Skip to Content

قوة التوبة /رسالة من القديس يوحنا الذهبي الفم إلى ساقط يائس

 

قوة التوبة



رسالة من القديس يوحنا الذهبي الفم إلى ساقط يائس

 

ستعود بقوة أعظم

 

الذين أظهروا عنفًا زائدًا في شرورهم، يظهرون نفس الغيرة عند عودتهم إلى الحياة الصالحة، وذلك لشعورهم بثقل الدين العظيم المدينون به. هذا ما أعلنه السيد المسيح عندما حدَّث سمعان عن المرأة الخاطئة:

?أنظر هذه المرأة. إني دخلت بيتك وماء لأجل رجليْ لم تعط.وأما هي فقد غسلت رجليًّ بالدموع ومسحتهما بشعر رأسها. قبلة لم تقبلني. وأما هي فمنذ دَخلتْ لم تكف عن تقبيل رجليْ . بزيت لم تدهن رأسي. وأما هي فقد دهنت بالطيب رجليْ. من أجل ذلك أقول لك قد غفرت لها خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيرًا. والذي يغفر له قليل يحب قليلاً ? (لو 7: 44-47).

 

لهذا السبب أيضًا، إذ يعرف الشيطان أن الذين ارتكبوا شرورًا كثيرة، عندما يبدأون في التوبة يسلكون فيها بغيرة أعظم، بقدر شعورهم بثقل خطاياهم، لهذا ُيخيفهم ويرعبهم لئلا يبدأوا في العمل.

 فإن ابتدأوا لا يمكن صدهم بل يلتهبون كالنار تحت فاعلية التوبة. فتصير نفوسهم أنقى من الذهب النقي، مدفوعين بضميرهم وتذكرهم لخطاياهم السابقة، كما لو كانوا مدفوعين بعاصفة قوية نحو سماء الفضيلة.

هذه هي النقطة التي يستفيد منها الذين سقطوا عمن لم يسقطوا، إذ يعملون بنشاط أوفر لكن كما قلت، إن أمكنهم أن يبدأوا، فصعوبة العمل وقسوته هي في وضع القدم على البداية، والوصول إلى مدخل التوبة، ودفع العدو وطرحه، ذاك الذي يحنق علينا ويحاربنا.

 أما بعد الدخول فلا يعرض الشيطان حنقه الزائد بعدما فشل، وسقط حيث كان قويًا. فننال نشاطًا أوفر، ونجرى بسهولة في هذا السباق الحسن.

ليتنا نضع أمامنا عودتنا. ليتنا نسرع إلى المدينة التي في السماء، التي فيها سُجلت أسماؤنا، واخترنا لكي نجد فيها مكانًا كمواطنين.

أما يأسنا من نفوسنا فلا يقف عند هذا الشر، وهو أن يُغلق أبواب هذه المدينة في وجوهنا، ويجرنا نحو البلادة والاستهتار بل يُسقطنا في الطيش الشيطاني أيضًا.

فالسبب الذي لأجله صار الشيطان كما هو عليه، أنه سقط أولاً في اليأس التام، ومن اليأس سقط في الطيش.

فعندما تُحرم النفس من خلاصها، تبدأ تغرق إلى أسفل. مختارة لنفسها أن تفعل وتقول كل ما يضاد خلاصها.

فكما أن المجانين عندما يفقدون سلامة عقلهم، لا يعودون يخافون ولا يخجلون من شيء، بل بدون خوف يتجاسرون على صنع كل شيء، ولو أدى إلى سقوطهم في النار أو ماء عميق أو هوة. فالذين أمسكوا بجنون اليأس من الآن فصاعدًا لا يمكن ضبطهم

بل يسيرون مندفعين نحو الرذيلة من كل جانب. وإن لم يأتيهم الموت كحٍد فاصٍل لجنونهم وعنفهم، يصنعون لأنفسهم أضرارًا لا حد لها.


 


 

لذلك أتوسل إليك قبل أن تنحدر بعمق في هذا السكر، أن تسترد حواسك، وترتفع بنفسك، وتنزع عنك تلك النوبة الشيطانية، منفذًا ـ بهدوء وبالتدريج  ما لم تستطع أن تنفذه دفعة واحدة

 
 

ستنال مكافأة مضاعفة

إنني أتوسل إليك وأطلب منك أن تذكر سمعتك الأولى، وذلك الإيمان الذي كان لك. فإننا نريد أن نراك مرة أخرى على برج الفضيلة، وفي مثابرتك الأولى.

 

أذكر أولئك الذين يتعثرون بسببك، هؤلاء الذين يسقطون ويزداد توانيهم وييأسون من طريق الفضيلة.

 

لقد خيّم الحزن على رابطة أصدقائك ذو السيرة الحسنة، بينما حلّ الفرح والسرور بين جماعات غير المؤمنين وأولئك الأحداث المتوانين. لكن إن رجعت مرة أخرى إلى استقامتك السابقة، فستنعكس النتيجة.

 فينتقل عارنا إليهم، بينما نفرح نحن بإيمانك العظيم ناظرينك متوجًا وحائزًا على النصرة في صورة أبهى مما كنت عليه. فإن مثل هذه النصرة تجلب شهرة أعظم وسعادة أوفر.

إنك لن تنال المكافأة عن إصلاحك فحسب، بل بما ستقدمه من نصائح وتعزيات للآخرين أيضًا، بكونك تصير مضرب المثل لمن يسقط مثلك، فيتشجع ويقوم وتُشفي نفسه.

إذن لا تهمل هذه الفرصة المربحة، ولا تسحب أنفسنا إلى الهاوية التي كنا فيها، إننا في حزن، بل دعنا نتنسم الحرية مرة أخرى، وتزول عنا سحابة القنوط التي تساورنا من جهتك.

والآن لنَدَعْ جانبًا موضوع متاعبنا، فإننا نحزن على ما يحلّ بك من المصائب ولكن إن أردت أن تعود إلى رشدك، وتنظر بوضوح وتسير في الجمهور الملائكي، فإنك ستعتقنا من الحزن وُتزيل عنا النصيب الأوفر من الخطية.

شهادة الكتاب المقدس

أما عن كون أولئك الذين يرجعون بعد التوبة يضيئون بلمعان مضاعف أكثر من أولئك الذين لم يسقطوا، فهذا أتيت به من الكتب المقدسة، فعلى الأقل أولئك العشارين والزواني ورثوا الملكوت قبل كثير من الباقين



 

توبة واعتراف بلا رجاء

 

إنني أعرف حقًا انك تعترف بخطاياك، وتسمي نفسك بائسًا بلا حدود. لكن ليس هذا كل ما أطلبه منك، بل اشتاق أن تتيقن من أنك تتبرر. لأنه طالما تقدم هذا الاعتراف دون أن تشعر بفائدته، فحتى إن أدنت نفسك، فإنك لن تتخلص من الخطايا المقبلة. فإنه لا يستطيع أحد أن يمارس شيئًا بغيرة وبطريقة مفيدة ما لم يقتنع أولاً بفائدتها.

 

فالزارع بعدما يبذر الحبوب، لن يحصد شيئًا ما لم ينتظر المحصول. لأنه من يقبل أن يتعب نفسه عبثًا، مادام سوف لا يربح شيئًا من تعبه؟! هكذا من يزرع كلمات ودموعًا واعترافًا، إن لم يصنع هذا برجاء حسن لن يستطيع أن يتخلص من كونه مخطئًا، إذ لا يزال يخطئ بخطية اليأس?

 

لا تقف عند حد اتهام نفسك بخطاياك، بل لتكُنْ كمن يريد أن يتبرر بالتوبة. لأنه بذلك يمكنك أن تُخجل نفسك المعترفة حتى لا تعود تسقط في الخطايا مرة أخرى. لأن اتهام الإنسان لنفسه بعنف واعترافه بأنه خاطئ أمر شائع حتى بين غير المؤمنين أيضًا.

 

فكثيرون ممن يعملون في المسارح، من رجال ونساء، هؤلاء الذين اعتادوا أن يقوموا بأعمال معيبة، يدعون أنفسهم بائسين، لكنهم لا يقولون هذا بقصد مفيد. فهذا لا أدعوه اعترافًا، لأن إعلانهم عن خطاياهم لم يصحبه تأنيب الضمير ولا دموع حارة ولا تغيير في السلوك إنما يقدم البعض هذا الاعتراف لمجرد نوال شهرة من السامعين لصراحتهم في الحديث

 

فالذين هم تحت تأثير اليأس سقطوا في حالة من عدم الحساسية، فيستهينون بنظرة أصدقائهم لهم، كاشفين لهم أفعالهم الشريرة كما لو كانوا يتحدثون عن خطايا الآخرين

 

وما هي جذور اليأس وأصله؟

 

انه التراخي.

 

إننا لا يجب أن ندعو التراخي جذور اليأس فحسب، بل هو مربيته ووالدته فالتراخي يؤدى إلى اليأس، وهو في نفس الوقت يزداد باليأس. وكل منهما يقوى الآخر في تبادل شريرفإن قطعنا أحدهما إلى أجزاء، فبسهولة نقدر على الثاني.

 

فمن ناحية نجد أن الإنسان غير المتراخي لن يسقط في اليأس.

 

ومن ناحية أخرى نرى أن الذي يتقوى بالرجاء الحسن ولا ييأس من نفسه، لن يقدر أن يسقط في التراخي

 

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +