Skip to Content

عرس قانا الجليل 2008 - البطريرك بشارة الراعي

 الاحد 3 شباط 2008

 

احد مدخل الصوم

آية عرس قانا الجليل

الصوم زمن التجديد والتحويل

 Click to view full size image

من انجيل القديس يوحنا 2/1-11.

 

        قال يوحنا الرسول: في اليَوْمِ الثَّالِث، كَانَ عُرْسٌ في قَانَا الـجَلِيل، وكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاك. ودُعِيَ أَيْضًا يَسُوعُ وتَلامِيذُهُ إِلى العُرْس. ونَفَدَ الـخَمْر، فَقَالَتْ لِيَسُوعَ أُمُّهُ: "لَيْسَ لَدَيْهِم خَمْر". فَقَالَ لَهَا يَسُوع: "مَا لِي ولَكِ، يَا امْرَأَة؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْد!". فقَالَتْ أُمُّهُ لِلْخَدَم: "مَهْمَا يَقُلْ لَكُم فَاْعَلُوه!". وكَانَ هُنَاكَ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حَجَر، مُعَدَّةٌ لِتَطْهيِر اليَهُود، يَسَعُ كُلٌّ مِنْهَا مِنْ ثَمَانِينَ إِلى مِئَةٍ وعِشْرينَ لِيترًا، فقَالَ يَسُوعُ لِلْخَدَم: "إِملأُوا الأَجْرَانَ مَاءً". فَمَلأُوهَا إِلى فَوْق. قَالَ لَهُم: "إِسْتَقُوا الآنَ، وقَدِّمُوا لِرَئِيسِ الوَلِيمَة". فَقَدَّمُوا. وذَاقَ الرَّئِيسُ الـمَاءَ، الَّذي صَارَ خَمْرًا - وكانَ لا يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ، والـخَدَمُ الَّذينَ ا]سْتَقَوا يَعْلَمُون - فَدَعَا إِلَيْهِ العَرِيسَ وقَالَ لَهُ: "كُلُّ إِنْسَانٍ يُقَدِّمُ  الـخَمْرَ الـجَيِّدَ أَوَّلاً، حَتَّى إِذَا سَكِرَ الـمَدعُوُّون، قَدَّمَ الأَقَلَّ جُودَة، أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الـخَمْرَ الـجَيِّدَ إِلى الآن!". تِلْكَ كَانَتْ أُولَى آيَاتِ يَسُوع، صَنَعَهَا في قَانَا الـجَلِيل، فَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، وآمَنَ بِهِ تَلامِيذُهُ.

 

        آية تحويل الماء الى خمر في عرس قانا الجليل، تتلوها الكنيسة في هذا الاحد المعروف بمدخل الصوم، كعلامة للتجدد الداخلي والتحوّل في القلب والنظرة والمسلك. هذا التحوّل يحققه فينا الرب يسوع بقوة الروح القدس وبتشفع السيدة العذراء، اذا التزمنا العيش بموجب ما يقول لنا. المسيح الذي يحوّل الماء الى خمر قادر ان يحوّل الانسان في داخله. زمن الصوم هو مناسبة وموعد لهذا التحول فينا. عرس قانا وآية تحويل الماء الى خمر استباق لعرس الفداء وتحويل الخمر والخبز الى دم المسيح وجسده لحياة العالم.

 

***

اولاً، شرح نص الانجيل

 

1.  الصوم زمن التجديد والتحويل

 

زمن الصوم هو زمن التجديد والتحويل الداخلي والتعبير في الحياة الاجتماعية للمحبة التي يضعها الله في قلب من يؤمن. انه التجدد والتحول في علاقات ثلاث متلازمة ومتكاملة:

العلاقة مع الذات تتجدد بالصوم والاماتة والتقشف. فيجري تحريرها من عبودية الجسد والنزوة والشهوة، وتتم السيطرة على الذات وتًحمى بالعفة من فساد اللسان والعين واليد والقلب.

العلاقة مع الله تتجدد بسماع كلامه والتعمق فيه، من خلال مواعظ الصوم والرياضات في الرعايا والاديار، والبرامج الاذاعية والتلفزيونية، والمنشورات والمقالات الدينية. يجري تغيير في الذهنية والحكم على الامور والنظرة الى شؤون الدنيا والانسان. وندخل في حوار مع الله لاكتشاف ارادته وتحقيق تصاميم حبه الخلاصي: " كلامك مصباح لخطاي ونور لسبيلي". بين الصوم عن الطعام وسماع كلام الله رباط حياتي يكشف ان الانسان يحتاج، لكي يحيا ملء الحياة، الى طعام الخبز المادي وطعام الكلمة الروحي، كما اكدّ الرب يسوع عندما صام اربعين يوماً في الصحراء: "ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" ( متى4/4).

العلاقة مع الانسان تتجدد بعيش المحبة على تنوعها: مساعدة الفقير، مصالحة المخاسم والمسيء، زيارة المريض، تعزية الحزين، صلاة من اجل الخاطىء. انه زمن المساعدة المادية والروحية والمعنوية، به تنفتح بقلبك ويدك ونفسك على الآخرين وكلهم إخوة في الانسانية. على هذا الاساس تقوم مبادرات مشاركة وتعاون ودعم للمؤسسات الخيرية، وفي مقدمتها رابطة كاريتاس لبنان التي هي جهاز الكنيسة الاجتماعي، وسواها من الاجهزة والهيئات والمؤسسات. بين الصوم واعمال الرحمة رباط عضوي: ان ما توفره في زمن الصوم من مال بالامتناع عن اكل وشرب وترفيه ونزهات، وبالتقشف في الصرف والبذخ، تخصصه لافعال المحبة والرحمة، بذاتك او بواسطة المؤسسات المذكورة او بشبكات تعاون.

 

2.  عرس قانا مدخل لتجليات الروح القدس

 

سيظهر في انجيل يوحنا ان الروح هو صانع الولادة الجديدة في الانسان بمعمودية الماء والروح. أكّد يسوع لنيقوديموس: " ينبغي لكم ان تولدوا ثانية. لان المولود من الجسد هو جسد، والمولود من الروح هو روح" ( يو3/6-7).

 الروح القدس هو نبع الماء الحي الذي تجري منه الحياة الالهية فينا، كما وعد الرب يسوع: "من يؤمن بي تجري من جوفه انهار ماء الحياة. هذا قاله عن الروح الذي سوف يقبله المؤمنون" (يو7/38-39).

 الروح القدس، البارقليط المعزي وروح الحق ( يو14/16-17) يقودنا جميعاً الى الحقيقة كلها، ويقول لنا كل ما يسمع ويطلعنا على ما سيكون ( يو16/13).

الروح القدس جاد به الله على العالم كثمرة للفداء: " حنى يسوع رأسه وجاد بروحه" (يو19/30). عندما قام من الموت منحه لرسله اذ نفخ فيهم وقال: " خذوا الروح القدس" (يو20/22).

 

3.  الروح يقود خطانا في زمن الصوم

 

كما اقتاد الروح القدس ربنا يسوع الى البرية ليصوم ويجرب من الشيطان (لو4/1-2)، وبذلك شهد يسوع لثقته الكاملة بارادة الآب، هكذا يقود الكنيسة في الزمن، ويقود خطانا في صحراء هذا العالم، وبخاصة في زمن الصوم، لنختبر مع المسيح معطوبية الخليقة. الروح يقرّبنا من الله، الذي يخلصنا: " أقودها الى البرية واخاطب قلبها" ( هوشع2/16).

زمن الصوم مسيرة ارتداد بالروح القدس، فنلاقي الله في حياتنا ونلتقي بعضنا بعضاً اخوة بالمسيح.

 

4.  مريم بالروح القدس شريكة الفداء

 

آية عرس قانا، في بداية رسالة السيد المسيح العامة، هي فجر الافخارستيا والعنصرة مكوّني العهد الجديد. فمريم، بوحي من الروح القدس الذي يملاءها، دعت يسوع الى ابراز هذا الفجر. بتشفعها " ليس عندهم خمر"، وبايحائها للخدام " افعلوا ما يقوله لكم"، نالت اول آية- معجزة افتتح بها يسوع حياته العامة، وعليها اسس ايمان التلاميذ بحقيقة العهد الجديد: "هذه هي الآية الاولى، صنعها يسوع في قانا الجليل فاظهر مجده، وآمن به تلاميذه"  (يو2/11).

هي المرأة، مريم شريكة الفداء، تقف على عتبة كل مرحلة من مراحل تاريخ الخلاص: في الميلاد والطفولة، في بداية الآيات لاعلان ملكوت الله الداخل في تاريخ البشر، على اقدام الصليب، امام قبر القيامة، على رأس الرسل في العلية يوم العنصرة، وفي انتقالها بالنفس والجسد الى مجد السماء.

هي بذلك مثال الكنيسة، شعب الله الجديد. بعد الدنح على نهر الاردن كان دنح المسيح ومريم والكنيسة: " في اليوم الثالث، كان عرس في قانا الجليل، وام يسوع كانت هناك، ويسوع وتلاميذه دعوا الى العرس ايضاً (يو2/1-2). انها الكنيسة، المسيح رأسها، التلاميذ اعضاؤها، الروح القدس مؤلف جماعاتها ومحييها، ومريم العذراء شفيعتها ومثالها، تدعو الى عرس الخلاص بخمرة دم الفادي، الحمل المذبوح على الجلجلة دموياً وفي الافخارستيا سرياً. هي الكنيسة اداة الخلاص الشامل وعلامته، والعلامة والاداة للاتحاد بالله ولوحدة الجنس البشري برمته ( نور الام 8، الارشاد الرسولي" رجاء جديد للبنان،19).

 

****

ثانياً، السلام في العائلة والوطن

 

نعرض تباعاً في زمن الصوم ما جاء في رسالة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر ليوم السلام العالمي، اول كانون الثاني 2008، كبرنامج للعام الجديد، وهي بعنوان: " العائلة البشرية جماعة السلام".

الفكرة الرئيسية التي تقود الرسالة هي ان السلام، عطية الله العظمى للعالم التي تختصر كل الخيرات الروحية والزمنية، يولد في العائلة الطبيعية، وفيها يختبره الانسان ويتربى عليه، وان السلام يتحقق في العائلة الاجتماعية على الاسس وبالوسائل اياها لا التي يقوم عليها السلام في العائلة، اعني: العهد بكلمة " نعم"، والبيت-الارض، والاقتصاد لتوفير سبل العيش، والشريعة القانونية والخلقية.

السلام مهمة موكولة الى الناس ليحققوها، فيجدوا سعادتهم ويحققوا رقيّهم، ويمجدوا الله، اله السلام، كما انشد الملائكة ليلة ميلاد المخلص: " المجد لله في العلى، وعلى الارض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر" ( لو2/14).

العائلة الطبيعية موضع ميلاد السلام وتحقيقه. فلكونها جماعة حب وحياة بين رجل وامرأة، هي المكان الاول لانسنة الشخص البشري والمجتمع بفضل الحب المتجدد، والحياة التي تولد وتتواصل. وبما انها اول مجتمع طبيعي اسسه الله الخالق، فهي تشكّل الاساس لحياة الاشخاص، والنموذج لأي نظام اجتماعي، والخلية الاولى والحية لكل جماعة بشرية في الوطن والاسرة الدولية، وكتاب القواعد للعيش معاً بسلام. وبذلك تكون العائلة الطبيعية المربّية الاولى على السلام التي لا بديل عنها، لان فيها يتم اختبار مقومات السلام الاساسية اي العدالة، والحب بين الاخوة والاخوات، وممارسة السلطة المتمثلة في الاهل، وخدمة المحبة للافراد الاضعف كالصغار والمرضى والمسنين ( رسالة البابا 1-4).

3. العائلة الطبيعية هي الفاعلة الاساسية للسلام. لذلك، لها حق الحماية من المجتمع والدولة، لكي تؤمّن حقوق افرادها، وفقاً " للشرعة العالمية لحقوق الانسان" ( مادة 16/3)، ولشرعة حقوق العائلة (المقدمة،أ).

من يعرقل العائلة في حقوقها يجعل السلام سريع العطب في الجماعة العائلية والوطنية والدولية. هذا ما يحصل:

-      اذا حُّدّ من جهوزيتها لقبول حياة بشرية بشكل مسؤول.

-      اذا حرمت المسكن او العمل او حرم الاهل دورهم في البيت او المدرسة، اوحُرمت العناية الطبية الاساسية.

-      اذا لم يلتزم المجتمع والسلطة السياسية في خدمة العائلة على هذه المستويات،

-      اذا لم تعزز وسائل الاعلام احترام العائلة، او لا تعبّر عن انتظاراتها وحقوقها، او لا تبيّن جمالها ( رسالة البابا،5).

 

***

Click to view full size image

ثالثا، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

       تتناول الخطة الراعوية، وفقاً لبرنامج الامانة  العامة للمجمع البطريركي الماروني، النص المجمعي السابع وعنوانه: " الكهنة في الكنيسة المارونية: كهنوتهم وخدمتهم الراعوية، دعوتهم وتنشئتهم". نعني بالخطة الراعوية ان الهيكليات الرعائية والجماعات الديرية والمنظمات الرسولية والعائلة وكل جماعة منظمة تلتقي اسبوعياً لتقبّل النص ولاتخاذ مبادرات تطبيقية.

       1. الكاهن انسان " اخذه الله من بين الناس، واقامه لديه، من اجل الناس" (عبرايين 5/1). جوهر كهنوته وهوية خدمته ينبعان من كهنوت المسيح، الكاهن الاوحد والاعظم، والوسيط الوحيد بين الله والناس ( فقرة1). منوط به " عمل النفوس وخدمة القداس وتقدمة الذبائح" (لفظة كاهن)، وكذلك " خدمة الشعب وترؤس الجماعة ( لفظة قسيس من السريانية قشيشو). يُمنح الكهنوت بوضع اليد، او الرسامة. هذا يعني الدعوة الالهية وعطية الروح القدس ووقف الذات على الله والكنيسة (الفقرة 2).

 

       2. الكهنوت في طبيعته انشأه الكاهن الاوحد والابدي، يسوع المسيح، في شخصه لخدمة الشعب الكهنوتي الذي هو الكنيسة، بفضل المعمودية والميرون. يُسمى الكهنوت المسيحاني او البيعي. بدأه المسيح قبل الدهور، واظهره بالرمز في خلق الانسان الذي جبله الله ليرفع له التسبيح والشكر عن المخلوقات كلها، وسلّطه على الكون جاعلاً اياه كاهناً وحبراً وملكاً (الليتورجيا المارونية). انه الكهنوت الطبيعي. ثم تممه المسيح بتجسده وموته على الصليب، وقد اصبح فيه "تقدمة قربان او افخارستيا"، يقدّم ذاته قرباناً لابيه فداءً عن البشر، ويمنحها لهم خبز حياة لخلاصهم. انه الكهنوت الحق. يواصله، وهو عن يمين الآب، حيث يشفع لنا على الدوام (عبرانيين7/25). هذا الكهنوت وَكَلَه المسيح الى الكنيسة عروسته بقوة الروح القدس. وهو يستمر فيها عبر الرسل والاساقفة خلفائهم الذين ينقلونه جيلاً بعد جيل الى شمامسة وكهنة" (الفقرات3-5).

 

***

       صلاة

       ايها الرب يسوع في عرس قانا الجليل، حوّلت الماء الى خمر، بتشفع مريم امك الكلية القداسة، لتبيّن لنا انك عريس البشرية: تلتقيك فتتغيّر وتتجدد وتملأها السعادة والفرح، وتغنيها بعطاياك، بفضل الام السماوية الساهرة على ابنائها وبناتها المسافرين في بحر هذا العالم. اعطنا ان نفعل ما تقوله لنا في كلام الانجيل وتعليم الكنيسة والهامات الروح القدس. لقد استبقت عرس الخلاص بموتك فداءً عنا وبقيامتك لتبريرنا، وجعلته قائماً ابداً بتحويل الخبز والخمر الى جسدك ودمك، ذبيحة الفداء ووليمة الحياة الالهية فينا. نشكرك ربي، على نعمة الكهنوت الذي يقيم لنا هذا العرس الخلاصي مدى الدهور. لك المجد والشكر مع ابيك وروحك القدوس، الآن والى الابد. آمين.

 


البطريرك بشارة الراعي

 


عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +