Skip to Content

في التوبة/ القديس أفرام السرياني

في التوبة
القديس أفرام السرياني
 
 

في التوبة

    الجالسون في طاعة أب روحاني يخطر لهم العدو أفكاراً قائلاً: أنصرف من هنا وأجلس مع ذاتك فتفلح أكثر. فإن تنازل الأخ لمثل هذه الأفكار يفارق الأخوة، وإن أبصر العدو أن فكر الأخ مستفيق قليلاً يخطر له قائلاً: أدخل إلي البرية الداخلية. ثم إذا جلس الأخ مدة ما في البرية يخطر له فكر الضجر وطول المدة وضيقة الحوائج وقلتها وضعف الشيخوخة وتعب البرية فإن قدر العدو أن يزعج الأخ يسحبه منها ويأتي به إلي قرب ضيعة أو مدينة وحينئذ ينشئ له أفكار الزنا فيمتنع الأخ أن يدخل إلي المدينة أو يدنوا من الضياع فإذا أبصر العدو قصد الأخ يخيل بذهنه الحركات ويحتال علية فمن ذلك أنه يغري امرأة أن تأتيه وهو جالس في قلايته تقرع بابه بحجة أنها تائهة أو كأنها جاءت تستعطي صدقة أو بحجة أنها تطلب إنساناً تعرفه، فإذا فتح الأخ بابه وأبصر المرأة واقفة لدي قلايته تقول له المرأة: يا سيدي المعلم أين يسكن فلان ؟


وإذ قد مال النهار أعمل محبة واقبلني هذه الليلة لأني ضالة عن الطريق وأخشى أن تأكلني الوحوش، وربما تحضر المرأة معها امرأة مخادعة أخرى ولا يبعد أن تحملا مأكولات وحوائج ترومان بِها أن تخدع الأخ. فحينئذ يقاتل هذا من فكرين ! فيخاف أن يسقط من الوصية كمن لا تحنن له، أو يصنع الخير فيقتنص به ولئلا نسهب المقال نقول إذا غلب الأخ من الشهوة ورام بعد إكمال الإثم أن يبعدها ويصرفها تجاوبه قائلة: لماذا أذللتني ؟

اتصرفني من عندك. إلي أين أذهب ؟ كيف أظهر لوجه والدي ؟ هل يمكن من الآن أن ينكتم الأمر ؟ أعرف حقاً أنني لا أبتعد منك بل أجلس معك في قلايتك لتعولني من حيث ما شئت. فحينئذ يبتدئ الأخ ينتحب علي ذاته نادماً علي أنه فتح لها باب قلايته. فإذ قد عرفت ذلك أيها الأخ صُنْ نفسك فإنك إن وقعت في وهقها لا تستطيع أن تنجو منها إلا بتعب لأنه قيل: أنها بملث شفتيها صرعته.

فإذ قد تقدمت وعرفت ما هي أواخر الخطيئة وما تسبب للذين يستعملونَها فيما بعد، فأهرب من لذة الألم فإن أثمارها أثمار الخزي، فقبل اللذة شهوة وبعد اللذة حزن، كرر الافتكار في أن اللذة يعقبها الحزن وأهرب من الخطيئة. أتخذ في عقلك الخزي من الناس بل الأولى خاف اللـه، أطرد الشيطان المريد أن يخدعك ويسرق أتعابك لتبقى غير حزين لأن العارف القلوب قد عرف انك ليس من أجل خبث أو مقت للناس تدفع المرأة بل لئلا يصنع بك الخير الشر، فإن قال أحد أن ضيافة الغرباء حسنة فأنا أطابقه لكن سبيل الرجل المحب للضيافة أن يضاهي الذي يصفي الفضة في البودقة فالنقي يأخذه لنفسه ويعرض عن النفاية، الأمر الذي معناه أحفظ الوصية وأهرب من الخطيئة كما تَهرب من فم الحية، لأن الذي قال: كنت غريباً فآويتموني. قال: لا تزني.

تيقظ في حداثتك فإن توانيت فتوجد متعبداً للآلام وخادمها من شبيبتك إلي شيخوختك لأن من غرق في اللجة وإن تيقظ وجاهد لكن نَهضات الأمواج تقوي عليه، فأما من يغرق في الميناء فذلك مصفر من الاعتذار، بونيته أهلك سفينة سيده، أنت أيها الأخ في الميناء حاصل أحذر علي نفسك فلهذا لا يوافقنا أن نتصرف في الضياع إن أحوجتك ضرورة لتمضي إلي قرية فلا تحدث امرأة فإنِها كالمغناطيس تجذب نفسك، فُقْ إذاً فإن السقطة ليست موضوعة بعيداً، جاهد بتورعك وبخشية اللـه بإزاء المحبة لأن عدم الاستحياء أم الزنا، إن أبصرتك مائلاً نحوها تجذبك وتسقطك أشر سقطة، وإن كنت متورعاً فلا تثق بنفسك بل تيقظ لكي لا بحجة الخشوع والتبريك ترخي ذهنك بكلماتِها.

قال بعض القديسين: إن النساء تبرزن كلمات تحركن بِها الألم، لكن كما قال المخلص: ها أنا أرسلكم كخراف بين ذئاب فصيروا عقلاء كالحيات وودعاء كالحمام. والرسول يوصي قائلاً: لا تصيروا سفهاء بل أفطنوا ما هي مشيئة اللـه ولا تسكروا بالخمر الذي فية نَهم الشهوة.

فأعرف إذاً أيها الحبيب مستيقناً إنك إن كنت كالذهب النقي في العالم ولما جئت إلي العبادة توانيت ورقدت فلا تتباطأ أن تصير كالرصاص، وإن كنت جئت إليها محباً للرب حقاً فلا تتباطأ أن تصير كاللؤلؤة لا دنس فيك أو وسخ أو شئ مما يماثل هذه، هذا أؤثر أن أعرفك إياه أن من يستعمل الخطيئة قتاله أكثر من غيره لأن من يطرح حمأة في موضع ما يكثر نتانته هكذا من لا يمسك نمو الألم، وأعرف إنك إن توانيك في ذاتك فستندم أخيراً فإن الرسول يقول: من لا زوجة له يهتم بأمور الرب كيف يرضي الرب، ومن قد تزوج يهتم بأمور العالم كيف يرضي امرأته.

فأنت أيها العابد لِمَ تختار اهتمام العالم وكيف تزعم أنك ترضي الرب، قد خصيت ذاتك من أجل ملكوت السموات وإن لم تمسك فستغتم أخيراً علي ضروب شتى كما يُعَلم القائل: مثل هؤلاء لهم حزن بالجسد لأن المتزوج قد ترك تقويم الفضيلة وتشاغل بمنزلة وامرأته وتربية أولاده وغير المتزوج يهتم بأمور الرب كيف يرضي الرب فإذ قد خصيت ذاتك من أجل ملكوت السموات فأثبت منذ الآن في هذا الحد لأنه قد كتب ” الأصلح ألا تنذر أولى من أن تنذر ولا تفي ” فتكلف أن تمسك فتجد أفكارك نقية وذهنك كميناء صاحي مملوء سكوناً ورجاء الخيرات العتيدة يسمن قوى نفسك كما من شحم ودسم.

   

أطلب إليك أن لا تفسد بنوع آخر هيكل اللـه، ولا تحزن روح اللـه الساكن فيك، ولا تغم الملائكة المأمورين أن يحفظوك نهاراً وليلاً الذين يطردون الشياطين عنا حين يصرون علينا أسنانَهم صريراً لا يُرى لئلا يثلبونا في يوم الدينونة فنسقط في أنقلاب السدوميين لأنه إن كانت الحيطان تكتنفنا والسقف يغطينا والباب مغلق علينا والظلمة مشتملة لكن فلنخطر بأذهاننا أن الفاصل الظلمة من النور لا يكتم عنه شئ من أمورنا وليحقق هذا عندك النبي القائل: افقهوا أيها السفهاء في الشعب والمائقون، اعقلوا وقتاً ما أَمن نَصَبَ الأذن لا يسمع، أو الذي جبل الأعين لا يتأمل، الذي أدب الأمم لا يوبخ المفيد الإنسان علماً، الرب يعرف أفكار الناس أنَها باطلة.

أرأيت أيها الحبيب أن اللـه لا يعاين أعمال الناس فقط بل وأفكارهم. إن أخطر لك العدو قائلاً: ستكون لك توبة فلذلك تمتع بما تؤثر. فقل: ما الحاجة أيها المحال أن أنقض بيتاً مبنياً بناءً حسناً وأبني أيضاً. إذ الرسول يقول: أعملوا صلاحكم بخشية ورعدة. فحيث تكون التقوى من البين أنه لا يوجد ولا لذة واحدة عالمية.

  

فثابر أيها الأخ الحبيب علي خلاصك وإذا جلست في السكوت فأجمع أفكارك وقل لذاتك: أيها الإنسان لك مثل مدى هذا الزمان صانعاً شهوات الجسد وأمياله فماذا انتفعت ؟ ماذا ربحت ؟ هل زدت علي قامتك زراعاً واحداً ؟ أصرت سميناً ؟

فما خزنت لذاتك شيئاً آخر سوى طعام الدود، وإذا استفدت الكنز في السموات وأشبعت ذاتك خيرات وصرت هكذا بلا خشية فما الفائدة من خروجك من العالم.

   

ويلك يا نفسي إنكِ أفضيت إلي مثل هذه السيرة ها أخوتكِ المتقوا اللـه قد تزينوا بالفضائل بالحقيقة وأنا أذهب إلي الظلمة، بالغدوة أتندم علي الأفعال التي عملتها وفي الليلة المقبلة أكمل أشر منها، وَهَبَ لي الرب حياة وعافية وأنا أُسخط بِهما عمداً الذي خلقني، يا نفسِ لِمَ تتوانين لِمَ تتهاونين، يا نفسِ اعرفي ضعفك حتى متى تقاومين من خلقكِ وتناصبين أوامره،

أيها المحال الخبيث قد جعلتني عاراً للملائكة والناس لأني صرت مطيعاً مشورتك النفاقية لأنك أخطرت لي قائلاً: أعمل شهوتك مرة واحدة ولا تصنعها أيضاً ولا تعرف خطيئتك. وها هو ذلك الصغير قد صار لي هوة ولا يمكنني أن أناصب بإزاء شهواتك الخبيثة المتلونه، لأن الماء وجد ثقباً صغيراً فصنع هوة عظيمة واضحة للكل، لأن عادة الخطايا تقود الواقع إلي أشر حال لأنك أظلمت ذهني بالأفكار الدنسة وكردستني إلي حب الخطيئة، لمن أقول ليبكي عليَّ أنا الشقي لأن العدو أوقفني مجرداً من قبل ونيتي،

فأنظر إلي التوكل علي اللـه ولا أيأس من خلاصي لأنه جزيل التحنن وفائق الصلاح، وماذا أقول للعدو الطاغي لأنه حل مسكي من أجل مرض معدتي وجعلني غريباً من السهر في الصلوات، غرس فيَّ محبة الفضة بسبب شيخوخة طويلة، جفف دموعي، غلظ قلبي، فصلني من الطاعة التي بالمسيح وجعلني غير مطيع وبطالاً، وصيرني حسوداً ومغتاباً.

   

السارية التي في عيني لم يسمح لي أن أبصرها، وقذاء أخي يقدمه أمام عيني، يشير عليَّ أن أكتم أفكار قلبي وإذا سقط أخي في هفوة يجعلني أَهذ فيها، علمني أن أكون متكبراً وغضوباً وسخوطاً،

وجعلني شرهاً وسكيراً ومحباً للذة، خسارات نفسي جعلها عندي مثل فوائد، صيرني متذمراً وعاجزاً ومهذاراً، جعلني ردئ العادة ومشارًّا، علمني أن أتنزه في القراءة والترتيل وأصلي ولا أعرف ما أقول.

  

يسبيني مراراً كثيرة ولا أعلم، وعظت من قوم يتقون الرب فكنت أخالف وعظتهم الصالحة وأقبل كالأسنة أقوالهم، إذا انتفعت أغضب.

يكفيك أيها المحال مثل هذا الهلاك، هلمي يا نفسي منذ الآن إلي ذاتك، علي من تعتمدين إذ تلبثين مغضبة من خلقكِ إلي متي تتصرفين في هذه الشرور، لا تنكري نعمة من يسترك لكي لا يبتعد منكِ فتدفعين إلي أيدي أعدائك.

   

يا نفسي اهربي من المحال ومن أعماله فإنه ماقت الناس وقاتل الإنسان منذ القديم، إن قربت إليه لا يشفق عليك من الهلاك، أكرهي الخبيث والتصقي بالإله المتعطف علي البشر، أستحي يا نفسي منذ الآن وأقبلي إلي طريق الخلاص، جرحتِ فلا تيأسي من ذاتك، لأن المجاهد مراراً كثيرة يخر واقعاً وأخيراً يستوضح مكللاً، سقطتِ أنهضي، تشجعي وقولي الآن بدأت ولا تلبثي في الهفوة لكي لا تدفعي كالجثة طعاماً لطيور السماء والوحوش، أركعي لملك المجد معترفة بخطاياكِ فإن له كثرة رأفات جزيلة،

فالمريدون أن يدخلوا إلي الملك الأرضي يُمنعون من البوابين وتدفعهم الجنود والخدام ويقدمون هدايا للرؤساء لينالوا مرادهم. فأنتِ إذا أثرتِ أن تدخلي إلي ملك الكل فلا يسبق إلي وهمك شئ من هذه، لا تطلبي هدية لأن ليس أحد يأخذها وليس من يمنع لأن الملك يوجد للحين مستعداً ومستقبلاً لأنه غير حقود ومحب للناس وغافر خطايا الراجعين.

   

فتقدم بلا رياء ولا بقلب ضعيف بل تقدم إليه بضمير نقي لأنه قبل أن تتكلم كلمة صغيرة أو عظيمة عرف الأشياء التي عزمت أن تقولها له، وقبل أن تفتح فمك تقدم وعرف أفكار قلبك، فلا تنقسم ولا تكتم الألم فإن ليس الطبيب جافياً بل متوجع راثِ ليشفي بكلمة، قال فصار وصدق هذا من الأمور نفسها، قال للمقعد: لك أقول أنْهض وأحمل سريرك وأذهب إلي منزلك. ففي الحال صار الإنسان معافى وحمل سريرة ومضي متخطراً. قال للأبرص: أشاء فتطهر.

فللوقت نقى من برصة. أقام العازر من الموت بعد أربعة أيام. ولكي لا نقول المعجزات واحدة فواحدة فنسهب القول، إن أعمال اللـه لا تحصى، إن التي بلت قدميه بدموعها ومسحتهما بشعرها بكلمة حل خطاياها قائلاً: ثقي يا بنت إمانك خلصك لأنه عين لا تنقص نابعة للناس أشفية فلا تتقسم إذاً لأنه لا يطرحك بل يريد أن تخلص، وهو الذي قال: إن كنتم أنتم الأشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا صالحة فكم أولى بأبيكم الذي في السموات أن يعطي الخيرات للذين يسألونه ويستسمحونه.

   

تقدم إذاً إلي أب الرافات معترفاً بخطاياك بعبرات قائلاً: أيها الرب إلهي الممسك الكل قد أخطأت في السماء وقدامك ولست مستحقاً أن أدعى ابنك، ولا أن أتفرس وأبصر علو السماء من كثرة آثامي ولا أن أسمي اسمك المجيد بشفتي الخاطئتين، لأنني جعلت ذاتي غير مستحق للسماءِ ولا للأرض لأني أسخطك أيها الإله الصالح. أسألك يارب وأتضرع ألا تطرحني من وجهك ولا تبعد عني لئلا أهلك لأن لولا يدك سترتني كنت هلكت وصرت كغبار قدام الريح وكمن لم يظهر ألبتة في هذا العالم لأنني منذ تركت طريقك لم يلقيني يوم صالح لأن اليوم الذاهب في الخطايا المظنون صالحاً أَمر من سائر الأشياء المرة، فمنذ الآن أترجى نعمتك أن تعينني وتؤيدني إذا اهتممت بخلاصي، فالآن أسجد طالباً عضدني أنا الضال عن طريق
العدل،

أسكب عليَّ كثرة رأفاتك كما سكبتها علي الابن الشاطر فإنني قد أخذيت سيرتي، بددت ثروة نعمتك، ارحمني ولا تحقد علي سيرتي الطالحة كما لم تحقد علي الزانية ولا علي العشار، ترأَف عليَّ كاللص لأنه كان آيس من الكل فعضدته وجعلته ساكناً في فردوس النعيم.

   

أقبل توبتي أنا العبد البطال فإنني آيست من الكل لأنك أنت يارب ما جئت لتدعو صديقين بل خطاة إلي التوبة لأنه آيس مني الكل، صلي أيها الحبيب وأعترف وليساعد الصلاة والاعتراف العمل لكي ما تقوم صلاتك كبخور قدام اللـه

وتسمع أيها الإنسان عظيم أمانتك ليكن لك كما تريد والإله نفسه مرشد الضالين ومقوم الساقطين يمنحنا أن نكمل سيرة غير مذمومة ويقيمنا القاضي العادل في ذلك اليوم عن يمينه.  آمــين



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +