبرى لمحاربة الشهوات هي معرفة الذات: " أعرِفْ نفسَكَ ". هذه هي الحكمة العليا. إنّ معرفة الذات ليست بالأمر اليسير، لأن الحقيقة مؤلمة، ونحن نتعامى عنها، ونأبى الاطلاع عليها والإقرار بها. فمن كان متكبّراً يرفض أن يقول عن نفسه إنه متكبّر، وكذلك الحقود والحسود والطمّاع والجبان والشهواني والبخيل والغضوب.


فأوّل ما يجب أن نقوم به لمقاومة الشهوات المتأصّلة فينا هو أن نحدّدها ونشخّصها ونعترف بها صادقين. ومتى قمنا بهذا العمل الأساسي عمدنا إلى اتِّخاذ الوسائل التي تمكّننا من محاربتها.

 طريقة محاربة الشهوات الرديئة فينا

مهما اشتدّت الشهوات الرديئة فينا فلا يحقّ لنا أن نيأس من محاربتها والتغلّب عليها. لمّا جاء يسوع إلى البيت واطّلع على شدة الحمَّى التي استولت على حماة بطرس انحنى عليها كالطبيب الماهر وأمسك يدها، ونزع عنها المرض، فقامت على الفور صحيحة معافاة.

كان يسوع أفضل طبيبٍ لهذه المرأة المتألّمة، وهو أفضل طبيبٍ لنا عندما تثور فينا الشهوة الرديئة وتبغي تحقيق مطالبها القبيحة من أعمال الكبرياء والحقد والطمع وغيرها من التصرّفات اللاأخلاقيّة. فإنه يمسك أيدينا وينزع عنَّا مرض هذه الشهوات وعبوديّتها المُرّة.

إلاّ أن يسوع يطلب منّا أن نساهم معه مساهمةً فعّالة في استئصال داء الشهوات فينا. وهذه المساهمة هي على ثلاثة أنواع:

    1- المساهمة الروحيّة : إنّها تقوم بأن نستمطر على ذواتنا بالصلاة الحارّة والضراعة القلبيَّة نِعَمَ يسوع الغزيرة الفعّالة، ونمارس التقشّف الروحي والجسدي، ونقبل بتقوى سِرَّيْ التوبة والقربان الأقدس، ونلتجئ إلى شفاعة أمّنا مريم العذراء.

    2- والمساهمة الوقائيّة : إنّها تقوم بأن نبتعد عن أسباب إثارة الشهوات الرديئة فينا، كمشاهدة الأفلام القبيحة التي تعرضها بعض شاشات التلفزة، ومعاشرة الرفاق الأردياء، والقراءات الفاسدة ،

وأن نتمّم واجباتنا اليوميَّة من عملٍ ودرسٍ وجَهْدٍ جسدي وعقلي بكلّ أمانة، وأن نعكف على الهوايات البريئة في مجالات الفنون والرياضة البدنيّة والرحلات الكشفيَّة والأثريّة.

    3- ثمَّ المساهمة الاجتماعيّة:  إنها تقوم بأن نقدّم للآخرين الخدمات التي يحتاجون إليها كما فعلت حماة بطرس بعد شفائها. فقد قامت وخدمت يسوع وتلاميذه الأربعة.

إنّ خدمة المحتاجين تهدّئ فينا غلَيان الشهوة وتجعلنا ننفتح بأعمال المحبَّة على الآخرين المحتاجين، فتنطفئ فينا نارُ الأنانيّة والكبرياء والغطرسة والبخل والحسد والانطواء الذاتي وغيرها من الميول الفاسدة.

 هذا وإن الخدمة الاجتماعيَّة هي من أفضل الأعمال التي نقوم بها لنعبّر عن شكرنا ليسوع الذي آزرنا بنعمه على التخلّص من عبوديّات شهوات النفس فينا. 

  التطبيق العملي

 

    1- إنّ شهوات النفس أشدُّ خطورةً على المسيحي، في كثيرٍ من الأحيان، من أمراض الجسد. فهي تدفعه إلى القيام بأعمالٍ قبيحة وزريّة من شأنها أن تحطَّ مقامه، وتطبعه بطابع الدناءة والحقارة، وتحرمه الحياة الإلهيّة التي حصل عليها بالمعموديّة.

    2- يقول لك يسوع : يا بُنيَّ اعطني قلبك. بهذا القول يريد منك أن تحبّه حبّاً يفوق حبّك لنفسك، وأن تقاوم أسباب الشهوات الثائرة فيك، وتسيطر على كلِّ مظاهرها العنيفة والخدّاعة.

فلا تتردَّدْ في تلبية طلب يسوع، فتكون بذلك من أصحاب القلوب النقيّة الذين يرون وجه يسوع الجميل في وجوه اخوتهم المتألّمين.

    3- ولا بدَّ لنا  في هذا المجال  من أن نميّز بين الشهوة والخطيئة. إنّ كثيرين من المسيحيّين لا يعرفون أن يميّزوا بين الشهوة الرديئة وتحقيق مطالبها القبيحة. إنَّ ثورة الشهوة في النفس ليست في حدِّ ذاتها خطيئة.

فمن الطبيعي  مثلاً  أن يشعر الإنسان بالغضب إذا ما وُجِّهت إليه إهانةٌ جارحة. فالغضب لا ينقلب خطيئة إلاّ إذا استسلم إليه الإنسان وعَمَدَ إلى الانتقام من الذي وجَّه إليه الإهانة ونفّذه فيه.

وهذا القول ينطبق على سائر الشهوات. فمن شعر بالشهوة الجنسيّة لا يرتكب الخطيئة إلاّ إذا حقّق مطلبها الرديء بإرادته الحرّة. هذا التمييز الهامّ يزيل الوسواس عن الضمير ويجعل المسيحي يعيش حياة روحيّة سليمة.



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +