Skip to Content

زمن الصوم - التنشئة المسيحية 2005 - 2006 - البطريرك بشارة الراعي

زمن الصوم - التنشئة المسيحية

 2005 - 2006 

البطريرك بشارة الراعي

المحتوى

                                             

تقديم                                          
1. عرس قانا الجليل- مدخل الصوم               
2. شفاء الابرص                     
3. شفاء المنزوفة                    
4. الابن الشاطر                      

5. شفاء المخلع               

6. شفاء الاعمى                      

7. أحد الشعانين 

                                                                                 

 

***

 

تقديم

 

       يسوع المسيح، كلمة الله المتجسد وفادي العالم، اعلن في شخصه الحقيقة عن الآب ومحبته، والحقيقة عن الانسان وحريته، فباتت معرفة حقيقة المسيح هي التي تحرر. ولهذا اكّد الرب لاناس كل جيل: " تعرفون الحق، والحق يحرركم" (يو8/32). واستطرد قائلاً: " اذا حرركم الابن، تصيرون احراراً حقاً" ( يو8/36).

 

       اجل، لقد حرّرنا المسيح بصلبه وقيامته، محققاً فداءنا الذي هو التحرير من الشر الاكثر اصولية، اي الخطيئة وحكم الموت. حقيقة الفداء هذه هي اصل الحرية وقاعدتها واساس كل عمل تحرري ومقياسه  (مذكرة مجمع عقيدة الايمان: الحرية المسيحية والتحرر،3). والروح القدس الذي ارسله المسيح من عند الآب ليرشد الكنيسة وابناءها وبناتها " الى الحق كله" (يو16/13)، انما يصبح للمؤمنين بالمسيح ينبوع الشجاعة والبطولة والاقدام، " فحيث روح الرب هناك الحرية ( 2 كور3/17).

 

       هذه السلسلة من التنشئة المسيحية تبرز في اناجيل زمن الصوم عمل المسيح التحرري. والخطة الراعوية لكل احد واسبوع، من الاسابيع السبعة، ترسم، في ضوء المجمع البطريركي الماروني وتوصياته، المجالات التي تحتاج الى تحرير، بحقيقة المسيح وتعليم الكنيسة، على مستوى العائلة والشبيبة (النص المجمعي العاشر والنص الحادي عشر).

 

       ينبّه بولس الرسول ضمير كل انسان: " ان المسيح قد حرّرنا لنكون احراراً" (غلاطية5/1). ومعلوم ان لا مجال لتجديد المجتمع والوطن من دون حرية قائمة على الحقيقة والعدالة والمحبة.

 

              ارسل روحك ايها المسيح، فيتجدد وجه الارض (مزمور 104/30).

 

 

 

+ بشاره الراعي

مطران جبيل

 

 

مدخل الصوم- عرس قانا الجليل

انجيل القديس يوحنا 2/1-11

الصوم زمن التجدد والتغيير

Click to view full size image

       بعد ثلاثة ايام من اعتماد الرب يسوع في نهر الاردن على يد يوحنا المعمدان، افتتح حياته العلنية بالمشاركة مع تلاميذه ومريم امه في عرس قانا الجليل واجرى آية تحويل الماء الى خمر ممتاز.

الآية هي علامة العهد المسيحاني الذي يصنع كل شيء جديداً بالكلمة ونعمة الفداء. مع المسيح كل قديم يمضي. يطل يسوع كأدم الجديد، ومريم كحواء الجديدة، وتبدأ ولادة جديدة وخلق جديد. لهذا السبب اختارت الكنيسة انجيل هذه الآية في مدخل الصوم الكبير للدلالة انه زمن التغيير استعداداً لولادة فصحية جديدة: تغيير في العلاقة مع الله بالصلاة والتوبة من اجل استعادة البنوّة له؛ وتغيير في العلاقة مع الذات بالصوم والاماتة من اجل التحرر من كل ما يعيب هذه البنوة وصورة الله فينا؛ وتغيير في العلاقة مع الناس باعمال الرحمة والمحبة والتصدق من اجل ترميم الاخوّة الشاملة. مثل هذا التغيير، بوجوهه الثلاثة، لا يجريه الاّ المسيح الفادي، بقدرته الالهية وحلول الروح القدس، بتشفع مريم امه وام البشرية جمعاء. هذا ما تدل عليه معجزة تحويل الماء الى خمرة جيدة في عرس قانا الجليل، فالاعجوبة علامة.

 

اولاً، شرح الانجيل

1.  مع المسيح كل قديم يمضي

 

" كان هناك ست اجاجين من صخر موضوعة لتطهير اليهود" (يو2/6).

كانت الاجاجين تستعمل لتطهير اليهود طقوسياً بالاغتسال بالماء قبل الطعام ولغسل كل ما يبتاعونه من السوق قبل اكله، مع الكؤوس والصحون واواني النحاس والاسرّة(مرقس7/2-4). كانت تسع الواحدة نسبياً مئة ليتر، والست معدل 600 ليتراً. ارتضى يسوع تحويل الماء الى خمر ليكون رمزاً واعلاناً مسبقاً لتصميم الخلاص الشامل الذي هو خمرة المسيح المتفجرة من الاسرار.

تمثّل الاجاجين الست الستة الآف سنة من تاريخ العالم، وتمثّل الخمر الجديدة " سبت العالم" الذي حمله يسوع الى تمامه باعادة بهاء صورة الله في الانسان المخلوق في اليوم السادس بالفداء (تكوين1/26-32). الاجاجين والممارسات الطقوسية اليهودية ترمز الى كل تدبير العهد القديم (القديس افرام)، وبالتالي الى شريعة موسى. اما الخمرة الجديدة فترمز الى النعمة المعطاة بالمسيح، على ما جاء في مقدمة انجيل يوحنا: "ان كان الناموس بموسى، فبيسوع كانت النعمة والحق" (يو1/17). الخمرة القديمة التي نفدت هي رمز للشريعة والانبياء، والجديدة التي اعطاها يسوع تعني العقيدة الجديدة  (اوريجانوس)، على ما اعلن الرب: "لا تظنوا اني اتيت لاحلّ الناموس او الانبياء، ما اتيت لاحلّ بل لاكمّل"(متى1/17). التعليم الجديد هو الخبز والخمر اللذين يسدان الجوع والعطش: " انا هو خبز الحياة. من يأت الي فلن يجوع، ومن يؤمن بي فلن يعطش الى الابد. من يأكل من جسدي ويشرب من دمي، فله الحياة الابدية وانا اقيمه في اليوم الاخير" (يو6/35و54). هذا التفسير يستند الى دعوة الرب في سفر الامثال: " هلموا كلوا من خبزي واشربوا من الخمر التي مزجت، اتركوا السذاجة فتحيوا، اسلكوا طريق الفطنة" ( امثال9/5-6). خبز المسيح وخمرته هما خبز الكلمة والقربان.

ويرمز الخمر الى الروح القدس الذي يعطيه المسيح والذي سماه  الماء الحي: " من هو عطشان فليأت اليّ ويشرب. من يؤمن بي، كما قالت الكتب، تجري من جوفه انهار ماء الحياة. هذا قاله عن الروح الذي سوف يقبله المؤمنون" (يو7/37-39).الاجاجين الفارغة من الماء ترمز الى عدم امانة اليهود وعدم مشاركتهم في عرس المسيح مع الكنيسة، فحلّ محلهم شعوب الامم المرموز اليهم بالماء الذي ملأ الاجاجين (القديس قبريانوس ).ورأى فيها القديس كليمانض الاسكندري نهاية التطهير بالماء وبداية التقديس بدم الفداء وبالروح القدس المرموز اليهما بالخمرة الجديدة. فدم المسيح وعمل الروح يغسلان خطايا البشر. ان العالم يتجدد بالمسيح والروح القدس: " ارسل روحك ايها المسيح فيتجدد وجه الارض".

2.                                           مريم المرأة الجديدة

" ما لي ولك يا امرأة، لم تأت ساعتي بعد" (يو2/4)

استعمل يسوع لفظة " يا امرأة" بدلاً من " يا امي" للدلالة على الجديد فيها: ليست مريم ام يسوع وحسب، بل وام البشرية المفتداة التي هي الكنيسة، المتمثلة بشخص يوحنا على اقدام الصليب:" يا يوحنا هذه امك"، بل هي الوسيطة بين يسوع والبشر. انها في آن شريكة المسيح الفادي، وخاضعة خضوعاً كاملاً له، وتسمى امرأة العهد الجديد. المرأة مريم هي حواء الجديدة، ام جميع الاحياء ( تكوين3/20)، كما تعني لفظة  "امرأة". وهي بالتالي عروس المسيح آدم الجديد، كما كانت حواء المرأة القديمة عروس أدم الاول (1كور15/21-26؛ 54-57). انها عروس المسيح في عمل الخلاص الذي بدأ في عرس قانا، وسيتحقق على الجلجلة: " يا امرأة، هذا ابنك" (يو19/26وسيكتمل بانتصار المرأة، رمز الكنيسة، على التنين في رؤيا يوحنا (الفصل21)، تحقيقاً لوعد الله في سفر التكوين بأن المرأة، مريم البريئة من دنس الخطيئة الاصلية، ستنتصر على الحية: " اضع عداوة بينك وبين المرأة: هي تسحق رأسك، "وانت تترصدين عقبها" (تكوين3/15)، للدلالة ان الكنيسة المتمثلة بالمرأة الجديدة تبقى موضوع اضطهاد الحية وانصارها من قوى الشر، من دون ان تقوى عليها ( انظر متى 16/18).

مريم المرأة هي " عروس المسيح"، الكلمة المتجسد: " هلمي معي من لبنان ايتها العروس! هلمي معي من لبنان، من مرابض الاسود، من جبال النمور" ( اناشيد 4/8). في عرس قانا الجليل يتجلى " عرس يسوع ومريم" اللذين حققا تحويل الماء الى خمرة جديدة، رمز العبور من العهد القديم الى الجديد، وكأن مريم ام يسوع "تعمل" كعروس الكلمة المتجسد، رأس شعب الله الجديد، هذا الذي يمثله التلاميذ الاول الحاضرون في العرس، وقد رأوا مجده فآمنوا به" (يو2/11). ومريم هي بالتالي ام هذا الشعب الجديد، الذي هو الكنيسة. وهكذا عرس قانا يصبح، في الرمز، العرس الخلاصي، عرس محبة المسيح للبشرية، في العهد الجديد؛ وهو عرس لا يتحقق من دون مريم، ام النعمة والرحمة. ان كل تقليد الكنيسة ينقل لنا هذا التفسير. في آية قانا رمى يسوع اول زرع لعرس حبه الروحي الذي اراد الاحتفال به مع البشرية جمعاء، مفتدياً اياها وموحدها في كنيسته. في هذا العرس مريم حاضرة وتتوسط لاجراء المعجزة، لكونها ام الشعوب،  ولأن "جميع الشعوب تطوبها" (لو1/48). سيكتمل العرس بعرس الحمل الالهي في السماء، حيث تتحول آلامنا الى خمرة حب في السعادة الابدية. وهكذا في عرس قانا تتمثل ثلاثة اسرار: المعمودية (بالماء)، والافخارستيا (بالخمر)، والزواج (بالعرس) Mariologia biblica p. 332-337) P. Stefano Manelli,).

الافخارستيا هي الاحتفال " بعرس الحمل"، والكنيسة تتهيأ بابنائها وبناتها، بحجارتها واثاثها لهذا العرس. كما يشهد يوحنا: " سمعت مثل صوت جمع كثير يقول: هللويا! الرب الهنا القدير قد ملك. فلنفرح ونبتهج! ولنمجّد الله، فقد حان عرس الحمل، وعروسه قد تزينت ولبست كتاناً براقاً خالصاً هو اعمال البر التي يقوم بها القديسون"(رؤيا19/6-8). وكانت الدعوة الشاملة الى وليمة الخلاص: " وقال لي الملاك: اكتب " طوبى للمدعوين الى وليمة عرس الحمل" ( رؤيا19/9). الذبيحة هي عرس الحمل، والمناولة القربانية هي الوليمة التي هو مضيفها. القداس ذبيحة وتقدمة ووليمة، كما ننشد في طلبة زياح القربان المقدس: " يا ذبيحة بلا دم، يا تقدمة طاهرة، يا وليمة حلوة تخدمها الملائكة".

 Click to view full size image

3.                                           وساطة مريم ام يسوع وامنا

 

" ليس عندهم خمر...افعلوا ما يقوله لكم" (يو2/3و5).

لولا وساطة مريم لما كانت الآية، ولما كانت كل معانيها. كُتب الكثير عن جواب يسوع" ما لي ولك يا امرأة، لم تأت ساعتي بعد"، وعن كلمة مريم " افعلوا ما يقوله لكم". ينبغي ان نفهم ذلك انطلاقاً من فهم مريم لا من فهمنا نحن للالفاظ: بالنسبة الى فهم مريم، فقد شعرت بان المعجزة آتية لا محاله، لانها تعرف يسوع في العمق، وعايشته ثلاثين سنة في الناصرة، واختبرت  قدرته على العجائب من خلال معجزات خفية داخل جدران البيت الوضيع (انظر Manelli، ص321 الحاشية11). ولذلك قالت  ببساطة: " افعلوا ما يقوله لكم".

هي مريم الوسيطة التي "تقف بين ابنها يسوع والبشر في واقع ما يعانون من حرمان وفقر وألم. انها تتخذ لذاتها مكاناً " في الوسط"، اذ تقوم بدور الوسيط، ليس من الخارج، بل من موقع امومتها، مدركة قدرتها على ان تعرض لابنها حاجات البشر او بالاحرى حقها في ذلك. وساطتها تحمل طابع الضراعة: " مريم تضرع" لاجل البشر (البابا يوحنا بولس الثاني: ام الفادي،21).بسبب تشفع مريم، ظهر الكثير في آية عرس قانا: ايمان مريم الكبير بابنها، ومحبتها للعروسين، وقدوتها للتلاميذ، وحب يسوع لامه، وجودته وقدرته ومجده، وايمان التلاميذ الاول. وظهرت بنوع خاص قدرة مريم ام يسوع بحيث ان الله يستجيب كل طلب يصل اليه بواسطة مريم، ويجعل " ساعة" تدخله في تاريخ البشر " ساعة " وساطتها. ولهذا سمتها التقوى المسيحية "اماً قديرة"  و" ام المعونة الدائمة". فكما بكلمة  نعم: " ليكن لي حسب قولك"، يوم البشارة، فتحت الابواب لتجسد الكلمة، وكانت الباب الذي عبر من خلاله ابن الله من السماء الى الارض، كذلك، بوساطتها في عرس قانا، نالت استباق " ساعة" ظهور يسوع المسيحاني، فقدمته لجميع الناس (Manelli ، ص325-326)، واستباق ولادة الكنيسة من  "ساعة" يسوع على الجلجلة بصلبه، هذه الكنيسة التي ستوزع اسرار الخلاص وتعطي خمرة المسيح في الافخارستيا (المرجع نفسه، حاشية 23).

مريم نفسها تلهمنا كل يوم " لان نفعل ما يقول لنا يسوع"، لكي نحصل على ما نلتمس بواسطتها من خير ونعم. في قانا استهل يسوع " ساعته" بفضل ضراعة مريم وطاعة الخدام، وظهرت مريم امام البشر وكأنها الناطق باسم ابنها، تعبّر عن ارادته وترشد الى ما يقتضيه تجلي قدرة المسيح الخلاصية  (ام الفادي،21 ).

 

ثانياً، الخطة الراعوية

       بحضور الرب يسوع وتلاميذه في عرس قانا الجليل، وفي آية تحويل الماء الى خمرة ممتازة بوساطة مريم، تقدس الزواج، واعيدت اليه كرامته، وتطهر الحب الزوجي، وتبدل الزوجان من " انا وانت" الى " نحن"، واصبح العروسان خمرة جديدة تسكب في المجتمع البشري.

       ترتكز الخطة الراعوية في هذا الاسبوع على ابراز قيمة الزواج والعائلة، واهمية التحضير لهما، ومواكبة الازواج والعائلات الفتية في ضوء توصيات المجمع البطريركي الماروني في النص العاشر حول العائلة في اطار تجدد الاشخاص راعوياً وروحياً. يتم هذا التركيز على مستوى الاسرة ولجنة العائلة في الرعية والمجلس الرعائي والمنظمات الرسولية واللقاءات الانجيلية ولقاءات الشبيبة.

 

       1. لا بدّ اولاً من التركيز على قيمة الزواج- العهد كما نقرأ في النص المجمعي: الزواج عهد بين الرجل والمرأة، بمعنى شركة حياة وحب على صورة الله الثالوث وعهده الخلاصي مع البشر. انه عهد حرّ ومسؤول مدى الحياة، يعبّر عنه الزوجان بالرضى المتبادل، اقتداء بعهد الحب بين المسيح والكنيسة ( انظر افسس 5/22-33). عهد يستنير من كلمة الله والانجيل الذي تتشابك عليه يدا العروسان، ويتثبت ببركة الثالوث الاقدس الذي يجعل الاثنين جسداً واحداً ( انظر متى 19/5)، وخلية جديدة لمجتمع جديد، وكنيسة بيتية مصغرة تعكس كنيسة المسيح. بقوة هذا العهد يسير الزوجان متحليين بالامانة الزوجية على مستوى وحدة الافكار والمشاعر والعلاقة الزوجية واسعاد الواحد الآخر، وتقديس الواحد الآخر، هذه الامانة هي اكليل مجدهما وكرامتهما. وبفضل هذا العهد ينفتح الزوجان على سرّ نقل الحياة، مشاركين الله في خلقه وابوته وامومته، وعلى تربية الحياة مكملين رسالة المسيح الخلاصية ( انظر النص العاشر: في العائلة، 44-55).

 

       2. لبلوغ هذا المفهوم وهذا الهدف، يوصي المجمع البطريركي الماروني:

أ‌-      بانشاء جماعات عائلية في الرعايا وفقاً للدليل الذي وضعته اللجنة الاسقفية للعائلة والحياة في لبنان.

ب‌-            التزام الخاطبين بتحضير زواجهم في مراكز التحضير للزواج في كل ابرشية، وفقاً للبرنامج الموحّد الذي وضعته اللجنة الاسقفية للعائلة والحياة.

ج- توجيه الازواج والعائلات، في حالة التعثر الى " مركز الاصغاء" في كل ابرشية، حال قيام اي صعوبة او خلاف، قبل التوجه الى المحاكم الكنسية.

د- احياء الصلاة في العائلة باعتماد كتاب " صلاة العائلة" الذي وضعته اللجنة الاسقفية المذكورة، وفقاً لازمنة السنة الليتورجية، وتشجيع مبادرات اخرى مثل صلاة المسبحة التأملية مع تكريم ايقونة العذراء والعائلة المقدسة. ان تكريم العذراء مريم والعائلة المقدسة قد احتلّ على مدى الاجيال مكاناًَ مرموقاً في البيوت والعائلات. فمن الضرورة السهر على هذا التقليد في العائلات الجديدة ولمحافظ عليه.

      

       3. تشمل الخطة الراعوية اعتماد الرسالة العامة التي اصدرها مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك في15آب2005، بعنوان: " العائلة مسؤولية الكنيسة والدولة".

 

       صلاة

       ايها المسيح، العروس السماوي، الذي ابهجتَ العروس الارضي بالماء المحال خمراً، أرونا من ينابيع انجيلك كلمة الحياة، ومن نِعم اسرارك المحيية. حوّل الشر خيراً، والحزن رجاء، والمرارة حلاوة، والخصومة اتفاقاً وسلاماً، بخمرة دمك السرّي المعصورة بالحربة على الصليب. أروِ بخمرة حبك العائلات المسيحية والذين تعاهدوا على الحياة الزوجية الامينة، فيسيروا بحسب شريعة الانجيل، ويوطدوا حياتهم على الايمان بك والاتكال عليك. با مريم، المرأة الساهرة في قانا على حاجات العروسين، كوني لنا عند ابنك، فادي الانسان، الشفيعة والمحامية، لكي يسلك الازواج والعائلات حسبما تأمر به كلمته، فيدركوا السعادة الحقة ويشهدوا لجمال الحب والتفاني المتبادل، له المجد والشكر مع الآب والروح القدوس الى الابد، آمين.

 

*****

 

الاحد الاول من الصوم

شفاء الابرص

انجيل القديس مرقس1/40-45

 Click to view full size image

آية شفاء الابرص تدلّ على ان الصوم الكبير مسيرة تغيير مثلث. في العلاقة مع الذات والله والناس. فالابرص طُهر من برصه مسترجعاً جمال طبيعته البشرية، وتصالح مع الله مقدماً قربان التكفير، وعاد الى حياة الشركة مع الجماعة. بالصوم والتقشف وسماع كلام الله نهذّب الذات؛ وبالصلاة والتوبة نرمّم علاقة البنوة والبرارة مع الله؛ وبافعال المحبة والرحمة نشدد اواصر الاخوّة مع من هم في الحاجة. والصوم زمن الخلاص الشامل نبلغ اليه بالعبور الفصحي من قديم الى جديد، بدفق محبة الآب وفعل نعمة الابن، وحلول الروح القدس، كما جرى للابرص.

 

اولاً، شرح النص الانجيلي

 

1.                                      البرص علامة الخطيئة

 

البرص مرض جلدي يظهر بقروح تتآكل الجسم البشري وتشوهه. وهو بحسب الشريعة اليهودية نجاسة وعقاب الهي لخطيئة المصاب، لذلك يُنبذ من الجماعة لحين شفائه وتطهيره الطقسي الذي يستلزم تقدمة التكفير عن خطيئته. وقد نظم سفر الاحبار حالة البرص، اعلاناً، وشفاءً، وتكفيراً: يطّلع الكاهن على حالة المصاب ويعلن وجود البرص، فيحكم بنجاسة الابرص، ويلزمه بالاقامة منفرداً بعيداً عن الجماعة في القفر، فتكون ثيابه ممزقة، وشعره مهدولاً، وينادي بالمارّة:  "نجس!ّ" لكي يتجنبوه، لان من يمسه يكون نجساً مثله ( احبار 13/11 و45-46).

هذا الابرص، عندما سمع بيسوع ورآه، تجاسر واقتحم الجماعة مخالفاً الشريعة وسقط على قدميه متوسلاً الشفاء، بايمان واعٍ وأكيد: " اذا شئت، فأنت قادر ان تطهرني" ( مر1/40). وبالمقابل تجاسر يسوع، بفيض من الرحمة والحنان، فمدّ يده ولمسه، متجاوزاً الشريعة، ولبى مطلبه قائلاً: " شئت، فاطهر! " فزال برصه وطهر لساعته. وهكذا اتخذت الشريعة معناها وروحها، لانها هي للانسان، لا الانسان للشريعة، وإلا اصبحت حرفاً يقتل، بينما ينبغي ان تكون روحاً يحيي ( 2 كور3/16). بهذا المعنى قال الرب يسوع: " كلامي روح وحياة" (يو6/63).

وقضت شريعة اللاويين ان يؤتى بالابرص، الذي يشفى، الى الكاهن الذي يخرج لملاقاته خارج محلة الجماعة. فاذا رأى ان الابرص قد برىء، أمره بتقديم قربان التكفير عن خطيئته، كما يرسم سفر الاحبار (الفصل 14). لذلك قال يسوع للابرص بعد ان طهرّه: " اذهب اولاً الى الكهنة، وأرهم نفسك، وقدّم القربان عن طهرك، كما أمر موسى  (مر1/43). يسوع يخضع كلياً للشريعة ويكمّلها، على ما اكدّ يوماً: " لا تظنوا اني اتيت لاحلّ الناموس او الانبياء، ما اتيت لاحلّ، بل لأكمل" ( متى5/17).

البرص علامة الخطيئة، وتهديد لكل شعب يعصي الله، على ما جاء في سفر تثنية الاشتراع: "اسمع يا شعبي، يقول الله، ان لم تسمع لصوت الرب الهك، حافظاً وصاياه، ولم تعمل بها... يضربك الرب بقروح البرص، وبالجنون والعمى وحيرة القلب، فتتلمّس في الظهيرة، كما يتلمس الاعمى في الظلمة، ولا تنجح في سبيلك، وتكون مستعبداً ومسلوباً طول ايامك، وليس لك مخلص" ( 28/15، 27-29).

ان يسوع المسيح، لكي يشفي الجنس البشري من برص الخطيئة، تعاطف معه، فصار انساناً، وحمل خطبئة الانسان برحمته، من دون ان يرتكب خطيئة شخصية واحدة، ودفع ثمن خطايا جميع الناس، وافتداهم بتقديم ذاته ذبيحة على الصليب، متروكاً من الجميع. عنه تنبأ اشعيا: " لا صورة له ولا بهاء فننظر اليه، ولا منظر فنشتهيه. مزدرى ومتروك من الناس، رجل اوجاع... فلم نعبأ به. لقد حمل آلامنا، واحتمل اوجاعنا فحسبناه ذا برص، مضروباً من الله ومذللاً، طعن بسبب معاصينا، وسُحق بسبب آثامنا، نزل به العقاب من اجل سلامنا وبجرحه شفينا" ( اشعيا 53/2-5).

التطهير من البرص اصبح في الانجيل من العلامات المسيحانية. عندما ارسل يسوع الاثني عشر اعطاهم السلطان لتطهير البرص، واعلان إقتراب ملكوت السماوات ( متى10/8). وعندما ارسل يوحنا بعثة الى يسوع تسأله : أانت هو الآتي ام ننتظر آخر؟ اجرى معجزات شفاء امامهم وقال: قولوا ليوحنا:  العميان يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون... وطوبى لمن لا يشك فيّ" ( متى 11/15-16). هذه شهادة لظهور " سرّ التقوى" اي سرّ المسيح، في تعبير بولس الرسول، الذي ظهر في الجسد البشري، وصار باراً بفعل الروح القدس، وقدّم ذاته عمّن ليسوا ابراراً، وأعلن عنه انه حامل الخلاص، وآمن الكل به في العالم انه مرسل من الآب، وان الآب عينه اصعده الى السماء كرب" ( اتيمو 3/15-16). يسوع المسيح هو " سرّ التقوى العظيم" الذي يغلب خطيئة الانسان التي هي "سرّ الاثم"، وينتصر عليها، ويدمّرها، ويندرج في دينامية التاريخ ليطهره من برصه، وينفذ الى اعماق الاثم الخفية ليبعث في نفوسنا حركة ارتداد ويوجهها الى المصالحة مع الله والذات والناس. فالمسيح الراعي الصالح وقدرّه الله هو رجاؤنا (الارشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان").

الرب يسوع الذي افتتح رسالته العامة بتحويل الماء الى خمر في عرس قانا الجليل، هو وحده يستطيع ان يحوّل النجاسة الى حالة طهارة، والخطيئة والشر الى حالة نعمة وخير. انه فادي الانسان الذي تتجلى فيه رحمة الله، وهو طبيب الاجساد والارواح، يواصل الشفاء بواسطة الكنيسة وخدمة الكهنة، بكلمة الانجيل ونعمة الاسرار. الفداء عملية تحرير بامتياز للانسان، وبواسطته للتاريخ البشري وللشعوب من عبودياتهم، فينعكس مجد الله في العالم ( مذكرة مجمع عقيدة الايمان: الحرية المسيحية والتحرر، 3 و33).

 

2.                                      البرص الاجتماعي والخلقي والسياسي

 

لا يقتصر البرص على المرض الجلدي، بل يتعداه الى المستوى الروحي بالخطيئة والى كل من المستوى الاجتماعي والخلقي والسياسي.

 

أ-فاجتماعياً، ثمة اناس عديدون منبوذون ومهمشون في قلب عائلاتهم، وكأنهم مصابون ببرص يفصلهم عن الجماعة: المرأة عن زوجها، او الرجل عن زوجته، وربما اولاد عن والديهم او والدون عن ابنائهم وبناتهم. وهناك منبوذون ومهمشون في حيّهم وبلدتهم ومجتمعهم، فلا احترام لهم، ولا دور في الحياة العامة لاسباب عائلية اوسياسية. وهناك فقراء ومرضى ومعاقون ومسنون متروكون ومهملون. الحاجة كبيرة الى احياء شركة الاشخاص وتقاسم الخيرات، لكي يكون المجتمع اكثر انسانية وانصافاً وعدلاً.

يسوع لم يلتق الابرص صدفة. بل قصده الى محيطه، حيث يعيش بعيداً عن الجماعة. حمل اليه انجيل رحمته وحنانه ومحبته. هذا المنبوذ اصبح شاهداً له ورسولاً، اذ راح ينادي عالياً ويذيع الخبر ( مر1/45). لقد " اختار الله ضعفاء العالم ليخزي الاقوياء، واختار جهال العالم ليخزي الحكماء، واختار الوضيعة احسابهم في العالم والمنبوذين والذين ليسوا بشيء ليبطل المعدودين، لكي لا يفتخر بين يديه كل ذي جسد" (1كور1/27-29). هؤلاء يريد يسوع ان نقصدهم ونشهد لمحبته ورحمته وعنايته بهم: " كل مرة فعلتم ذلك الى احد اخوتي الصغار فإلي فعلتموه" (متى25/40). الصوم هو زمن انجيل الرحمة والمحبة. على هذا الانجيل سندان: "جعت فاطعمتموني، وعطشت فسقيتموني..." (متى25/41-42). يتماهى يسوع مع الانسانية المتألمة والمعذبة في جسدها  وروحها ومعنوياتها، ويجعل نفسه مرئياً فيها، ويريدها طريقاً اليه في مجده.

 

ب- خلقياً، تتشوه كرامة الشخص البشري بعادات وافعال منحرفة ، وكأن البرص تآكل ضمير الانسان وقلبه، مثل: السرقة، الرشوة، الغش في التجارة، استغلال جهل الغير او عوزه لرفع الاسعار بغية جني الارباح، اغتصاب ايرادات الدولة والمجتمع والاستئثار بها، التزوير في تأدية الضرائب والسندات والبيانات المالية، التنفيذ العاطل والناقص للاعمال العامة، البذخ في المعيشة وتبذير المال دونما اعتبار للمعوزين، التسلط واستعباد الناس وبيعهم وشراؤهم كما لو كانوا سلعة (تألق الحقيقة،100).

اننا بحاجة الى ذهنيات جديدة تعكس " حضارة المحبة". نحتاج  الى اشخاص يميزون بين الخير والشر، ولا يضعون مصالحهم وضعفهم الخلقي مقياساً للخير، ولا يعذرون ذواتهم فيتخلون عن التماس معونة الله ونعمته بتوبة صادقة. ان اصحاب العادات والافعال المنحرفة يفسدون اخلاقية المجتمع كله، ويشككون في حقيقة الشريعة الاخلاقية، ويتنكرون لوصايا الله الناهية. يحتاج مجتمعنا الى اشخاص احرار لا ينقادون الى شهواتهم بل يعيشون نعمة الفداء، ويتحلون بفضائل يقوم عليها الشأن الاقتصادي والاجتماعي السليم مثل: فضيلة القناعة لكبح جماح جشع التمتع بخيرات الارض، وفضيلة العدالة لاحترام حقوق القريب واعطائه ما يحق له وتأمين سائر الاوضاع والظروف والسبل لعيشه الكريم ونموه الشخصي، وفضيلة التضامن الانساني التي تتحمل المسؤولية تجاه الآخر وترفعه من حاجته وكبوته (المرجع نفسه،100، 103، 104).

 

ج- سياسياً، نشهد برصاً  يشوه كرامة السلطة السياسية، فتنحرف عن مبرر وجودها، اي خدمة الخير العام الذي يؤدي الى خير كل انسان وكل الانسان. هذا البرص يتآكل روح المسؤولية والضمير، ويصل بالمواطنين الى اوخم النتائج:  الى العوز الاقتصادي والبؤس الاجتماعي، والى امتهان كرامتهم وقهرهم بحرمانهم  حقوقهم.

نشهد في لبنان موت المسؤولية السياسية وتخلفها عن تنظيم وتأمين مقتضيات الحياة العامة، كما نشهد فقدان القرار السياسي. فالوزارات تحتاج الى قرار سياسي لتنفيذ ما ترسم من مشاريع انمائية ووقائية، والبلديات تحتاج الى قرار سياسي يعطيها الصلاحيات ويحقق مشروع اللامركزية ويسلمها مالها لتتولى مسؤولياتها، والمحافظات تحتاج الى قرار سياسي يمكنها من اخذ التدابير اللازمة دونما تقيد بحسابات النافذين وسلطات الامر الواقع؛ والمواطنون بحاجة الى قرار سياسي لينعموا بتوزيع عدالة القانون دونما حماية لأحد بداعي المحسوبيات؛ بل الوطن كله بحاجة الى قرار سياسي يحميه من تعطيل مقدراته ومؤسساته. فاين الحكم والحكومة من مسؤوليتهم في اتخاذ هذا القرار السياسي؟

ان الرجاء بالمسيح والكنيسة والارادات الطيبة اكبر من موت الضمائر ومن مرض البرص، كما يعلمنا انجيل اليوم.

       من اجل الذين يعانون من " برص" ما، ومن اجل كل ضحاياه، نتوسل الى فادي الانسان بايمان وباستحقاقات الذين يعيشون زمن الصوم صياماً وتوبة وافعال رحمة: " يا رب ان شئت، فأنت قادر على ان تطهرنا".

 Click to view full size image

ثانيا، الخطة الراعوية

 

       في ضوء ما ترمز اليه آية شفاء الابرص، وقد ادركنا ان البرص يتعدى الاطار الحسي ليشمل المستوى الاجتماعي والاخلاقي والسياسي، فان الخطة الراعوية لهذا الاسبوع ترتكز على البعدين العائلي والاجتماعي.

       يعيش اناس على مستوى العائلة والمجتمع نوعاً من النبذ والتهميش. فتقضتي الخطة الراعوية العمل بتوصيات المجمع البطريركي الماروني وهي:

 

       1. مساعدة العائلات على قبول حالات الاعاقة فيها، وتعزيز المراكز المتخصصة للعناية بالمعوقين، وصون كرامتهم الانسانية، ومساعدتهم على الاندماج في حياة الكنيسة والمجتمع باتحاد دورهم فيهما. في الواقع، تعاني بعض العائلات من نظرة المجتمع السلبية وعدم الاهتمام، بسبب اصابة احد افرادها باعاقة، يجعلها وحيدة في مواجهة واقع يتخطى قدرتها، وفي حمل عبء يرهق العائلة عاطفياً ومعنوياً ومادياً، ويهدد وحدتها وسلامتها (النص المجمعي العاشر: في العائلة، 39؛ التوصيات).

       لا بد من اتخاذ مبادرات على صعيد الرعية والمنظمات الرسولية والجماعات العائلية لمساعدة هذه العائلات، وبهذا يشهد الجميع ان كرامة الانسان ليست بسلامته الجسدية وقدرته على الانتاج وحسب، بل وخاصة بمشاركته في آلام الفداء وفي غنى نفسه وقلبه.

 

       2. تعزيز راعوية الحالات الشاذة في بعض العائلات، التي توقع افرادها في نوع من العزلة والنبذ والتهميش. انها حالات التفكك العائلي من جراء انفصال الزوجين والهجر، واللجوء الى طوائف اخرى سعياً وراء الطلاق، وانحلال الرابطة الزوجية، ووقوع النتائج الوخيمة على الاولاد (النص العاشر: في العائلة،40).

       تقتضي الخطة الراعوية ان تتولى القوى الحية في الرعية العناية بهذه الحالات بحكم التضامن والشركة التي تربط اعضاء جسد المسيح السرّي، بالعمل على تقريب وجهات النظر، والمساعدة على ازالة الاسباب، والتشجيع على ما في المصالحة من نبل وكبر في النفس، والتذكير بأن المغفرة والاستغفار هما من شيم الكبار. فالعهد الزوجي الذي قطعه الزوجان لا يقتصر عليهما وحدهما، بل هو عهد ايضاً مع الله بتجسيد حبّه وعنايته ورحمته، وعهد مع التاريخ البشري بنقل الحياة البشرية وتربيتها واعالتها بكرامة وسعادة، وبتوفير جوٍ من الدفء العاطفي بين الوالدين، مع الاستقرار في العلاقات بينهما وبين الاولاد، من اجل ان تكون العائلة حقاً المدرسة الطبيعية الاولى للتربية على الحب والحوار والتعاضد والتفاني، والمجال الاسياسي للانفتاح على المجتمع بروح الاتزان والنضج العاطفي.

 

       3. ويوصي المجمع البطريركي بمواجهة التحدي المطروح على الكنيسة اليوم، بمؤسساتها ورعاياها وعائلاتها الملتزمة، وهو اعداد راعوية خاصة لتنشئة الشبيبة على مفهوم سرّ الزواج، ومرافقة العائلات الناشئة عن قرب للحدّ من اخطار التفكك والتنابذ والتهميش (النص 10: في العائلة، 41).

 

       صلاة

       يا رب، اله الجودة والرحمة، انظر الى العائلة المحاصرة اليوم من كل جانب، كيف تفقد الايمان والتقوى والتقاليد الروحية. ساعدها، فانها عمل يديك، واحمِ فيها الفضائل الزوجية والعائلية التي تضمن لها الاتفاق والسلام. تعال وابعث رسلاً للازمنة الجديدة، مؤمنين ومؤمنات ورعاة، يدعون باسمك الازواج الى الامانة، والوالدين الى ممارسة سلطتهم النابعة من حبك ورحمتك، والاولاد الى الطاعة، والبنات الى التواضع، والعقول والضمائر الى محبة البيت الذي باركته يمينك. وعندما تترمم العائلة المسيحية بيسوع المسيح، على مثال عائلة الناصرة، فلتستعِدْ هذه العائلة وجهها: ليعّدْ البيت هيكلاً مقدساً للحب والحياة، ولتشتعل فيه شعلة الايمان، وليحتمل المصاعب بصبر، ويقبل البحبوحة باعتدال، ويرتّب كل شيء بانتظام وسلام. الى عنايتك نكل العائلة، يا رب، فتصير واحة الفضائل ومدرسة الحكمة والحب. وتصبح واحة في متاعب الحياة، وشهادة لمواعيد المسيح. وهكذا ترفع امام العالم المجد لك ولابنك الوحيد، وتنشد بالروح القدس مع كل اعضائها آيات التسبيح الى ابد الابدين، آمين! ( صلاة البابا بيوس الثاني عشر).

 

****

الاحد الثالث من الصوم

شفاء النازفة

انجيل القديس لوقا 8/40-48

التعديات على كرامة المرأة

 Click to view full size image

تمثل المرأة النازفة كل انسان ينزف من جراء معاناة في جسده او روحه او معنوياته او اخلاقه، وتمثل كل مجتمع ينزف في اقتصاده وحضارته وتقاليده وقيمه ، وكل وطن ينزف في مقوماته ونظامه. لقد شفاها يسوع، عندما لمست طرف ردائه بايمان ، فأعاد اليها كرامتها كامرأة. تشكّل الآية الانجيلية نموذجاً لطريقة شفاء كل شخص منا ، وشفاء مجتمعنا ووطننا .

 

اولاً، شرح اللوحة الانجيلية وابعادها

 

1.  المرأة النازفة وواقعها الاجتماعي

 

       " كانت هناك امرأة منزوفة منذ اثنتي عشرة سنة " (لو8/43).

       كانت هذه المرأة تعاني من سيلان دم مستديم، خارجاً عن حيضها الشهري. ففقدت معه كل شيء: مالها وصحتها وكرامتها، وبلغت الى حدّ اليأس، وقد دام هذا الواقع اثنتي عشرة سنة .ففي شريعة العهد القديم، كانت تُعتبر المرأة النازفة نجاسة كل مرة يأتيها الحيض الشهري، فمن وما مسته او مسّها يصبح نجساً ، اشخصاً كان ام ثوباً او مكاناً. والمرأة المصابة بنزيف دائم كانت تُعتبر بذات الفعل نجاسة وخاطئة، وتمنع من مخالطة الناس والاقتراب من النبي. وكان عليها بعد شفائها بسبعة ايام، ان تحضر في اليوم الثامن الى الكاهن وتقدم فرخي حمام واحدة عطية شكرلله، وواحدة محرقة تكفير عن الخطيئة (انظر سفر الاحبار15/19-33).

       لهذا السبب، ولكي لا تشهر المرأة النازفة امرها، انسلت بين الجمهور خلسة، من وراء يسوع، ولمست طرف ثوبه ، بدافع من ايمانها الذي تعدّت به كل احكام الشريعة، فشفيت واستعادت كل كرامتها ودورها كامرأة.

       انها رمز لنزيف المرأة في كرامتها، أكان من جراء عيشها في حالة الخطيئة او في الاباحية او في امتهان الشر على انواعه كالعنف والدعارة  والسرقة، ام بفعل من الخارج: من المجتمع او من غياب القوانين المدنية او من وسائل الاعلام بما تروج من اباحية جنسية في البرامج والدعايات او من الفلتان الاخلاقي والحرية المفرطة.

       نددت الكنيسة في اكثر من وثيقة بكل ما ينتهك كرامة المرأة. نذكر منها  رسالة البابا يوحنا بولس الثاني الى النساء ووثيقتين للمجلس الحبري لوسائل الاعلام: "الاباحية والعنف في وسائل الاعلام"، و"اداب الدعاية واخلاقيتها".

       في رسالة الى النساء (1995)، نجد اشارة الى ما عانت منه المرأة وتعاني من شروط قاسية جعلت طريقها صعبة، وانتقصت من كرامتها، وشوّهت ميزاتها، وادّت الى تهميشها واستبعادها. فلم تتمكن من تحقيق ذاتها بكل معنى الكلمة، وحرم المجتمع من عبقريتها الروحية والانسانية والاجتماعية. وثمة عراقيل تمنع النساء من الاندماج الكامل في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ وتتعرض عطية الامومة الى العقوبة بدلاً من التقدير، مع عدم الاحترام للامهات العاملات. فتعاني من عدم مساواتها الفعلية في الحقوق الشخصية والاجور بالنسبة الى العمل، وفي الترقية العادلة في الوطنية، وتدبير شؤون العائلة. وتكشف الرسالة عن الاساءات المرتكبة بحق النساء في الحياة الجنسية كالعنف الجنسي، وخلق اجواء موبوءة باباحة اللذة الجنسية والمتاجرة باعتماد استغلال الجنس وتحويل اجساد الفتيات الى سلعة، وعن الحرمان على صعيد التنمية الشخصية .

       اما وثيقة الاباحية والعنف في وسائل الاعلام (1989)، فتكشف عن الظاهرات المقلقة التي تتفشى عبر الكتب والمجلات والسينما والمسرح والتلفزيون واشرطة الفيديو، والدّش والانترنيت، وتسيء الى الشبان والفتيات والقاصرين. الاباحية الجنسية هي كل انتهاك يُرتكب عن طريق استخدام التقنيات البصرية والسمعية والمقروءة بحق السرّية الخاصة التي يتمتع بها الجسد البشري، ذكراً ام انثى، ويجعل من الشخص البشري وجسده سلعة تُسخّر لقضاء حاجة سيئة بقصد المتعة. والعنف هو كل مشهد يهدف الى اثارة الغرائز البشرية الدنيئة، بالاعتماد على ابراز القوة الجسدية والاذى والشهوة العدائية (عدد9). ويزاد عليهما اللجوء الى المخدرات والمسكرات من اجل اثارة الغرائز، اثارة افعل واشمل.

       ان اسباب الفلتان في وسائل الاعلام متعددة نذكر منها:

 انتشار اخلاقية متساهلة مبنية على ارضاء الذات باي ثمن كان، دونما رادع خلقي. انها خطيئة ضد وصايا الله، وضد قدسية الجسد الذي اصبح عضواً في جسد المسيح، وضد طهارة النفس التي هي هيكل الروح القدس، وضد فضيلة الحب.

 الطمع بالربح، اذ اصبحت الاباحية صناعة تجارية تستغل الضعف البشري، ولاسيما ضعف الشبيبة والنفوس الرخيصة، ومن ضمن هذه التجارة ترويج الاباحية بواسطة الدّش، هذه جريمة منظمة ضد الله والانسان والمجتمع.

ادعاء الحريّة في التعبير والتصرف بشأن الاباحية الجنسية، لكن هذه الحرية تنتهك القيم الخلقية عند الشبيبة ، والسرّية الخاصة بكل انسان، والحشمة والاخلاق العامة.

 تقاعص السلطات المدنية عن حماية الاخلاق العامة عن سنّ القوانين اللازمة والسهر على تطبيقها.

  استقالة الاهل من مسؤولية حماية الحشمة والطهارة في بيوتهم ، وتربية اولادهم على حسن استعمال وسائل الاعلام  وانتقاء البرامج ( الاباحية والعنف في وسائل الاعلام ،19-20).

       وتعدّد وثيقة آداب الدعاية واخلاقيتها (1997) الاضرار الثقافية والخلقية والدينية التي تتسبب بها الدعايات الهدامة بمحتوياتها واساليبها المتعارضة مع القيم السليمة التقليدية. فهي تهمل المستوى الرفيع الغني والادبي لتنقاد الى السطحية وقباحة الذوق والانحطاط الخلقي، وتتجاهل المتطلبات التربوية والاجتماعية، وتهمل مراعاة فئات المجتمع كالاطفال والشبان والمسنين والفقراء (عدد12).

 فثقافياً، تسيء الدعاية الى كرامة المرأة كسلعة لا كشخص، وتسخر من رسالتها كزوجة وام، وتقدمها في حقل التجارة والاعمال والمهن بصورة ذكورية مشوهة تتنكر لمواهبها المميزة وحدسها واحساسها الذي يسهم الى حدّ بعيد في احلال حضارة المحبة (عدد12).

 اخلاقياً تتدنى الدعاية من المستوى الخلقي الرفيع الى المبتذل والمنحط والخلاعي، وتروّج وتلقنّ مواقف وتصرفات مناهضة للآداب من مثل الدعاية لصالح وسائل منع الحمل وكل ما يسبب الاجهاض، او لصالح منتوجات تشكّل خطراً على الصحة، والحملات التي تموّلها الحكومات من اجل تحديد الولادات اصطناعيا،ً وسواها.

دينياً، تستخدم الدعاية اشخاصاً او رسوماً دينية لبيع بعض المنتوجات، بطريقة مضرة ومهينة، فتستغل الديانة وتتعامل معها بوقاحة (عدد13).

 

2.  استعادة كرامة الشخص البشري

 

       " لمست طرف ردائه فوقف نزيف دمها حالاً " (لو8/44).

       كشف يسوع هذا الامر بالسؤال: " من لمسني" ؟ وبالجواب " ايمانك شفاك، اذهبي بسلام "، فاعلن حقيقتين :

       الاولى، اننا بالايمان بيسوع واللجوء اليه  ننال ما نريد ونشفى مما نعاني. المهم في الحياة ان نؤمن بالمسيح، بشخصه وكلامه وافعاله، فهو الله الذي جاء وحلّ بيننا ليخلصنا من كل ما يؤلمنا ويشوه كرامتنا. لا يكفي ان نرى بالعين او نسمع بالاذن. كثيرون من اهل زمانه رأوه وسمعوه، لكنهم رفضوه، لم يبالوا به، صلبوه. ينبغي ان نراه بعين الايمان ونسمع كلامه بالقلب والضمير. المهم ان نلجأ اليهً: المرأة لمست طرف ردائه، نحن نقبله في سرّ الافخارستيا غذاءً روحياً، ومنه ننال الغفران والشفاء في سرّ التوبة على يد الكاهن المكلف بقبول التوبة الصادقة ومنح الغفران، ويشفينا من امراضنا ويقدسها بواسطة سرّ مسحة المرضى. الثانية، ان يسوع  بامتداحه ايمان المرأة وشفائها من نزيفها، اعادها الى كرامتها الاولى، التي كانت قد خسرتها انسانياً واجتماعياً وشرعياً بنزيفها.

 الانسان في حياته التاريخية هو، بتحديد اللاهوت، " روح متجسّد " لا " حيوان ناطق " كما تحدده الفلسفة والعلوم الانسانية. انه مخلوق على صورة الله وفي الوقت عينه مشدود الى التراب. الافخارستيا التي يتناولها تحييه من موت الخطيئة، ترفعه من مستوى ابن التراب الى كرامة ابن الله، من الفساد الى الحياة الابدية. هذا ما نشير اليه في رتبة اثنين الرماد: الكاهن يرش الرماد على جبين المؤمنين قائلاً: " اذكر يا انسان انك من التراب والى التراب تعود "، ثم يناوله جسد الرب قائلاً: " جسد المسيح للحياة الابدية ".

       للكنيسة تعليم مميز عن كرامة النساء وحقوقهن ورسالتهن: المرأة لما تمثّل في حياة البشرية، المرأة الام قابلة الكائن البشري وهاديته، المرأة الزوجة معطية ذاتها لزوجها من اجل وحدة الحب والحياة، المرأة العاملة المساهمة في بناء المجتمع ثقافياً وروحياً وفنياً واجتماعياً واقتصادياً، المرأة المكرسة تقف ذاتها على خدمة الله وجميع الناس. ولكن من النساء من يمتهن الشر، وتنقلب انوثتهن الى كيد وحقد بدون حدود، ويتحولّن الى افاعي يبخنّ السُّم باستباحة الاكاذيب والتلفيقات، شرط الوصول الى مأربهن. هؤلاء لم يعرفن الانجيل ولا التوبة ولا الافخارستيا. وعندما ينحشرن امام حائط الحقيقة يلجأن الى نوبات بكاء ودموع. ما أشرّ المرأة عندما تفقد انوثتها وكرامتها ورسالتها.

       ما أحرج النساء المستعبدات من الداخل ومن الخارج، النازفات في قيمهن والكرامة، الى حرية المسيح. الكنيسة تحمل همّ تحريرهن، لكي ينلن السيطرة الداخلية على افعالهن الخاصة، وتقرير مصيرهن على اساس  الاخلاقية والانعتاق من الشّر الادبي. ولن تستطيع المرأة، ولا أحد سواها، ان تكون حرّة إلاّ بقدر ما تنفذ الى طريق معرفة الحقيقة، وبقدر ما تكون هذه المعرفة، لا اي قوة اخرى، مرشدة لارادتها. ان من يمارس السيطرة الحقيقية على الذات، يحقق دعوته الملوكية التي لابناء الله ( انظر الحرية المسيحية والتحرر، 26 و27 و30). عندما يتحقق ذلك في المرأة يصحّ القول المأثور:

       " اذا اردت ان تتبين اخلاق شعب ، فانظر الى وجوه نسائه ".

 Click to view full size image

 

ثانياً، الخطة الراعوية

 

       لان" مستقبل البشرية يمرّ عبر الاسرة" (البابا يوحنا بولس الثاني)، وكذلك مستقبل المجتمع اللبناني، تتوجه الخطة الراعوية الى مساعدة العائلة اللبنانية عامة والمسيحية خاصة لتستعيد " رسالتها في ان تظل للحياة مهداً يحميها، وللقيم حصناً يصونها، لئلا يفقد المجتمع وجهه الانساني" ( النص المجمعي العاشر: في العائلة، 32). من اجل هذه الغاية تقرأ الجماعات العائلية والمنظمات الرسولية والمجالس الرعوية والمؤسسات والجماعات الديرية، واقع العائلة عندنا، وتتخذ مبادرات حلول في ضوء مسيرة تجدد الاشخاص كما يقودها المجمع البطريركي الماروني في النص 10 حول العائلة، 19-32).

       على المستوى الديني والثقافي والاجتماعي تتساءل الخطة الراعوية عن واقع العائلة بنتيجة تحديات ثلاثة:

 

       1. التباس في جوهر الايمان: دخول نوع من العلمنة ادّت الى إلحاد جديد، هو بالرغم من مظاهر التعلق الخارجي بالدين، ان الانسان يعتبر نفسه قيمة مطلقة على المستوى الانساني، وان العلم والتقدم التقني قادران وحدهما على تحرير الانسان مما يعاني من حاجة على كل صعيد. ما خفض الممارسة الدينية، وافرغ يوم الاحد، يوم الرب، من قدسيته ومن واجب المشاركة في الافخارستيا التي تبني الشركة مع الله والاتحاد بين الناس، فتشرذمت العائلة (النص10، في العائلة،20). فاذا بالرعية امام تحدٍ كبير هو كيفية اجتذاب الشبيبة والعائلة الى الحياة الروحية والرعوية (عدد26).

 

       2. النزعة المادية الاستهلاكية: ساد مجتمعنا منطق الربح السريع، واشباع حاجات الفرد وتكثيرها في الوقت عينه، فاعتبر الناس ان الحاجة نقص، أياً كانت، فتنشط الرغبة الملحة في ازالته، وهكذا عمّت ذهنية استهلاكية، تناولت على التوالي:

أ‌-      التحصيل العلمي اصبح غاية بحدّ ذاته ووسيلة وحيدة لتأمين حياة انتاجية نفعية، على حساب الواجبات الدينية، وخدمة الانسان والمجتمع، علماً ان التحصيل العلمي وسيلة للصيرورة وليس فقط للتملك، ووسيلة لنمو الانسان نمواً شاملاً، ولخير المجتمع والجنس البشري (المرجع المذكور، 23).

ب‌-            الحياة الجنسية تفقد بعدها الانساني والروحي والخلقي في اطار الحياة الزوجية كما رتبّها الخالق ورممها الفادي الالهي. غير انها تشهد اليوم تراخياً وانفلاتاً في السلوك الجنسي خارج الزواج وفي اطاره بسبب المشاهد المنافية للقيم الروحية والاخلاقية والنفسانية التي تجتاح بها وسائل الاعلام حدود البيوت والضمائر والكل يعلم ان الامم انما تقوم على الاخلاق، وتسقط اذا هي سقطت (المرجع المذكور، 22).

ج-الحياة الاجتماعية باتت تضيق للعلاقات الانسانية والواجبات العائلية، من جراء الانصراف كلياً الى سدّ الحاجات، وسارت ذهنية سطحية تعتمد على المظاهر ولو على حساب الراحة والامكانيات، ما سلب روح القناعة والاكتفاء. كما تشهد بعض العائلات استقالة الاهل من مسؤولياتهم التربوية بسبب غيابهم المستمر عن الاولاد، بداعي العمل وسواه، فانجرف بعض الشباب الى الانحراف الخلقي وتعاطي المخدرات والاستسلام للفساد والفلتان (المرجع المذكور، 24).

د- الحياة المهنية فقدت قيمة العمل وجوهره، لانه راح يتجه نحو الربح السريع واشباع الحاجات المادية والكمالية، بدلاً من ان يكرن العمل تحقيقاً للذات ومجالاً للنمو والترقي والتضامن الانساني والاجتماعي. وصار الربح يبرّر الوسيلة على حساب القيم الاخلاقية (المرجع نفسه، 25).

 

3. التحديات الاجتماعية: امام تبدّل الاوضاع الاقتصادية والثقافية، لم تستطع العائلة بلورة دورها الجديد وابعاد رسالتها. والمرأة، على الرغم من ايجابية مشاركتها في كافة القطاعات التربوية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، فقد تراجعت على صعيد دورها التربوي في العائلة، بسبب غيابها عن الاولاد ومواكبتهم والاصغاء الى حاجاتهم، وتراجع دورها الاساسي في جعل البيت واحة سلام وتفاهم ونمو لسائر افراد العائلة (النص العاشر،في العائلة ، 29-30). والعلاقات العائلية توترت بسبب هجرة الاب وغيابه عن دوره، واضطرار الزوجين للغياب المستمر بداعي العمل، وافتقاد الاولاد لحضورهما. واذا بالعائلة ترزح تحت اعباء التعليم والطبابة والسكن، متروكة من المؤسسات العامة، ومن مبادرات التضامن على مستوى الرعية (المرجع المذكور، 31).

ان الخطة الراعوية تهدف الى مساعدة العائلة في مواكبة مسيرة التغيير، من دون ان تتنكر لرسالتها.

 

صلاة

 الشكر لك، ايها الرب يسوع، لانك ضمّدتَ جراح البشر، وسكبت عليها الدواء الشافي بنعمتك وقوة الايمان بك. بذلت نفسك واوصيتنا بالمحبة. اننا نضرع من اجل حاجات عائلاتنا: اشرق الايمان والرجاء في النفوس، وأنر الضمائر، وسكّن القلوب بالسلام الداخلي وأحلّ فيها الفرح الحقيقي، واحفظ العائلة مبعث رجاء وتضامن لافرادها ولسائر العائلات، مثلما كانت العائلة المقدسة في الناصرة وفي الكنيسة الناشئة. لك المجد والشكر وبواسطتك للاب والروح الحي والمحيي الى الابد، آمين.

 

 

****

 

 

الاحد الرابع من الصوم

الابن الشاطر

انجيل القديس لوقا 15 /11-32

خطيئة الانسان وغفران الله

 Click to view full size image

       نحن في منتصف زمن الصوم، بل في قمته وهي المصالحة وترمم العلاقة مع الله والذات والاخوة. كانت الاسابيع السابقة تحضيراً لهذا التغيير العميق في القلوب، من خلال آيات ثلاث تأملنا فيها : تحويل الماء الى خمر في عرس قانا الجليل، تطهير الابرص، وشفاء المرأة النازفة.واليوم، ننبسط مع الاحاد الثلاثة المقبلة نحو مستقبل تحرّر في كل من المسلك بعودة المشي الى المخلع، والرؤية بانفتاح عيني الاعمى، والموقف باستقبال السيد المسيح ملكاً جديداً وابدياًً يوم الشعانين في مدينة اورشليم، رمز كل مدينة وبلد.

       انجيل الابن الضال يتناول رحمة الله، وخطيئة الانسان، والتوبة  والمصالحة، وثمار غفران الله.

اولاً، مضمون المثل الانجيلي

 

1.  انجيل الرحمة الالهية

 

       الابن "الشاطر" هو الذي شطر حصته من الارث العائد له ولآخيه من ابيه: " اعطني حصتي من ميراثك، فشطر الاب ماله بين ابنيه ". وهو الذي انشطر عن بيت ابيه ليعيش في التبذير المادي والخلقي: " جمع ما اصابه وسافر الى بلد بعيد ، وهناك بدّد ماله، مبذراً ". المثل الانجيلي يوضح جلياً جوهر الرحمة الالهية، التي هي محبة الآب الامينة رغم تبذير الابن. لفظتان في العبرية تعبّران عن رحمة الله: "حِسِد"، تعني امانة الله لمحبته التي يحب بها شعبه، والامانة لمواعيده الخلاصية؛ و" رحاميم"، وهي المحبة من الاحشاء مثل محبة الأم، بما فيها من مشاعر حنان وعطف. تتجلى رحمة الله هذه في موقفه تجاه الابن الاصغر: الآلم لغيابه وضياعه ، ترقب عودته، الاسراع الى مسامحته، والوليمة على شرفه، لانه  "كان ميتاً فعاش وضالاً فوجد". الله امين لابوته، امين لمحبته الدائمة.

       الابن الاصغر هو انسان كل زمان، رجلاً كان او امرأة، تعلّق قلبه بعطايا الله ونسيه، ابتعد عنه وتعبّد لعطاياه، فأضاع ميراث النعمة والبرارة الاصلية. لقد تسلّم من ابيه خيوراً مادية، لكنه بتصرفه خسر كرامته كأبن. هذا هو جوهر خطيئة الانسان ( في الرحمة الالهية،5).

       الخطيئة هي انحراف في الحرّية ، وفي سوء فهمها واستعمالها. الحرية هبة من الله تزين الانسان في عقله وارادته، فيتخذ خيارات ومواقف في خدمة الحقيقة التي يدركها بعقله السليم والمستنير، وفي محبة الخير الذي يحققه ويسعى في اثره بارادته الواعية. ففي عمق اعماق الانسان ، تنفتح الحرية على الحقيقة والحب او تنغلق.

       الخطيئة انغلاق عن الحقيقة والخير والحب النقي، وخروج عن اطار الحرية التي تحرر، وعيش في الاستعباد لنزوات دنيئة ومصالح رخيصة وعادات قبيحة، تصبح  اصناماً تسيطر عليه وتذل انسانيته: "من يعمل الخطيئة هو عبد للخطيئة " (لو8/34). هذه حال الابن الشاطر والكثيرين من الناس، وبخاصة بعض الشبان والشابات، بل العديد من المسؤولين السياسيين والاداريين والعسكريين، ورجال القضاء المؤتمنين على اشرف كنزين: الحقيقة والعدالة. هؤلاء يعيشون باسم الحرية الذين باسم الحرية في عبودية الخطيئة والذل الانساني والانحطاط الخلقي، مبتعدين عن الله والكنيسة. فلا ممارسة دينية عندهم  ولا ثقافة مسيحية، بل اسقاط الدين والاخلاق من حياتهم، معتقدين ان ذلك حداثة وحضارة. وكأن الله غريب عن هذا العالم، فلا انزل شرائع ولا وضع وصايا ولا حقق خلاصاً. بعضهم ينصب العداء للكنيسة ورعاتها، ويتنكر للانجيل وتعليمه.  ان الكنيسة تعاني الاضطهاد اليوم من ابنائها وبناتها. هذه الحالة تحتاج الى توبة شاملة وصادقة.

الخطيئة هي في الاساس عمل ضد الله: " لك وحدك خطئت والشر قدامك صنعت" (مز 50/6)، وبالتالي ضد الاخوة وضد الذات. وتصبح مخالفة لشريعة الهية او لقاعدة خلقية. انها تنبع من ارادة الانسان الحرة: " اعطني نصيبي فجمع ماله، وسافر بعيداً، وبدّد ماله بالبذخ ". كلها افعال لارادة حرة، لكنها ادّت الى شر الابن، وقد وعاه ساعة عاد الى نفسه وقال: " كم اجير في بيت ابي يفضل الخبز عنهم وانا اموت جوعاً. لقد رجع الى نقطة الانطلاق: " من الباطن، من قلوب الناس تصدر افكار الشر: الفجور، الزنى، السرقة، القتل ، الطمع، الخبث ، الغش ، الفسق ، الحسد، التجديف، الكبرياء، ألسّفه. كل هذه الشرور تصدر من الباطن وتجعل الانسان نجساً" (مرقس7/20-23). الذين يعيشون مستعبدين لهذه الشرور، انما ينتهكون الحب الحقيقي، ويجرحون كرامة الانسان جرحاً بليغاً، ويلحقون وصمة كبيرة بالتضامن البشري، ويعكسون بتصرفاتهم واقوالهم واعمالهم انانية استعبادية (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1849-1850).

       الابن الشاطر هو كل انسان تراوده تجربة الابتعاد عن الله ليعيش على هواه، فيقع في التجربة وينخدع بالاباطيل، ويجد نفسه وحيداً مسلوب الكرامة  ومستغّلاً (المصالحة والتوبة ،5). تبدأ الخطيئة بمقاطعة الله، فيصبح الخاطىء محوراً لذاته، ينزع الى اثبات ذاته واشباع رغبته الى الحرية المطلقة، عن طريق تداول الاشياء: المال، السلطة، اللذة. والكل على حساب الآخرين الذين يسلبهم ظلماً، ويتعامل معهم تعامله مع الاشياء والادوات. هذا الانسان بحاجة الى تحرير من الخطيئة واستعباد الذات لها، ومن تماديه في ادّعاء الالوهية: " تصيران كآلهة" ( تك3/5). كلمة الحية هذه لحواء المرأة الاولى، هي جوهر تجربة الانسان (الحرية المسيحية والتحرر، 37 و42).

 Click to view full size image

       2.التوبة والمصالحة

 

       وعى الابن الشاطر ان كرامته مهدورة وبنوته مفقودة ، عندما عاد الى نفسه . فندم ندامة كبيرة وقرر استعادة هذه الكرامة والبنوة بالرجوع الى نقطة الانطلاق : " اقوم وامضي الى ابي " . هذا الوعي يتوفر لنا بفحص الضمير، بدخول معبد النفس حيث يلتقينا الله ويخاطبنا ويضيء علينا بنور كلامه الحي. ان قرار استعادة الكرامة الانسانية الاصيلة نتخذه بالندامة على الحالة التي بلغنا اليها بخطايانا وشرورنا، وهو قرار داخلي بالخروج من الحالة الراهنة واسبابها, وبعدم الرجوع الى الخطيئة،  وببدء حياة جديدة يقدمها الله بصفحه المجاني وبحبه الذي يفوق خطيئتنا: " اذهبي ولا تعودي تخطئين" (يو8/11)، وبكلام آخر: اذهبي واستعيدي كرامتك المفقودة . بالندامة ننقذ امراً جوهرياً هو انسانيتنا التي تسلم لنا ، بعد ان نكون قد بددنا كل الميراث: " علينا ان ننعم ونفرح لان اخاك هذا كان ميتاً فعاش وضالاً فوجد " (في الرحمة الالهية ،6).

       انسحق قلب الابن بسبب الاساءة لابيه التي جلبت له الاذلال والعار. فعبّر عن انسحاق قلبه بامرين: الاعتراف بخطيئته: " يا ابتِ خطئت الى السماء واليك "، والتكفير عنها: " لا استحق ان اكون لك ابناً، عاملني كأحد اجرائك ". هذا الانسحاق ناتج عن شعوره العميق بكرامته الضائعة ، وعن ادراكه للخسارة الجسيمة : لقد اصبح اجيراً في بيت ابيه، وهذا اذلال وعار كبير  تقتضيه العدالة. لا توبة بدون انسحاق القلب الذي هو فعل تواضع عميق امام رحمة الله. المتكبر لا يعترف بخطاياه ولا يكفرّ عنها. هذا هو نداء الصوم : " تذكر يا انسان انك تراب والى التراب تعود ". دعوة الى انسحاق القلب، اعتراف بالخطايا، وتكفير بالصوم والاماتة والتقشف واعمال الرحمة، ودعوة الى استعادة حالة البنوة لله في يسوع المسيح، مع ما لها من استقرار وخصب وعطاء .

 

       3. غفران الله

 

       " وفيما كان بعيداً رآه ابوه . فتحّنن عليه وأسرع فألقى بنفسه على عنقه وقبّله ".

 كل توبة حقيقية تنبع من نظرة الله الى الخاطىء. كانت عين الاب على ابنه مذ رحل من البيت. ومنذ اللحظة الاولى بدأ الاب يعيش في التململ ، ينتظر ويأمل ويتفحص الافق. انه يحترم حرية ابنه ولكنه يتعذب. وعندما قرر الابن ان يعود، ابصره عن بُعد وبادر اليه وضمّه طويلاً بين ذراعيه. هذه حال الله معنا، مع خاطىء يبتعد عنه ويشقى في انحطاطه وخسارة كرامته وهو أبن له مخلوق على صورته ومثاله. نحن نميل عن الله ، لكن نظرة حبه ورحمته لنا لا تميل ، نظرته رغبة في الصفح والغفران. هذه النظرة ترجمها في ذبيحة الفداء واظهر بها للخاطىء انه لا يزال موضوع تقديره وحبه، وكشف، بأنوار الروح القدس، الحالة السيئة التي سقط فيها، وشجعه على اخذ القرار بتغيير حياته. الانسان الذي يتذوق طعم رحمة الله والغفران، لا يقوى على ان يعيش الاّ في عودة الى الله مستمرة (الرحمة الالهية، 13).

       غفران الله يعيد الى الخاطىء كرامته الانسانية ويرمم بنوته لله: يضع في يده خاتماً رمز عهد البنوة، ويلبسه أفخر حلّة رمز الحياة الجديدة، ويضع في رجليه حذاء رمز الكرامة المستعادة، ويولم له العجل المسّمن رمزمائدة الافخارستيا.

       مثل الابن الشاطر قصة محبة الله الرحومة يقدّم لنا بها المصالحة الكاملة. الابن الاكبر يمثل كل انسان حجّرت الانانية قلبه وأعمته وقطعت عليه مجال العودة الى الآخرين والى الله، فكان لسعادة الاخ العائد طعم مرارة لديه. انه بحاجة الى العودة والاهتداء والمصالحة، وقد " انشطر" بدوره عن الشركة العائلية. لقد تمسّك الاخ الاكبر بالعدالة، لكن اباه دعاه لتلطيفها بالرحمة، وإلاّ انغلقت في دائرة الثأر. العدالة من دون الرحمة تصبح ظلماً وثأراً. معروف القول المأثور: "أقصى العدالة، أقصى الظلم".

 المصالحة مع الله هي المصالحة الاساس التي منها تنبع كل مصالحة عائلية واجتماعية (المصالحة والتوبة،6).

Click to view full size image

**

ثانياً، الخطة الراعوية

 

       سؤ استعمال الحرية، وهذه عطية ثمينة من الله، ادّى الى ضياع الابن الشاطر وتوتر العائلة ونقمة الاخ الاكبر. ينبّه المجمع البطريركي الماروني في النص العاشر حول العائلة، ان هذه الاخيرة " تتعرض الى التباس في المقياس الموضوعي لخياراتها الاخلاقية، فغالباً ما تختار ما يوافقها من حلول، بغض النظر عن ابعادها الروحية والخلقية، بسبب ما يعطي الانسان من مفهوم خاطىء لحريته وذاته وغاية وجوده. فتتزعزع اركان العائلة، خاصة عندما يصرّ كل فرد، باسم الحرية، على استباحة ما يشاء" ( عدد34).

       تقتضي الخطة الراعوية من كهنة الرعايا في لقاءاتهم الانجيلية، ومرشدي المنظمات الرسولية في اجتماعاتها الاسبوعية، والجماعات الديرية، والمجالس واللجان القائمة في الرعايا والمؤسسات والجماعات العائلية، ان ينظروا معاً في الاوضاع الراهنة ويرسموا لها حلولاً، في المجالات التالية:

       1. مفهوم الحرية، تنبع الحرية من الحقيقة والعدالة والمحبة، وتتصف بسيطرة الانسان الداخلية على افعاله الخاصة وتقرير مصيره. ليست الحرية ان تفعل اي شيء كان، بل الحرية حرية في سبيل الخير ( الحرية المسيحية والتحرر، 27 و27). تجري كل جماعة تحليلاً لواقع الحرية في العائلة، ونقداً موضوعياً، لتستنتج ما ينبغي من خلاصة وحلول. يشير النص المجمعي العاشر الى ضرورة التنشئة الصحيحة على الحرية التي تثمر مسؤولية وتضامناً وبنياناَ للذات وللآخر" ( فقرة 34). يقتضي التحليل والنقد ابراز النتائج الوخيمة لمفهوم  الحرية الخاطىء اي ان " الحرّ هو من استطاع ان يفعل فقط ما يريده من دون ان يردعه اكراه خارجي، وتمتع بالتالي باستقلال تام" ( الحرية المسيحية والتحرر، 25).

 

       2. الحب والزواج: ثمة انحراف في مفهوم الحب والزواج والانجاب والتضحية الوالدية، فحُصر الحب في الجنس وتشوهت الحميمية المقدسة التي تربط بين الزوجين بعطاء متبادل منفتح على الحياة، ونشأت علاقات مرفوضة اخلاقياً وكنسياً (النص 10، في العائلة،35). تفكرّ الجماعة معاً في الواقع الراهن، وتلتزم بشهادة الحياة، وتعلن مساهمتها في راعوية الحب والزواج. تجدر الاشارة الى ان الاساس الجوهري لهذا التزعزع في المفهوم هو النقص في معنى الله الذي ادّى الى النقص في معنى الانسان" (البابا يوحنا بولس الثاني).

 

       3. اخلاقيات الحياة: يلفت المجمع البطريركي الماروني الى " ان نسبة لا بأس بها من المستشفيات والاطباء والازواج المسيحيين، تجهل او تتجاهل شريعة وتعاليم الكنيسة في موضوع اخلاقيات الحياة. فالتطور العلمي والتقني، بالرغم من ايجابياته في تعزيز الحياة بمواجهة الامراض والآفات، فانه يقدم حلولاً تتعرض لكرامة الحياة البشرية وقدسيتها ولمفهوم الحب الزوجي ومبدأ ارتباطه بالحياة" ( النص العاشر: في العائلة، 36).

       تقتضي الخطة الراعوية ان تشخص الجماعات المذكورة اعلاه الممارسات المنافية للشريعة الالهية وتعليم الكنيسة، وتشكل خطيئة جسيمة بعضها محفوظ الحلّ منها لمطران الابرشية. ينبغي ان يصار الى كشف ممارسات مثل: الاجهاض، ووسائل منع الحمل الصناعية بما فيها العقاقير المجهضة، والاخصاب في الانبوب، وقتل أجنة في بطون الامهات، وتجميد اجنة، واستعمال بعضها لاختبارات طبية، والتعامل مع الاجنة من اجل الغائها، والتعامل مع الجنس من اجل احداث تغيير فيه، والموت الرحيم، والاستنساخ البشري، وزواج المثليين.

       وتهدف الخطة الراعوية الى انارة الضمائر بنشر تعليم الكنيسة، وتعزيز الابوة والامومة المسؤولة، والتنديد بالاطباء الذين لا يتورعون عن مثل هذه الممارسات.

 

صلاة       

يا رب، اننا في هذا الصوم المبارك، وهو الزمن المقبول، نلتزم بالتكفير عن الخطايا والممارسات المنافية لاخلاقية الحياة والشريعة الالهية وتعليم الكنيسة. نكفر عن الذين يرفضون اتباعك، انت الراعي والقدوة، ممعنين في خيانة وعود معموديتهم. اننا نودّ التعويض، بصومنا وتوبتنا واعمال الرحمة، عن عدم الحشمة في الحياة والمسلك واللباس، وعن الاساءات للابرياء، وعن الاهانات للكنيسة ورعاتها، وعن انتهاك حقوق الشعوب. تقبّل، ايها الرب يسوع، بشفاعة امنا مريم العذرء شريكة الفداء، استعدادنا للتكفير والتعويض. اعطنا الثبات في مقاصدنا، لنبلغ مع المؤمنين المخلصين الى الوطن السعيد حيث تملك مع الآب والروح القدس الى الابد، آمين ( صلاة البابا بيوس الحادي عشر).

 

الاحد الخامس من الصوم

شفاء المخلع

انجيل القديس مرقس 2/1-12

يسوع المسيح طبيب النفوس والاجساد

Click to view full size image

نستطيع القول ان آية شفاء المخلع هي بمثابة " انجيل الانسان"، الخبر المفرح لكل انسان، لكونه درب  المسيح الذي يلتقيه ويشفيه نفساً وجسداً: " مغفورة لك خطاياك قم احمل سريرك وامشِ"، والذي يعتلن انه فادي الانسان. ما جرى للمقعد من رحمة يسوع وبفضل الرجال الاربعة الذين حملوه يؤكد ان آية شفائه هي حقاً " انجيل حب الله للانسان، وانجيل الكرامة البشرية، وانجيل الحياة. لكنها كلها انجيل واحد لا يتجزّأ "( فادي الانسان (فقرة 14).

       ان الجمع المزدحم لسماع كلمة الله في البيت والرجال الاربعة الذين، بهدي الكلمة التي ولّدت فيهم الايمان بيسوع،  حملوا المخلع وحفروا السطح ودلّوه مع فراشه وطرحوه امام يسوع، كلهم يمثلون الكنيسة، هذه الجماعة المؤمنة بالمسيح التي تجتمع وتسمع الكلمة وتعمل بها وتتشفع. من كل هذا يتبين ان المسيح يسلّم الانسان الى عناية الكنيسة. فالانسان الحي هو للكنيسة دربها الوحيد وطريقها الاساسي " ( فادي الانسان، 14). انها تردد الدعوة الموجهة الى كل فرد باسم الله ان "احترمْ الحياة البشرية وصُنْها واحببْها واخدمْها". وتلتزم بهذه الدعوة في رسالتها ، فتعطي صوتاً لمن لا صوت له، وتستعيد دوماً صرخة الانجيل في الدفاع عن بؤساء هذا العالم وعن المهددين والمحتقرين والمحرومين من حقوقهم الانسانية  (انظر انجيل الحياة، 5).

 Click to view full size image

1.  شفاء المقعد استعادة لبهاء الشخص البشري

 

       " مغفورة لك خطاياك ..قم احمل سريرك وامشِ " ( مر2/5و11).

        مبادرة يسوع المزدوجة، بشفاء النفس اولاً من خطاياها ثم الجسد من شلله، هي اعادة المخلع الى بهائه الاول. وتبيّن ان يسوع طبيب النفوس والاجساد ،عنه تنبأ اشعيا: يأتي زمن يغفر فيه الرب كل خطيئة ويشفي كل مرض (اشعيا 33/24). والله عينه خاطب شعبه بلسان موسى : " انا الرب الذي هو طبيبك " (خروج 15/26). الى هذا الرب الطبيب نصلي في المزمور السادس: "ارحمني يا رب فلا قوة لي ، واشفني فأن عظامي قد تزعزعت ونفسي اضطربت كثيراً . عدْ يا رب ونجّ نفسي ولاجل رحمتك خلّصني . قد تعبت من تنهدي، وفي كل ليلة بدموعي ابلّل فراشي". هذه صلاة المريض والمعاق، صلاة الحزين والمظلوم ، صلاة السجين والمتروك في عزلته ، صلاة التائب عن خطاياه وشروره. بل هذه صلاة كل انسان، لان لا أحداً الاّ ومريض في جسده او نفسه او روحه .

       في الاساس ، كان كل ما خلقه الله حسناً جداً (تكوين1/31)، وتكوّن الانسان على صورة الله ومثاله  (تكوين1/27)، كاملاً في جمال جسده ونفسه، كما يصفه المزمور8: "ما الانسان حتى تذكره، وابن آدم حتى تفتقده ؟ وضعته قليلاً دون الاله، بالمجد والكرامة كللته. على صنع يديك سلطتَه، وكلَّ شيء تحت قدميه جعلتَه". كل هذه الكرامة هي ان الانسان وحده ، دون سواه من بين الخلائق المنظورة، قادر على ان يعرف الله ويحبه، ومدعو للمشاركة في حياة الله. لقد خُلق لهذه الغاية، وهذا هو السبب الاساسي لكرامته. تتجلى كرامته في كونه شخصاً قادراً ان يعرف نفسه، ويضبطها، ويبذل ذاته باختياره، ويدخل في شركة مع غيره من الاشخاص، على اساس من الحقيقة والعدل والخير، فتتألف معاً وحدة اساسها أصل مشترك، ويقوم نظام من التضامن البشري والمحبة (انظر التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 355-361).

       الشخص البشري كائن جسدي وروحاني معاً. هكذا تصوره بكلام رمزي رواية خلقه: " جَبَلَ الله الانسان تراباً من الارض ونفخ في انفه نسمة حياة ، فصار الانسان نفساً حية (تكوين2/7). الانسان بكامله مرادٌ من الله. يشترك جسده في كرامة صورة الله، بفضل النفس الروحانية التي فيه، ويُعدّ للقيامة في اليوم الاخير .

       كان الانسان في حالة برارة اصلية، كاملاً ومنظَّماً، محرراً من الشهوات الثلاث: شهوة العين التي هي الخضوع لمتعة الحواس، وشهوة الجسد وهي الخضوع للجشع في الخيرات الارضية، وكبرياء الغني الساعي الى اثبات الذات في وجه اوامر الله (1يو2/16).

       بالخطيئة فقد الانسان حالة البرارة الاصلية، وهدم التناغم الذي كان فيه مع الذات ومع الغير ومع الخلق: تحطمت سيطرة قوى النفس على الجسد (تك3/7)، واصبحت علاقة الرجل بالمرأة تحت تأثير المشادات موسومة بطابع الشهوة والسيطرة (تك3/11-16)؛ ونُقض التناغم مع الخلقية كلها: فاصبحت الخليقة المنظورة بنظر الانسان غريبة ومعادية له (تك3/17و19)، واُخضعت لعبودية الفساد (روم8/20)، ودخل الموت في تاريخ البشرية (روم5/12).

       لهذا السبب بدأ الرب يسوع بشفاء نفس المخلع من شللها كأساس، ثم الجسد من شلله كمجرد علامة. ذلك ان النفس عندما تشفى وتتقدس، يتقدس بها الجسد كله في امراضه وعاهاته لتتخذ هذه قيمة فداء، وتتواصل بواسطتها ألام الفادي الالهي.

2.  الانسان درب الكنيسة من اجل الفداء

 

       " لكي تعلموا ان ابن الانسان له سلطان ان يغفر الخطايا في الارض ، قال للمقعد : قمْ فاحمل فراشك واذهب الى بيتك "(مر2/10).

الفداء غفران وشفاء : غفران الخطايا بداية الشفاء؛ والمرض طريق الى التوبة والرجوع الى الله: حمل الرجال الاربعة ذاك المقعد الى يسوع، " ارجعوه " اليه ، فغفر له وشفاه. فبات باستطاعته ان يصلي صلاة حزقيا ملك يهوذا حين شفاه الرب من مرضه : " ها ان مرارتي تحولّت الى هناء ، لانك نجيّت نفسي من هوّة الهلاك ونبذت جميع خطاياي وراء ظهرك "(اشعيا38/17). لقد خلقه من جديد: شدّد اوصاله وأحيا اعضاء جسده، ونقّى نفسه، ماحياً خطاياه وباعثاً فيه حياة جديدة. فاستبق بهذه المبادرة عمل الفداء وثماره في الانسان. الفداء خلق جديد للانسان، بعد الخلق الاول، يعيد اليه بهاء صورة الله. لكن يسوع هو ايقونة الفداء باتخاذه الطبيعة البشرية التي رفعها الى مقام عظيم ، دون ان يذيبها فيه. علمت الكنيسة ان  " ابن الله الذي بتجسده انضمَّ نوعاً ما الى كل انسان : فاشتغل بيدي انسان، وفكرّ بعقل انسان ، وعمل بارادة انسان ، واحب بقلب انسان، وولد من عذراء وصار حقاً واحداً منا، مشابهاً لنا في كل شيء ما عدا الخطيئة. وهكذا كشف بجلاء الانسان للانسان، وابان له سمو دعوته. ولذلك لا يتضح سرّ الانسان الاّ في سرّ الكلمة المتأنس" ( الكنيسة في عالم اليوم 22). والسيدة العذراء مريم ، الكلية القداسة، هي تحفة الفداء فتسمّى: " مرآة العدل ونجمة الصبح". اننا نكرم ايقونتها لهذه الغاية، كما نكرم ايقونات القديسين الذين تمت فيهم هم ايضاً تحفة الفداء.

       يسوع المسيح، طبيب نفوسنا واجسادنا ، الذي اعاد الى المخلع صحة النفس بغفران الخطايا، وصحة الجسد بشفاء مرضه، اراد ان تواصل الكنيسة بقوة الروح القدس وخدمة الكهنوت، عمل الخلاص والشفاء لجميع الناس. فاسس لهذه الغاية سرّي الشفاء: التوبة ومسحة المرضى. يمثل الرجال الاربعة الجماعة المصلية، والكاهن، ممارس هذين السرّين، يمثل الرب المسيح ويعمل بشخصه. اما الذي يغفر الخطايا ويشفي من المرض فهو الله، أعني محبة الآب الرحوم، ونعمة الابن الفادي، وقوة الروح القدس المحيي.

       أجل، الله وحده يغفر الخطايا، ويسوع المسيح ابن الله يقول عن نفسه: " ابن الانسان له السلطان ان يغفر الخطايا على الارض " ومارس هذا السلطان الالهي: "مغفورة لك خطاياك"! اعطاه الاساقفة والكهنة، ليمارسوه باسمه: " خذوا الروح القدس ، من غفرتم خطاياهم تُغفر لهم ، ومن أمسكتم عليهم الغفران يُمسك عليهم " (يوحنا20/23). فلا غفران من دون خدمتهم، فأنهم " وكلاء اسرار الله" (1كور4/1).

       والله وحده طبيب الاجساد، فتحنن ابن الله المتأنس على المرضى وشفاهم من جميع عاهاتهم، اعطى رسله وكهنة العهد الجديد هذا السلطان: "اشفوا المرضى" (متى10/8). وارسلهم مشركاً اياهم بخدمة الرحمة والشفاء. فمضوا ومسحوا بالزيت الكثيرين من المرضى وشفوهم  (مرقس 6/12-13). ثم جدّد لهم هذا الارسال بعد قيامته: " اذهبوا في العالم كله، واعلنوا البشارة الى الخلق اجمعين. والذين يؤمنون تصحبهم هذه الآيات: باسمي يضعون ايديهم على المرضى فيشفون "(مر16/15-18). بهذا السلطان والايمان راحت الكنيسة تمارس سرّ شفاء المرضى، المعروف ايضاً بالمسحة الاخيرة، عندما تصبح حياة المؤمنين في خطر الموت، عملاً بوصية يعقوب الرسول: " ان كان احدكم مريضاً، فليدع كهنة الكنيسة، فيصلوا عليه، ويمسحوه بالزيت باسم ربنا. فأن صلاة الايمان تشفي المريض، وربنا يقيمه. وان كان عليه خطايا، فتُغفر له" ( يعقوب،5/13-15).

       كتب البابا يوحنا بولس الثاني: "الانسان هو بمثابة الطريق الاول الذي يجب على الكنيسة ان تسلكه لدى قيامها برسالتها . انه طريق الكنيسة الرئيسي الذي شقه السيد المسيح، وهو الطريق الذي يمرّ دائماً عبر سرّ التجسد والفداء.لذلك على الكنيسة ان تتنبّه لما يهدد الانسان من اخطار، وان تعرف ايضاً كل ما يعرقل حياته الحقة " ( فادي الانسان،14).

       وفي رسالته العامة "انجيل الحياة "، اكدّ: "بقوة سرّ كلمة الله المتجسّد، كل انسان اصبح موكولاً الى الكنيسة والى محبتها الوالدية . فكل ما يهدد كرامة الانسان وحياته لا يمكن الاّ ان يمسّها في صميم فؤادها ، ويصيبها في عمق ايمانها بابن الله المتجسد والفادي ، وبرسالتها القائمة على نشر انجيل الحياة في العالم كله ولكل خلق ". وعدد الجرائم المتنوعة والانتهاكات التي تستهدف الحياة البشرية: كل ما يتصدى للحياة ذاتها : كالقتل على انواعه والاجهاض والانتحار؛ وكل ما هو انتهاك لحصانة الانسان: كالتعذيب الجسدي والنفسي؛ وكل ما يهين كرامة الانسان : كالدعارة والمتجارة بالنساء والاطفال ، وظروف الحياة المنحطة ، والاعتقالات الاعتباطية ، والنفي ، وظروف العمل المشينة ( انجيل الحياة،3).

مقعد كفرناحوم صورة عن كل انسان وشعب ومجتمع فككه الانحراف والفساد ، بسبب انهيار علاقته بالله من جراء الخطيئة . فالسلام مع الله سلام مع الخليقة كلها . هذا هو مضمون وصايا الله العشر القائمة على ركيزتين متلازمتين : حب الله ( الوصايا الثلاث الاول ) وحب الانسان (الوصايا السبع الباقية). الخطيئة هي في الاساس انتهاك لحب الله يؤدي الى نوع من شلل في حياتنا الانسانية والعائلية والاجتماعية.

الانجيل رسالة حرية وقوة تحرير يحقق رجاء شعب الله الذي تكلم عنه الانبياء. فالله " يفكّ" شعبه من قيوده فيحرره، و" يفتديه" فيكسبه لنفسه (اشعيا 41/4؛ ارميا 50/34؛ احبار 25/25 و47 و49؛ راعوت 3/12؛ انظر الحرية المسيحية والتحرر، 43).

Click to view full size image

 

ثانياً، الخطة الراعوية

 

المخلع نفساً وجسداً ومعنويات، المسيح الذي شفاه بكليته يمثل كل انسان شلّته الخطيئة والانحراف  والشر، وافسدت علاقته بنفسه وبالله وبالناس. ويمثل ايضاً كل مجتمع تعطلت فيه العلاقات الانسانية وروح التضامن والترابط، وحكمته الانانية والذهنية الاستهلاكية. كما يمثل كل وطن منقسم الى دويلات طائفية ومذهبية وسياسية على حساب الولاء للوطن الواحد والوفاق الوطني والخير العام، مع استقواء بالخارج، على تنوع المصالح فتنشلّ فيه الحياة السياسية وتفسد الادارة ويتعطل الاقتصاد، ويعمّ الفقر والبطالة ويكثر الشر، ويحكمه نفوذ النافذين لا القانون، وتسود شريعة المحسوبيات والمغانم. ويمثل المخلع اخيرأً كل اسرة يُشلها التفكك.

أشار المجمع البطريركي الماروني الى هذا الواقع المتنوع في مختلف نصوصه. لكن الخطة الراعوية تواصل التركيز على واقع العائلة، لان باصلاحها مرتبط اصلاح الانسان والمجتمع والوطن.

1. تقتضي الخطة الراعوية ان تلتقي العائلة والجماعات العائلية والجماعات الرعائية والديرية والمؤسساتية، والمنظمات الرسولية وسواها، للبحث معاً في واقع الشلل على المستويات المذكورة اعلاه، بتشخيصه اولاً ووعيه، ثّم برسم حلول له، وتالياً بالالتزام الشخصي باصلاح في الذات وخارجها.

 

2. تنظر الجماعات المذكورة سابقاً في واقع العائلة من حيث تفككها:

أ- من جراء الازمة الاقتصادية الخانقة التي استباحت وسائل غير خلقية لكسب المال كالرشوة والسرقة والدعارة والمتاجرة بالمخدرات، والتي تسببت بهجرة تفرغ الوطن من قواه الحية، وبانقسام داخلي وتوتّر في العلاقات الزوجية والعائلية، ما أضعف الشركة بين افراد العائلة، وغيّب الحوار، وعطّل مسؤولية الوالدين عن تربية اولادهم.

ب- من جراء الانحطاط الاخلاقي، فقدت عائلات كرامتها، وانتهكت قدسيتها، بسبب اباحية جنسية تمارس في المجتمع الخفي، ومساكنة حرة تتكاثر، وانحطاط في القيم وعنف في العلاقات، وغياب المثل الاعلى في صورة الاب والام، وضعف السلطة في البيت، وانحراف عدد كبير من شبابنا وراء ما هو سهل من دون رادع خلقي او قانوني. واصبحت العائلة بسائر افرادها فريسة البرامج الهدامة التي تعرضها وسائل الاعلام والاتصال المكتوبة والمسموعة والمرئية، والمحطات الفضائية الاجنبية، عبر الصحون اللاقطة والكابلات وشبكات المعلوماتية.

ج- من جراء الخلافات الزوجية تُقوّض الرابطة بين الزوجين وبينهم وبين الاولاد، فتتكاثر الحالات المؤدية الى انحلال الرابطة الزوجية بافتراق الزوجين وابطال الزواج بالبطلان والطلاق، ما يخلّف اضراراً روحية ومعنوية ومادية في الزوج البريء، وصدمات عاطفية ونفسية تطبع حياة الاولاد الذين يختبرون حالة اليتم، واهلهم احياء.

 Click to view full size image

3. ان الخطة الراعوية تستعين برسالة مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك الثامنة " العائلة مسؤولية الكنيسة والدولة"، لتجد تحليلاً مفصلاً لحالات الشلل التي تصيب العائلة، وتوجيهات وحلول عملية لها. ويوصي المجمع البطريركي الماروني بمساعدة العائلة للخروج من ازماتها، واستعادة كرامتها، ومسؤوليتها في المجتمع والكنيسة (النص العاشر: في العائلة، 63-66).

أ- ففي عالم راح يفقد جوهر الايمان الحقيقي، وباتت فضيلة الديانة مجرد ممارسة خارجية او اصولية او عادة  بالية، لا بد من تنشئة للايمان وتربية جديدة له، وهو هبة من الله الذي يوحي، وجواب من الانسان الذي يقبل الحقيقة الموحاة. ما يمكّن العائلة من المشاركة في وظيفة الكنيسة النبوية عبر حياة زوجية وعائلية تتقدس بافرادها وتقدس مجتمعها (النص 64،10).

ب- وفي عالم غاب عنه الرجاء، ويتخبّط في يأس وضياع ولا مبالاة، لا بد من ايجاد اسباب للرجاء في العائلة، يشع في البيت والمحيط العائلي، بحيث يكون كل فرد من افرادها رجاء للآخر. من اسباب الرجاء الاساسية ان العائلة، التي باركتها يمين الله وغرستها خلية اساسية للمجتمع والكنيسة والدولة، هي بين يدي الله الآب الامين لمواعيده، والحاضر خاصة في اوقات الضيق (النص 10،65).

ج- وفي عالم غابت عنه المحبة الحقيقية، وباتت الاخطار من الداخل والخارج تهدد العائلة بالتفكك وفقدان كرامتها وقدسيتها، لا بد من مساعدتها لتكون " جماعة حياة وحب"، كما ارادها الله وزوّدها بنعمته لهذه الغاية. من الضرورة ان تصان المحبة في العائلة، والتربية عليها، لان " المحبة ام جميع الفضائل": الصداقة والتفاني والمغفرة والخدمة والصبر والعطاء من دون مقابل، والتقاسم والانفتاح على الغير، ومحبة الفقير، وتكريم الغريب، ومجانية السخاء، واحترام الآخر ( النص10/66).

 

صلاة

ايها الرب يسوع، طبيب الاجساد والارواح، الذي انعطفتَ في حياتك التاريخية على المرضى وشفيتهم بلمس يدك القديرة، ساعد الذين دعوتهم لممارسة شفاء الاجساد من خلال فنّ الطب، وشفاء النفوس بخدمة الكهنوت، لكي يجدوا فيك العون والقدوة. وجّه انت قلوبهم وايديهم ليدركوا انهم معاونون لك واداة رحمتك في الدفاع عن الحياة والنعمة، وفي نمو الخلائق البشرية. انر عقولهم بنور المعرفة لكي يحسنوا تشخيص الامراض الجسدية والنفسية، وإيجاد الدواء الملائم والشافي الذي توفرّه عنايتك. أعطهم ان يستحقوا يوماً، بمسلكهم المسيحي وبحسن ممارسة المهنة والخدمة، سماع صوتك القائل: " تعالوا، يا مباركي ابي، رثوا الملك المهيأ لكم". لك المجد الى الابد، آمين ( صلاة البابا بيوس الثاني عشر).

 

***

 

الاحد السادس من الصوم

شفاء الاعمى

انجيل القديس مرقس 10/46-52

يسوع نور العقول والضمائر

 

       اية شفاء الاعمى تختتم سلسلة الايات التي نقلتها آحاد الصوم السابقة، لتؤكد ان يسوع نور العقول والضمائر، وقد قال عن نفسه " انا نور العالم". (يو8/12). باعادة البصر لطيما ابن طيما، اعمى أريحا، كشف لنا انه هو النور وحده، وان لا احد يستطيع ان يعطي ما لا يملك. هذه الحقيقة الالهية، ادركها طيما الاعمى، فالتمس البصر من يسوع، بينما كان يلتمس صدقة من الناس، وهو "جالس يتسول على قارعة الطريق". هذا يعني انه كان وحده بصيراً، فعرف يسوع في جوهر طبيعته، خلافاً للجمع الكثير الذي كان يرافقه. ولهذا أرغموه ليسكت، لكنه كان يزداد صراخاً: " يا ابن داود ارحمني!" كان مبصراً بالعقل والقلب، بالرغم من انطفاء النور في عينيه، بفضل ايمانه الحي، كما يشهد يسوع: "اذهب، ايمانك احياك". (مر10/52). ليس يسوع نوراً للعيون وحسب، بل ما يعنيه هو ان يكون نوراً للضمائر البشرية. فالضمير هو العين الباطنية، والاداة البصيرة للنفس، التي تقود خطانا على طريق الخير. وهو المكان المقدس الذي يكشف فيه الله للانسان عن خيره الصحيح. ان الضمير الذي لا يثقف مسيحياً بكلام الله وتعليم الكنيسة، يصبح طاقة هدّامة لانسانية الانسان (المصالحة والتوبة،26). الضمير المظلم، مثل العمى، سير في ظلام الخطيئة والشر والفساد.

 

اولاً، شرح الآية الانجيلية

1.                                           العمى الروحي

 

       " انتهره الناس ليسكت " (مر10/48).

       صرخة الايمان والفهم التي أطلقها الاعمى باعلى صوته جابهها الناس، بعماهم الروحي ، وانتهروه ليسكت. اما يسوع فسقطت الصرخة في قلبه، " فتوقف وامر الناس ان يدعوه "، ليشفي عماهم الروحي بعلامة شفاء عمى الاعمى الحسي ، فغيّروا موقفهم ولهجتهم وقالوا للاعمى: " تشجع، قمْ. انه يدعوك".

       كلنا مصاب بالعمى سواء على مستوى الايمان او الرجاء او المحبة. ونحتاج الى شفاء ورؤية جديدة. وحده يسوع يستطيع اعطاءنا اياها. لانه " نور العالم" (يو8/12).

       كلنا مصاب بالعمى الروحي كل مرة نخالف وصية الله الاولى في الناموس: " احبب الرب الهك من كل قلبك وكل نفسك وكل فكرك وكل قوتك "(متى22/37؛لو10/27)، وفي الوصايا العشر: " انا هو الرب الهك لا يكن لك اله غيري. فالرب الهك تعبد واياه وحده تخدم " (متى4/10). بمخالفة هذه الوصية نقع في العمى الروحي، لان بصيرتنا الداخلية قائمة على الفضائل الالهية الثلاث: الايمان والرجاء والمحبة.

       يكون العمى الروحي، على صعيد الايمان، عندما لا نحافظ على الايمان ولا نغذيه بالتأمل في كلام الله والصلاة وبتعليم الكنيسة، ولا نرفض ما يتعارض معه. العمى الروحي هو الخطيئة ضد الايمان مثل: الشك الارادي برفض الاعتقاد بحقيقة موحاة من الله ومعروفة من الكنيسة لنؤمن بها، والشك غير الارادي بالتردد في الاعتقاد والخوف من غموضه؛ وعدم الايمان أي اهمال الحقيقة الموحى بها، او رفض قبولها عمداً؛ البدعة او الهرطقة وهي انكار حقيقة ايمانية باصرار؛ الجحود (انكار الايمان) وهو الرفض الكامل للايمان المسيحي؛ الانشقاق أي رفض الشركة مع الكنيسة.

       ويظهر العمى الروحي، على صعيد الرجاء، في اليأس الذي هو انقطاع الانسان عن ان يترجى من الله خلاصه الشخصي، وعونه، او مغفرة خطاياه. فاليأس خطيئة ضد رحمة الله وامانته لوعوده؛ وفي الاعتداد المفرط بالنفس أي الاعتداد بالامكانات الذاتية وبنيل الخلاص بدون العون الالهي، او الاعتداد بقدرة الله ورحمته التي لا تحتاج الى توبة الانسان لمغفرة خطاياه، وبنيل المجد الابدي بدون استحقاق شخصي.

       ويبان العمى الروحي، على صعيد المحبة، في اللامبالاة بالله ومحبته ورسومه، وتجاهل مبادرة المحبة الالهية وقوة الفداء؛ في نكران الجميل بعدم مبادرة محبة الله بالمحبة والطاعة لارادته؛ في الفتور أي التردد واهمال الاستجابة للمحبة الالهية؛ في السأم او الكسل الروحي برفض الفرح الآتي من الله، وعدم الاندهاش لجمال الله وعظائم اعماله؛ في الحقد على الله بسبب الشر الموجود في العالم، وبسبب ان الله يحرّم الخطايا وينزل العقوبات (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 2087-2094).

       هذا العمى الروحي يعطل الرؤية الانسانية والخلقية والاجتماعية، ويظهر في انحراف العلاقات مع الناس، وتدنّي الاخلاق، وفقدان الالتزام الاجتماعي الصحيح الرامي الى الخير العام، فتطغى الروح الاستهلاكية والاباحية على المستوى الخلقي والسياسي والاقتصادي والاعلامي. والعمى يؤدي بنا الى عدم القدرة على قراءة علامات الازمنة، وقراءة الاحداث الخاصة والعامة، الاجتماعية والوطنية. الدستور المجمعي "الكنيسة في عالم اليوم " يكشف لنا كيف نقوم بهذه القراءة (الاعداد 4-10).

       اجل، وحده المسيح يحررنا من هذا العمى ونتائجه وابعاده. واول العمى الذي يريد المسيح ان يحررنا منه هو محبة ذاتنا العشوائية، مصدر ازدرائنا للقريب، وهو علاقات الهيمنة والتسلط والنفوذ على الغير. كلمة بولس الرسول عن هذا التحرر: " ان المسيح قد حرّرنا لنكون احراراً" ( غلا 5/1)، دعوة لنا لنصمد ونناضل لئلا نسقط من جديد تحت نير العبودية، ولنعمل من اجل تحرير المستعبدين والمستضعفين، ونقاوم تجربة استعباد الناس لنا. حياتنا نضال روحي "باسلحة الله ضد عالم الظلمات والارواح الخبيثة، بسلاح الحق ودرع البّر وانجيل السلام وترس الايمان، وسيف الروح الذي هو كلمة الله، وبالصلاة والدعاء في الروح، وتبليغ سرّ الانجيل بجرأة" ( افسس6/10-20).

Click to view full size image

      

2.  يسوع نورنا بشخصه وافعاله وتعليمه

بعد ان شفى الاعمى، اعلن يسوع عن نفسه: " انا نور العالم. من يتبعني لا يمشي في الظلام" ( يو8/12). فأمن به الناس، وادركوا انهم هم ايضاً به " نور العالم" ( متى5/14).

الارشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان"، يبين لنا ان يسوع هو نورنا الحقيقي بشخصه وافعاله وتعليمه ( 30-34).

أ- يسوع نور لنا بشخصه

انه اله حق وانسان حق، مساو للآب في طبيعته الالهية، ومساوٍ لنا في بشريته ( مجمع خلقيدونيا سنة 451). فيه نكتشف معنى كياننا البشري ورسالتنا المسيحية؛ في شخصه تلتقي البشرية ربها وتتحد به. ها هو معنا منذ الفي سنة، وفي تاريخنا عبر احداثه الكبيرة والصغيرة. وها نحن منذ الفي سنة نلتقي الله، ونحيا التزامات ترتدي قيمة ابدية، بمعنى ان رجاء الحياة الاخرى يوفرّ اسباباً جديدة للقيام بالمهام الارضية ( رجاء جديد للبنان، 30).

ب- يسوع نور لنا بافعاله

انه حاضر في ما بيننا وينضم الينا في الطريق، كما فعل مع تلميذي عماوس، ينقل كلام الله فتنشرح له القلوب، يكسر الخبز ويوزعه للمشاركة ويفتح عيوننا لنميّز حضوره، وفي بهاء نوره نندفع برجاء يصبح عندنا التزاماً (لوقا 24/13-35). اننا نتحمل مسؤولية فعلية في تحقيق مقاصد الله وتسريعها، متكلين على حضور القائم من الموت القائل لنا: "انا معكم طول الايام الى نهاية العالم" ( متى28/20)، وعلى ما لروحه القدوس من عمل صامت في العالم (المرجع نفسه، 29-32).

ج- يسوع نور بتعليمه

نحن مثل بطرس نقول: "يا رب، الى من نذهب وكلام الحياة الابدية عندك؛ نحن آمنا وعرفنا انك قدوس الله" (يو6/68-69). اننا نغتذي بكلامه حيثما وضعنا ونعمل على اعلان محبته. لقد اصبحنا في المسيح خلقاً جديداً (2كور5/17). ولهذا نخضع لشريعة المسيح (غلا6/2). انها نقيض شريعة العالم التي يختصرها يوحنا الرسول " بشهوة العين وشهوة الجسد والكبرياء الغنى" ( 1يو2/16). اما شريعة المسيح فهي قضيلة التجرد في استعمال خيرات الارض، وفضيلة الطهارة، في الفكر والنية، وفضيلة الطاعة لله وللرؤساء. وهكذا نشارك المسيح في خلاص العالم وتحريره بفرح القيامة. هو الله يتابع تدبير الخلاص بمساهمة المؤمنين: فبفضل " نعم "مريم حصلنا على تجسد ابن الله. الكلمة الازلي؛ وبفضل استجابة الرسل لنداء الرب بلغتنا كلمة الانجيل؛ وبواسطة رعاة الكنيسة وموآزرة صلاة الاخوة نحقق الاتحاد باعضاء جسد المسيح، والمصالحة مع الله؛ وبواسطة شهادتنا نحمل غيرنا الى معرفة المسيح ومحبته (المرجع نفسه، 32-34).

 Click to view full size image

3. الروح القدس نورنا الداخلي بمواهبه.

" ايها النور الطوباوي املاء باطن قلوب مؤمنيك". هكذا تبتهل الكنيسة الى الروح القدس، عطية الآب، ليكون لنا  الذاكرة والمفقّه والمحامي. انه يلامس العقول والقلوب ويرشدها الى دروب خدمة الحياة والعدالة والسلام. وينير الايمان الذي فينا بمواهب الحكمة والفهم والعلم.

بموهبة الحكمة يسدد الروح عقلنا لننظر الى شؤون الدنيا من منظار الله، ونفهمها بنور وحي الله، ونقاربها كما يرغب الله.

بموهبة الفهم يجعلنا نلج الى عمق الاسرار الالهية، مطابقين عقلنا المحدود على اللامحدود، وفكرنا المحتاج الى وضوح على تعليم اسرار الله.

بموهبة العلم يمكننا من تمييز القيم، بين تلك الاتية من الله وتلك الآتية من الشرير، وبين ما هو خير وما هو شر، لكون الشر خيراً منتقصاً، مبتوراً، منحرفاً ومرغوباً فيه. بهذه الموهبة نحسن الخيارات وسط صعوبات العالم ومحنه.

" حيث روح الرب هناك الحرية" (2كور3/17)، ذلك ان هذا الروح هو " روح الحق الذي يقود الى الحقيقة كلها" (يو16/13)، والحقيقية هي التي تحررنا (يو8/32). الحقيقة هي اصل الحرية واساس كل عمل تحرري ومقياسه. ان الحقيقة الانجيلية يجب ان يدعى اليها جميع الناس وفقاً لامر الرب يسوع (متى28/18-20؛ مر16/15). ومن حق جميع الناس ان تُعرض الحقيقة عليهم. والدعوة اليها تنطوي على احترام حرية كل شخص، وعلى التخلي عن كل شكل من اشكال الاخضاع والاكراه. ان الروح القدس الذي يرشد الكنيسة وابناءها وبناتها " الى الحق كله"، انما يوجّه مجرى الازمنة و " يجدد وجه الارض" ( مز104/30). انه حاضر في الضمير وينضجه لمزيد من احترام كرامة الشخص البشري. وهو ينبوع الشجاعة والبطولة والاقدام (الحرية المسيحية والتحرر، 3 و4).

اننا نواصل الصلاة مع الكنيسة: " هلم يا روح المحبة والسلام، يا روح الحق والقداسة والاتحاد، ويا روح الحكمة والحياة، اهدِالبشرية الى رؤية يسوع رب المجد ومخلص العالم".

**

Click to view full size image

ثانياً، الخطة الراعوية

 

 

بالرغم من ان عدداً غير يسير من شبيبتنا ملتزم في حياته الروحية، وفي ممارسة الواجبات الدينية، وفي المسلك الخلقي، فان عدداً اكبر ما زال في حالة خصام مع الله والقيم، وابتعاد عن الكنيسة، فلا بدّ من اخراجهم من الجهل وعقدة الخوف من الالتزام، وتكثيف رعايتهم الروحية.

تستعين الخطة الراعوية بالنص 11، الخاص بالشبيبة، الذي خصصه لهم المجمع البطريركي الماروني، في اطار التجرد الراعوي والروحي على مستوى الاشخاص. مسألة الشبيبة تقتضي من الجماعات المنظمة في كل رعية: لجان الشبيبة، لجنة العائلة، المنظمات الرسولية، السهرات الانجيلية، الجماعات الديرية، ان تقرأ واقع الشبيبة في محيط العائلة والرعية، وتتخذ مبادرات لمساعدة هذه الشبيبة للخروج من ضياعها، فالشباب مستقبل المجتمع والكنيسة والوطن. من صفوفهم ينبغي ان تخرج ذهنيات جديدة، ويبرز قادة جدد. انهم ضمانة المستقبل الافضل، فلا يجوز التفريط بهم.

1. يتهدد الشباب مناخات تحرر وهمية غالباً ما تفضي الى عبوديات قائلة: انحراف على المستوى العاطفي وراء الاحاسيس الرخيصة، والتفلت الجنسي بالبحث عن اشباع الرغبات، وفقدان الشفافية والصدقية في العلاقات العاطفية بين الجنسين، وانعدام التوازن الداخلي، والارتهان لتعاطي المخدرات. ما جعل الشبان والفتيات يعيشون ازمات الهوية ومأساة الضياع وحالات عزلة عن واقعهم وغربة عن قيمهم تؤدي الى حالة من اليأس والسطحية واللامبالاة (النص 11،الشبيبة، 16 و17).

تقتضي الخطة الراعوية القيام بعملية تحرير للشباب قائمة على الحقيقة والمحبة وعلى قاعدة القيم والشريعة الالهية والخلقية. ينبغي مساعدتهم على وعي حالة الخطيئة التي تفتح امامهم حرية وهمية تقضي الى ضياعهم وموتهم. انهم بخطيئتهم يحاولون التحرر من الله، فيستعبدون ذواتهم وتعلق بالمخلوق على نحوٍ مضلّ وهدام، فيعم قلوبهم القلق، ويحاولون تبديده بالضجيج وصخب الحياة.

2. وتقع الشبيبة فريسة تيارات الالحاد المقنّع، فتتعزز بين صفوفهم مذاهب المادية المفرطة والانحلالية والروح الاستهلاكية، وتتكون عندهم صورة خاطئة عن الله والكنيسة، وتنحجب عنهم معرفة الحقيقة. ولذلك يبتعدون عن الصلاة والممارسة الدينية يوم الاحد وينسلخون عن حياة الكنيسة. فيأتي البديل حب الظهور الفارغ والسطحية والتصنع والاغراء في اللباس والمسلك والتكاذب وتغليب الابتزال على الرقي والقبيح على الجميل والفساد على الطهر (النص 11، الشبيبة، 18).

ان الخطة الراعوية امام تحدٍ كبير هو اعادة الشبيبة الى سلّم القيم، والى تقييم عمرهم الذي هو عمر القرارات البطولية، لا عمر التراخي والاهمال.

 

3. ومن الظاهرات المقلقة الانتماء الاعمى لهذا او ذاك من التيارات السياسية، الذي يفرّق بين الشباب بالعنف والغوغائية. وكأن هذا التيار او ذاك اله يٌعبد، بينما هو مجرد وسيلة لخدمة الخير العام، من دون ان ينقض الآخر المختلف في اسلوبه ورأيه.

مطلوب من الخطة الراعوية تحرير الشباب من هذا الانتماء الاعمى والغوغائي، وتربيتهم على المفهوم السياسي الصحيح، وعلى ان الوطن هو الاساس والغاية، وان التيارات والاحزاب وسيلة تتغير، ولا مبرر لها سوى خدمة الخير العام، وان تعددية الآراء مشروعة شرط ان تصب في وحدة المصلحة العامة التي تزول امامها  كل مصلحة فردية. ومن الضرورة بمكان العمل على ادخال هذه المفاهيم في اذهان الوالدين الذين يجرمون بحق  اولادهم اذا اورثوهم انتماء اعمى، كان في اساس ازمات الامس.

 

صلاة       

ايها الرب يسوع، يا نور الحق الذي ينير كل انسان آتٍ الى العالم، يا من كنت النور لبصيرة أعمى اريحا ولعينيه، كن النور المشع لشبيبتنا وفي طرقاتنا، لكي يراك الجميع كما انت. ففيك وحدك تنجلي حقيقة الله وحقيقة الانسان ومعنى التاريخ. وفي ضوء هذه المعرفة نسلك سلوكاً انسانياً ومسيحياً بالقول والعمل. اعطنا ان نتبعك في الطريق مثل الاعمى الذي شفيته، بل اعطنا ان نسألك مثله، وقد استنارت بك بصيرته، النور لعين العقل والقلب والضمير فينا. وعندها نستطيع ان ننشد: " الرب نوري وخلاصي فممن أخاف؟ بك نطق قلبي، اياك التمس قلبي، وجهك يا رب التمس". لك المجد لى الابد، آمين.

 

*****

احد الشعانين

انجيل القديس يوحنا 12/12-24

يسوع محرر الامم والشعوب

 Click to view full size image

       لدخول السيد المسيح الاخير والملوكي الى اورشليم، قبل صلبه بخمسة ايام وقيامته، ابعاد لاهوتية وخلاصية. فقد تزامن مع عيد الفصح اليهودي، وبدأ معه العهد الجديد، عهد الفداء والخلاص بالمسيح، الذي اكتملت فيه كل اقوال العهد القديم ورموزه وصوره. في بيت لحم، بالميلاد، دخل الاله الكلمة يسوع المسيح تاريخ البشر متجسداً، ليكون نوراً وحياة لكل انسان، ويجعل الذين يقبلونه ابناء لله (انظر يوحنا 1/4 و9 و12)؛ وفي اورشليم، بالموت والقيامة، اصبح مخلص العالم وفادي الانسان. لفظة " شعانين" مأخوذة من هتاف " هوشعنا" الذي اطلقته الجماهير في استقباله، وهي لفظة عبرية تعني " هلم خلصنا"، على ما جاء في المزمور 118/25: " امنح الخلاص يا رب، امنح! امنح النصر يا رب، امنح!".

 Click to view full size image

اولاً، مبادرات نبوية

 

1.                                           "في الغد لما سمع الجمع الكبير الذي جاء الى العيد"

 

" الفد" هو اليوم التالي لمجيء يسوع الى بيت عنيا، بعد ان اقام لعازر من الموت، وهو في طريقه الى اورشليم، في مناسبة عيد الفصح اليهودي (يو12/1). ولهذا كان " جمهور كبير" من اليهود الأتين من مختلف المناطق، ومن غير اليهود كاليونانيين (يو12/20). في بيت عنيا وهو على العشاء عند لعازر مع تلاميذه، قامت مريم بمبادرة نبوية: " زرفت قارورة طيب من الناردين الخالص الغالي الثمن، ودهنت قدمي يسوع ثم مسحتهما بشعرها، فعبق البيت بالطيب" ( يو12/3). فعل نبوي له معانيه:

ليسوع الاله الفادي، نعطي اثمن ما عندنا، فهو اعطانا كل ذاته، عبر سرّ القربان وسائر الاسرار والكهنوت. استبقت مريم تطييب جسد يسوع، قبل موته، وهو بعد حي (يو12/7)، للدلالة انه حي الى الابد، وبالتالي سيقوم من الموت؛ هكذا سبق وقال لاختها مريم: " انا القيامة والحياة" (يو11/25)، واظهر ذلك في قيامة لعازر من الموت (يو11/43 و44). يسوع هو الحياة التي تتحدى الموت، فجعل المؤمنين به في حالة قيامة؛ الطيب الذي ملاء البيت هو نفحة المسيح والانجيل الطيبة التي سيعبق اريجها في العالم كله كحضارة محبة. تتجلّى هذه النفحة في كل انسان يعيش في حضارة الحقيقة والمحبة؛ كسر قارورة الطيب يعني ان قيمة الحياة تسمو في افعال الحب لله والانسان والكنيسة والمجتمع. هذه الافعال هي " الطيب " الذي نزرفه قرابين روحية من تضحيات وعطاءات واعمال رحمة، من مواقف بطولية مثل تكريس الذات لخدمة الانسانية في العالم او في الحياة المكرسة او في الكهنوت؛ هذه مغامرة سرّ الحب.

 Click to view full size image

2.  "حملوا سعف النخل وخرجوا لاستقباله هاتفين: هوشعنا"

 

       هذه العفوية التي قام بها الاطفال والتلاميذ واهل المدينة والحجاج، ما عدا الفريسيين الذين استشاطوا غضباً وحقداً (يو12/19)، هي امتداد لكسر قارورة الطيب. أجل، " كثيرون من الجمع فرشوا ارديتهم على الطريق واخرون قطعوا اغصان الشجر وبسطوها على الطريق" ( متى21/8)؛ و" التلاميذ طرحوا ارديتهم على الجحش الذي ركبه يسوع" ( مر11/7) . انها مبادرة نبوية اخرى:

       اغصان النخل محفوظة لاستقبال الملوك المنتصرين. يسوع هو الملك السماوي الذي ينتصر بموته وقيامته على الخطيئة والشر والموت. فكانت ملوكيته علة موته مكتوبة على صليبه: " يسوع الناصري ملك اليهود". هذه الحركة في الذكرى السنوية لخلاص اورشليم على ايدي المكابيين ( 1 مكابيين13/50-52)، تدل اليوم على الخلاص والتحرير الحقيقيين لاورشليم، رمز كل مدينة وقرية، ورمز الكنيسة التي اصبحت اداة هذا الخلاص والتحرير؛ هتاف " هوشعنا، مبارك الآتي باسم الرب ملك اسرائيل" ترداد نبوي للمزمور 118/26-26، وتطبيق له. لقد رأوا في شخص يسوع ملكاً جديداً لاسرائيل، يجمع السلطتين الروحية والزمنية. ويحرر المدينة من الرومان، تماماً كما حصل في ايام المكابيين الذين استردوا المدينة وطهروا الهيكل وبنوا مذبحاً جديداً وقدمّوا الذبائح (1مك10/1-9). هنا النبوءة تتحقق في ملوكية يسوع الالهية: انه محرر الانسان من الداخل، ومحرر المدينة الارضية من الظلم والفساد. انه الآتي من عند الآب ليمنح الخلاص للشعوب والامم؛ جاءت مبادرة يسوع بركوبه جحشاً ابن اتان تطبيقاً لنبوءة زكريا النبي ( زكريا9/9)، وتصحيحاً لآمال الجمع الناظر اليه كـأنه ملك زمني، واعلاناً لرسالته. هو ملك، لا كما يريده الشعب بل الله وفقاً لنبوءة زكريا: ليس فاتحاً يدخل المدينة عنوة على صهوة جواد، بل هو " امير السلام" الذي ينتزع كل خوف من القلوب، ويرسي اسس مملكته الجديدة على التواضع والحنان. انه " المسيح" الذي اختاره الله ومسحه ملكاً على شعبه ومؤسساً للعهد الجديد، وقد اكّد لبيلاطس " مملكتي ليست من هذا العالم" (يو18-36). ملوكيته ملوكية فداء وخلاص وانتصار على الخطيئة والشر، وحياة دائمة تكسر شوكة الموت. ان ابناء مملكته المؤمنين به يعملون على نشر ملكوته في التاريخ البشري بالصراع الروحي لتدمير سلطان الخطيئة فيهم (روم 6/12)، وبتكريس الذات لخدمته في المحبة والعدالة بشخص " اخوته الصغار" ( متى25/40). هذه كلها فهمها التلاميذ، " بعد ان مُجّد" يسوع بموته وقيامته. كلنا مع كل شعب ننتظر قدوم المسيح- الملك ليحررنا مما نعاني من ظلم وجور واستبداد وقهر. المسؤولون السياسيون مدعوون لتحقيق هذا التحرر، من خلال التزامهم السياسي بالمشاركة في وظيفة المسيح الملوكية والكهنوتية والنبوية ( رجاء جديد للبنان،113).

 Click to view full size image

3.  "لانهم سمعوا انه اقام لعازر من القبر خرجوا الى لقائه".

الحدث التاريخي اساس الايمان.  تسمى المعجزة " اية" لانها علامة لحقيقة ايمانية لا نراها ولا يدركها العقل في جوهرها، بل يقبلها بالايمان ويحاول فهمها في ضوء العلم. ان ما يحصل للجسد يحصل للنفس ايضاً، فقيامة لعازر من الموت علامة لقيامة الانسان من موت الخطيئة؛ وكما تعود الروح الى الجثة، هكذا تعود الحياة الالهية الى الخاطي التائب. وكما الماء ينظف الجسد وينعشه، هكذا النعمة الالهية تطهر في سري المعمودية والتوبة من الخطايا وتعطي الحياة الجديدة. وكما الخبز يزيل الجوع ويغذي الجسد ويعطيه قوة ومناعة ونشاطاً، هكذا جسد الرب ودمه يفعلان في قلب الانسان ونفسه. هذه الاسرار وغيرها اسسها السيد المسيح، في اطار الفصح، وهو العبور من الموت الى الحياة، ومن الخطيئة الى النعمة، ومن القديم الى الجديد. في ليلة آلامه وموته، المعروف بخميس الاسرار، اسس الكهنوت لخدمة هذه الاسرار، فكانت ولادة الكنيسة.

 نحن في الشعانين نخرج مع اطفالنا وشبيبتنا وكبارنا للقاء ملكنا ومخلصنا يسوع المسيح باغصان النخل والزيتون والشموع المزينة: النخل علامة الملوكية، الزيتون علامة السلام، الشموع المزينة، علامة الايمان بالمسيح الحي المزدان باعمالنا الصالحة. ونهتف " هوشعنا مبارك الآتي باسم الرب" ونلتنزم برسالتنا الملوكية. هذا هو معنى التطواف الشعبي، وتبريك الاغصان والشموع، وتوزيعها على المؤمنين وحفظها بركة في بيوتهم، ثم حرق الاغصان والتبخر بدخانها ورش رمادها على الزروع والمواسم لحمايتها من مختلف الآفات. وفي الكنائس تحفظ اغصان الزيتون لتحرق في العام اللاحق ويستعمل رمادها في رتبة تبريك الرماد في بدء الصوم الكبير. وكانوا في الماضي يأتون بشجرة كبيرة من الزيتون، فيباركها الكاهن، وعند بدء التطواف تعرض للبيع بالمزاد، ويقدم الثمن احساناً للكنيسة من اجل سدّ حاجاتها. هذه العادة محفوظة جزئياً بشقها الاول في بعض الرعايا من دون بيعها. وبعض المؤمنين لا يذوقون في الشعنينة الطيبات والحلوى والطعام الفاخر، احتراماً للصوم ولاسبوع الآلام الذي يلي العيد.

 تطواف الشعانين وما يحمل من حقائق ايمانية يرتكز على ثلاثة احداث تاريخية: قيامة لعازر، ودخول الرب يسوع الى اورشليم، وقيامته من بين الاموات.

 

4.  بعض اليونانيين طلبوا الى فيليبس: نريد ان نرى يسوع

 

 هؤلاء اليونانيين ليسوا يهوداً بل من الراغبين في عبادة الاله الحقيقي والمشاركين في عيد القصح، وبالتالي تمنوا ان يروا يسوع. انهم يمثلون العالم المعروف بالوثني اي غير اليهود، او الامم، بل البشرية التي تبحث عن يسوع. طلبوا وساطة فيليبس، وهذا وساطة اندراوس. انهما يمثلان الكنيسة التي تعرّف الناس الى شخص يسوع المسيح، موضوع رسالتها: " تكونون لي شهوداً الى اقاصي الارض" ( اعمال 1/8).

كشف لهم يسوع هويته: انه فادي الانسان الذي يتمم اراة ألاب الخلاصية، فيتمجد الآب بذبيحة الابن التي تصالحه مع الجنس البشري في حدث الجمعة العظيمة، ويتمجد الابن بقيامته من الموت وفيض الحياة الالهية بالروح القدس على البشر أجمعين في حدث احد القيامة. هذه الحقيقة المزدوجة المعروفة بالسّر الفصحي او سرّ الفداء والتبرير، شبهها يسوع بحبة الحنطة التي تموت وتعطي ثمراً كثيراً ( يو12/24). هذا السّر الفصحي استبقه السيد المسيح اسرارياً وجعله حدثاً يتجدد كل يوم بتأسيس سرّ الافخارستيا والكهنوت، يوم خميس الاسرار، ليلة آلامه وموته. وهكذا يستطيع كل انسان " ان يرى يسوع" هذا الكنز الروحي الذي تحتويه الافخارستيا"، ويرى افعال الله: الخلق والفداء والتقديس (القرار المجمعي في خدمة الكهنة،5).

هكذا سلّم الكنيسة تذكار موته وقيامته، ليواصل بواسطة خدمتها الكهنوتية ذبيحة الصليب مدى الدهور، الى ان يأتي، ويوزّع، في الوليمة الفصحية الجديدة، غذاء تمتلىء منه النفس نعمة، ويعطى المؤمنون عربون المجد الابدي (الدستور المجمعي: في الليتورجيا، 47).

***

 Click to view full size image

ثانياً، الخطة الراعوية

 

دخول الرب يسوع الى اورشليم، لتكون مدينة السلام حقاً، انما هو اعلان انجيل السلام القائم على الحقيقة والمحبة والحرية والعدالة. كون الشعانين عيد الشباب، فلا بدّ من ان تتناولهم الخطة الراعوية، في ضوء النص الحادي عشر الخاص بهم، بما فيه من تعليم اخلاقي وقواعد ثقافية ومدنية، من شأنها تنظيم حياتهم لينخرطوا في الشعب الذي اختاره الله ليكون شاهداً بين الامم. اما شريعة الله الاساسية فهي " محبة الله فوق كل شيء" ( تثنية الاشتراع 6/5)، و " محبة القريب كالنفس" ( احبار19/18). وهذا هو الموضوع الذي اختاره قداسة البابا بندكتوس السادس عشر لرسالته العامة الاولى  "الله محبة" الصادرة في 25 كانون الاول 2005.

 

1. يطلب من الجماعات في الرعية، من المجالس واللجان والمنظمات والهيئات، ان يعطوا الشبيبة ما يتوقون اليه، وفقاً لانتظاراتهم المنصوص عليها في النص 11 المذكور: انهم يطلبون من المسؤولين في الكنيسة ان يوفروا لهم فرصة اللقاء الشخصي مع المسيح، وفهماً اعمق لسرّ الكنيسة، وإلا استمروا في حالة التشكيك والتشكي، اذ تظهر لهم الكنيسة بوجهها المؤسساتي، وتغيب عنهم بوجهها اللاهوتي والسري، كجماعة تعكس وجه المسيح، وحاملة سرّ المسيح الخلاصي (النص 11، الشبيبة،21).

 

2. ويتوق الشباب الى دور وعمل فاعل في البنى الكنسية.هذا يقتضي التزاماً في تثقيف الشبيبة على هذا الدور، واكتشاف مواهبهم، والافساح في المجال امامهم للمشاركة في حياة الكنيسة ورسالتها (المرجع نفسه،22). لقد بيّن الاختبار ان للشبيبة تطلعات ومبادرات لا يتوقعها الكبار. فلا خوف من شبيبة تبحث عن مكانها في حياة الكنيسة ورسالتها، بل الخوف الخوف عندما يتخلى الشباب عن المطالبة بهذا التوق، وعندما يهمشون الكنيسة ويسقطونها من برنامج حياتهم.

 

3. ويتوق الشباب الى شفافية في المؤسسات الكنسية التربوية والتنموية والاستشفائية. ان عندهم عنها نظرة ترى تغليب الطابع الاداري والتجاري على الطابع الروحي والانساني (النص11، الشبيبة 23-24). ينبغي ان تتناول الخطة الراعوية هذا الموضوع معهم بكثير من الموضوعية، بحيث تقال لهم الحقيقة في ما هو صحيح في نظرتهم، وفي ما هو خطأ؛ في ما هو اوهام وما هو وقائع. لا يجوز الخوف من سماع الانتقاد ولو كان لاذعاً، فالمجال واسع لتصحيح ما يجب تصحيحه، والاعتراف بما هو حق. اما الصمت والكبت والهروب من الحوار فيؤدي الى مزيد من الانتقاد الذي غالباً ما يتجاوز حدود الواقع ، فالانسان عدو ما يجهل.

ولا بدّ للخطة الرعوية من ان تبلغ الى الالتزام الشامل في تقليص الهوة بين القول والفعل، وبين التعليم وشهادة الحياة، وبين المبادىء والواقع. وينبغي للخطة الراعوية ان تصل الى ارادة الاصلاح حباً بالكنيسة المدعوة لتكون نوراً للامم. فلا يجوز بعد اليوم الوقوف عند الشكليات فقط، بل يجب التجدد في العمق، حتى الاصالة والصدقية في شهادة الحياة (النص11، الشبيبة، 25-26).

 

صلاة

يا يسوع ملك الشعوب والدهور، اقبل فعل عبادتنا والمديح الذي نقدمه لك مع الفتيان والشبان، مع الاطفال والاهل، في يوم الشعانين. انت الخبز النازل من السماء الذي يعطي حياة للعالم، انت الكاهن الاعظم والذبيحة المقدمة على الصليب للآب فداءً عن الجنس البشري، وما زلت تقدمها يومياً على يد خدمة اسرارك، لكي توطد في كل قلب ملكوت الحقيقة والحياة، القداسة والنعمة، العدالة والمحبة والسلام.

املك في قلوب الاطفال لكي يحفظوا براءة المعمودية. املك في قلوب الشبيبة لكي ينموا سالمين واطهاراً، مطواعيين لصوت ممثليك في العائلة والمدرسة والكنيسة. املك في عائلاتنا لكي يعيش الاهل والاولاد في الاتفاق وحفظ شريعتك المقدسة. املك على الوطن لكي يعيش ابناؤه في نظام وتناغم. ومعاً نرفع لك المجد ولابيك المبارك روحك الحي القدوس الى الابد، آمين. ( صلاة الطوباوي البابا يوحنا الثالث والعشرين).

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +