Skip to Content

لا يعلم إلى أين يذهب - البابا شنودة

 

 

 لا يعلم إلى أين يذهب

 

 

 


1- هكذا سار أبونا إبراهيم وراء الله، إلى المجهول.. لم يكن يعلم إلى أين الطريق، إنما كان واثقاً أن الله يصحبه في الطريق، ويرشد خطاه..

 

 

 2-  وهكذا حدث مع آبائنا الرسل الأطهار، لما دعاهم الرب فتبعوه.

 وهم لا يعلمون إلى أين.. إذ لم يكن للمسيح مقر معروف، بل لم يكن له أين يسند رأسه ( لو9:58). كان يطوف المدن والقرى يعلم ويشفى، مع أنه لم تكن له وظيفة رسمية فى المجتمع اليهودى.. ولم يكن له دخل مالى معروف. وحتى لما دعا تلاميذه، قال لهم "لا تحملوا ذهباً ولا فضة ولا نحاس في مناطقكم.. ولا تحملوا معكم شيئاً للطريق" (متى 10:9، مر 6: 8).

 ولو سألت أحد تلاميذه وقتذاك: ما هو عملك؟ وما هو مستقبلك مع المسيح؟ لوقف وأوقفك معه، أمام علامة استفهام كبيرة لا يعرف لها جواباً، سوى حياة التسليم.. يكفيه أنه سائر مع المسيح، مع أنه معه وفى وجوده صورة راهب قبطي يسير في الصحراءلا يعمل شيئاً.. المسيح يعمل كل شئ، وتلاميذه مجرد متفرجين.

 3- خذوا مثالاً لذلك القديس مار مر قس الرسول حينما دخل الإسكندرية:

 دخلها وهو لا يعلم إلى أين يذهب، إذ لم تكن هناك كنيسة يستقر فيها، ولم يكن له هناك شعب، ولا مسكن.. بل على العكس كانت الوثنية في كل مكان، وكانت اليهودية تقاوم الإيمان جاء مارمرقس إلى مصر، وأرشد الله خطاه إلى إنيانوس،

وما كان في فكره هذا الأمر.. وما حدث لمارمرقس، حدث تقريباً لباقى الرسل. تتنوع الأمكنة والأسماء، ولكن قلب الموضوع واحد. وكأن كل رسول كان يقول:

لو كانت الخدمة عملاً بشرياً، لكان يهمنى أن أعرف خطية مسيرى. أما والخدمة عمل إلهى، فلا يهمنى إلى أين أذهب. أنا مع الله. حيث قادنى أسير.

 4- يوحنا المعمدان كان يرى أن واجبه هو أن يشهد للحق. فشهد للحق وقال لهيرودس الملك "لا يحل لك" ولم يهتم بعد ذلك إلى أين يذهب: إلى السجن، إلى الموت.. ليكن ما يكون.

رسالة الله تتم في طاعة إيمانية كاملة. أما الحياة، وأما المصير، فهما مسلمان الله.. إلى التمام.

Click to view full size image

وهكذا كان بولس الرسول يشهد للرب.. وبعد ذلك لا يهمه إلى أين يذهب: "أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عرى أم خطر أم سيف"، يقول في ثقة بحياة التسليم "لكننا في هذه جميعها، يعظم انتصارنا بالذى أحبنا" (رو8: 35،37).

بهذا الأسلوب، سار أولاد الله جميعهم فى طريق الحياة في حياة التسليم.

 كل ما يهمهم هو أن الله يقودهم. ولكن لا يعنيهم إلى أين.. ولكنهم واثقون بالإيمان، أنه سيقودهم إلى المراعى الخضراء، وإلى ينابيع الماء الحى. خبرتهم مع الله تجعلهم مسرورين بقيادته، واثقين بمحبته.

 5- إسحق بن ابراهيم حمل الحطب وراء أبيه، ولم يعلم إلى أين يذهب.

 كل ما تعلمه في حياته، هو التسليم والطاعة، وبهما سار حتى إلى المذبح. وربطه إبراهيم أبوه ووضعه على المذبح فوق الحطب (تك22)، ورفع عليه السكين. كل هذا وإسحق في تسليم كامل. لم يشك في محبة الله.. وانتصر على طول الخط. بتسليمه هذا، كسب طاعة الإيمان، وكسب حياته، وكسب وعود الله..

 6- لعازر الدمشقى لما سافر ليختار زوجة لإسحق، ما كان يعلم إلى أين يذهب.

 ولكنه سلم خطاه لله ليرشده. ودبر الله له كل شئ بطريقة عجيبة وقف أمامها مذهولاً. وتم كل شئ حسبما طلب منه سيده ابراهيم. ولهذا قال "الرب أنجح طريقى" (تك 24: 56). ولعل لعازر الدمشقى كان يقول "لم أكن أعلم إلى أين أنا أذهب. لكنى كنت أعلم تماماً أن الله ذاهب معى". ونفس الوضع تقريباً حدث ليعقوب فى رحلته إلى خاله لا بان. وما أجمل قول الرب له "هاأنا معك. أحفظك حيثما تذهب" (تك28:15).

 7- الشعب في البرية، أتراه كان يعلم إلى أين يذهب؟!

 ما كان يعلم شيئاً. كان الله يقوده يوماً بيوم. وكان يرتحل بإرشاد إلهى، ويقف بإرشاد إلهى، ويقف بإرشاد إلهى. وكان هذا الإرشاد يتمثل في السحابة تظلله نهاراً، وعمود النار يهديه ليلاً.. والشعب في تسليم كامل لقيادة الله، لا يسأله إلى أين..؟

وما كانت أمام موسى النبى خطة لمسيرة، وكأنه يقول: يكفينا يا رب أن تكون سحابتك فوق رؤوسنا، وعمود النار أمامنا. نحن لا نحدد مسارنا، إنما تحدده مشيئتك الصالحة.

أما نحن فيسعدنا أننا تحت قيادتك. حيثما سارت سحابتك نسير . وحيثما حلت نستظل تحتها.. يفرحنا أننا نرى فوق تابوت العهد الضباب الذى يمثل وجودك.

فلتتحرك خيمة الإجتماع في البرية نحو المجهول. إنه مجهول بالنسبة إلينا. ولكنه فى علمك ومعرفتك منذ الأزل. وهذا يكفينا، لكى نسلم خطانا لهذا المجهول، ونحن فى ملء الثقة بأنن في طريق كنعان.

8- القديس الأنبا أنطونيوس أب جميع الرهبان، حينما دخل إلى الجبل، أتراه كان يعلم إلى أين يذهب؟! وكذلك القديس الأنبا بولا أول السواح..

 وأيضاً كل السواح والمتوحدين حينما توغلوا في البرية الجوانية، ما كان أمامهم هدف مكانى معين يقصدونه. كل ما كان أمامهم هو الهدف الروحى وهو أن ينفردوا بالله في حياة السكون والهدوء، مسلمين حياتهم بالكلية له "تائهين في البرارى والجبال وشقوق الأرض".. تسأل كل واحد من التائهين في البرارى: أتعلم أين أنت؟ فيجيبك:

على خريطة المكان، لست أعلم أين أنا..

 ولكن على خريطة الحب، أعلم أننى في حضن الآب.

 9- ولعل البعض يسأل: أما ينبغى أن يحسب كل إنسان حساب النفقة، حسب وصية الرب نفسه (لو14:28)؟ إن حياة الإيمان، هى أبعد ما تكون عن علم الحساب الذى يقصدونه. إذن ما الذى يقصده الرب بأن يجلس الإنسان أولأ ويحسب النفقة؟

حساب النفقة هو: هل عندك من الإيمان ما يكفى؟

 هل عندك من الإيمان ما تسلم به الأمر كله لله لكى يدبره؟ إنك تفعل ما تستطيعه. ولكن هذا هو أقل المطلوب.

أما العنصر الأساسى فهو إيمانك بما يفعله الله، وتسليمك له كل الأمر.. وهذا كان منهجنا، حينما كنا نريد أن نبنى كنيسة أو أى مشروع للخدمة والرعاية. لم يكن السؤال الأساسى هو "من أين التكاليف؟"، إنما كان السؤال الأساسى هو: هل الله موافق على هذا البناء أم لا؟

فإن كان موافقاً فهو الذى سيقوم بكل تكاليفه. وما علينا إلا أن نبدأ، ويد الله تكمل العمل معنا "وإن لم يبن الرب البيت، فباطلاً يتعب البناءون" (مز127: 1).

 الإيمان هو أن تغمض عينيك، وتبصر الله.

 طالما أنت تفتح عينيك، فأنت تسير بالحواس الجسدية. أما إن أغمضت هذه العين الجسدانية، حينئذ سوف تسلك بالقلب والروح.

إن تأكدت بحواسك الروحية أن الله سيذهب معك فى طريق سر فيه ولو كان في وادى ظل الموت. يقنيناً هناك سوف لا تخاف شراً لأن الرب معك (مز23).

 10- هذه هى حياة التسليم، التى فيها يختار الرب لنا ما نشاء، دون أن نختار نحن لأنفسنا. آخذين درساً من قصة لوط وإبراهيم.

 لوط اختار لنفسه السكنى في سادوم، الأرض المعشبة (تك14:10،11). وكان يعلم إلى أين يذهب. أما إبراهيم فلم يختر لنفسه شيئاً.

إنما قال له الرب "إرفع عينيك وانظر.. جميع الأرض التي أنت ترى، لك أعطيها" (تك 10: 14،15).. وماذا كانت النتيجة؟

لوط سبى وهو فى سادوم وأنقذه إبراهيم (تك 14). ثم احترق كل ماله في سدوم وخسر الكل.. وهكذا كانت حياة التسليم التي لإبراهيم ذات نتيجة أفضل.

من كتاب حياة الايمان

للبابا شنودة

 

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +