Skip to Content

كتاب : الرسالة إلى ديوجينيتوس - المركز الارثوذكسى للدراسات الابائية - كتابات الاباء المدافعين - دفاعيات القرن الثاني

الرسالة الى ديوجينيتوس

دفاعيات القرن الثانى

 

مقدمة

هذه الرسالة هى دفاع عن المسيحية , فى صورة خطاب موجه الى شخصية وثنية ذات مركز اجتماعى رفيع هو "ديوجينيتوس". و ليست لدينا أية معلومات عن الراسل او عن المُرسل أليه.

 

و قد تعددت الاراء من جهة شخصية مؤلف الدفاع فالبعض نسبوا هذا الدفاع الى القديس هيبوليتوس الرومانى فى بداية القرن الثالث. و هناك رأى اخر ان الذى كتبه هو القديس كوادراتوس Quadratous تلميذ الرسل الذى ذكره كل من يوسابيوس و ايرونيموس (جيروم) و فوتيوس , و الذى كتب دفاعا عن المسيحية و لكنه فُقد. و ما تحويه الرسالة الى ديوجينيتوس من انتقاد للوثنية و اليهودية يتفق مع ما هو معروف فى التقليد عن كوادراتوس تلميذ الرسل انه يهاجم الوثنية و اليهودية كليهما. و فى هذه الحالة يكون وقت كتابة هذه الرسالة هو نهاية القرن الاول.

 

المخطوط اليونانى الذى يحوى هذه الرسالة يرجع الى القرن الثالث عشر , و كان محفوظا فى مكتبة ستراسبورج , و هذا المخطوط يضع هذه الرسالة ضمن كتابات القديس يوستينوس الشهيد. و لكن للأسف فأن هذا المخطوط احترق فى سنة 1870 م اثناء الحرب الفرنسية ? الروسية. و كل المطبوعات التى نُشرت للرسالة تعتمد على هذه المخطوطة فى نسبتها الى يوستينوس , و فى هذه الحالة يرجع تاريخ كتابتها الى حوالى منتصف القرن الثانى.

 

و كما هو واضح من مقدمة الرسالة نفسها (ف 1) فأن الدافع لكتابتها هو ان ديوجينيتوس طلب الى صديقه المسيحى المجهول الاسم ان يزوده بمعلومات وافية عن ديانته اى عن المسيحية , فأرسل اليه هذه الرسالة بناءً على طلبه.

 

و فى الفصول من 2 -  4 يشرح المؤلف بعبارات براقة سمو المسيحية فوق عبادة الوثنيين الحمقاء , و فوق العادات الشكلية الخارجية لعبادة اليهود. و اروع جزأ فى الرسالة هو الفصلان 5 ?  6 و اللذان يعرض فيهما حياة المسيحيين التى تفوق الطبيعة. و فى نهاية الرسالة يحث الكاتب ديوجينيتوس ان يقبل الايمان بالمسيح. و يقول البروفيسور كواستن استاذ علم الباترولوجى , عن هذه الرسالة , انها تستحق ان توضع فى صف اروع و اجمل الكتابات التى وصلتنا من الادب المسيحى باللغة اليونانية و يقول ان الكاتب هو احد معلمى الخطابة , و تركيب عباراته جذاب للغاية و متوازن تماماً , اسلوبه شفاف و واضح جداً. و محتوى هذه الرسالة يكشف عن ان كاتبها انسان ذو ايمان حى مشتعل , و ذو معرفة واسعة , و عقله مشبع تماما بمبادىء المسيحية , كما ان تعبيرات الرسالة تتألق ناراً و حيوية.

 

2 اكتوبر 2004 م                                               المركز الارثوذكسى

 

22 توت 1721 ش                                             للدراسات الابائية

 

شهادة يوليوس الاقفهصى

 

كاتب سير الشهداء 

 

 

 

نص الرسالة الى ديوجينيتيوس

 

الفصل الاول

 

سبب كتابة الرسالة

 

انى ارى يا ديوجينيتوس انك تبذل جهدا عظيما لأستقصاء اخبار دين المسيحيين و انك تستخبر عنهم بدقة و عناية. من هو الاله الى يتكلمون عنه؟ و ما هو نوع العبادة التى تجعلهم يحتقرون المادة و يهزءون بالموت ولا يعترفون بألهة اليونانيين ولا يمارسون خرافات اليهود؟ و ما سر المحبة المتبادلة بينهم؟ و لماذا انتشر هذا الدم الجديد او الروح فى العالم اليوم لا قبل ذلك؟

 

انا من صميم قلبى ارحب بذلك المطلب منك و اتضرع الى الله الذى يمكننا نحن الاثنين من السمع و الكلام , ان يهبنى ان اتكلم فى كل هذه الامور و فوق كل شىء انك عندما تسمع سوف تنال بنيانا , و انت ايضا تسمع منى انا الذى اتكلم , انه لا يوجد سبب يجعلنى اتأسف اننى تكلمت.

 

الفصل الثانى

بطلان الاصنام

 

تعالى اذن بعد ان تنقى نفسك من كل تحيز يسيطر على فكرك , و اترك جانبا كل ما تعودت عليه كشىء يمكن ان يخدعك. و اذا تصير انسانا جديدا من البداية طبقا لأعترافك بأنك ستكون مستمتعا لنظام العقيدة الجديدة (المسيحية) .

 

تعال و تأمل , ليس بعينيك فقط بل بفهمك ايضا , ما هو جوهر و ما هو شكل اولئك الذين تعتبرونهم انتم ألهة. أليس واحد منها حجرا مشابها للحجر الذى ندوسه بالاقدام؟ أليس الثانى نحاس , ولا يزيد بأى حال عن الاوعية التى تُصنع للأستعمالات العادية الدارجة؟

ألأيس الثالث خشبة تتعفن بسهولة؟ أليس الرابع فضة , التى تحتاج حراسة من الانسان لئلا تُسرق؟ أليس الخامس حديد , الذى يتاّكل بالصدأ؟ أليس السادس فخار , ليس له قيمة أعلى مما يُصنع لأحقر الاغراض؟ أليست كل هذه الاشياء من مادة قابلة للفساد و التحلل؟ ألم يُصنعوا بالحديد و النار؟

ألم يشكل صانع التماثيل واحدا منها؟ و صانع النحاس ألها اخرا , و صانع الفضة صنع ثالثهم؟ و الخزاف رابعهم؟ أليس كل واحد من هذه التماثيل التى تم عملها عن طريق الصُناع المختلفين لتأخذ شكل الاّلهة , كان من الممكن تغييره؟ ألم يكن من الممكن لهذه الاشياء التى هى الان بشكل اوانى و مصنوعة من نفس المواد ان تتحول بيد صانع ماهر الى تماثيل؟ أليست هذه التماثيل التى تُعبد منك الان , يعاد صنعها على ايدى صانعى الاوانى مثل الاخرى؟ أليسوا كلهم صُم؟

أليسوا كلهم عميان؟ أليسوا بلا حياة؟ أليسوا خاليين من الاحساس؟ أليسوا عاجزين عن الحركة؟ أليست مُعرضة ان يفسدها السوس؟ أليست كلها قابلة للفساد؟ هذه الاشياء التى تدعونها اّلهة , و تخدمونها و تعبدونها , أنتم تصيرون مثلها. لذلك انتم تكرهون المسيحيين لأنهم لم يعتبروا هذه الاشياء اّلهة. و لكن ألستم انت انفسكم الذين تفكرون الان و تفترشون انها ألهة , تستخفون بها اكثر مما يفعل المسيحيون؟ ألستم تهزؤون و تسخرون بها حينما تعبدون اشياء مصنوعة من الحجر و الخزف , بدون تعيين اى شخص لحراستها , اما الاشياء المصنوعة من الذهب او الفضة فتغلقون عليها ليلا , و تعينون حراسا بالنهار لحراستها  , خشية ان تُسرق؟

 و ايضا ألستم بهذه الهدايا التى تقدمونها لها تعاقبونها بدلا من ان تكرمونها لو كان عندها اى احساس؟ و لكن من ناحية اخرى لو انها كانت خالية من اى تمييز فأنتم توبخونها على هذا الامر بينما انتم تعبدونها بالدم و دخان الذبائح؟ دع اى واحد منكم يعانى هذه الاهانات! دع اى واحد ان يحتمل ان تحدث له هذه الاشياء! , لا يوجد اى انسان يحتمل هذه المعاملة الا اذا اُجبر على ذلك , حيث ان عنده تمييز و عقل.

 

اما الحجر فهو يحتمل هذه المعاملة لأنه بلا احساس. بالتأكيد انت بتصرفك هذا (اى برش الدم عليه) تظهر ان ألهك لا يملك اى تمييز. و الحقيقة ان المسيحيين لم يعتادوا ان يخدموا هذه الاّلهة. و من السهل علىٌ ان اجد اشياء كثيرة لأقولها بهذا الخصوص. و لكن ان كان ما قلته لا يبدو لأى احد انه كاف , فأظن انه امر عديم الجدوى ان اقول اى شىء اخر.

 

الفصل الثالث

 

خرافات اليهود

و بعد ذلك , انا اتخيل انك مشتاق جدا ان تسمع عن هذه النقطة , و هى ان المسيحيين لا يلتزمون بنفس اشكال العبادة التى يمارسها اليهود. فاذا كان اليهود قد امتنعوا عن انواع التقدمات الوثنية (التى شرحتها سابقا) , و اعتبروا انه من الافضل ان يعبدوا ألها واحدا هو رب الكل , فهذا صواب. و لكن اذا عبدوا الأله الواحد بنفس الطريقة الوثنية فأنهم يخطئون خطأ عظيما.

فعندما يقدم الوثنيون عطاياهم لهذه التماثيل الخالية من التمييز و السمع , فأنما يقدمون مثالا للحماقة , و لكنهم من ناحية اخرى بتفكيرهم فى تقديم هذه العطايا لله كأنه محتاج أليها , فهذا يُعتبر حماقة و ليس عبادة الهية  , لأن الذى خلق السماء و الارض و كل ما فيها , و الذى يعطينا كل شىء نحتاج أليه , هو بالتأكيد لا يحتاج اى شىء من هذه الاشياء التى يمنحها للذين يظنون انهم يوفرون له هذه الاشياء.

 

و لكن الذين يتخيلون انه برش الدم و رفع بخور التضحيات ز المحرقات يقدمون ذبائح مقبولة لدى الله , و انهم بمثل هذا الاكرام يظهرون له الاحترام , هؤلاء بأفتراضهم انهم قادرون ان يعطوا اى شىء لمن هو غير محتاج لشىء , ارى انهم لا يختلفون بأى حال عن الذين يمنحون الاكرام للأشياء التى لا تحس , و لذلك فهى غير قادرة ان تتمتع بهذه الكرامات.

 

الفصل الرابع

 

الاحتراسات الاخرى عند اليهود

اما من جهة وسوستهم بخصوص اللحوم , و خرافاتهم من جهة السبوت , و تباهيهم بالختان , و خيالاتهم بخصوص الصوم و اوائل الشهور , و التى كلها مدعاة للسخرية و غير جديرة بالاهتمام , فانا لا اظن انك تحتاج ان تتعلم منى اى شىء عنها.

 

لأن قبول بعض الاشياء التى خلقها الله ليستخدمها بحسب ما خُلقت له , و رفض البعض الاخر على انه غير نافع و زائد عن الحاجة , كيف يمكن ان يكون هذا امراً مشروعاً؟ و الادعاء عن الله كأنه هو الذى نهانا عن عمل الخير فى السبوت , كيف لا يكون هذا امراً ضد التقوى؟

 

و ان يتباهى الانسان بختان الجسد على انه برهان على الاختيار و انهم بسببه يتمتعون بمحبة خاصة عند الله , كيف لا يكون هذا مادة للسخرية؟ وملاحظتهم للقمر و النجوم و توزيعاتهم لحساب الايام و الشهور , و فهم مواعيد الله طبقا لمداراتهم , و اعتبارهم تغيير فصول السنة بعضها للأعياد او للفرح و بعضها للحداد و الحزن فكيف يُعتبر كل هذا جزأ من العبادة و ليس بالاحرى مظهراً من مظاهر الحماقة!

 

اظن الان , انك مقتنع تماما بأن المسيحية لها رأى سديد فى امتناعها عن خرافات اليهود و الوثنيين و اخطائهم. فاذا ابتعدت عن الروح الفضولية و غرور التباهى الذى لليهود فيجب ايضا الا تتوقع ان تتعلم عن سر عبادتهم الشكلية لله من اى انسان.

 

 

 

الفصل الخامس

 

سمو حياة المسيحيين

ان المسيحيين لا يختلفون عن سواهم من ابناء البشر فى الوطن او اللغة و العادات. و الواقع هو انهم لا يقطنون مدناً خاصة بهم وحدهم , ولا يتكلمون لغة خاصة بهم , ولا يعيشون عيشة غريبة شاذة , و ان عقيدتهم ليست من مكتشفات اشخاص فضوليين خياليين متكبرين.

ولا يؤيدون كغيرهم عقيدة من صنع البشر. و مع انهم يسكنون فى مدن يونانية و غير يونانية حسب نصيب كل منهم , و يسلكون بموجب عادات البلد الذى يحلون فيه من جهو الزى و الطعام و اساليب المعيشة الاخرى , فأن اسلوب معيشتهم يستوجب الاعجاب و الاقرار بأنه غير مُتوقع. تراهم يسكنون البلدان و لكنهم غرباء. هم يشتركون فى كل شىء كمواطنين و لكنهم يحتملون كل ما يحتمله الغرباء.

كل بلد اجنبى وطن لهم و كل وطن لهم بلد غريب , يتزاوجون كغيرهم و يتوالدون , و لكنهم لا يهملون اولادهم ولا يعرضونهم للموت. يفرشون طعامهم للجميع و لكنهم لا يفرشون فراشهم. هم موجودون فى الجسد و لكنهم لا يعيشون للجسد. يقضون ايامهم على الارض و لكنهم مرتبطون بوطن سماوى. يطيعون القوانين المرعية لكنهم يتقيدون بأكثر منها فى حياتهم الخصوصية.

يحبون جميع الناس و لكن الجميع يضطهدونهم. تراهم مجهولين و لكنهم مُدانون. يُماتون و لكنهم يُعادون الى الحياة. فقراء و لكنهم يغنون كثيرين. معتازين لكل شىء و لكنهم ينعمون بكل شىء. يُفترى عليهم ولكنهم  يُبررون , يشتمون و لكنهم يباركون.

يُهانون و لكنهم يكرمون الاخرين. يعملون الخير فيجازون كأشرار , حينما يُعاقبون (بالموت) يفرحون كأنهم يُقامون الى الجياة. يحاربهم اليهود كأنهم اجانب , و يضطهدهم اليونانيون. و مع ذلك فالذين يكرهونهم يعج



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +