Skip to Content

الاحد الثالث بعد الدنح - 2009 - المطران بشارة الراعي

الاحد الثالث بعد الدنح

Click to view full size image

رسالة القديس بولس الى اهل غلاطية: 3/23-29

انجيل القديس يوحنا 3/1-16

الانسان الجديد المولود من الايمان والمعمودية

 

       في زمن الدنح نتذكر ايماننا ومعموديتنا، وقد اصبحنا بهما " انساناً جديداً مخلوقاً على صورة الله في البّر والقداسة الاتيتين من الحقيقة" (افسس4/24). نتذكر لكي نتجدد في هذا الانسان الجديد، عائشين مقتضياته وفقاً لتعليم القديس بولس الرسول وتعليم الانجيل.

 

اولاً، عام القديس بولس وشرح الرسالة والانجيل

التبرير بالايمان والمعمودية

 

1. رسالة القديس بولس الى اهل غلاطية:  3/23-29

       فَقَبْلَ أَنْ يَأْتيَ الإِيْمَان، كُنَّا مُحْتَجَزِينَ مَحبُوسِينَ تَحْتَ الشَّرِيعَة، إِلى أَنْ يُعْلَنَ الإِيْمَانُ الـمُنْتَظَر. إِذًا فَالشَّرِيعَةُ كَانَتْ لَنَا مُؤَدِّبًا يَقُودُنَا إِلى الـمَسِيح، لِكَيْ نُبَرَّرَ بِالإِيْمَان. فَلَمَّا أَتَى الإِيْمَان، لَمْ نَعُدْ تَحْتَ مُؤَدِّب؛ لأَنَّكُم جَمِيعًا أَبْنَاءُ اللهِ بَالإِيْمَان، في الـمَسِيحِ يَسُوع. فأَنْتُم جَمِيعَ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُم في الـمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ  الـمَسِيح. فلا يَهُودِيٌّ بَعْدُ ولا يُونَانِيّ، لا عَبْدٌ ولا حُرّ، لاَ ذَكَرٌ ولا أُنْثَى، فإِنَّكُم جَمِيعًا وَاحِدٌ في الـمَسِيحِ يَسُوع. فَإِنْ كُنْتُم لِلمَسِيح، فأَنْتُم إِذًا نَسْلُ إِبْراهِيم، ووَارِثُونَ بِحَسَبِ الوَعْد.

 

       يؤكد بولس الرسول ان الانسان يتبرر بالايمان بيسوع المسيح وبالمعمودية، لا من الشريعة التي قادت شعب الله القديم او سواه. فالشريعة (الناموس) انما هي طريق يرشد الانسان الى المسيح لكي يتبرر بالايمان. والايمان يصبح لنا المرشد في المسلك والموقف.

الايمان بالمسيح يكتمل بالمعمودية، فيلبس المؤمن ثوب النعمة المبرَّرة، وينزرع فيه الانسان الجديد على صورة المسيح. عبّر بولس عن هذه الحقيقة بقوله الذي اصبح نشيداً مسيحانياً: " انتم الذين اعتمدتم بالمسيح، قد لبستم المسيح" ( غلا3/27). هذا يعني ان المعمودية اغتسال يطهّر ويقدس ويبرر(1كور6/11)، وانها موت وقيامة مع المسيح: موت عن الخطيئة والانسان القديم، وقيامة للنعمة والانسان الجديد. الثوب الابيض يرمز الى ان المعمّد " لبس المسيح"، والشمعة المضاءة تعني ان المسيح أناره، وانه أصبح بالمسيح  "نور العالم" ( متى5/14).

       بالايمان والمعمودية تظهر وحدة جسد المسيح في تعددية الاعضاء. هذه الوحدة تنتصر على كل الانقسامات البشرية، " فليس يهودي بعد ولا  رومي ولا عبد ولا حرّ ولا ذكر ولا انثى، بل كلكم واحد في يسوع المسيح" ( غلا3/28).

       يعلّم البابا بندكتوس السادس عشر[1] ان بولس الرسول يكشف، في رسالته الى اهل غلاطية، العلاقة القائمة بين الايمان والمحبة، وبين الايمان والاعمال. فيقول الرسول ان  "الايمان يكمل بالمحبة" ( غلا5/6) التي هي اولى ثمار الروح القدس في المؤمن، ويتبعها الفرح والسلام والصبر واللطف والصلاح والتواضع (غلا5/22-23). ويدعو من ناحية اخرى الى تجنب اعمال الجسد، الانسان العتيق والانتصار عليها وهي: الدعارة والنجاسة والعداوة والخصومة والغضب والبدع والحسد والقتل والسّكر وما شابهها ( غلا5/19-21).

       اما واننا قد تبررنا بعطية الايمان في المسيح، فنحن مدعوون لنعيش محبة المسيح تجاه القريب، كما علمنا اياها الرب يسوع في انجيل الدينونة الاخيرة (متى25/31-46). هذه المحبة المسيحية تولد من محبة المسيح الشاملة جميع الناس. انها تُلزم كل واحد منا بألاّ يعيش لنفسه، منغلقاً في انانيته، بل " في سبيل ذاك الذي مات وقام من اجلنا" ( 2كور 5/15). وبذلك تجعلنا خلقاً جديداً (2كور5/17)، وعضواً في جسده السرّي الذي هو الكنيسة.

       هذه المحبة امتدحها بولس الرسول في نشيده (1كور13/1-8).

       اما العلاقة بين الايمان والاعمال فنجد التوسع فيها في رسالة القديس يعقوب الرسول الذي يؤكد: " كما ان الجسد بدون روح ميتّ، كذلك الايمان ايضاً هو ميت بدون اعمال". والايمان اذا اقتصر على الكلام ولا يترجم بالاعمال لا ينفع بشيء من كان في حاجة (انظر يعقوب2/2-4). الايمان الحقيقي هو الذي يعمل في المحبة. عندئذٍ يكون شهادة للخلاص الذي نناله من الله بالايمان بيسوع المسيح، وعلامة لعمل الله فينا الذي يحرّك منا الارادة والافعال.

       يؤكد  قداسة البابا بندكتوس السادس عشر ان المؤمن لا يستطيع استباحة كل شيء: المسلك العاطل، الخلافات والانقسامات في جسد المسيح الواحد، الذي هو الكنيسة، المشاركة في سرّ الافخارستيا واهمال الاخوة المعوزين، الاهتمام بالمواهب الخاصة من دون اي خدمة للاخوة. ان  ايماناً لا يتجسّد في اعمال المحبة يصبح تحكماً شخصانياً منغلقاً على الذات، رأياً ورؤية ومصالح، وينزل الضرر الكبير في الاخوة. ان بولس الرسول يدعونا  لنتذكر ان جسدنا هو هيكل الروح القدس، الساكن فينا، وقد قبلناه من الله، واننا لسنا بعدُ لانفسنا ( انظر 1كور6/19).

 

       2. الولادة من الماء والروح ( يوحنا 3/1-11)

 

       المعمودية هي سرّ الانارة. عن نورها كلّم الرب يسوع الوجيه نيقوديمس، رئيس اليهود، الذي قصده ليلاً، وهو يتخبط في ظلمة الشك والبحث عن الحقيقة. لقد نورّه بهذا التأكيد: " ان لم يولد الانسان ثانية من الماء والروح، لا يستطيع ان يدخل ملكوت الله. فالمولود من الجسد هو جسد، والمولود من الروح هو روح" ( يو3/5).

       لفظة معمودية في اللغة اليونانية baptizein تعني النزول في الماء، مثل يسوع في مياه الاردن، وترمز الى الدفن في موت المسيح والخروج منه بالقيامة معه خلقاً جديداً  (2كور5/17؛ غلا6/15).

       وتسمّى المعمودية " غسل الميلاد الثاني والتجدد بالروح القدس"  ( تيطس3/5)، لانها تحقق الولادة من الماء والروح، وتدخل المعمّد في ملكوت الله الذي هو الكنيسة، اي في الشركة العمودية التي هي الاتحاد بالله الثالوث، وفي الشركة الافقية التي  هي الوحدة مع الناس. هذه الشركة المزدوجة هي دخول في الخلاص بالنسبة الى الذين آمنوا بالمسيح وبانجيله واعتمدوا بالماء والروح. فالمعمودية تطهرهم من خطاياهم وتوليهم الولادة الجديدة بالروح القدس، فيصيروا ابناء الله بالابن الوحيد، ومشاركين في الحياة الالهية، واعضاء في جسد المسيح الذي هو الكنيسة، وهياكل الروح القدس، ووارثي المجد السماوي (كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1265).

       ان النعمة المبررة التي ينالها المعمّد هي حلول الروح القدس عليه الذي يمكنّه من ثلاثة:

-        أن يؤمن بالله ويرجوه ويحبه.

-        أن يعيش ويعمل بقيادة الروح القدس ومواهبه.

-        أن ينمو في الخير مزيناً بالفضائل الخلقية.

وبهذا يعيش مقتضيات الانسان الجديد (المرجع نفسه،1266).

 

***

 

ثانياً، البطاركة الموارنة ولبنان

 

البطريرك يوحنا الحلو ( 1809-1823)

هو من غوسطا-كسروان، كان في الاساس راهباً ثم نائباً بطريركياً. انتخبه بطريركاً مجمع المطارنة المنعقد في دير مار يوسف عينطوره في 8 حزيران 1809. منحه الشركة ودرع التثبيت البابا بيوس السابع ( 1800-1823) في 25 كانون الثاني 1810.

تميّز عهده بالاجراءات التالية:

1. تنفيذ قرارات المجمع اللبناني ( 1736) بتعيين كرسي خاص بكل ابرشية ليقيم فيه مطرانها، وفصل اديار الرهبان عن اديار الراهبات.

2. اعادة الكرسي البطريركي الى دير سيدة قنوبين، بعد نقله سنة 1808 الى دير مار شليطا مقبس في غوسطا. وكان دير قنوبين مهجوراً منذ عهد البطريرك يعقوب عواد (1705-1733), فانتقل اليه البطريرك سنة 1811 بعد ترميمه.

3. عقد مجمع اللويزه في 13 نيسان 1818، المعروف بمجمع البطريرك يوحنا الحلو. ثبّت البابا بيوس السابع هذا المجمع في 25 ايار 1819. من مقراراته:

أ- تعيين 7 اديار للراهبات، و6 اديار للرهبان، و5 اديار للعابدات، عملاً بقرار المجمع اللبناني.

ب- احياء مدرسة الروميّة في القليعات لتكون مدرسة عامة للطائفة.

ج- اقامة رؤساء ووكلاء على الاديار لترتيب وضبط مداخيلها.

 

4. عناية خاصة بانشاء المدارس، فالى جانب مدرسة الروميّة في القليعات حوّل البطريرك دير مار يوحنا مارون في كفرحي (البترون) الى مدرسة. كانت احدى المدارس الراقية في القرن التاسع عشر، وامتداداً  لمدارس عصر النهضة العلمية في لبنان الذي احياه الافواج الاوائل من خريجي المدرسة المارونية في رومية (1584).

5. تعزيز القضاء. عرف البطريرك يوحنا الحلو برجل القانون. كان في البدء مطراناً مشهوراً باحكامه القضائية في مواضيع مختلفة، اذ كانت صلاحيات الاساقفة تتناول، الى جانب الاحوال الشخصية، الحق المدني والتجاري والجزائي. هذه الولاية كانت ترقى الى عهد البيزنطيين فالى عهد العثمانيين.

 

***

 

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

       تبدأ الخطة اليوم بعرض النص المجمعي الثالث عشر:الرعية والعمل الرعوي. انه نص زاخر، يتضمن وضع الرعية اليوم، ومفهومها، ودورها في رسالة الكنيسة. ويتناول دور كاهن الرعية من خلال وظيفة التعليم والتقديس والتدبير. ويكشف اهمية المنظمات والحركات الرسولية. والكل يهدف الى مساعدة المؤمنين بالمسيح العلمانيين على اكتشاف دعوتهم وابعاد انتمائهم الى الرعية، كوسيلة للانتماء الى يسوع المسيح.

       الرعية المارونية في الاساس ريفية، لان الموارنة عاشوا منذ البداية في الارياف. والمجتمع الريفي متميّز بالعلاقات الاجتماعية الوطيدة بنتيجة اواصر القربى بعضهم الى بعض، ما ولّد حسّ التضامن والمشاركة والبقاء على قلب واحد من اجل الصمود بوجه المصاعب والمحن. وكانت ممارسة " العونة" لبناء بيت او قطف كرم او مساعدة مريض. واليوم تمارس في بناء الكنائس والقاعات الرعائية والاندية وسواها من مشاريع عامة.

       هذا الواقع انعكس على الحياة الرعوية. فكانت كنيسة الرعية مكان اجتماع اهل القرية، تقدم لهم فرص الالتقاء كالاعياد الكبيرة، وعيد شفيع الرعية، واحتفالات الاكاليل والجنازات وغيرها. وهكذا كانت الحياة الاجتماعية والحياة في الرعية تتدخلان.

       ولعبت الاديار دوراً مهماً في حياة الرعية الريفية. فكان يلتّف حولها المؤمنون في شركة حياتية. الرهبان، تمتّد الى الحياة الليتورجية والصلوات والالتزامات الدينية بالاتكال على العناية الطقسية. فكان للعلمانيين روحانية طبعت اعمالهم وحياتهم اليومية بالاتكال على العناية الالهية، وأغنتها بالخلقية وقيم التضحية.

       وكان لكاهن الرعية المقيم في القرية ومع اهلها حضور مميّز: احياء القداس اليومي والرتب والتساعيات، تعليم الاولاد، زيارة المرضى، الوقوف على حالة العائلات وحاجاتها. ما جعله مرجعاً مهماً لابناء القرية-الرعية.

       نجد التنظيمات للرعية والعمل الراعوي وطريقة خدمة الاسرار في مجمع قنوبين المنعقد سنة 1580 والمجامع اللاحقة: قنوبين 1696، وضيعة موسى 1598، وحراش 1644. اما المجمع اللبناني المنعقد في دير سيدة اللويزه سنة 1736، فقد أسحب في موضوع الرعية وكاهنها وترتيب العمل الرعوي من حيث خدمة الاسرار والوعظ والارشاد والتعليم للاولاد، وتنظيم سجلات المعمّدين والمتزوجين والمتوفين، وما يختّص بنظافة الهيكل والمذابح والاواني، وصيانة الزيوت المقدسة وحوض المعمودية.

       وننوّه اخيراً بحوار المحبة في الحياة اليومية الذي عاشه الموارنة مع سكان رعيتهم من الطوائف والاديان الاخرى، والذي تميّز بالانفتاح والمشاركة، بعيداً عن المجالات الدينية والسياسية (الفقرات 1-7).

 

***



       صلاة

 

       ايها الرب يسوع، يا ابن الله المتجسّد، لقد أشركتنا في البنوة الالهية، بواسطة الايمان والمعمودية. فاعطيتنا نعمة الولادة الثانية من الماء والروح، وألبستنا انساناً جديداً. ساعدنا، بانوار الروح القدس وقوة مواهبه، ان نسلك بموجب مقتضيات الانسان الجديد، وفقاً لثمار الروح. اعطنا ان نقرن الايمان باعمال المحبة الشاملة والمنفتحة على كل حالة من حالات اخوتنا. زيّنا بالفضائل الالهية الايمان والرجاء والمحبة، لحياة العقل في الحق، والارادة في الخير، والقلب في المحبة. افض علينا مواهب روحك القدوس لنعيش ونعمل على هديها. جمّلنا بالفضائل الاخلاقية لنشهد في القول والعمل والمسلك لانساننا الجديد. اجعل من رعايانا حقلاً ينمو فيه ملكوت الله من خلال عيشنا شركة الاتحاد بالله، وشركة الوحدة فيما بيننا. لك ايها الثالوث المجيد الآب والابن والروح القدس كل مجد وتسبيح وحمد، الآن والى الابد، آمين.

 

 


[1] . خطاب البابا بندكتوس السادس عشر في المقابلة العامة، الاربعاء 26 تشرين الثاني 2008.

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +