Skip to Content

احد الابرار والصديقين 2005-2006 - المطران بشارة الراعي

احد الابرار والصديقين

 

انجيل القديس متى25/31-46

المشاركة في كهنوت المسيح بالمحبة والرحمة    

 Click to view full size image

       تذكرالكنيسة اليوم وطيلة الاسبوع بالتسبيح والتكريم اصفياء الله، الابرار والصديقين، الذين دخلوا الملكوت السماوي، بعد ان تقدسوا بمحبة الآب ونعمة الابن وشركة الروح القدس، وهم يشكلون حول الثالوث القدوس "كنيسة السماء". انهم مريم والدة الاله، ويوسف البتول، الانبياء والرسل، الشهداء والمعترفون، القديسون والمختارون. يسمّيهم الانجيل" بني اليمين" الذين يجلسهم فادي العالم وديانه، يسوع المسيح، عن يمينه. تقول عنهم ليتورجيا الفرض الالهي: "على قمم الروح عاشوا، ومنها الى الله طاروا ".

       وتستشفعهم "كنيسة الارض المجاهدة" لكي يضرعوا الى الله من اجل ابنائها وبناتها، ليحفظهم في السعي اليه كما سعوا هم وفقاً لمقتضيات معموديتهم، فيما يوطّدون على الارض ملكوت السماوات. وتستشفعهم من اجل " الكنيسة المتألمة" في حالة المطهر، اي من اجل ابنائها وبناتها المخلَّصين الذين يتطهرون " بالنار" من نتائج خطاياهم، قبل مشاهدة وجه الله ( التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية،1030-1031).

       وتتأمل في سيرتهم، لكي يكونوا مثالاً يحتذى به وقدوة للمؤمنين، لكونهم معلمي الحياة الروحية، وشهود ايمان ورجاء ومحبة.

اولاً، تفسير الانجيل

 

       1.الدينونة العامة

 

       انه انجيل الدينونة الاخيرة: في حقيقتها ومضمونها وغايتها واجرائها.

       حقيقة الدينونة راهنة ولا لُبس فيها. وصفها الانبياء بيوم الرب العظيم، اذ تقف بين يديه ربوات ربوات، ويجلس اهل القضاء ويُفتح الكتاب الذي تُدون فيه جميع صالحات الانسان وسيئاته  ( دانيال7/10؛ ملاخي3/16). هو الرب يجمع كل الامم وينزلهم الى وادي يوشفاط ويحاكمهم هناك (يوئيل3/2). لفظة  يوشفاط تعني "الله يدين"، واصبحت الاسم الرمزي " للمكان " الذي تتم فيه الدينونة: " لتنهض الامم وتصعد الى وادي يوشفاط فاني هناك اجلس لادين جميع الامم من كل ناحية " ( يوئيل3/12)، ويسميها يوئيل النبي "وادي القرار"  (3/14)، وحُدد مكانها بالقرب من اورشليم، وهي "وادي قدرون" في الجنوب الشرقي للهيكل. يصف يوحنا الرسول الدينونة في رؤياه: "ورأيت عرشاً عظيماً ابيض والجالس عليه...ورأيت الاموات كباراً وصغاراً قائمين امام العرش. وفُتحت كتب (دوّنت فيها اعمال البشر)، وفُتح كتاب آخر هو سفر الحياة ( السجل السماوي الذي تدون فيه اسماء المختارين). فحوكم الاموات واحداً واحداً وفقاً لما دُوّن في الكتب، على قدر اعمالهم (رؤيا20/11-13).

       مضمون الدينونة يدور حول كيفية قبول النعمة من الله والتفاعل معها بالتوبة والسلوك في الحياة الجديدة ( انظر متى11/20-24حيث يسوع يعنّف بيت صيدا وكفرناحوم، وفي متى12/41-42: الجيل الفاسد الذي لم يتب بانذار يونان)، ويدور بالتالي حول موقف الانسان تجاه اخيه بالمحبة والرحمة، حيث ينكشف حسن استقبال النعمة والمحبة الالهية او رفضها، كما يظهر في انجيل اليوم.

       غاية الدينونة الثواب او العقاب وفقاً لاعمال كل انسان، خيراً كانت ام شراً، وقد جاء ابن الله ليخلص الانسان، "فالله لم يرسل ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص العالم "(يو3/17)، وليعطيه الحياة الالهية: " اتيت لتكون لهم الحياة وتفيض فيهم " (يو10/10). فمن يقبل نعمة الله ويحيا بموجبها ينال الخلاص الابدي، ومن يرفضها ويرفض روح المحبة الذي هو الروح القدس (متى12/32)، ينال الهلاك الابدي الذي استحقته اعماله.

       اما مُجري الدينونة فهو يسوع المسيح، ابن الانسان. انه سيد الحياة الابدية، وله ان يحكم نهائياً على اعمال البشر وقلوبهم، بكونه فادي العالم. ولقد اكتسب بصليبه هذا الحق، ففوّض الآب اليه كل دينونة (يو5/22؛ التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 679).

       انها الدينونة الاخيرة بالنسبة الى دينونتين سابقتين: واحدة عند ساعة الموت لكل واحد منا، كما يؤكد مثل لعازر والغني (لو16/19-31)، وخلاص لص اليمين (لو23/43)، وكلام بولس الرسول: " لا بدّ لنا جميعاً من ان يُكشف امرنا امام محكمة المسيح لينال كل واحد جزاء ما عمل وهو في الجسد، خيراً كان ام شراً " (2كور5/10؛ التعليم المسيحي 1021-1022). وواحدة في سر التوبة حيث يخضع الخاطىء لحكم الله الرحوم، ويستبق نوعاً ما الحكم الذي سوف يخضع له في ختام حياته التاريخية. سرّ التوبة عطية عظمى من محبة الله، لانه يمكّن الانسان، اذا ما ارتد الى المسيح بالتوبة والايمان، من ان ينتقل من الموت الى الحياة ولا يخضع للدينونة (يو5/24). فالتوبة هي الباب المفتوح امامنا لدخول ملكوت السماء (التعليم المسيحي 1470).

      

2. الابرار والصديقون هم الذين عاشوا مقتضيات معموديتهم في المحبة والرحمة

 

       نعمة الله، التي يقبلها الابرار فيخلصوا، ويرفضها الاشرار فيهلكوا، انما تعطى لنا في سرّ المعمودية وتتجلى في الحياة الجديدة التي نحياها في الكهنوت العام، مشاركين في كهنوت المسيح.

       الكهنوت العام هو كهنوت كل المعمدين، وقد اصبحوا، كما يقول بطرس الرسول: "الجيل المختار، الكهنوت الملوكي، الامّة المقدسة، الشعب المقتنى، ليخبروا بفضائل الذي دعاهم من الظلمة الى نوره العجيب" (1بطرس2/9). اصبحوا كذلك بفضل مسحة الروح القدس التي قبلوها في المعمودية. كانت المسحة تُعطى، في العهد القديم، للملك والكاهن، اما في العهد الجديد فتُعطى لجميع المسيحيين على ما يقول القديس اغسطينوس: " ان رأسنا المسيح لم يتقبل وحده المسحة، بل نحن ايضاً تقبلناها معه، لاننا جسده ?واذا كنا جسد المسيح، فهذا ناجم بوضوح عن كوننا قد تقبلنا المسحة، واصبحنا في المسيح ممسوحين ومسحاء، لان الرأس والجسد يؤلفان، على وجه ما، المسيح الكامل. وكما اننا ندعى جميعاً مسيحيين بسبب المسحة السرية، كذلك ندعى جميعنا كهنة لاننا كلنا اعضاء في جسد الكاهن الاوحد ( الارشاد الرسولي للبابا يوحنا بولس الثاني: العلمانيون المؤمنون بالمسيح، عدد14). لقد تبسّط المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في مفهوم الكهنوت العام في الدستور العقائدي "في الكنيسة " (عدد 34-36). انه الكهنوت العام بالنسبة الى كهنوت الدرجة المقدسة، المعروف بكهنوت الخدمة. وكلاهما يشتركان، على نحو خاص في كهنوت المسيح الواحد. ولئن كانت المشاركة في رسالة المسيح هي مشاركة في الخدمة الكهنوتية والنبوية والملوكية، فانها تختلف في كهنوت الخدمة عنها في الكهنوت العام، لان الاول، بما له من سلطان مقدس، ينشىء الثاني الذي وهو الشعب الكهنوتي، ويقوده ويوجهه الى عيش كهنوته العام.

       الابرار والصديقون هم الذين تقدسوا من خلال ممارسة رسالة كهنوتهم ،سواء في كهنوت الخدمة بالنسبة الى الذين مُنحوا سرّ الدرجة المقدسة في الاسقفية والكهنوت والشماسية، ام في الكهنوت العام بالنسبة الى الذين عاشوا مؤمنين علمانيين او اعتنقوا الحالة الرهبانية او تكرسوا لله في العالم على غرار الرهبان والراهبات.

 

       طريقنا الى الله والخلاص الابدي يمر عبرّ الكهنوت العام في ابعاده الثلاثة: العبادة الروحية (الخدمة الكهنوتية )، قبول انجيل الخلاص ونشره (الخدمة النبوية)، والانتصار على الشر في خدمة الاخوة بالمحبة والعدالة (الخدمة الملوكية). ولقد تلألأء الابرار في هذه الخدم، فبلغوا الى حيث رأس جسدهم، لانه حيث يكون الرأس هناك يصل الاعضاء.

 

       أ- قوام الخدمة الكهنوتية ان يتحد المعمَّدون، بصفتهم اعضاء في جسد المسيح، في ذبيحة الفادي التي قدمّها على الصليب، ويواصل تقدمة ذاته في سرّ الافخارستيا. انهم يتحدون بذبيحة المسيح من خلال تقدمة ذواتهم واعمالهم للرب، كما يناشدهم بولس الرسول: " اناشدكم بمراحم الله ان تقيموا من اجسادكم ذبيحة حية، مقدسة، ومقبولة لدى الله بعبادة روحية"(رومية12/1). ان كل اعمالهم وصلواتهم ونشاطاتهم الرسولية وحياتهم الزوجية والعائلية واشغالهم اليومية ومشقاتهم، انما  يضمونها قرابين روحية الى تقدمة جسد الرب في الافخارستيا، لتّرفع الى الآب بكل تقوى (العلمانيون المؤمنون بالمسيح،14). تدخل في اطار الخدمة الكهنوتية، وفقاً لانجيل الدينونة، مساعدة الاخوة الصغار مثل: زيارة المريض وافتقاد المسجون.

 

       ب- يشارك في الخدمة النبوية كل من ينفتح على انجيل ملكوت الله، الذي اعلنه الرب يسوع، بشخصه وكلامه واعماله، وكل من يقبل كلام الله بايمان، ويعلنه بالكلمة وشهادة الاعمال، ويندد بالشر، ويجسّد جدة الانجيل وفعاليته في حياته اليومية، العائلية والاجتماعية، ويصمد ثابتاً في الرجاء وسط مشقات الزمن الحاضر (المرجع نفسه). انها حضارة الانجيل المعلنة في كلام الرب اليوم، وهي حضارة تتحقق اولاً في قلب الانسان وفي نوعية مسلكه الاجتماعي. بدافع منها ينطلق المسيحيون الى خدمة الاخوة الصغار يقيناً منهم ان كلمة المسيح " كل ما صنعتم لأحد اخوتي هؤلاء الصغار فلي قد صنعتموه"(متى25/40) ليست مجرد امنية تقوية بل هي في حياتهم التزام بمساعدة الفقير ومواجهة كل اشكال الفقر المادي والثقافي والديني والاقتصادي (البابا يوحنا بولس الثاني: السنة المئة، 57). وهي في الانجيل اطعام الجائعين الى خبز وعلم وتربية وفرصة عمل ووسائل لتحيق ذواتهم، وايواء الغرباء الباحثين عن مسكن ودور وانخراط في مجتمعهم الجديد.

 

       ج- اما المشاركة في الخدمة الملوكية، التي دشّن بها السيد المسيح زمناً جديداً مرضياً للرب (لو4/19) ونشر ملكوت الله على الارض، فتدعو المؤمنين الى الصراع الروحي لتدمير سلطان الخطيئة فيهم، والى تكريس ذواتهم لخدمة المحبة والعدالة (العلمانيون المؤمنون بالمسيح14)، مثل سقي العطشان الى ماء وعدالة وحقوق؛ وكسوة العريان بلباس مادي وبثوب الكرامة والصيت الحسن. فكلام الرب في انجيل اليوم يعلن الحقيقة في شأن خيرات الارض التي وكلها الله الى البشر ليثمروها ويمتلكوها ويحسنوا التصرف بها، ويشركوا المعوزين فيها؛ ويعلن الحقيقة في شأن الفداء الذي انقذ جميع الناس وآتاهم ان يكونوا مسؤولين بعضهم عن بعض، بحيث ان من نال من جودة الله وفرة من الخيرات الروحية والمادية، فقد نالها بهدف استعمالها لكماله الشخصي، وفي الوقت نفسه كخادم للعناية الالهية في التخفيف من عوز الآخرين (السنة المئة 51، الشؤون الحديثة، 19).

 

***

 

ثانياً، الخطة الراعوية

 

       انجيل الدينونة في تذكار الابرار والصديقين يؤكد ان طريق الانسان الى الله يمرّ عبر اخيه الانسان. فالخلاص الشخصي يرتكز على عيش المحبة والعدالة تجاه الاخوة في حاجاتهم المادية والثقافية والروحية والمعنوية تحت عناوين الجوع والعطش والحرمان والغربة والمرض والأسْر. انجيل اليوم دعوة من المسيح، الانسان الكامل، للالتزام الشخصي في تأمين هذه الحاجات بعضنا لبعض، وتحرير الواحد الآخر من كل ما يعوّق نموه الشامل، " لان مجد الله الانسان الحي"، على ما يقول القديس ايريناوس (رجاء جديد للبنان،100).

       ترتكز الخطة الراعوية لهذا الاسبوع على النص 20 للمجمع البطريركي الماروني، بعنوان: "الكنيسة المارونية والشأن الاجتماعي".

 

       1) يتعمق الافراد والجماعات: في الرعية والاسرة والدير والمدرسة والمنظمة الرسولية والمؤسسة، بمفهوم الانسان ككائن اجتماعي. فالله لم يخلق الانسان كائناً متوحداً، بل اراده كائناً اجتماعياً. لذلك ليست الحياة الاجتماعية امراً غريباً عن الانسان، فهو لا يستطيع ان ينمو ويحقق دعوته إلاّ من خلال العلاقة مع الآخرين ( مجمع عقيدة الايمان: الحرية المسيحية والتحرير، 32؛ النص المجمعي20، فقرة 2). اي مبادرات يمكن اتخاذها لكي يعيش الافراد والجماعات البعد الاجتماعي على كل من المستوى المادي والروحي، الثقافي والخلقي، في ضوء انجيل اليوم؟

 

       2) يوصي المجمع البطريركي الماروني في النص 20 (الفقرات 22-24) ببناء مجتمع قائم على مبادىء اساسية ثلاثة هي:

أ‌-      التضامن، وهو " العزم الثابت والدائم على العمل من اجل خير كل انسان، وخير الجميع، لاننا جميعنا مسؤولون حقاً عن الجميع" (الاهتمام بالشأن الاجتماعي،38). يذكرّنا المجمع ان التضامن كان ممارساً عندنا في "العونة". الجماعات، في الرعية والاسرة والمؤسسة والمنظمة، تفكّر معاً في رسم خطة عملية لعيش التضامن وممارسة "العونة".

ب‌-العدالة، وهي فضيلة خلقية تؤمن لكل انسان حقوقه الاساسية ليعيش بكرامة على المستوى المعيشي والثقافي والروحي والاجتماعي. المجمع البطريركي يدعو الافراد والجماعات لتعزيز روح العدالة وممارستها تجاه الجميع وبخاصة الفقراء والمحتاجين. انجيل اليوم يستحثنا على التفكير معاً في وسيلة تعزيز هذه الروح، وفي مبادرات عملية تجسّد العدالة التي تثمر السلام في رعايانا وعائلاتنا ومؤسساتنا ومجتمعنا. " فالسلام ثمرة العدالة" ( اشعيا 32/37).

ج- ترقي الانسان والمجتمع بالانماء الشامل الذي يمكّن الشخص البشري من الحصول على حقوقه الاجتماعية الاساسية التي يعددها المجمع البطريركي الماروني، وهي الوجه الحقوقي للجائع والعطشان والعريان والمريض والغريب والسجين. هذه الحقوق هي: الحق في بناء عائلة، والحق في المسكن، والحق في العمل، والحق في الصحة والطبابة، والحق في التعليم والثقافة (النص20، الفقرات 28-37). الجماعات عندنا تحدد امكانياتها والوسائل والمبادرات للعمل معاً على ترقي الانسان، حتى بترقيه يترقى المجتمع.

 

**

 

       صلاة

       يا رب، لقد اردت ان يكون لكل الشعوب اصل واحد، وتريد ان تجمعهم في عائلة واحدة، فاجعل البشر يعترفون انهم اخوة ويعملون في التضامن لانماء كل الشعوب، حتى يتم الاعتراف بحقوق كل انسان، وتعرف الجماعة البشرية زمناً ينعم بالمساواة والسلام. وليكن الابرار والصديقون قدوة لنا في السير اليك عبر اخوتنا الصغار، وقد شئت ان تتماهى معهم، لترفعهم الى مستوى كرامتهم كاعضاء في جسدك السرّي ومفتدين بدمك الثمين. لك المجد الى الابد. آمين ( صلاة البابا يوحنا بولس الثاني).



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +