Skip to Content

الاحد الثاني بعد الدنح 2005-2006 - اللقاء بيسوع يوحي ويغير - المطران بشارة الراعي

الاحد الثاني بعد الدنح

انجيل القديس يوحنا 1/35-42

اللقاء بيسوع يوحي ويغييّر

Click to view full size image

       الدِّنْح زمن ظهور سرّ المسيح وتجليه فينا ومن خلالنا؟ لقد ظهر في شهادة المعمدان انه " حمل الله" (يو1/36)، وفي شهادة اندراوس "انه المسيح" (يو1/41)، وفي تبديل هوية سمعان بن يونا (يو1/42) انه صانع الخلق الجديد، على ما قال عن نفسه ليوحنا الرسول في رؤياه: " ها انا جاعل كل شيء جديداً" ( رؤيا21/5)، واكّد بولس الرسول: " كل من هو بالمسيح الآن، هو خليقة جديدة" (2كور5/17).

 

اولاً، ابعاد النص الانجيلي

 

1.                                      يسوع حمل الله

 

لماذا، لما رأى يوحنا المعمدان يسوع ماشياً، سماّه " حمل الله" (يو1/36)؟ كان ذلك غداة نقاشه مع البعثة من الكهنة واللاويين الذين ارسلهم اليهود من اورشليم ليسألوه: من انت؟ أأنت المسيح؟ أأنت ايليا؟ أأنت النبي؟ فاجاب: لا. بل انا صوت صارخ: في البريّة مهدّوا طريق الرب. وسألوه، لماذا، اذاً، تعمّد، ان لم تكن المسيح، ولا ايليا، ولا النبي؟ (يو1/19-26).

كان يعتبره تلاميذه حملاً بين ذئاب بريّة مجتمعهم، لوداعته وتضحيته وتقشفه ومناداته بمعمودية التوبة ولغفران الخطايا والتكفير عنها (انظر مرقس1/2-6). فلما رأى يسوع ماشياً قال لتلميذيه: "هذا هو حمل الله"، لينفي عن نفسه هذه الصفة، امام من هو حمل الله بامتياز. هذا كان نهجه، اعلنه يوماً للتلاميذ: "ينبغي لذاك ان ينمو، ولي ان انقص، لان الذي اتى من فوق، هو فوق الكل، والذي هو من الارض ارضي هو، وارضياً يتكلم" ( يو3/30-31). يسوع هو حمل الله بامتياز بالنسبة الى المعمدان والينا. ذلك ان الناس يقولون عن الشخص الذي يعيش بتواضع ويضحي ويسالم: " هذا حمل وديع". ويسوع، عندما ارسل تلاميذه للرسالة في برّية هذا العالم، قال: " ها انا مرسلكم كالخراف بين الذئاب، كونوا حكماء كالحيات، وودعاء كالحمام" ( متى10/16).

قال المعمدان عن يسوع انه "حمل الله"، وقد اكتشف، يوم معموديته، انه ابن الله القدوس الذي لا تشوبه خطيئة، والممتلىء من الروح القدس. صورة " حمل الله" مأخوذة من الكتب المقدسة في العهد القديم ولاسيما من سفر الخروج (12/1-4) ومن نبؤة اشعيا (15/13-15)؛ وترمز الى فادي الجنس البشري، يسوع المسيح؛ لكنها في الوقت نفسه تحقيق لما تعني واكتمال. فالمسيح هو حمل الفصح الجديد، وعبدالله المتألم الذي يحمل خطايا جميع الناس، ويكفّر عنها بآلامه البريئة وموته على الصليب، ويزيلها برحمة من الآب، وبقوة من الروح القدس الذي يبعث الحياة الالهية فينا.

انه حمل الفصح الجديد بالنسبة الى الفصح اليهودي القديم الذي يصفه سفر الخروج (12/1-14). سيقول عنه بولس الرسول في صلبه وموته: " لقد ذُبح حمل فصحنا وهو المسيح" ( 1كور5/7). ورأى يوحنا تحقيق الحمل الفصحي في المسيح المصلوب، اذ قال، عندما لم يكسر الجنود ساقيه مثل اللصين المصلوبين معه: " لن يكسر له عظم" (يو19/36)، مثلما قضت شريعة موسى بالنسبة الى حمل الفصح: " وعظماً لا تكسروا منه" ( خروج12/46).

عندما كان القديس اغسطينوس يتأمل في سرّ المسيح، حمل الفصح المجيد، الذي افتدى خطيئة البشر بموته وانتصر على الموت، بقيامته. تساءل: " ما هو هذا الحمل الذي تخافه الذئاب؟ ما هذا الحمل المقتول الذي يقتل الآسد؟ في الواقع، قال بطرس الرسول ان " الشيطان عدوكم يزأر كالاسد ويجول في طلب من يبتلعه.فقاوموه انتم راسخين في الايمان بالمسيح" ( 1بطرس5/8-9؛ اغسطينوس، تعليق على انجيل يوحنا، العظة 7).

لقد تنبأ أشعيا عن حمل الفصح هذا وسماه " عبد يهوه"، "عبدالله المتألم"، (اشعيا 52/13-15؛ 53/2-3)، وقال عنه: "لقد حمل آلامنا واحتمل اوجاعنا. طُعن بسبب معاصينا، وسُحق بسبب آثامنا، نزل به العقاب من اجل سلامنا، وبجرحه شفينا. ألقى الرب عليه اثم كلنا، عومل بقسوة فتواضع ولم يفتح فاه. كحمل سيق الى الذبح، وكنعجة صامتة امام الذين يجزّونها، ولم يفتح فاه" (53/4-7). انه يسوع المسيح الذي أسلم نفسه للموت فداء عن البشر، فأستبق الآب اعلان رضاه عنه على نهر الاردن، والروح القدس ملأ بشريته قوة   لرسالة الفداء، والسماوات انفتحت بعد ان أغلقتها خطيئة آدم، والمياه تقدست بنزول يسوع اليها. فكان الكل العلامة والاداة للخلق الجديد بمعمودية الماء والروح (يو3/5-7).

بالمعمودية، يصوَّر المسيحي في كيانه الداخلي على شبه يسوع في موته وقيامته: انه يموت عن حياة الخطيئة ويقوم لحياة النعمة. يموت فيه الانسان العتيق، ويحيا الانسان الجديد. ما يقتضي منه ان يدخل في سر الاتضاع والتوبة، وان ينزل الى الماء مع يسوع، ليصعد معه مولوداً ثانية من الماء والروح، فيصبح، في الابن الوحيد، ابناّ حبيباً للآب، ويعيش وفقاً للحياة الجديدة (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 537).

 

2.                                      اللقاء بيسوع يكشف ويبدّل

 

يسوع يُعرف بالاختبار الشخصي: " تعاليا وانظرا" ( يو1/39). بهذه الدعوة اجاب على سؤال تلميذي المعمدان اللذين تبعاه عند سماع شهادة يوحنا: " هذا هو حمل الله". فأقاما معه طيلة النهار. ولما رجعا، اعلن اندراوس لسمعان ما كُشف لهما: " لقد وجدنا المسيح" (يو1-41). "حمل الله"، المسيح المنتظر، الذي كتب عنه الانبياء.

آمن التلميذان بفضل ما سمعا من قول بولس الرسول: " الايمان من السماع، والسماع من كلمة الله"  (روم 10/17). المبادرة الاولى هي من المسيح، كلمة الله المتكلمة الى كل انسان (القديس برنردوس): "ماذا تريدان؟ تعاليا وانظرا". هذا اصل مسيرة الايمان. تبعاه عند سماعهما قول المعمدان، متسائلين، فساءلهما هو؛ وتبعاه باحثين، فكان هو الذي يبحث عنهما. هذه قصتنا مع المسيح (انظر رسالة البابا يوحنا بولس الثاني الى الشبيبة في 15 آب 1996، اعداداً للايام العالمية في باريس 1997، بعنوان: " يا معلم اين تقيم؟ تعاليا وانظرا"). وكان سمعان بن يونا ذروة بحثه وقد اراده نائباً له على رأس الكنيسة، والصخرة التي تبنى عليها، بفضل ايمانه. فلما اتى سمعان الى يسوع، على شهادة اخيه اندراوس، بادره الرب بنظرة ثاقبة حتى الاعماق، وقال: " انت سمعان بن يونا. ستدعى الصخرة-بطرس " Petros" باليونانية، " وكيفا" بالسريانية (يو1/42).

لقد اعلن يسوع معمودية سمعان- بطرس ومفاعيلها، قبل حدوثها في سرّ فصحه. اعلن ولادته الجديدة، وتغيير هويته العتيقة. وبعد ايام قليلة التقى يسوع سمعان واندراوس على شاطىء بحر الجليل، يلقيان الشباك في البحر، لانهما كانا صيادين، فقال لهما: " هلّم اتبعاني، اجعلكما صيّادي الناس. فتركا شباكهما للحال وتبعاه" (متى4/18-19).

نحن نتساءل عن المسيح، فاذا به يسائلنا: " ماذا تريدان"؟ نبحث عنه فيجدنا هو، ونحن نجد ذواتنا فيه: "انت سمعان بن يونا. ستدعى الصخرة". بعد قيامته، لن نسأله: " اين تقيم؟" اما هو فيوجّه الدعوة الى الجميع، الى كل واحد: " تعال وانظر". انه حيّ وحاضر ابداً في كنيسته: حاضر في الافخارستيا، خبزاً حياً نازلاً من السماء، هو خبز كلامه وخبز جسده ودمه لحياة المؤمنين والعالم (يو6/50)؛ حاضر بشخص الكاهن خادم السّر، الناطق والفاعل باسمه وبشخصه؛ حاضر في الاسرار فعندما احد يعمد، المسيح نفسه هو الذي يعمّد؛ حاضر في الجماعة المصلية كما وعد: " اذا اجتمع اثنان او ثلاثة باسمي، اكون هناك بينهم" ( دستور الليتورجيا،7).

غير ان عمر الشباب يبقى المناسبة بامتياز لطرح السؤال الحاسم اياه، لانه عمر البحث عن الذات والمستقبل، عمر القرارات البطولية، ولكون الشباب " حراس الصباح" و " ومستكشفي المستقبل" ( البابا يوحنا بولس الثاني). ان آباء الجمعية الحادية عشرة لسينودس الاساقفة التي التأمت في روما (2-23تشرين الاول 2005) بعنوان: " الافخارستيا ينبوع حياة الكنيسة ورسالتها وقمتهما"، استعادوا في ندائهم الاخير كلمة البابا بندكتوس السادس عشر للشبيبة: " لا تخافوا من المسيح. انه لا ينتزع شيئاً، بل يعطي كل شيء. استقوا من ينبوع الطاقة الالهية التي هي الافخارستيا المقدسة لاجراء التغييرات الضرورية، ولاسيما لتغيير ما هو ظلم وعنف" ( النداء،21).

**

ثانياً، الخطة الراعوية

 

الخطة الراعوية لهذا الاسبوع، كما تمليها كلمة الانجيل، تتناول الليتورجيا التي هي مكان اللقاء بيسوع واداته. ذهاب تلميذي يوحنا المعمدان مع يسوع، ورؤيتهما اين يقيم، ومكوثهما معه طيلة النهار، واكتشافهما انه المسيح، صورة مسبقة عن الليتورجيا الالهية، التي هي مكان اللقاء بالمسيح والثالوث القدوس واداة هذا اللقاء. الليتورجيا هي مدرسة الايمان ( انظر المجمع البطريركي الماروني، النص 12: الليتورجيا). فعملاً بتوصيات المجمع البطريركي الماروني.

1) يتوقف المؤمنون معاً في لقائهم الاسبوعي، في الرعية، في العائلة، في الجماعة الديرية، في المنطمة الرسولية ولجنة الشبيبة، وسواهما من الجماعات، عند الحدثين الاساسيين في حياة يسوع المسيح العلنية ورسالته: رسالة اعلان انجيل الفداء بعماده في الاردن، وتحقيق الفداء بموته على الصليب وقيامته. يفكرون معاً في الوسائل والمبادرات التي تتيح لهم امكانية ان يعيشوا مفاعيل المعمودية:

أ- ان يحيوا في المسيح متحدين به، بواسطة كلمته التي تنير العقول بانوار الحقيقة، ونعمته التي تشفي ضعفنا، ومحبته المسكوبة في القلوب بالروح القدس وهي " محبة تستحثنا (2كور5/14).

ب- ان يؤدوا الرسالة الموكولة اليهم بمسحة الميرون، وهي مثلثة: اعلان بشرى الحياة الجديدة (البُعد النبوي)، وتحويل الاعمال والنشاطات الزمنية الى قرابين روحية (البُعد الكهنوتي)، والشهادة لمحبة المسيح باحلال السلام والعدالة والحرية (البُعد الملوكي).

في ضوء هذه المفاعيل يتخذ الافراد والجماعات مبادرات عملية تكون العلامة لثمار الفداء، والاداة لتعزيز هذه الثمار في مجتمعهم (النص 13 عدد18).

2) انطلاقاً من ادراك المؤمنين ان المسيح حاضر في كلامه، فعندما نقرأه او نسمعه، المسيح نفسه يتكلم (القديس ايرونيموس)، تتهيأ الجماعات المذكورة للمشاركة الفعالة في الاحتفالات الليتورجية ولاسيما في القداس الالهي، وتهيئه، بحيث تكون هذه الاحتفالات الواحة الفضلى للقاء المسيح عبر كلامه: تصغي اليه، تفسّره، تتأمل فيه، تتبادل الافكار والمبادرات، تجعله ينبوع وحيها، ومصدر رسالتها، ومرتكز شهادتها. ان بلوغ هذه الغاية يقتضي:

أ- جعل الاحتفال الليتورجي احتفالاً للشعب، كما يوصي المجمع البطريركي، فلا تبقى جماعة المؤمنين غريبة، مشاهدة ومستمعة وصامتة. على الكاهن المحتفل والشماس والمنشّط الليتورجي مساعدة الشعب على المشاركة الواعية والتقوية والفعاّلة في التراتيل والزياحات والصلوات، مع ما يستوجب ذلك من تنشئة لفهم رموز الليتورجيا وابعادها اللاهوتية.

ب- بما ان الليتورجيا هي للشعب، لا يحق للجوقة ان تأخذ مكان الشعب. بل ينبغي ان تساعد الجماعة المصلية على المشاركة في الترانيم والالحان وفق الاصول الموسيقية وبروحانية وخشوع، ما يقتضي ان تقوم الجوقة بخدمة الاحتفال باتقان وتقوى ، فتتناغم الاصوات العذبة مع القلوب المصلية.

ترسم الجماعات المعنية خطة عمل لتحقيق المشاركة الواعية والفاعلة (النص 13، عدد40،39،36).

 

صلاة

 

اليك، يا يسوع ربنا، ننظر لتنيرنا ايها النور الآتي الى العالم، فندرك الدعوة الى اتّباعك، وسماع كلامك الحي، والدخول في شركة حياة معك. انجيلك قوة وفرح لنا. أحلّ فينا روحك القدوس، فيغيّر حياتنا ويفرّحها بالاخوّة لجميع الناس، والخدمة السخية، والغيرة في العمل الرسولي، فنحقق خير البشرية في الحقيقة والحرية والعدل والمحبة. هكذا اليك نصلي، ايها المسيح، انت الذي تحيا وتملك مع ابيك وروحك القدوس الى الابد. آمين. (صلاة البابا بولس السادس).



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +