Skip to Content

الاحد الثاني من الدنح - 2010 - الشهادة للمسيح بابعادها الشخصية والمسكونية والاخلاقية - المطران بشارة الراعي

الاحد الثاني بعد الدنح

2 كورنتس 4: 5-15

يوحنا 1: 35-43

الشهادة للمسيح بابعادها الشخصية والمسكونية والاخلاقية

 Click to view full size image

       في هذا الاحد من زمن الدنح، تذكر الكنيسة كيف ان يسوع، في غداة معموديته من يوحنا واعتلان سرّ بنوته الالهية، بدأ يجتذب اليه الذي كان مزمعاً ان يختارهم رسلاً وكهنة للعهد الجديد. هؤلاء اجتذبهم بشهادة يوحنا المعمدان. يتزامن هذا الاحد مع عيد القديس انطونيوس الكبير ابي الرهبان الذي اجتذب بمثل حياته الالوف من الرهبان الذين تكرّسوا لاتباع يسوع باعتناق المشورات الانجيلية، والشهادة لمحبته.

اولاً، انجيل الاحد: يوحنا 1: 35-43

 

       في الغَدِ أَيْضًا كَانَ يُوحَنَّا وَاقِفًا هُوَ واثْنَانِ مِنْ تَلاميذِهِ. ورَأَى يَسُوعَ مَارًّا فَحَدَّقَ إِليهِ وقَال: "هَا هُوَ حَمَلُ الله". وسَمِعَ التِّلْمِيذَانِ كَلامَهُ، فَتَبِعَا يَسُوع. والتَفَتَ يَسُوع، فرَآهُمَا يَتْبَعَانِهِ، فَقَالَ لَهُمَا: "مَاذَا تَطْلُبَان؟" قَالا لَهُ: "رَابِّي، أَي  يَا مُعَلِّم، أَيْنَ تُقِيم؟". قالَ لَهُمَا: " تَعَالَيَا وانْظُرَا". فَذَهَبَا ونَظَرَا أَيْنَ يُقِيم. وأَقَامَا عِنْدَهُ ذـلِكَ اليَوم، وكَانَتِ السَّاعَةُ نَحْوَ الرَّابِعَةِ بَعْدَ الظُّهر. وكَانَ أَنْدرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ أَحَدَ التِّلمِيذَيْن، اللَّذَيْنِ سَمِعَا كَلامَ يُوحَنَّا وتَبِعَا يَسُوع. ولَقِيَ أَوَّلاً أَخَاهُ سِمْعَان، فَقَالَ لَهُ: "وَجَدْنَا مَشيحَا، أَيِ الـمَسِيح". وجَاءَ بِهِ إِلى يَسُوع، فَحَدَّقَ يَسُوعُ إِليهِ وقَال: "أَنْتَ هُوَ سِمْعَانُ بْنُ يُونا، أَنتَ سَتُدعى كيفا، أَي بُطرُسَ الصَّخْرَة". وفي الغَدِ أَرَادَ يَسُوعُ أَنْ يَخْرُجَ إِلى الـجَليل، فلَقِيَ فِيلِبُّس، فَقَالَ لَهُ: "إِتْبَعْني".

 

       1. الدعوة لاتباع المسيح

       يوحنا المعمدان، في غداة معمودية يسوع واعتلان سرّه الالهي، يشهد من جديد امام تلميذين من تلاميذه، وبينهما اندراوس اخو سمعان بطرس، معرّفاً بيسوع انه "حمل الله". فانجذبا الى يسوع بفضل هذه الشهادة. وبعد ان عرفا سرّه، شهد اندراوس عنه لاخيه سمعان بما اوحاه اليه الروح القدس، اذ رأى فيه المسيح المنتظر: " لقد وجدنا المسيح". وهذه الشهادة ايضاً اجتذبت سمعان الى يسوع، فنظر اليه الرب نظرة معرفة وحب واختيار خرقت اعماق قلبه، وقال له: " انت سمعان بن يونا، انت ستُدعى كيفا اي صخرة".

       الدعوة الى اتباعه، أكان في الحياة المسيحية العامة، ام في الكهنوت، ام في الحياة المكرسة، هي دعوة شخصية، تقتضي جواباً شخصياً والتزاماً شخصياً بالرسالة المسيحية او الكهنوتية او الرهبانية. ولئن كانت الخدمة في الكنيسة تقام في الشركة الجماعية، فان كل واحد مدعو شخصياً ليكون شاهداً للمسيح، في اطار الرسالة المشتركة، وليحمل مسؤولية شخصية امام الذين اعطاه الرسالة، عاملاً باسمه[1].

       لكن اطار الدعوة مرتبط برسالة الفداء التي يقوم بها يسوع " حمل الله"[2]. ان حياة المسيح كلها تعبير عن هذه الرسالة التي حددها " بأنه اتى ليخدم، وليبذل نفسه فدىً عن الكثيرين" ( مر10: 45). اما الرسالة فتنطلق من قلب محب مملؤ من محبة الآب  للبشر. وهو حب " أحب به يسوع خاصته حتى النهاية" ( يو 13: 1)، وحبٌ لا أعظم منه لانه "يحمل الانسان الى ان يبذل نفسه فدىً عن احبائه" ( يو15: 13). في هذا الضوء، يدرك المدعو ان الرسالة الموكولة اليه قائمة على التفاني في البذل والعطاء.

 

       2. القديس انطونيوس الكبير: نموذج ال على الدعوةجواب

       انه النموذج بامتياز للجواب على الدعوة الالهية لاتباع يسوع في طريق كمال المحبة. سمع النداء الالهي في كلمة الانجيل، واعتبره موجّهاً اليه شخصياً: " ان شئت ان تكون كاملاً، اذهب وبع كل ما تملك، واعطه للفقراء، وتعال اتبعني" ( متى19: 21).ففعل، وترك كل شيء بحريّة واعية وارادة تامة وانطلق الى الصحراء متوخياً عيش المحبة الكاملة. المسيح يدعو بصوت داخلي من خلال كلام الانجيل وتعليم الكنيسة.

       عضده الله وجعله " كوكب البريّة" وقدوة للرهبان وأباً ومعلماً ومرشداً. فسار على خطاه حتى يومنا الالوف من الذين مشوا على خطى المسيح بالفقر والعفة والطاعة. وتمم الله وعده لانطونيوس، بشهادة القديس اثناسيوس الاسكندري (+373): " اقول لك يا انطونيوس ان ذكرك لا يُمحى من البريّة الى الابد. بل يتجدد يوماً بعد يوم".

       افتقر انطونيوس من كل شيء واغتنى بالله، فأغنى الكنيسة والعالم بقيم الروح. حرر قلبه بالعفة ليضطرم بالمحبة نحو الله والناس اجمعين، ويندفع بكل قواه للخدمة الالهية واعمال الرسالة. كرّس كامل ارادته لله بالطاعة مقدماً له ذاته ذبيحة، وموجّهاً كل ذاته لخدمة الجميع بالبذل والتفاني، على مثال الرب يسوع.

       في عالم السعي الى المادّية والاستهلاكية والراحة الذاتية، يوجّه لنا القديس انطونيوس هذا النداء: " لنُخمد فينا كل شوق الى امتلاك حطام الدنيا في هذا العالم. لانه اية منفعة من الحصول على اشياء سنتركها ساعة الموت؟ بل يجب علينا ان نحصّل ما يبقى لنا بعد الموت: الفطنة والعدالة والقناعة والمحبة وحب الفقراء، ومعرفة الحقائق المقدسة والايمان بالمسيح ووداعة القلب والضيافة. متى امتلكنا هذه الفضائل نستحق مقرّ الطوباويين" ( من كتابات القديس اثناسيوس الاسكندري).

 

***

 

ثانياً، اسبوع الصلاة من اجل حدة المسيحيين

 

       في الاسبوع المقبل تصلي الكنائس في العالم كله من اجل وحدة المسيحيين، ابتداءً من      18 كانون الثاني عيد قيام كرسي بطرس في روما، حتى 25 منه عيد ارتداد بولس الرسول، بموضوع: " عن ذلك، انتم تكونون شهوداً" ( لوقا 24: 48).

       تعاون على اختيار الموضوع وتنسيقه كاٌ من المجلس الحبري لتعزيز وحدة المسيحيين و" لجنة الايمان والدستور" في المجلس المسكوني للكنائس. يُطرح الموضوع من خلال الفصل 24 من انجيل القديس لوقا، وفيه رواية قيامة الرب يسوع وظهوراته وصعوده الى السماء.

       بدأت الكنائس صلاتها من اجل والوحدة في الاسبوع المذكور اعلاه منذ سنة 1908. لكن التعاون بين المجلس الحبري لتعزيز وحدة المسيحيين ولجنة الايمان والدستور في تحديد الموضوع لكل سنة، بدأ في العام 1968. وهذه هي السنة الحادية والاربعون. ان المواضيع المطروحة طيلة هذه السنوات تشكل ثروة روحية ولاهوتية عن الوحدة.

       تتميّز الحركة المسكونية بطابع مثلث: الروحي وهو القائم على الصلاة من اجل وحدة المسيحيين، صلاة تواصل صلاة الرب يسوع: " يا ابتِ، ليكونوا واحداً، كما نحن واحد، ليؤمن العالم انك انت ارسلتني، وانك احببتهم كما احببتني" ( يوحنا 17/22-23)؛ واللاهوتي الذي حرّك الكثير من الطاقات وتوصّل الى وضع  اتفاقات عقائدية بين الكنيسة الكاثوليكية وبعض الكنائس الاخرى، والاجتماعي، ويقوم على التعاون العملي بين الكنائس، وأدّى الى مبادرات اجتماعية وانمائية خصبة.

       اننا مدعوون جميعاً للدخول في خط الحركة المسكونية بابعادها الثلاثة على كل من المستوى الروحي واللاهوتي والاجتماعي.

 

***

 



ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي

 

 

       تتناول الخطة الراعوية النص المجمعي 22: الكنيسة المارونية والاعلام. فتشير الى   الفصل الثاني وهو بعنوان: ماضي الموارنة في الاعلام الديني والزمني (الفقرات 8-11).

 

       1. يعطي هذا الفصل لمحة تاريخية عن الدور الكبير الذي أدّاه الموارنة في الاعلام، بدءاً من عالم الصحافة سنة 1858. ويعدّد ما انشأوا في لبنان والبلدان العربية وقارات الانتشار، من جرائد ودوريات ومجلات باللغات العربية والفرنسية والانكليزية والاسبانية، ويذكّر النص باسهام الصحافة العربية في نشر روح الاستقلال ومناهضة الاحتلال العثماني، حتى دفع ضريبة الدم في سبيل تحرير لبنان والبلوغ الى انشاء دولة لبنان الكبير سنة 1920، وقد دفعها الشهداء سعيد عقل وفيليب وفريد الخازن (الفقرة8).

 

       2. ويكشف النص دور الاعلاميين بعد استقلال لبنان سنة 1943 وقبيل حرب 1975. قتميزت هذه الحقبة بصون الحريات العامة، وتعزيز الوئام بين عائلات لبنان الروحية، واستقلالية الكلمة وقدرتها على ممارسة دور رقابي فاعل على اداء السلطات العامة، ما أوجد فترة ذهبية من الحريات والقيم، جعلت من لبنان رئة العالم العربي، ونموذجاً للمساواة بين المواطنين في الكرامة والحقوق (الفقرة 9).

 

       3. ويبيّن النص الحقبة الاخيرة من هذه اللمحة التاريخية، وقد بدأت بعد اندلاع الحرب في لبنان عام 1975. فكان ما يسمى بالانفجار الاعلامي، اذ نشأت عدّة محطات تلفزيونية خاصة وعشرات المحطات الاذاعية. كانت حصيلة هذا الانفجار 52 محطة تلفزة و100 اذاعة، منها المرخص ومنها غير المرخص. واصبح معظمها رهن النفوذين المالي والسياسي، وبخاصة بسبب الازمة الاقتصادية الخانقة، وتراجع الواردات الاعلانية (الفقرة 10).

       4. ولا بدّ من الاشارة الى الوسائل الاعلامية الدينية التابعة للكنيسة وبخاصة اذاعة صوت المحبة، ومحطة تلفزيون تيلي لوميار ونور سات، التي تعيش الحياة الروحية المسيحية، وتنقل الثقافة المسيحية الى بلدان الانتشار (الفقرة 11).

 

***

 

       صلاة

 

        نشكرك ايها المسيح على كل الذين واللواتي يشهدون لك في حياتهم، سائرين على خطاك، ومجتذبين الناس اليك بمثل حياتهم. قدّس بنعمتك الرهبان والراهبات الذين نهجوا، مثل القديس انطونيوس طريق المشورات الانجيلية، شاهدين لقيم الملكوت. نشكرك على كل الذين يعملون من اجل الوحدة في كنيستك الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية، بالصلاة والحوار اللاهوتي والمبادرات الاجتماعية والانمائية. ألهم، بانوار روحك القدوس، الاعلاميين والاعلاميات، لكي يجعلوا من وسائل الاعلام، وهي من أثمن عطاياك، اداة وحدة وتقارب على اساس الحقيقة والمحبة. فنرفع المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.

 


[1] . التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 878.

[2] .المرجع نفسه608-609

 

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +