Skip to Content

بطرس هامة الرسل وبولس رسول الامم - المونسنيور ميشال فريفر

بطرس هامة الرسل وبولس رسول الأمم



تُعيّد الكنيسة في التاسع والعشرين من حزيران عيد الرسولين بطرس وبولس أعمدتها الأساس. بطرس عرف المسيح ومشى معه دروب الرسالة، وسمعه يتكلّم، وشاهده يشفي هذا وذاك، ويُقيم من الموتى من يشاء.

أمّا بولس إدّعى أن المسيح اختاره، وقد عرَفَه حقًّا لحظة ظهوره له على طريق دمشق، البرهة التي فيها بدأت شهادته له الى اليوم الذي فيه قُطع رأسه.

في العهد القديم، بدّل الله إسم أبرام بإبراهيم، ويعقوب بإسرائيل. وفي العهد الجديد، عهد التجسّد والفداء والخلاص، بدّل يسوع المسيح، إبنُ الله، إسم سمعان ببطرس، يوم جاء اليه أخاه أندراوس أحد تلاميذ يوحنّا المعمدان  فرحًا، قائلاً: "قد وجدنا المسيح" (يو 24: 32). ولما تمّ اللقاء قال يسوع لبطرس: "أنت سمعان بنُ يونا، وسأدعوك "كيفا" أي الصخرة (يو 1: 42).

بعدها، أسمعه الربّ صوته ثانيةً في قيصريّة فيلبّس على ضفاف نهر الأردّن مُردّدًا: "أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متّى 16: 18). وبدعوة إلهيّة إلى شرف الرسالة، قال لبطرس وأندراوس: "إتبعاني، أجعلكما صيّاديّ بشر، فتركا شباكهما في الحال وتبعاه" (متّى 4: 19- 20). وها هو بطرس صخرة الكنيسة، هامة الرسل ونائب المسيح على الأرض.

 

 

رافق بطرس يسوع فشاهد بأمّ العين أعجوبته الأولى في قانا الجليل. وكان يسوع يتّخذ سفينته ليُعلّم الجموع. ولمّا جاء عيدُ الفصح صعد معه إلى أورشليم كما تردّد إلى بيته وشفى حماته (متّى 18: 14). ونظرًا لعمق إيمانه بمعلّمه، ألقى شبكته فأمسك ومن معه "سمكًا كثيرًا وكادت شباكهم تتمزّق" (لو 5: 6) بعد تعب الليل وقهر الموج دون أيّة سمكة. وهكذا، راح بطرس يعيش أعاجيب يسوع واحدةً تلو الأخرى إلى أن حان الوقت للإجابة على سؤالٍ طرحه المسيح: "ومن أنا في رأيكم أنتم؟" فأجاب سمعان بطرس: "أنت المسيح إبن الله الحي" (متّى 16: 16). عندئذٍ، سلّمه يسوع "مفاتيح ملكوت السماوات" (متّى 16: 19- 20). هذه السلطة المُعطاة لبطرس تجعل منه الأوّل في الكلام والإيمان والحبّ والإخلاص والعمل.

ولمّا أتت ليلة يسوع الأخيرة، قام يسوع بغسل رجليّ بطرس. وحفاظًا منه على قوة إيمانه، خصّه بالصلاة. ويوم قُبض على يسوع أنكره بطرس ثلاث مرّات (متّى 26: 69 ? 74؛ إلخ...). بعد هذا، بكى بطرس بكاءً مرًّا.

ولمّا افتدى يسوع المسيح العالم على الصليب ودُفن، جاء بطرس ومن معه إلى القبر ودخله فرأى "الأكفان على الأرض، والمنديل الذي كان على رأس يسوع ملفوفًا في مكانٍ على حِدة..." (يو 20: 3- 10). هنا، ظنّ الجميع أنّه إنتهى وقضيّته الخلاصيّة، لكنّه تراءى لبطرس قبل سائر الرسل، ومن بعدهم لكثيرين (لو 24: 13- 49؛ ألخ...). وبعد هذا الترائي، عاش بطرس حُزنـًا عميقًا لنكرانه المسيح. لكنّ رحمة المسيح وغفرانه له لم يُفارقا قلبه المُحبّ وقد أجاب على سسؤال طرحه المسيح عليه ثلاث مرّاتٍ: أتحبّني؟ "نعم يا ربّ أنت تعلم أنّي أحبّك".

حافظ بطرس قبل العنصرة وبعدها على إيمانه وحماسته واندفاعه ومحبّته للمسيح. وقد ثبّته الروح القدس كما ثبّت التلاميذ ليكونوا للمسيح شهودًا إلى أقاصي الأرض. بعد هذه الأفكار الوجيزة نستطيع القول أنّ الحظّ  حالف بطرس مرّتين. مرّةً، يوم عرف يسوع. وأخرى يوم استشهد ومات مصلوبًا رأسًا على عقب.

 

 

أمّا بولس المحظوظ بالمسيح، فقد تذوّق أبعاد عالمه، فترسّخ فيه ونضُج وانسكب صوته المقدّس بمواكبة أتعابه وجهاده وغيرته ومحبّته وإيمانه، مُحرّكًا أسمى الأعماق من أجل بُنيان صرح ملكوت الله.

إنطلق بولس إبن طرسوس من النور الأزليّ، يسوع المسيح، ليُشعله في النفوس المُظلمة. إستخدم كل ما في طبيعته البشريّة من قوّة، وما تغلغل في صميمه من ثقافة، من أجل إيصال كلمة الله الخلاصيّة إلى جميع الهائمين على وجوههم في طريق الهلاك لعدم معرفتهم إبن الله، يسوع المسيح الذي بشّر به مصلوبًا وقائمًا من الموت.

كانت هذه الحقيقة قضيّته الأساس وهدفه الأسمى. رافع ودافع عنها مُتسلّلاً إلى أغوار ذاته، مُستنهضًا مواهبه وطاقاته، راضيًا بالمصاعب والمشقّات والمصائب ليُبادل الحبّ بالحبّ. استولى المسيح على قلبه، فآمن أنّ عليه أن يغزو العالم، وقال: "الويل لي إن لم أُبشّر" (1 قور 9: 16). لذا، أدّى الشهادة كاملة في كلّ رحلاته خاصّة أمام الذين شاهدوه مقطوع الرأس ومُخضّبًا بالدماء.

أبى رسول الأمم إفراغ الصليب من معناه الخلاصيّ. فشهدت لصوته ولكلماته دقائق عصره أمام الملوك والقياصرة والفقراء في قلب مدنهم وخارجها. هذه الشخصيّة الساحرة، النادرة، لم تقف حائرةً أمام مفاصل التاريخ المسيحيّ الأوّل وفصوله، بل قفزت قفزة الإنحلال في المسيح والمكوث في مُلكه وملكوته. إنّه الأوّل بعد الأوحد الذي لم تخبُ كلماته ولم يستطع التاريخ طيّها لأنّها من وحي الروح القدس وعمل الله.

قال بولس كلمته، فجاءت كشرارةٍ أوقدت كلمة الله فانتشرت انتشار النار في الهشيم:

-    

"لا أستحي بالإنجيل، لأنّه قوّة الله لخلاص كلّ مُؤمن" (روم 1: 16).

- 

"من يفصلني عن محبّة المسيح: الشدّة أم الضيق... الخطر، أم السيف" (روم 8: 35).

-    

"إنّ حياتي هي المسيح وإن مُتُّ فذلك ربحٌ لي" (فل 1: 21).

إنّ لاهوت بولس هو إيمانٌ بالمسيح المصلوب والقائم من الموت الذي شهد له في حياته ورسائله وفكره ومواقفه واستشهاده. وهو الذي توغّل في شخصه، غاص في سرّه، بشّر من وحيه إلى أن أصبح المسيح يحيى فيه ويتكلّم، فأضحى أسيره عادًّا كلّ شيءٍ خسارةً ليربحه، وقد ربحه.

تكلّم بولس عن النعمة فقال لأهل أفسس: "وأنتم بالنعمة مُخَلَّصون" (أف 2: 5)، ولأهل رومة: "... ولكن حيث كثُرت الخطيئة فاضت نعمة الله" (روم 5: 20)، ولتلميذه تيطس: "فإذا تبرّرنا بنعمته، نصيرُ وارثين وفقًا لرجاء الحياة الأبديّة" (تيط 3: 7).

ولم تخلو الشّرّيعة من كلماته. ذكر في رسالته إلى أهل رومة أنّها "مُقدّسة، والوصيّة مُقدّسة وعادلة" (روم 12: 7)، والمسيح هو المُحرّر الأوحد من الخطيئة والشريعة في آن (روم 6: 1- 19؛ 7: 1- 6).

وفي البرّ قال: "أنّ الله يُبرّر بالإيمان بيسوع، ولا فرق بين البشر" (روم 3: 22).

ايها الاخوة الاعزاء،

بطرس وبولس حجر الزاوية لكلمة الله وبيته. إنّهما للبيعة المقدّسة رُسُلاً وقدّيسين أحبّا المسيح حُبًّا ما بعده حُبّ، ومن يُحبّ المسيح يُحبّ الكنيسة ويُحبّه الآب السماوي، ومن يُحبّ الكنيسة يُفكّر كنسيًّا ويعيش وصايا الله ووصاياها، ويحفظ كلمة الربّ في قلبه حتّى ولو دفع ثمن التزامه، حياته على مثال القدّيسين بطرس وبولس. آمين.

              

                                  عيد مار بطرس وبولس

 

                           كاتدرائيّة مار أنطونيوس المارونيّة

 

                                     دمشق في 29 حزيران 2010

 

                                          المونسنيور ميشال فريفر

 

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +