Skip to Content

شفاء النازفة 2007 - البطريرك بشارة الراعي

شفاء النازفة

شفاء الانسان الروحي اساس السلام

 Click to view full size image

من انجيل القديس لوقا 8/40-56

قال لوقا البشير: لما عاد يسوع، استقبله الجمع، لانهم جميعهم كانوا ينتظرونه. وإذا برجل اسمه يائيرس، وكان رئيس المجمع، جاء فارتمى على قدمي يسوع، وأخذ يتوسل اليه أن يدخل بيته، لأن له ابنة وحيدة، عمرها نحو اثنتي عشر سنة، قد أشرفت على الموت. وفيما هو ذاهب، كان الجموع يزحمونه. وكانت امرأة مصابة بنزف دم منذ اثنتي عشرة سنة، ولم يقدر أحد أن يشفيها. دنت من وراء يسوع، ولمست طرف ردائه، وفجأة وقف نزف دمها. فقال يسوع: " من لمسني؟". وأنكر الجميع. فقال بطرس ومن معه: " يا معلم، إن الجموع يزحمونك ويضايقونك!". فقال يسوع: " إن واحداً قد لمسني! فإني عرفت إن قوة قد خرجت مني!". ورأت المرأة أن أمرها لم يخفَ عليه، فدنت مرتعدة وارتمت على قدميه، وأعلنت أمام الشعب كله لماذا لمسته، وكيف شفيت للحال. فقال لها يسوع: " يا ابنتي إيمانك خلصك إذهبي بسلام!".

وفيما هو يتكلم، وصل واحد من دار رئيس المجمع يقول: " ماتت ابنتك! فلا تزعج المعلم!". وسمع يسوع فأجابه: " لا تخف! يكفي أن تؤمن فتحيا ابنتك!". ولما وصل الى البيت، لم يدع أحداً يدخل معه سوى بطرس ويوحنا ويعقوب وأبي الصبية وأمها. وكان الجميع يبكون عليها ويقرعون صدروهم. فقال: " لا تبكوا! إنها لم تمت. لكنها نائمة!". فأخذوا يضحكون منه لعلمهم بأنها ماتت. أما هو فأمسك بيدها ونادى قائلاً: " ايتها الصبية، قومي!". فعادت روحها إليها، وفجأة نهضت. ثم أمر بأن يطعموها. فدهش أبواها، وأوصاهما يسوع ألاّ يخبرا أحداً بما حدث.

       اللقاء بيسوع يشفي ، وهو لقاء ايمان الانسان بقدرة الله الشافية، ولقاء الرجاء الذي يتوق اليه كل انسان. عندما فقدت المرأة، التي تعاني من نزف دمها منذ اثنتي عشرة سنة، املها بالشفاء، وقد انفقت كل مالها على الاطباء بدون جدوى، بحثت عن يسوع بايمان فشفاها. انها تمثل حالة كل انسان يعاني من نزف روحي او خلقي او مادي، وحالة شعب ووطن يعانيان من نزف في القيم والمقومات والامكانيات. تكشف اللوحة الانجيلية ملامح اسرار الخلاص.

 Click to view full size image

اولاً، مضمون النص الانجيلي

1.  اللوحة الانجيلية وملامح اسرار الخلاص

كان الجمع الغفير ينتظر يسوع  لدى رجوعه لانه قبلة انتظار كل انسان وشعب يؤمن به:" تعال، ايها الرب يسوع!"(رؤيا22/20). المسيح، فادي الانسان، حي وآتٍ ابداً في حياتنا اليومية، كما وعد: " ها انا آتٍ أجعل كل شيء جديداً. انا الالف والياء، الاول والآخر. انا اعطي العطشان من معين ماء الحياة مجاناً" ( رؤيا 21/5-6). الايمان عطش الى المسيح.

يائيرس، رئيس المجمع، " عطش"، آمن بيسوع فانتظر ووقع ساجداً على قدميه متوسلاً ان يأتي بيته ليشفي ابنته الصبية المشرفة على الموت. و " عطشت"  الى يسوع المرأة النازفة وانتظرته، وآمنت انها اذا استطاعت لمس طرف ثوبه تشفى. العطش الى يسوع المسيح هو عطش الى الله الواحد والثالوث: الآب الذي يخلق ويحفظ بعنايته، الابن الذي يخلص ويشفي، والروح القدس الذي يشرك بالحياة الالهية. بقوة هذا الايمان اقام يسوع ابنة يائيرس من الموت بندائه: " يا صبية قومي". فعادت روحها اليها وللوقت قامت ( لو8/54-55). وشفى المرأة النازفة بلمس طرف ثوبه: " وحالاً وقف نزف دمها " (لو8/44). 

هذا الايمان والخلاص متواصلان في اسرار الكنيسة السبعة.

تؤمن الكنيسة ان الرب يسوع اسس الاسرار السبعة لتكون " اداة " لحضوره معنا ولعمل الله الثالوث فينا، وعلامة لنعمة الخلاص ومنحاً لها. الاسرار هي: المعمودية، التثبيت، القربان، التوبة، مسحة المرضى، الزواج، الكهنوت.

في انجيل اليوم كانت "الاداة" لمس النازفة طرف ثوب يسوع، وذهاب الرب الى بيت يائيرس ومناداته الفتاة الميتة: يا صبية قومي". وكانت "النعمة" الشفاء من النزيف والقيامة من الموت. لا يستطيع احد ان  يقبل نعمة الخلاص والحياة الجديدة من دون  اداة الاسرار.

يسوع المسيح هو سرّ الخلاص بامتياز، فمنه تتفجر اسرار الخلاص السبعة. ببشريته "كأداة" انجز فعل الخلاص في النفوس ويواصله بواسطة هذه الاسرار. والكنيسة هي، في المسيح، نوعاً ما سرّ اي العلامة والاداة في آن للاتحاد العميق بالله ولوحدة الجنس البشري باسره ( الدستور العقائدي في الكنيسة،1). انها "اداة" المسيح لفداء جميع الناس، وبهذا المعنى هي " سر الخلاص الشامل" ( المرجع نفسه، 48)، من خلالها وبواسطتها تظهر محبة الله للبشر ( التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية،774-776).

الاسرار هي " اسرار الايمان"، لانها تفترضه، وتغذيه بكلماتها ورموزها وافعالها وتقوّيه وتعبّر عنه ( القرار المجمعي في الليتورجيا، 59). ايمان الكنيسة يسبق ايمان المؤمنين. عندما تحتفل بالاسرار، تعلن الايمان الذي قبلته من الرسل، وتقول: " قاعدة الصلاة قاعدة الايمان" بمعنى ان الكنيسة تؤمن كما تصلي ( التعليم المسيحي،1124).

اعلن يسوع للمرأة النازفة التي شفيت بمجرد لمس ثوبه: " تشجعي يا ابنتي! ايمانك احياكِ، اذهبي بسلام" ( لو8/48). من اجل هذا الاعلان سأل بالحاح: من لمسني؟ واحد لمسني لان قوة خرجت مني. من " يلمس بايمان" الاسرار ينال النعمة الالهية التي تحملها، وهي  قوة  تخرج من جسد المسيح الحي والمحيي. هكذا جرى مع الكثيرين من المرضى والمعذبين حسب شهادة لوقا الانجيلي: " كان الجميع يطلبون ان يلمسوه، لان قوة كانت تخرج منه وتشفيهم جميعاً" ( لو6/19). عندما جاء مرسلون من بيت يائيرس يقولون له: " ان ابنتك ماتت، فلا تتعب المعلم"، فقال له يسوع الكلام عينه: " لا تخف! آمن فقط، وهي تحيا"  (لو8/49-50) 

والاسرار هي "اسرار الخلاص" لانها ضرورية لخلاص المؤمنين، اذ تمنحهم نعمة الحياة الالهية بالروح القدس الذي يشفي ويبدّل قابليها بجعلهم شبيهين بابن الله في بشريته (المرجع نفسه،1129).

شفاء النازفة وقيامة ابنة يائيرس من الموت هما تعبير عن نعمة الاسرار. عندما نحتفل بالاسرار بايمان، تعطينا النعمة التي تدل عليها وتعنيها. فللاسرار فاعلية لان المسيح يعمل فيها: هو الذي يعمّد، هو الذي يعمل في كل سرّ لكي ينقل بواسطتة النعمة التي يعنيها.

بهذا المعنى علّمت الكنيسة انالاسرار تعمل " بفعل المفعول" اي بذات الفعل المتمم، اعني بقوة فعل المسيح الخلاصي الذي تمَّ مرة واحدة وتحقق بقوة الروح القدس في كل مرة نحتفل بسرّ. ليس برّ الانسان الذي يمنح السّر او يقبله هو الذي يحقق مفاعيل السّر، بل قدرة الله، غير ان ثماره مرتبطة باستعدادات الشخص الذي يقبله ( التعليم المسيحي، 1127-1128) 

2. نزيف القيم الانسانية والامكانات الوطنية والحقوق الاساسية وقضية السلام

كل انسان يعاني من نزيف ما، في جسده من جراء مرض او اعاقة او ثقل السنين، أو في نفسه بسبب خطاياه المتراكمة التي تفقده القيم والفضائل الروحية والخلقية،أو في روحه بسبب الهموم والحزن والقلق والهواجس فيفقد الرجاء وينطوي على ذاته. بل شعبنا ومجتمعنا والوطن يعانون من نزف اجتماعي واقتصادي وسياسي، الى جانب نزف القيم التي لا مجال لقيامة بدونها.

مالياً، الدين العام يتعاظم، والعجز يتفاقم، ومعظم واردات البلاد تذهب لتسديد جزء من فوائده، والضرائب حوّلت لبنان الى جهنم ضريبي وحياتي ومعيشي. اقتصادياً، الدورة الاقتصادية في جمود، والشلل يعمّ الصناعة والزراعة والتجارة. اجتماعياً، الفقر يتزايد، والدواء والاقساط المدرسية والجامعية ترتفع، وموجة الهجرة الى الخارج تتكاثر. ادارياً، الفساد يستشري على كل صعيد بفعل طوفان المال السياسي، والرشوة تشترط كل عمل اداري. سياسياً، ممارسة الديموقراطية تتلاشى، وآليات المحاسبة والمساءلة تتعطلّ: فلا المواطن يحاسب ويسائل نوابه، ولا النواب الحكومة، ولا الحكومة الادارة؛ والقضاء يتعرّض للضغوط السياسية، والحالة المذهبية والطائفية تتجذر، والمؤسسات الدستورية تتعطل؛ والاحزاب والقوى السياسية تتفكك وتتشرزم.

بنتيجة هذا النزيف في الامكانات الوطنية، تنزف حقوق الانسان الاساسية المرتبطة بطبيعته البشرية وبكرامة الشخص البشري، ويقوّض السلام. من بين هذه الحقوق على المستوى الشخصي، الحق في الحياة والحق في الحرية الدينية.

أثار قداسة البابا بندكتوس السادس عشر هذين الحقين في رسالته بمناسبة يوم السلام العالمي، في اول كانون الثاني 2007، وهي بعنوان: الشخص البشري قلب السلام. وقال: "على احترام حقوق الانسان يبنى السلام. فلا يحق لمن ينعم بالسلطة السياسية والاقتصادية والتكنولوجية ان ينتفع منها لينتهك حقوق الاشخاص الاقل حظاً. ان واجب احترام كرامة الشخص البشري لا يسمح لأحد ان يتعاطى معه على هواه، لان طبيعته تعكس صورة الخالق.

فلا بدّ من احترام حقه في الحياة عبر كل مراحلها، ومن التنديد بكل انواع الانتهاكات لها ولاسيما: النزاعات المسلّحة والارهاب والعنف والتجويع والتعذيب والاجهاض والاختبارات الطبيّة على الاجنّة والموت الرحيم. هذه كلها عمليات اغتيال للسلام، لانها ترفض الآخر واقامة علاقات سلامية دائمة معه. ومن الواجب ان يُحترم حقه في الحرية الدينية والتعبير الحرّ عن ايمانه الشخصي. لكن هذا الحق منتهك باشكال شتى مثل : منع التعبير العلني والحر واضطهاد المسيحيين في بعض البلدان وممارسة العنف بحقهم، وفرض دين واحد للدولة في بعض الانظمة، والسخرية الثقافية المنظمة للمعتقدات الدينية في الانظمة اللامبالية بالدين. هذه كلها تعزز ذهنية وثقافة منافية للسلام" ( الفقرات 4-6).

واضاف قداسة البابا: " السلام الحقيقي والدائم يفترض احترام حقوق الانسان المتجذرة في مقتضيات طبيعته. انها حقوق مطلقة لكنها تضعف اذا كان اساسها، الذي هو الشخص البشري، ذا مفهوم نسبي. هذا يعني ان الشخص هنا ينعم بجميع الحقوق، والشخص هناك لا ينعم بها كلها او يحرم منها، وفقاً للزمان والمكان ( فقرة 12).

ومن بين الحقوق الاساسية على المستوى الوطني، تذكر الرسالة العامة " السلام على الارض" الحق المرتبط بكرامة الشخص البشري، وهو الحق في المشاركة النشطة في الشؤون العامة والمساهمة في الخير المدني العام. فالانسان أبعد من ان يكون اداة  في الحياة الاجتماعية وعنصراً هامداً فيها. انما هو، ويجب ان يكون مفعّلاً لها واساسها وغايتها ( فقرة 26).

ويذّكر قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، في " رسالته الى الاساقفة والكهنة والمؤمنين الكاثوليك في الشرق الاوسط" ( 21 كانون الاول 2006) آفة الهجرة التي تصيب المسيحيين بنوع خاص. ويحذّر من الوقوع في تجربتها، ومن الاستسلام والتشاؤم والاحباط والخوف. بل يدعو الى الاعتماد على الرجاء المسيحي الذي لا يخيّب، لانه يقوم على حضور الرب القائم من الموت، ومنه يأتي الالتزام في الايمان وفاعلية المحبة (1 تسا1/3). ويشدد على ضرورة حوار الحياة الذي يتحوّل شيئاً فشيئاً الى حوار ثقافي واجتماعي وسياسي.

*** 

ثانياً، زمن الصوم ومراحل درب الصليب 

درب الصليب هو درب كل انسان، وبخاصة درب كل تلميذ في مدرسة المسيح. هذا المعلم قال من اراد ان يتبعني فليكفر بنفسه، ويحمل صليبه ويتبعني" ( متى10/4). فليتبعني دائماً حتى الجلجلة. قرب الصليب كانت مريم امه، اولى التلاميذ، وكان التلميذ الذي كان يسوع يحبه. هناك اعطى امثولته السميا: "ما من حب اعظم من هذا، وهو ان يبذل الانسان نفسه عن احبائه" ( يو15/13). 

في المرحلة الرابعة، يسوع يلتقي امه.

هي مريم شريكة الفداء. لقد رافقت يسوع وشاركته في كل مراحل حياته: حملته الى الهيكل وقدمته لابيه السماوي وهو بعمر ثمانية ايام؛ حملته على ذراعيها عندما سجد له المجوس؛ هربت به الى مصر من وجه هيرودس؛ رافقته الى هيكل اورشليم عندما بلغ اثنتي عشر سنة وتألمت شديد  الألم لضياعه؛ عاشت معه ثلاثين سنة في الناصرة؛ شاركت معه في عرس قانا الجليل وتشفّعت لديه فكانت معجزته الاولى بتحويل الماء الى خمر؛ عندما انفصل عنها للكرازة بملكوت الله، لم تغب عنه، بل كثيراً ما كانت تصغي الى تعليمه مع الجماهير. وها هي على طريقه فيما كان يحمل صليبه ويعبر درب الألم الخلاصي نحو الجلجلة. عندما جعلها يسوع اماً للبشرية المتألمة بشخص يوحنا، اصبحت رفيقة درب كل انسان يتألم: تقدس آلامه وتعزّيه وتخفف اوجاعه.

في المرحلة الخامسة، سمعان القيرواني يساعد يسوع في حمل الصليب

" وفيما كانوا منطلقين به، أمسكوا سمعان القيرواني، وكان راجعاً من الحقل، وجعلوا عليه الصليب ليحمله وراء يسوع" (لو23/26).

كان باستطاعة يسوع ان يحمل وحده الصليب، لو اراد. لكنه سمح لسمعان ان يساعده، ليذكّرنا بواجب المشاركة في آلامه والمساهمة في عمل خلاصنا الشخصي وفداء العالم. ان استحقاقات يسوع غير متناهية، ومع ذلك يرتضي منا، نحن شعبه، ان نضمّ اليها استحقاقاتنا. ان قداسة مريم وآلامها ودماء الشهداء وصلوات القديسين وتقشفاتهم، واعمال كل المؤمنين الصالحة تشارك في عمله الذي، في كل حال وحتى من دون هذه المساهمات البشرية، يبقى كاملاً. انه يخلصنا بدمه، ويخلصنا ايضاً بواسطتنا ومعنا (المكرم الكردينال نيومان).

***

 Click to view full size image

ثالثاً، الخطة الراعوية 

تواصل الخطة الراعوية تقبل النص الثالث من المجمع البطريركي الماروني، وهو بعنوان: حضور الكنيسة المارونية في النطاق البطريركي. ومن خلال التفكير معاً، نلتزم بمبادرات تطبيقية.

في اطار خبرة الماضي الماروني-الاسلامي وثوابت التاريخ، يقدم لنا النص المجمعي وجهاً مشرقاً في مسار كنيستنا خلال الحقبتين العثمانية والحديثة، هو النهضة المارونية الثقافية العربية والاجتماعية والسياسية (الفقرات 14-22).

1. بدأت طلائع النهضة المارونية الثقافية مع تلامذة المدرسة المارونية في روما سنة 1584. فعززوا علم الاستشراق في اوروبا، ترجمة" وطباعة وتدريساً وضبط محفوظات، حتى قيل في الغرب " عالم كماروني" ( فقرة 14).

2. قام الموارنة بنهضة عربية مماثلة في جبل لبنان عندما استقدموا سنة 1610 اول مطبعة في الشرق بالحرف السرياني الى دير مار انطونيوس قزحيا، ثم تلتها اول مطبعة بالحرف العربي سنة 1734 في دير مار يوحنا الصابغ في الخنشاره على يد الشماس عبدالله الزاخر والاب اليسوعي بطرس فروماج. وعمم المجمع اللبناني الماروني المنعقد سنة 1736 التعليم الشعبي المجاني وتعليم البنات. وتأسست المدارس المارونية على النمط العربي، وكان اول معهد للتعليم العالي في مدرسة عين ورقة سنة 1789، حيث دُرّست خمس لغات: العربية والسريانية واللاتينية والايطالية والفرنسية (فقرة 15).

3. وواصل الموارنة النهضة الثقافية في جبل لبنان بترجمة المصنفات اللاهوتية والفلسفية والدينية المهمة من اللاتينية الى العربية خلال القرن الثامن عشر. وادخلوا اللغة العربية الى الوجدان الشعبي الماروني مع الرائد الاهم في النهضة العربية المطران جرمانوس فرحات ( 1670-1732)، واضع اول كتاب قواعد في اللغة العربية " بحث المطالب"، فكان هذا الاسقف الماروني الحلبي، من خلال مؤلفاته ودواوينه الشعرية، الساعي الاكبر الى موألفة الايمان المسيحي بالثقافة العربية ( فقرة 16). وهكذا مهّد الموارنة الطريق امام عصر النهضة في العالم العربي الذي بدأ في مصر مع حملة بونابرت سنة 1789. وكان للموارنة مساهمة واسعة في هذه النهضة ( فقرة17)، وفي ربط العالم العربي بالحداثة، فتوثقت العرى بين الكنيسة المارونية والحضارة العربية ( فقرة 18).

4. في عهد الامارتين المعنية والشهابية، قام الموارنة بنهضة سياسية واجتماعية، فتكّون لهم في لبنان كيان سياسي شراكي جيّد مع الدروز بالتوازي مع كيانهم الكنسي الذي نظمه المجمع اللبناني ( 1736). وفي عهد المتصرفية ولاسيما مع قيام دولة لبنان الكبير، كان انجاز تاريخي في العالم العربي هو قيام مجتمع مدني مؤسس على الحريات العامة، متعدد الفئات الدينية، ضمن استقلالية سلطة الدولة عن الشرعين الاسلامي والمسيحي. وكان للبطريرك الياس الحويّك دور تاريخي في قيام النموذج اللبناني الشراكي التوافقي الحرّ بين المسيحيين والمسلمين ( فقرة 18).

5. تُوجت سلسلة النهضات الثقافية والسياسية والاجتماعية بقيام دولة لبنان المستقل على ميثاق عيش مشترك بين المسيحيين والمسلمين ببعديه: الحرية الكاملة للمواطنين الافراد، والشراكة التعددية التضامنية بين عائلات لبنان الدينية ( فقرة 19). وبذلك دخل الموارنة في عهد جديد من تاريخ المسيحيين والمسلمين هو " تجاوز العلاقة التصادمية بين الاسلام والمسيحية عمرها فوق الالف سنة. وبنوا نموذجاً لوطن دعوته الحرية في الحقيقة ( فقرة 20). وقام هذا النموذج على شراكتين بين المسيحيين والمسلمين:

شراكة الثقافة وعمادها الالتزام بمركزية اللغة العربية، وبتحديثها الدائم استناداً الى جذورها الحضارية السريانية واليونانية، وبتفاعلها مع اللغات الثقافية الحيّة المولّدة للحداثة.

وشراكة المصير وقوامها الالتزام بنهائية الوطن اللبناني وتأسيسه على مفاهيم الكرامة الانسانية، وحقوق الانسان الاساسية، وعلى الرفض النهائي لمقولة الاقلية وللاحكام التسامحية في الذمّة ( فقرة 22).

***

صلاة

 ايها الرب يسوع، يا الهنا المحبوب، علّمنا في هذا الصيام ان نتألّم معك، حباً بك ومن اجل فداء العالم. قدّس آلامنا باستحقاقاتك، وضمّ اليها دماء الشهداء ودموع الابرياء واوجاع المتألمين في الجسد والنفس والروح. اليك يا مريم امنا نوجّه انظارنا في الضيقات، فارشدينا الى الثبات في الرجاء حتى يتجلّى مجد ابنك القائم من الموت فينا وفي العالم. لك الاكرام والشكر وللابن الوحيد السجود مع الآب والروح القدس، الى الابد، آمين ( مقتبسة من صلاة المكرم الكردينال نيومان).

 


البطريرك بشارة الراعي

 

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +