Skip to Content

الحبل بلا دنس - الأب الدكتور أغسطينوس موريس

الحبل بلا دنس

الأب الدكتور أغسطينوس موريس

 


مقدمة

Click to view full size image

عقيدة الحبل بلا دنس هي الأولى من حيث الأهمية وذلك لما يدور حولها من جدال وحوار مع الطوائف الأخرى حيث أنها من أول العقائد التى أعلنت من عقائد مريم لأنها حسب الترتيب التاريخي تكون عقيدة الحبل بلا دنس الثالثة،

وقد أعلنت في 8 ديسمبر 1854 وحددها البابا بيوس التاسع الذي كان يرأس كرسي روما من سنة 1864 - 1878، وقد أعلنها البابا على أنها عقيدة موحاة فلذلك على كل مؤمن داخل الكنيسة الكاثوليكية أن يؤمن بهذه العقيدة، ولهذا فمن المهم معرفة نص العقيدة التي تدعونا الكنيسة للإيمان بها.

نص العقيدة

"إن الطوباوية مريم العذراء حفظت معصومة من كل دنس الخطيئة الأصلية منذ اللحظة الأولى من الحبل بها، وذلك بامتياز ونعمة خاصة من الله القدير بالنظر إلى استحقاقات يسوع المسيح فادي الجنس البشري"

شرح نص العقيدة

الهدف من نص العقيدة هو تبرئة العذراء من أي علاقة بالخطيئة ؛أي أنها طاهرة تماماً ليس لها خطية أصلية أو شخصية منذ اللحظة الأولى التي حبل بها وحتى وجودها كإنسان، نظراً للمكانة التي ستحتلها مريم بأن تكون أماً لله تعالى.

شرح بعض النقاط أو الألفاظ لإزالة الغموض في العقيدة:

ولكي ندخل في جو العقيدة لابد لنا من شرح بعض التعبيرات التي قد تثير تساؤلات واستفسارات من البعض:


1- الخطيئة الأصلية :

الخطيئة الأصلية كفعل تم في اللحظة التي حدث فيها سقوط آدم في الخطيئة، ونجد القديس بولس يشرح معني الخطيئة الأصلية في ( رسالة رومية الإصحاح 12:5 ) فخطية التكوين هي إذا كان آدم هو الإنسان وكل الإنسان، فخطيئته أيضاً هي خطيئة كل إنسان، هي خطيئة العالم، وفي هذا المعنى، كل خطيئة من خطايانا تدخل في خطيئة آدم هذه وتضخمها وتزيدها كثافة.

وأما عن القديس بولس، والذي يركز أكثر على فكرة الخلاص:

" ليس التركيز على الخطيئة الأصلية إلا نتيجة لحقيقة أكثر أهمية بكثير وهي "أننا جميعاً مخلصون بيسوع المسيح " ويواصل قوله ويضيف : " أننا جميعاً مخلصون، لأننا جميعاً كنا في حاجة إلى أن نكون مخلصين" فيحاول أن يثبت ذلك، أولاً بطريقة إحصائية مبيناً أن اليهود والوثنيين هم خاطئين راجع

( رو 3:1 ) ثم يستأنف إقامة الدليل بطريقة رمزية قائلا:

" بما أن آدم يمثلنا جميعاً وأنه أخطئ، فنحن جميعاً به خاطئين ولكن ذلك مجرد استنتاج. لأن الجوهر هو أننا مخلصون بيسوع المسيح ."

" حيث كثرت الخطيئة فاضت النعمة" هذه هى نظرة بولس الرسول التي تظهر معنى أو مفهوم الخطيئة الأصلية وفي الآن نفسه تركز على الخلاص أكثر، وذلك لإظهار قيمة عمل الخلاص الذي قام به مخلص البشرية يسوع المسيح من ناحية ومن ناحية أخرى لإظهار ولكن بطريقة غير مباشرة احتياج الجميع إلى الخلاص - سواء يهودي أو وثني- وبالطبع وبما أن العذراء هي إنسان فهي أيضاً محتاجة للخلاص ولكن بأي طريقة هذا ما سنراه في هذا البحث البسيط ،

فالخطيئة الأصلية ليست فقط بالوراثة، تتناقل من جيل إلى جيل عن طريق فعل الزواج ولكن هي خطيئة طبيعية، أي فى طبيعة الإنسان، والتي كان يمثلها آدم.

2- معنى عبارة الحبل بلا دنس :

 

Click to view full size image

كل حبل ضمن زواج شرعي هو حبل بلا دنس، ويعتبر الحبل بدنس عندما يكون حبلاً غير شرعياً أي ناتج عن زنا، والحبل الناتج عن سر الزواج هو عمل مقدس لأن الإنسان بواسطة فعل الزواج يشارك الله في الخلقة، هذا الرأي يقال ضد الذين يحاولون تدنيس فعل الزواج من ناحية ومن ناحية أخرى كمعنى لعبارة الحبل بلا دنس في المفهوم العام. والبعض يجهل المعنى الحقيقي للحبل بلا دنس مما يطلق عليهم المثل القائل "إن أشد أعداء الحقيقة هو من يجهلها" فإذ يقولون أن الكنيسة الكاثوليكية تدعى أن العذراء حبلت بها أمها القديسة حنة بلا زرع بشر أي مثل ما حبلت العذراء نفسها بشخص المسيح المبارك عن طريق الروح القدس وبالتالي هي لا تحتاج إلى فداء المسيح ولا يفديها دمه المسفوك؛ أي أنها لا تحتاج إليه،

ولكن في حقيقة الأمر أن العذراء مريم حبل بها كسائر البشر أي من رجل وامرأة، وهذا خلاف ما ذكره إنجيلاً منحولاً أي ليس موحياً به عرف باسم " إنجيل يعقوب" الذي ظهر في القرن الثاني ومنه شاع هذا القول الخاطئ بين الكثيرين من الذين يقولون ما سبق . كذلك حصلت العذراء مريم على امتياز الحبل بلا دنس عن طريق استحقاقات سيدنا يسوع المسيح فهو فداها، ونعمة العذراء لم تكن لها نعمة تبرير، لأنها لم تسقط في الخطيئة الأصلية أو الفعلية، فهذه نعمة مسبقة جعلت العذراء مريم تدخل هذا العالم من دون دنس الخطيئة الأصلية وفي حالة النعمة ولنا ملخص على ذلك في السطور التالية :


" العصمة من الخطيئة الأصلية كانت لمريم هبة من الله وتدبيراً استثنائياً لم يعط إلا لها، ومن هنا تظهر العلة الفاعلة للحبل بمريم البريء، فهي من الله القدير، وتظهر أيضاً العلة الاستحقاقية بيسوع المسيح الفادى، و النتيجة هى أن مريم كانت بحاجة إلى الفداء وقد افتديت فعلاً، فهي كانت نتيجة لأصلها الطبيعي، لضرورة الخطيئة الأصلية، مثل أبناء آدم جميعاً إلا أنها بتدخل خاص من الله قد وقيت من دنس الخطيئة الأصلية، وهكذا افتديت بنعمة المسيح لكن بصورة أكمل من سائر البشر وكانت العلة الغائية القريبة للحبل بمريم البريء من الدنس هي أمومتها الإلهية".


ورغم أن العذراء كانت معصومة من الخطيئة الأصلية إلا أنها لم تعصم من ملحقات الخطيئة، أي الألم والعذاب، والعذراء، هي "حواء الجديدة" التى ساهمت مع "آدم الجديد" - المسيح- في ولادة البشرية إلى حياة جديدة أساسها الفداء على الصليب.


3- معنى عبارة اللحظة الأولى :

إن كلية الطوباوية مريم العذراء من اللحظة الأولى من الحبل بها، أي من اللحظة التي خلق فيها الله النفس ونفخها في المادة الجسدية التي أعدها الأبوان وهي معصومة من الخطيئة الأصلية، وتظهر أهمية اللحظة الأولى في العقيدة لأن العقيدة تقول وتحدد أن شخص مريم العذراء الناتج عن اتحاد النفس والجسد هو المعصوم لأن التحديد ليس للجسد فقط ولا للنفس فقط بل لشخص مريم الشامل.


"لم يوجد كائن في السماء أو على الأرض أو تحت الأرض تبادل العطية مع خالقه سوى مريم فقط لأن الرب الإله خلقها وأعطاها نعمة الوجود وجعل فيها روحاً خالدة على صورته ومثاله ومريم أعطته جسداً من جسدها الطاهر. والكنيسة المقدسة تقول في الإيصلمودية: "أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له". وكونه أخذ الذي لنا فهذا عن طريق هذه القديسة الطاهرة مريم التي ولدت الله الكلمة بالحقيقة. لقد أعطي الرب الإله مريم شخصية متكاملة الفضائل. وقد رأي فيها هذه الفضائل قبل أن يخلقها بمقتضي علمه السابق وخرجت من بين يديه الطاهرتين في قمة الكمال نفساً وجسماً وروحاً.

ولكن الرب الإله المهندس الأعظم الذي يخلق الأشياء في أسمى صورة. خلق له مسكناً نظيفاً طاهراً وجهزه بكل ما يلزم لاستقبال الرب الخالق بحيث أن هذا المسكن الذي صنعه هذا المهندس الأعظم لم يكن فيه نقص وقد صنعه الله الخالق العظيم، والذي يدعوه الكتاب قائلاً: " ما أعجب أعمالك يارب كلها بحكمة صنعت" أما المسكن العظيم الذي صنعه الرب لسكناه فهو مريم العذراء التي صارت أطهر من السماء وأقدس من الهيكل لاحتوائها في بطنها الطاهر. من لم تحوه السماء والأرض"


خلاصة مضمون العقيدة وتحديدها :

إن العذراء حفظت معصومة من كل دنس الخطيئة الأصلية، وإن الخطيئة هي الخلو من النعمة المبررة التي سببته خطية آدم الأصلية، إذن العذراء دخلت إلى العالم في حالة برارة أي في حالة النعمة،

وهكذا كان تدبيراً استثنائياً من قبل الله خاص بمريم، والعلة الفاعلة لذلك هو الله الذي بررها واستثناها من شمول الخطيئة الأصلية على الجنس البشري كله، فهو القادر على كل شيء، وهي التي كانت أمه " أم مخلص الجميع " فالله برر العذراء بتطبيق استحقاقات يسوع المسيح "بأثر رجعي" .

إذن مريم كانت محتاجة إلى الفداء وافتديت ولكن بطريقة سامية "فقد فداها المسيح إذن ولكن بطريقة الوقاية، المناعة" وهذه البراءة بعد الخلقة، فمريم كانت حرة تماماً، فالنعمة التي يعطيها الله لا تسلب الإنسان حريته، فالإنسان حر رغم كل برارة ونعمة.

"هذه عطية الرب لأمه. إذ جعلها أجمل هدية وأغلى عطية يقدمها الرب الإله للعالم الهالك الذي قرر أن يخلصه بتجسده من هذه القديسة. أما عطية مريم لخالقها فهو الجسد المقدس الذي كونه الروح القدس في أحشائها الطاهرة. وإذا قلنا أن جسد المسيح له المجد أعطته له أمه الطاهرة مريم.

فهذا يعنى القول من مالك وأعطيناك. فبالطبع كل شيء عند الإنسان هو من الله ولكن الله في سماحته ومحبته خص الإنسان بما أعطاه أن يكون له ويملكه حسب القول: "أعطوني العشور وجربوني" زكالقول: "يا ابني أعطيني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي". من هذا المنطق نقول أن مريم تبادلت العطية مع خالقه وأبنها فهو أعطاها نفسها وحياتها وكلها وهي أعطته جسده المقدس من جسدها الطاهر. وهذه العطية التي أعطتها مريم الأم ليسوع المسيح ربنا الإبن لها دور فعال في الخلاص. لأنه بدونها -العطية- أي الجسد الطاهر الذي أخذه يسوع المسيح ربنا من أمه الطاهرة. ما كان يمكن أن يكون الخلاص لآبناء آدم. لأنه بالجسد المقدس الذي أخذه المسيح ربنا من مريم العذراء متحداً باللاهوت. فعل الآيات والمعجزات. فقد أقام الموتي وفتح أعين العميان وأخرج الشياطين. وعزى الحزانى وشفي المرضى.

وحبر القلوب الكسيرة. وقبل الخطاة وغفر لهم خطاياهم وأعطي تلاميذه ورسله المكرمين سلطان حل الخطايا وربطها وغفرانها ومَسكِها وسلم الكنيسة ممثلة في الرسل الأطهار جسده ودمه الأقدسين"

إثبات العقيدة من الكتاب المقدس

فى عقيدة الحبل بلا دنس الخطيئة الأصلية لم تذكر صراحة في الكتاب المقدس ولكنه لم يصمت عن الإشارة والتلميح إليها، وهناك بعض الآيات التي يفسرها علماء الكتاب واللاهوت على أنها تدعم هذه القضية منها:

الأية الأولى : "أجعل عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها فهو يسحق رأسك وأنت ترصدين عقبه" (تك 15:3)

وهذا النص بمعناه الحرفي يظهر أن بين الشيطان وأتباعه من جهة، وحواء والجنس البشري المنحدر منها من جهة أخرى ستكون عداوة وحرب أدبية وصراع، وستنتصر ذرية حواء على الشيطان وبين ذرية حواء هذه يوجد المسيح الذي سيجعل البشرية تنتصر بقدرته على الشيطان وقد رأى بعض المفسرين في ذرية حواء فرداً، هو المسيح المخلص، فتوصلوا إلى أن يروا أيضاً في المرأة، مريم أم المخلص.

إنه تفسير مريمي- مسيحي يمثله منذ القرن الثاني بعض الآباء مثل القديس إيرناوس وأبيفانيوس وإيسيذوروس وقبريانوس ولاون الكبير فهؤلاء يرون أن مريم وابنها في حالة عداوة كلية مع الشيطان، بل يرونها منتصرة عليه وعلى أتباعه، وعن هذا قيل في أواخر عصر الفلسفة المدرسية وفي علم اللاهوت الحديث بأن انتصار مريم على الشيطان ما كان ليتم كاملاً لو أن مريم كانت يوماً ما تحت سلطانه، وبالتالي كان عليها أن تدخل إلى هذا العالم بدون الخطيئة الأصلية.


والآية الثانية: "السلام عليك يا ممتلئة نعمة ، الرب معك" (لو 28:1)

المسيحيون الأوائل كانوا يطلقون على مريم لقب بمثابة أسم علم وهي " آجيا تي بارثينوس " أي " العذراء القديسة " وهي ليست اختراع ،هي من صلب الوحي الإلهي، وممتلئة نعمة هي بمثابة أسم مريم الخاص وبالتالي يعبر عن صفتها المميزة، والمقصود من عبارة "ممتلئة نعمة" هو أن النعمة تجعل الشخص مرضي تماماً أمام الله وهو أقرب إلى الله من الآخرين، وعلى هذا الأساس نؤكد شفاعة السيدة العذراء، فالٳمتلاء بالنعمة يخالف تماماً حالة الخطيئة .


في بعض الترجمات نجد "المنعم عليها" وهذا اللفظ يجعلنا نتساءل عن زمن بداية هذا الإنعام وعن هذا الإمتلاء بالنعمة، فلابد أن يمتد ليشتمل على حياة العذراء كلها منذ اللحظة الأولى كما سبق وشرحنا.

فنجد مثلاً فى زيارة مريم لإليصابات تقول اليصابات لها "مباركة أنت في النساء ومبارك ثمرة بطنك" هنا يظهر التساوي في البركتين وقولها مباركة أنت في النساء ويظهر كتفضيل خاص لمريم وإنعام خاص من الله لها فهي مباركة كما أن أبنها مبارك ويقول القديس بولس : "الذين سبق وعرفهم، سبق فحددهم أن يكونوا مشابهين لصورة أبنه الذين سبق فحددهم والذين عرفهم سبق فبررهم" 29:8-30.

إذاً العذراء في فكر الله منذ القدم وممتلئة نعمة منذ الحبل بها وليس فى ساعة ولادتها أوفي ساعة حبلها من الروح القدس بمخلص العالم ، يسوع المسيح .


وتقول الآية أو النبوة عن العذراء "أنت جميلة يا خليلتي ولا عيب فيك" إذا أردتم التوسع في شرح الآيتين السابقتين لغوياً أو لفظياً فهناك مرجع هو مجلة صديق الكاهن العدد الأول أبريل سنة 1983 السنة 23، ص 67-71 للأب لويس نصري


كالسوسنة بين الأشواك كذلك خليلتي بين البنات ( نش 2: 2 )

كلك جميلة يا خليلتي ولا عيب فيك ( نش 4: 7 )


أني خرجت من فم العلي بكراً قبل كل خليقه (أبن سيراخ 5:2 )

أختي العروس مقفلة ينبوع مقفل وعين مختومة ( نش 12:4)

العقيدة في التقليد

يقول القديس أفرام "أنكما أنت وأمك وحدكما جميلان كل الجمال من كل وجه إذ ليس فيك يا سيدي عيب، ولا في أمك دنس" ويقول القديس أغسطينوس الذي يقول بأن على البشر أن يعرفوا أنفسهم خطأه .

باستثناء العذراء مريم، التي هي أبعد من أن يدور الكلام عليها في موضوع الخطيئة، بسبب قدر المسيح.


فكرة التشابه والتفارق بين مريم وحواء، فمريم هي من جهة، صورة لحواء بطهارتها وكمالها قبل الخطيئة الأصلية، وهي من جهة أخرى، على طرفي نقيض مع حواء من حيث أن حواء هي سبب الخراب ومريم هي سبب الخلاص. ويقول القديس أفرا م "مرأتان بريئتان بسيطتان كل البساطة، مريم وحواء، كانتا في كل شيء متساويتان غير أنه، فيما بعد صارت الواحدة سبب موتنا والأخرى سبب حياتنا" والقديس يوستينوس في حواره مع تريفون قال: " الاثنان كان لهما حوار مع الملاك حينما كانت عذراوين بعيدتين أو بريئتين من الفساد، حواء تعصي الله وتسقط أما "مريم" على العكس تتواضع "كأمة للرب" وتنتصر.

آراء بعض اللاهوتيين في العقيدة

نري أن بعض اللاهوتين مثل يونا فنتورا أو بطرس لمياروس وبرناردوس تحدثوا بخضوع مريم للخطيئة الأصلية ولكنها مريم خلصت منها فى الحال وهي في بطن أمها، فولدت بلا دنس من أى خطيئة .


وكان معهم القديس توما الأكويني يشاركهم الرأي والسبب هوأنهم لم يكونوا قد توصلوا بعد لحل للتوفيق بين عصمة مريم من الخطيئة وشمول هذه الخطيئة ، وظلت هذه الفكرة سائدة إلى أن جاء يوحنا دون سكوت أن من سنة 1120 ? 1308 وكان علامة وكان يفكر في حل المشكلة السابق طرحها ، فكان منطقه كالآتي وكان منطقه في ثلاث إمكانيات :


أ - كرامة العذراء مريم

- الله قادر ألا تكون قد سقطت في الخطيئة أبداً.

- الله قادر أن تكون قد سقطت في الخطيئة لحظة.

- الله قادر أن تكون قد سقطت في الخطيئة زماناً.

أما ماذا حدث من هذه الإمكانيات الثلاث فالله وحده يعلمه. وإن لم يتعارض مع الكنيسة والكتاب من المحتمل أن الشيء الأكرم يُنسب إلى مريم وهو الرأي الأول بالطبع.


ب - الخلاص المسبق (الوقاية) لرفض الفكرة القائلة بأن مريم العذراء بدون خطيئة أصلية

فهي إذاً ليست محتاجة للخلاص، فيجاوب يوحنا دون سكوت : " كلا إن مريم قد خلصت بالفعل، فالمسيح هو مخلصها ووسيطها، ولكن بطريقة فريدة جداً، وذلك يعود بكرامة أكبر، سواء للمخلص سواء لمريم العذراء وهي طريقة الوقاية من السقوط وليس بالطريقة العادية أي بالعماد.

إذاً مريم كان لابد لها أن ترث الخطية الأصلية بما أنها أتت عن طريق طبيعي إن لم يكن يسوع قد وقاها من السقوط بطريقة أسمى وتفوق الطريقة العادية.

مجمع بال سنة 1429 قرر هذه العقيدة وثبتها وفي سنة 1567 حرم البابا بيوس الخامس عبارة بايوس القائلة ما من أحد غير المسيح متنزه، عن الخطيئة الأصلية، وأن موت العذراء وعذاباتها كانت عقاباً لها عن خطايا فعلية أو عن الخطيئة الأصلية.


البرهان العقلي للعقيدة

إن العقل يقبل هذه العقيدة بالنسبة إلى مكانة مريم العذراء كأم الفادي المتحدة معه والذي سبق فحددها الله الآب أماً لابنه يسوع المسيح وفى هذا قد كتب راهب إيطالي ٳسمه إدمر EADMER من القرن الثاني عشر والذي يوجز بقلمه العقلي ثلاث كلمات هم:

" قدر، لائق، إذن فعل "

- الله يقدر أن يعفي أو يقي مريم العذراء من دنس الخطيئة الأصلية وكان من اللائق بمكانة مريم كأم الفادي أن تكون كذلك، إذن الله فعل ذلك.

اعتراض المعترضين

الاعتراض الأول : القمص سيداروس عبد المسيح يعترض في كتاب " مريم في التاريخ والطقس والعقيدة" قائلاً:

"على ضوء تخيلات برنادت الواسعة، أعلنت الكنيسة عقيدة الحبل بلا دنس وجعلت منها عقيدة إيمانية".

وهنا نقول للقمص أن الحقيقة أن الظهورات في لورد لبرنادت كانت بعد إعلان العقيدة ب 4 سنوات، فالعقيدة أعلنت سنة 1854م والظهور تم سنة 1858وهذا الظهور في حقيقته يؤيد عقيدة الحبل بلا دنس إذ أن العذراء قالت لبرنادت عندما سألها عن أسمها أنها " التي حبل بها بلا دنس".

الاعتراض الثاني يقول : مريم نفسها قالت " تبتهج روحي بالله مخلصي " وذكروا تأييد الآية اعتراضهم القائل الكنيسة تؤمن بأن الروح القدس قد قدس مستودع العذراء في البشارة بالمسيح، الروح القدس قدس مستودع العذراء فجعل المولود منها يولد بدون الخطيئة الأصلية واحتاجت كبشر عادي لدم المسيح ( من مجلة الكرازة )
ونحن نقول رداً على هذا الاعتراض : مريم بالفعل قد حصلت على الخلاص ولكن بطريقة سامية بطريقة وقائية أي لم تكن خاطئة مطلقاً ( سواء بالخطيئة الأصلية أو بخطية فعلية ) أما من ناحية الآية التي ذكرناها في البداية فتقول بأن هذه الآية لا تعني الحاضر والمستقبل وإنما هى دليل على فرح البتول فخلاصها الذى تم و التى هى ذاكرة اياه فى كل حين حيث يفيد وضع فعل تبتهج فى الزمن المضارع لأنه يؤكد شكرها و فرحها الدائم وامتنانها لٳنها الذى خلصها ولكن شكرها ليس لحظى وإنما دائم لما هو قد تم بالفعل بمعنى أن العذراء شاكرة كل حين على ما تم من فداء .


يقول ميخائيل شحاته أن الفداء تم لكل الناس في كتابة مريم العذراء، ويقول أن الباباويون يعتقدون أن العذراء حبل بها بدون خطيئة بينما العذراء نفسها بتحريك من روح الله تقول:

تبتهج روحي بالله مخلصي فمن نصدق من الاثنين الروح القدس أم البابا.

- إذا كانت مريم بريئةً من الخطيئة، فلماذا تقدَّمت للتطهير في الهيكل: مسألة الطهارة خارجية جسدية ارتبطت بتقديم المولود للهيكل (لا علاقة لها بالخطيئة، وخصوصاً الخطيئة الأصلية التي لم تكن معروفة في العهد القديم).

- إذا بُررَّت منذ اللحظة الأولي للحبل بها فقد بُررَّت من دون إرادتها، وهذا لا يجوز: الهدية لا تشترط الموافقة المسبقة، على عكس الالتزام بمشروع (البشارة من أجل التجسد) فهو يشترط الموافقة.


- ما الضرر في أن تكون العذراء قد بررِّت اعتباراً من لحظة البشارة؟: لن تنطبق عليها الآيات التي تتضمن العداوة الكاملة مع الشيطان، ولا الامتلاء بالنعمة. فعلى سبيل المثال، نجد أن أرميا ويوحنا المعمدان قد نالا نوعاً من التقديس قبل ولادتهما: فهل تكون والدة الإله أقل حظوة عند الله منهما؟ هل نقبل أن أرميا يقال له: "قبلما صورَّتك في البطن عرفتُك وقبلما خرجت من الرحم قدستك" (ارميا 5:1) [ والقداسة هنا تعنى بلا عيب ومن دون الخطيئة الأصلية] ولا نقبله على العذراء؟


هل نقبل تطهير يوحنا المعمدان عندما "ارتكض الجنين بابتهاج في بطني" (لو 44:1) حينما سمع سلام مريم ولا نقبل أن تحمل العذراء بلا خطيئة من اللحظة الأولى؟ ألا نقبل هذا على أم المخلص والفادى المسيح الهنا الصالح؟

- هذا التبرير يبدو مخالفاً لقواعد شاملة مثل شمولية الخطيئة "ضَلُّوا جميعاً ففسدوا معاً. ما مِن أَحد يعمل الصًّالحات لا أحد" (رو 12:3)، ألم يقل "وكما أنه كتب على الناس أن يموتوا مرة واحدة، وبعد ذاك يوم الدينونة" (عب 27:9)؟ لتفنيد هذا الاعتراض، يتوجب علينا، ذكر بعض الاستثناءات الكتابية، والتي تتضمن في ذاتها إتمام مخطط الله الخلاصيّ.

استثناءات متعلقة بعدد مرات الموت:

- كم مرة مات ابن أرملة صرفت صيدا؟ (1مل 17: 17-24).

- كم مرة مات لعازر؟ (يو 34:11-44).

- كم مرة ماتت ابنة يايروس؟ (مت 18:9-27).

- كم مرة مات ابن أرملة نائين؟ (لو 11:7-17).

- كم مرة ماتت طابيثة؟ (اع 36:9-42).

- كم مرة مات افطيخس؟ (اع 7:20-12).

استثناءات متعلقة بعدم الموت:

- اخنوخ سابع آدم لم يمت (تك 24:5).

- إيليا النبي لم يمت (2مل 1:2و11).

استثناءات متعلقة باستباق الزمن:

- ألم يهب الله روحه القدوس ليوحنا المعمدان وهو في بطن أمه (لو 14:1)؟.

- ألم يقدس أرميا وهو في بطن أمه: "قبل أن أُصورك في البطن عرفتك وقبل أن تخرج من الرحم قدستك وجعلتك نبياً للأمم" (ار 5:1)؟.

- ألم يقل يسوع عن خلاص إبراهيم (قبل حدث الخلاص بحوالي 1800 سنة "إبتهج أبوكم إبراهيم راجياً أن يري يومي ورآه ففرح" (يو 56:8)؟ .

- ألم يقل بطرس أن داود الملك رأي قيامة المسيح: "إن أبانا داود مات ودفن، وقبره عندنا إلى هذا اليوم. على أنه كان نبياً وعالماً بأن الله أقسم له يميناً ليقيمن ثمراً من صلبه على عرشه، فرأي من قبل قيامة المسيح وتكلم عليها" (أع 29:2-30)؟ .

- ألم يقل سمعان الشيخ حين حمل الطفل يسوع وعمره 40 يوم فقط: "فقد رَأت عيناي خلاصك الذي أعددته في سبيل الشعوب كلها" (لو 30:2-31)؟ .

- ألم يمنح الله الروح القدس قبل المعمودية في بعض الأحيان (أع 44:10-48) ليقضي على تردد الرسل؟

الله قادر على كل شيء، فهو الذي يضع القاعدة كما أنّه له الحق في وضع الاستثناءات حسب مشيئتة المقدسة. وهنا نتساءل هل تبرئة مريم من الخطيئة الأصلية يتناقض فعلاً مع قدرته اللامحدودة ومع إرادته في تقديس البشر، وكل البشر؟ بهذه العقيدة لا تحتاج مريم للفداء إذ أن التبرير قد تم باستحقاقات الفادي فقط لا غير.

خلاصة الاعتراضات ( وخاصة في الكنيسة الأرثوذكسية ) وذلك من خلال ثلاثة بنود:

1 - شمولية الخطيئة، ووجوب وراثتها لكل البشر العاديين .

2 - كل إنسان مولود عن طريق طبيعي ( أى نتاج تزاوج رجل و أمرأة ) يجب أن يحصل على الخلاص،
لأنه يكون حاملاً للخطية الأصلية .

3 - قول مريم تبتهج روحي بالله مخلصي.

آراء اللاهوتيين الأرثوذكس في العقيدة

لنرى مثلاً : ثيؤذوسيوس بطريرك الأسكندرية (من سنة 565 إلى سنة 600) يذكر القرار الصادر من الله بعد خطية آدم ويقول : "إن نوعية وفاة مريم يشبه موت المسيح، وهو لم يريد أن تموت العذراء ولكن قال لا يشك أحد في الجسد الذي أخذته منك يقول على لسان المسيح" يا والدتي الجميلة حينما عصى آدم أمري أنزلت عليه قرار بالموت، أنا نفسي وإن كنت حياة كل بشر ذقت الموت في جسدي الذي أخذته منك الآتي عن جسد آدم جدك لكن حيث أن لاهوتي كان متحداً به لذلك أقمته من الموت، وكنت أود أن لا تذوقي الموت لأرفعك إلى السماء مثل أخنوخ وإيليا ولكن إذا حدث ذلك فيك فإن الناس الأشرار قد يصل لهم التفكير أنك قوة ما نزلت من السماء وأنك أعطيت تدبيراً ظاهراً فقط، فالمسيح وإن كان مات لأجل خلاص البشرية فهو لم يمت لأنه تأثر بالخطيئة الأصلية، والعذراء لم تمت أيضاً لأنها كانت متأثرة بالخطيئة الأصلية بل لكي لا يشك البشر في تجسد المسيح وحقيقته"

برديه في القرن السادس. موجودة في سان سبور بألمانيا يوجد نص مكتوب فيه :

"السلام عليك يا ممتلئة نعمة الرب معك أنت قد أخترت كإناء غاية الطهارة كأم الله مثل إناء ثمين على الدوام".

الأنبا ساويرس أبن المقفع ( القرن العاشر )، عنده عبارات كثيرة تشيد بكرامة مريم إلا أنه لم يتكلم على أنها لم تولد بالخطيئة الأصلية.

"كان تجسد المسيح من أطهر بني آدم جسماً وأكرمهم حباً وأشرفهم نسباً، فمريم البتول التي اصطفاها وانتخبها ونظفها من الأوساخ الدينونية، ولم يخطر على قلبها ارتكاب معصية ولا اقتراف خطيئة، ثم طهرها بحلول الروح القدس وخلق منها جسماً أتحد به المسيح واحتجب فيها "

فهو يقول لم يتسرب إلى فكرها أي فكر آثيم، فهي ابنة آدم ومع ذلك فهي ممتلئة نعمة وهي التي اصطفاها الله وانتخبها، ( ولم يذكر فترة أو زمن اختيارها ) ثم طهرها بحلول روحه القدوس عليها وهذه العبارة لا تفيد حلول الروح القدس وبدأ التقديس بل ازدياد في هذه النعمة والقداسة، لأن مريم كانت قديسة وممتلئة نعمة حسب كلامه في أول العبارة.


 

 

الخلاصة

الحبل بلا دنس عقيدة إيمان يجب على كل مؤمن أن يؤمن وأن يسلم بها خاصة الذين هم داخل الكنيسة الكاثوليكية، وعقيدة الحبل بلا دنس مرتبطة ارتباط وثيق بسر الخلاص الذي هو بمثابة خلق جدي

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +