Skip to Content

ميمر على الصلبوت - من مخطوطات الدير - للأنبا بولس البوشي أسقف مصر القديمة

ميمر على الصلبوت


http://hoocher.com/Peter_Paul_Rubens/Christ_on_the_Cross_between_the_Two_Thieves_1620.jpg

+ ميمر على صلبوت ربنا يسوع المسيح للأنبا بولس البوشي أسقف مصر في القرن الثالث عشر الميلادي، نقلاً عن المخطوطة م 18 (ورقة 83 وجه إلى 107 ظهر) - مكتبة دير القديس أنبا مقار ببرية شيهيت.

وقد قال (المسيح) هذا («يا أبتاه في يديك أضع روحي») عند إسلامه الروح، لأن الشيطان كان مُسلَّطاً على النفوس منذ آدم لأجل المخالفة، فلما جاء الربُّ من السماء، الذي تجسَّد وصار آدمَ ثانياً لرجاء الحياة المستأنفة، قال: «يا أبتاه» ليُعلن أنه ابن الله الوحيد.

قال: «في يديك» الذي هو واحد معه في اللاهوت. قال: «أضع روحي»، أعني كما أن بآدم تسلَّط الشيطان على الأرواح، كذلك فيَّ أنا من الآن يخلصون ويكونون في يديك، يا ذا القوة.

والرسول يقول: «كما ماتوا بآدم، كذلك بالمسيح يَحْيَوْن».

قال الإنجيل المقدس عند إعلان الصوت: «للوقت انشقَّ سترُ حجاب الهيكل من فوق إلى أسفل»، أعني أنه نزع منه فعل الروح القدس الذي كان فاعلاً في الناموس العتيق،

لأن غايته إلى مجيء المسيح، لكي من ذي قبل يحلّ على المؤمنين به، كما شهد الإنجيل قائلاً: «إن الروح لم يكن حلَّ بعد من أجل أن يسوع لم يكن مُجِّدَ»، أعني مجد الصليب. فلما نزع الروح من الهيكل الذي لليهود، شقَّ ستر الحجاب للوقت، لأن ضحايا الحيوان ودم الجداء قد بَطُلت برفعه ذبيحة عن الكافة وإكماله الغاية.

 

قال: «والأرض تزلزلت، والقبور تفتحت، وكثيرٌ من أجسام القديسين الرقود قاموا من قبورهم، وخرجوا من بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين»، فخلص الشبه بشبهه، النفسُ مضت إلى الجحيم متحدةً باللاهوت خلَّصت النفوس، والجسد على الصليب متحداً باللاهوت أقام الأجساد.

وأما الزلزلة ليُعلن قوَّته، وأن موته لم يكن بضعف على غالب الموت، الذي موته زلزل الأرض بإعلان قوة الصوت، وأن موته بإرادته ومشيئته، القائل:

«لي سلطان (أن) أضع نفسي ولي سلطان (أن) آخذها».

وأما تشقيق الصخور لتبكيت الذين قلوبهم لحمية كما يزعمون، وكيف (أن) الصخور الصلبة تشققت وهم الذين يقرأون الناموس لم تلن قلوبهم ولم تخشع فيتوبوا ليغفر لهم بكثرة تحنُّنه.

قال الإنجيل: «وأما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع لما نظروا الزلزلة وما كان، خافوا جداً، وقالوا: حقّاً إن هذا هو ابن الله»،

أعني الأمم الذين لم يكن لهم ناموس، (أي) القائد والجند الذين معه، لما نظروا الآيات الكائنة مع الزلزلة التي حدثت عند إسلام (المسيح) الروح،

خافوا جداً وخشعت قلوبهم، وبفعل المصنوعات استدلوا على الصانع، وقالوا: «حقاً إن هذا هو ابن الله».

وذلك أنهم لم يقرأوا كتاباً، بل سمعوا من اليهود لما شكوه لبيلاطس قائلين: «إنه قال عن نفسه إنه ابن الله». فلذلك قالوا عند نظرهم ما كان: حقّاً يقيناً قوله حق، وهو ابن الله بالحقيقة بلا شك ولا امتراء (مراءاة).

قال الكتاب العزيز: «وكل الجمع الذين كانوا مجتمعين لهذا المنظر لمَّا عاينوا ما كان رجعوا وهم يدقون على صدورهم»، أعني عندما شاهدوا الآيات الحاضرة لم يتمالكوا القيام، بل رجعوا وهم متأسفون على ما فعله رؤساء الكهنة الأشرار، وكانوا يضربون صدورهم من كثرة الحزن والآلام.

فلما كملت هذه الأشياء المخوفة بأسرها، حينئذ أَذِنَ الرب أن تعود الشمس إلى ضوئها عند غروبها بعد تسع ساعات من النهار، وسكنت الأشياء واستقرت، ليُعلن أنه راضٍٍ على الأرض ومَن عليها، وأن صلبوته للرحمة لا للانتقام والغضب.

وإنما صنع هذه العلامات لتتبيَّن قوته. وأعاد ضوء الشمس ليتم المكتوب في زكريا النبي القائل: «إنه سيكون يوم واحد، وذلك اليوم معروف للرب لا نهار ولا ليل، ثم يكون الضوء أوان العشاء» (زك 14: 7).

انظروا الآن إلى قول النبي أنه يكون يوم واحد، أعني أن ليس له ثانٍ، كما قال الرسول «إنه قرَّب نفسه مرة واحدة». قال النبي:«وذلك اليوم معروف للرب»، أعني أنه له خاص معروف إلى الأبد لتذكار آلامه.

قال: «لا نهار ولا ليل»، أعني أنه مقسوم وفيه نور النهار وظلمة الليل. ثم قال: «ويكون الضوء أوان العشاء»، أوضح في النبوة بيان أن ضوء الشمس يكون قريباً من العشاء، كما قد كان.

ثم بعد ذلك مضى اليهود والذين لم تتخشع قلوبهم إلى بيلاطس وسألوه كسر ساقات المصلوبين لكي يموتوا سريعاً وينزلوهم لأجل ليلة السبت، لأن ذلك السبت كان عندهم عظيماً. لأنه سبت أيام الفطير السبعة.

قال الكتاب المقدس: «فجاءوا الجند»، أعني المُرسلين معهم من عند بيلاطس، غير الجند الأوَّلين الذين آمنوا. قال: «وكسروا ساقات اللصَّين اللذين صُلبا معه». فلما انتهوا إلى الذي يعلم الأشياء كلها قبل وقتها، وجدوه قد أسلم الروح بإرادته، فلم يكسروا ساقيه،

ليتم الكتاب: «أنه لا يُكسر له عظم»، أعني القول الذي تقدَّم عن خروف الفصح الذي هو مثال الحق المسيح.

ولكن واحداً من أولئك الجند الأشرار الذين أتوا معهم أراد الحظوة عندهم، (لذا) طعنه في جنبه بحربة، لكي يتم المكتوب في زكريا النبي القائل:

«سينظرون إليَّ الذين طعنوا» (زك 12: 10). وللوقت خرج ماءٌ ودمٌ: أما الماء يدلُّ أنه مات بحق بإسلامه النفس؛ وأما الدم ليدلَّ أيضاً أنه حيٌّ بحق باتحاد اللاهوت بجسده المُحيي بغير افتراق، لأن كلاًّ منهما كان فرادى، أعني: الماء والدم، من غير اختلاط.

داود النبي يُعلن لنا هذا الموضوع جيداً في المزمور الثامن والستين قائلاً: «جعلوا في طعامي مرارة»، أعني الخمر المخلوط بمرٍّ الذي أعطوه وقت أن أرادوا صلبه، فذاق ولم يشأ أن يشرب.

كما شهد الإنجيل فقال: «وعند عطشي سقوني خلاًّ». إن فعلهم كان تشفِّياً ببغضة خارجاً عن ناموس الشريعة وعن ناموس الملوك أيضاً، الذي جرت به العادة.

ولكن ما الذي قاله بعد ذلك؟ قال: «فلتكن مائدتهم أمامهم فخّاً ونصباً ومجازاة وعثرة» (مز 69: 22)، أعني بمائدتهم خدمتهم التي هي ضحايا الحيوان التي كانت مثالاً على جسد الرب الكريم ودمه الزكي؛ وأنه بدمه خاصة يُطهِّر الكافة.

فحيث جاء الحق فلم يقبلوه، صار ذلك الذي لا جدوى له فخّاً وعثرة بلا شك عنده. تمسَّكوا بالظل وتركوا الحق.

وقال: «وتُظلم عيونهم فلا يبصرون»، أعني أنها تُظلم عن معرفة نور الحق الآتي إلى العالم. كما شبههم الرب بعميان قادة عميان.

Click to view full size image

وقال لهم أيضاً: «إن النور معكم زمناً يسيراً، فآمنوا بالنور لئلا يُدرككم الظلمة». وقال: «وتكون ظهورهم منحنية»، أعني تحت نير الملوك الغريبة منهم، الذين قد ملكوا عليهم.

قال: «في كل حين»، (وليس في حين) واحد مثل سبي بابل، لكن دائماً في كل حين بغير تعاهُد.

قال: «صُبَّ عليهم رجزك، وتُدركهم شدة سخطك»، أعني سبي اسباسيانوس لهم مع القتل الشديد الذي نالهم منه. هذا الذي أدركهم سريعاً بعد صعود الرب بأربعين سنة.

قال: «منازلهم تكون خراباً»، أعني أنها تخرب منهم بإبادتهم بالسيف مع الجلاء والتبدُّد الذي أصاب البقية، كما قد تشاهد الآن. قال: «ولا يسكن مساكنهم مَن يعمرها»، أعني لا يعمرها على رأيهم الفاسد، بل خدمتهم تبطل منها كما قد كان ولا شيء.

قال: «لأنهم اضطهدوا الذي ابتليتَ»، أعني أنه أتى متواضعاً وقَبِلَ عليه الأشياء الواجبة علينا لينقذنا منها، كما قال الرسول:

«بما أنه ابتُلي وتألم، هو قادر على أن يُعين الذين يحزنون ويبتلون» (عب 2: 18)، فأما هم عِوَضاً من قبوله اضطهدوه.

قال: «وزادوا الجريح جراحاً»، أعني طعنه بالحربة التي زادوها بعد دق المسامير، لأن هذا الآخر بغير حكومة (أي شريعة) الملوك ولا عدل العامة، لأن الطعنة كانت بعد إسلام الروح، وكان هذا عبثاً منهم وبغضاً.

فلأجل هذا ذكر داود النبي هذين الفعلين خاصة في هذا الموضع، الخل والطعنة، ودعا أولاً عليهم بهلاك في الدنيا عاجلاً، كما قد حصل بهم، ثم ها هنا بعد ذلك دعا عليهم بالهلاك المؤبد دائماً،

فقال: «زدهم على إثمهم آثاماً»، أعني الإثم الذي صنعوه بالأنبياء يزدادون آثاماً، أضعاف ذلك لِمَا قد صنعوه برب الأنبياء.

كما قال الرب: «إن هذا كله يأتي على هذا الجيل ويُنتقم منهم، عن دم كل الصدِّيقين الذي أُهرق على الأرض، من دم هابيل إلى دم زكريا»، وذلك لأنهم تُركوا إلى مجيء المسيح.

قال: «ولا يدخلون في عدلك»، أعني بعدله المساواة بين الكل في الإيمان، لا يستحقون ذ لك لأنهم لم يطيعوا.

قال: «يُمْحَوْن من سفر الحياة»، أعني سفر الحياة الذي ذكره موسى والأنبياء، يُمْحَوْن هم منه. قال: «ولا يُكتبون مع أبرارك»، أعني (بأبرارك) الذين يتبرَّرون بالنعمة مجانـاً بـربنا يسوع المسيح، لا يكون لهم (أي لغير المؤمنين) حظٌّ في ذلك ولا نصيب لكفرهم وعتوِّهم.

هذه النبوَّات وأمثالها، يا أحبائي، أكملها الرب على عود الصليب المقدس من أجلنا، ليُوصِّل إلينا الحياة اللائقة به، سُرَّ غير المتألم أن يتألم بالجسد من أجلنا ليُوصِّل إلينا الصحة من الآلام.

سُرَّ الذي يعلو ويفوق كل مجد وكرامة أن يُرذل عنَّا ليوصِّل إلينا المجد اللائق.

سُرَّ رئيس الحياة أن يكون بالجسد من أجلنا ليوصِّل إلينا الحياة الملائمة لعظمة أزليته.

لك أيها المسيح الذي تألم عنا نعبد، ولآلامك وصلبوتك نسجد، نمجِّد آلامك ونعظِّم صليبك المقدس، ونعترف بموتك ونبشر بقيامتك، ونترجى إتيانك إلى حين مجيئك،

لأن بهذا صار لنا براً وتطهيراً وخلاصاً وافتخاراً، ونرتل مع الرسول القائل:«أما أنا فلا فخر لي إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي الدنيا لي مصطلبة وأنا مصطلب للدنيا»(غل 6: 14).

هذا الذي به أيضاً افتخرت الملائكة المقدَّسون قائلين للنسوة: «أنتن تطلبن يسوع المصلوب، ليس هو ها هنا، لكن قد قام كما قال لكم، وهذا الموضع الذي كان فيه الرب». فاعترفوا بالمصلوب أنه ربُّ المجد ولم يأنفوا، افتخروا وسُروا وبشَّروا النسوة بذلك.

فيجب علينا أن نعطي مجداً وكرامة للرب الذي شاء أن يتألم عنا من غير أن يظهر منا عملٌ صالح نستحق به ذلك، كما كرز الرسول قائلاً:

«إن كان المسيح من أجل ضعفنا مات في هذا الزمان بدل الفجار، وبالكاد ما يبذل الإنسان نفسه بدل الأشرار، فأما الأخيار عسى يجترئ الإنسان على الموت دونهم. فمن ها هنا عرَّفنا الله محبته لنا، إذ كنا خطاة أثمة مات المسيح دوننا» (رو 5: 8).

وقال أيضاً: «أنتم الذين كنتم من قبل غرباء بضمائركم وأعداء بسوء أعمالكم، ألَّف بينكم ببذله جسده للموت، ليُقيمكم بين يديه أطهاراً بلا عيب» (كو 1: 21،22).

فلا تنسى الآن آلامه المُحيية، كما أوصانا أن نتذكَّرها في كل وقت عند تقدمة الأسرار المقدسة إلى حين مجيئه في مجد ملكوته،

ونرتل قائلين: لك أيها المسيح الرب نعبد، ولآلامك المحيية ولصلبوتك نسجد. ننظر إليه بعين الإيمان ونحيا من السم الذي للحية المعقولة، هذه التي أضلَّت أبانا آدم وأخرجته من الفرودس، ولم يشفه هو وذريته إلا رفع الرب على الصليب، هو باقٍ إلى الأبد، يُعطي الحياة لكل مَن ينظر إليه بعين الإيمان، وليس لحياة زمنية، بل لحياة أبدية كما يليق به؛

إذ الرسول يأمرنا بذلك قائلاً: «نسعى الآن بالصبر في الجهاد المنصوب لنا، وننظر إلى يسوع الذي صار رئيس إيماننا ومُكمِّله، إذ احتمل الصليب بدل (أي مقابل) ما كان أمامه من الفرح».

ثم أكد قائلاً: «فكِّروا في أنفسكم كم احتمل من الخطاة» (عب 12: 1-3)، أولئك الذين صاروا أضداد أنفسهم، فأمرنا أن نجعل آلام المسيح في فكرنا، مكتوباً على قلوبنا، مرسوماً على أيدينا، مصوَّراً أمام أعيننا، ممثلاً قدامنا، وبقوة الصليب ننجو من الحيات العقلية، لأن بالصليب خَلُصَ الأبرار الذين كانوا والذين يكونون أيضاً.

بالصليب كان خلاص الآباء الأولين والأنبياء وكافة الصدِّيقين. بالصليب سبى الرب الجحيم وفتح الفردوس. بالصليب تتقدَّس الكنائس.

بالصليب يكون هبوط الروح القدس على المعمودية، وتلدنا بنين لإرث الحياة الأبدية. بالصليب يكمل تقديس الأسرار الروحانية. بالصليب يكون رتبة الكهنوت. بالصليب يكمل خدمة جميع البيعة الرسولية.

بالصليب صنع الرسل الآيات. بالصليب عمل القديسون العجائب. بالصليب اضطهد المجاهدون الأرواح الشريرة. بالصليب يتقدَّس كلُّ شيء، لأنه علامة الملك المسيح.

وحيث يُرشم في التقديسات يحلُّ الروح ويكمل القداسة، لأن الصليب علامة الابن، والروح فاعل مع ذلك. الصليب ضياء الكنيسة، ومثال فوق الهياكل.

بالصليب افتخر الملوك الأبرار. بالصليب افتخر قسطنطين وأُمه هيلانه وأولاده قسطه وقسطنس. بعلامة الصليب هزم قسطنطين جيوش البربر وظهر الصليب في أيامه وصار له بذلك ذِكْرٌ مؤبد، وصنع علامة الصليب فوق رأسه على تاجه ليكون له معونة وقوة وخلاصاً، وأباد فضلة عبادة الأوثان بقوة الصليب المقدس، ومنه صنع كل الملوك المؤمنين الصليب فوق التيجان على رؤوسهم مفتخرين بذلك، يُظْهِرون به بهاء مجد الإيمان بالمسيح الملك الحقيقي.

فنرسم نحن علامة الصليب المعظم على وجوهنا، ونحصِّن به كل أجسادنا، إذ نصنع رسمه على كل أعضائنا.

هذا المثال المقدس الذي ظهر أولاً برمز النبوَّة عند قول الله لموسى: هذه العصا التي تحوَّلت في يدك ثعباناً اصنع بها العجائب بمصر، واضرب بها البحر الأحمر طولاً وعرضاً مثال الصليب فينشق. وهذا كان مثالاً على خشبة الصليب المقدس الذي يصنع العجائب والقوات والتقديسات، وليس في زمان واحد مثل ما صنع موسى، بل في كل مكان وزمان.

هذا الذي أظهر مثاله أيضاً يعقوب إسرائيل لمَّا بارك على أولاد يوسف حين حضرته الوفاة، عندما خالف يديه كمثال الصليب وباركهم، ثم سجد على رأس عصاه.

أظهر مثال الصليب الذي به تكون البركات، وسجوده على رأس خشبة إشارة لخشبة الصليب، وكما وضع يده اليمين على رأس أفرام (أفرايم) وهو الأصغر، ويده اليُسرى على رأس منسا (منسَّى) وهو الأكبر،

وقال: إن أفرام يُعظَّم أكثر من منسا (تك 48: 18-20)، كذلك شعوب الأمم عظموا أكثر من بني إسرائيل؛ لأن صلبوت الرب على الأمم وبني إسرائيل معاً.

فيجب أن نعلم كرامة الصليب المقدس ونحفظها بكل وقار، كما أوصانا الرب أن نحمل الصليب ونتبعه لكي نستحقه، أعني أن نموت عن أوجاع العالم،

كما قد قال الرسول: «إن حياة الأحياء ليست لأنفسهم بل الذي مات عنهم وقام لكي يكون رب الأحياء والأموات» (1بط 4: 1-2).

فلتكن سيرتنا كما يُلائم موت الرب، لأن الذي قد مات قد نجا من الخطية وتحرر منها، كما يقول الرسول. ثم يعلِّمنا ما هو الموت قائلاً:

«أميتوا أعضاءكم التي على الأرض التي هي النجاسة والزنا والشهوة الخبيثة والغشم وما أشبه ذلك» (كو 3: 5).

ثم يعظنا قائلاً: «إنَّا نحتمل في كل حين في أجسادنا موت يسوع لتظهر حياة يسوع أجسادنا، فإذا كنا نحن الأحياء نُسلَّم إلى الموت من أجل يسوع، كذلك حياة يسوع تظهر في أجسادنا المائتة» (2كو 4: 10).

فقد صح أن التشبُّه بموت الرب أن نموت عن الخطية والشهوة العالمية، كما يُبيِّن ذلك أيضاً قائلاً: «إنكم لم تبلغوا حدَّ الدم في مجاهدة الخطية» (عب 12: 4).

ويأمرنا أن نخرج عن سيرة هذا العالم لنكون وارثين الدهر المستأنف قائلاً: «أما الحيوانات التي كان رئيس الكهنة يدخل بدمائها بيت المقدس عن الخطايا، إنما كانت لحومها تُحرق بالنار خارجاً عن المحلة، كذلك يسوع أيضاً لما أراد أن يُطهِّر شعبه بدمه، تألم خارجا من المدينة، فنخرج نحن أيضاً إليه خارجاً من المعسكر حاملين لعاره، لأنه ليس لنا ها هنا مدينة تبقى، بل إنما نرجو الملكوت المزمعة»

(عب 13: 11-13).

أَنظرتَ الآن المماثلة في العتيقة كيف أكملها الرب حتى إلى غاية التطهير بدمه الكريم،

ولم يوجب علينا المماثلة بسفك دم لأجل ضعف البشرية، بل أمرنا بالخروج عن سيرة العالم حاملين علامة الصليب الذي يُعيِّروننا به القوم غير المؤمنين، وهو لنا مجد وخلاص.

ويُعلِّمنا أن هذا العالم لن نبقَى فيه مُخلَّدين، فلذلك يجب أن يكون رجاؤنا في تلك الملكوت المزمعة التي لا زوال لها.

نحب إخوتنا من أجل الذي أحبنا وبذل ذاته عنا. نرحم المساكين من أجل الذي رحم المأسورين والضالين ومات عن الجميع.

نصنع صُلحاً وسلاماً مع إخوتنا من أجل الذي بدم صليبه أصلح ذات كل بعيد وجعل الفريقين واحداً. نحفظ أجسادنا طاهرة وكل حواسنا لكي نموت مع المسيح عن أركان هذا العالم.

نفتقد المحبوسين من أجل الذي أخرج المعتقلين مـن لَدُن آدم وأدخلهم إلى الفردوس. هـذا هـو السلوك في إثره والمثابرة على حفظ وصاياه.

ونحن نسأل الذي اتضع بين المنافقين من أجلنا، وتألم لراحتنا، ومات لحياتنا، أن يحرسنا أجمعين، ويتحنَّن علينا مجاناً بسعة رحمته مع الذين تعاهدهم للخلاص بصليبه المقدس،

ويُلهمنا العمل بوصاياه، ويرزقنا راحة ومغفرة في حُكْمه المرهوب، بشفاعة سيدتنا الطوبانية الطاهرة البتول مرتمريم الزكية، والرسل والشهداء والقديسين الأبرار، وكل مَن أرضى الرب بأعمالهم الصالحة من الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين وإلى آباد الدهور كلها. آمين.

(تم وكمل ميمر الصلبوت بعون من الله تعالى والسُّبح له دائماً أبدياً. آمين).

 

 

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +