Skip to Content

شفاء النازفة 2008 - البطريرك بشارة الراعي

الاحد 17 شباط 2008

 

شفاء النازفة

الخطيئة نزيف القيم الشخصية والاجتماعية

 Click to view full size image

من انجيل القديس لوقا 8/40-48

قالَ لُوقَا البَشٍير: لَمَّا عَادَ يَسُوع، اسْتَقْبَلَهُ الـجَمْع، لأَنَّهُم جَميعَهُم كَانُوا يَنْتَظِرُونَهُ. وَإِذَا بِرَجُلٍ اسْمُهُ يَائِيرُس، وكَانَ رَئِيسَ الـمَجْمَع، جَاءَ فارْتَمَى عَلَى قَدَمَي يَسُوع، وَأَخَذَ يَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ،لأَنَّ لَهُ ابْنَةً وَحِيدَة، عُمْرُها نُحْوُ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَة، قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَى الـمَوْت. وفِيمَا هُوَ ذَاهِب، كانَ الـجُمُوعُ يَزْحَمُونَهُ.وَكانَتِ امْرَأَةٌ مُصَابَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَة، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَشْفِيَهَا.دَنَتْ مِنْ وَرَاءِ يَسُوع، وَلَمَسَتْ طَرَفَ رِدَائِهِ، وَفَجأَةً وَقَفَ نَزْفُ دَمِهَا. فَقَالَ يَسُوع: "مَنْ لَمَسَنِي؟". وَأَنْكَرَ الـجَمِيع. فَقَالَ بُطْرُسُ وَمَنْ مَعَهُ: "يا مُعَلِّم، إِنَّ الـجُمُوعَ يَزْحَمُونَكَ وَيُضَايِقُونَكَ!". َقَالَ يَسُوع: "إِنَّ واحِدًا قَدْ لَمَسَنِي! فَإنِّي عَرَفْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي!".وَرَأَتِ الـمَرْأَةُ أَنَّ أَمْرَها لَمْ يَخْفَ عَلَيه، فَدَنَتْ مُرْتَعِدَةً وارْتَمَتْ عَلَى قَدَمَيه، وَأَعْلَنَتْ أَمَامَ الشَّعْبِ كُلِّهِ لِماذَا لَمَسَتْهُ، وَكَيْفَ شُفِيَتْ لِلْحَال. فَقَالَ لَهَا يَسُوع: "يا ابْنَتِي، إِيْمَانُكِ خَلَّصَكِ! إِذْهَبِي بِسَلام

 

       آية شفاء النازفة تدل على حقيقتين: قدرة الايمان الذي امتدحه يسوع في المرأة: " ايمانك احياكِ"، وقدرة يسوع الاله على الشفاء من نزيف دام اثنتي عشرة سنة: " لمست طرف ردائه، فوقف حالاً نزف دمها". في زمن الصوم ترمز الآية الى خطيئة الانسان لانها اذا دامت كحالة تؤدي الى نزيف في القيم الروحية والانسانية والاجتماعية.

 

اولا، شرح نص الانجيل

1.  الخطيئة جرح ينزف

 

       تفتح الخطيئة جرحين في الخاطىء: جرحاً في داخله، وجرحاً في علاقته مع القريب. فهي في الاساس معصية تخالف رسوم الله ووصاياه، وقطيعة معه، ورفض  للخضوع له. فيختل توازنه وتنشأ في داخله تناقضات وصراعات، يصبح معها ممزقاً على مستواه الشخصي. اما على مستوى علاقاته بسائر الناس، فتتقطع شيئاً فشيئاً روابط الحقيقة والعدالة، الاخوة والصداقة، الخير والجمال، الطاعة والاحترام، المحبة والتضامن، الخدمة والعطاء، المصالحة والسلام، الانصاف وحقوق الانسان. وهذا نزيف أخطر من نزيف الدم.

       نتائج الخطيئة تؤدي الى اضعاف المناعة الروحية فالى الموت الروحي. انها تعطّل علاقة الخاطىء مع الله، اساس حياته، وتؤثر على عقله وارادته فتظلم بصيرته. وفوق ذلك، تتعدى هذه النتائج الشخص المرتكب للخطيئة الى الحياة الاجتماعية. يقول خادم الله البابا يوحنا بولس الثاني: "كل خطيئة، كبر ام صغر حجمها، كثر ام قلّ اذاها، ينعكس اثرها على الجماعة الكنسية كلها، وعلى العائلة البشرية جمعاء. وبهذا المعنى يمكن اعتبار الخطيئة الشخصية خطيئة اجتماعية (الارشاد الرسولي: المصالحة والتوبة، 16).

       الخطيئة الشخصية، التي لا نندم عنها، تؤدي بنا الى خطيئة اجتماعية: الاساءة الى القريب مثلاً هي في الاساس اهانة لله، لان الشريعة الاولى في الانجيل ان تحب الله من كل عقلك وقلبك وارادتك وقوتك، والثانية ان تحب قريبك كنفسك (متى22/39). تأخذ هذه الاساءة وجوهاً مختلفة في الحياة الاجتماعية، مثل: مخالفة العدل في العلاقات بين الاشخاص، وبين الشخص والمجتمع، وبين المجتمع والشخص؛ انتهاك حقوق الانسان ولاسيما الحق في الحياة والكرامة والمعتقد والتعبير؛ التعدي على الخير العام ومقتضياته وحقوق المواطنين من خلال افعال الحكام ورجال الاقتصاد والسياسة ومن خلال اهمالهم ما يترتب عليهم من واجبات في هذا المضمار لتحسين حالة المجتمع وتطويره، ومن خلال عمل المسؤولين والموظفين والعمال الذين يخلّون بواجب الحضور والعمل لتمكين المؤسسات من مواصلة تأمين خيرهم وخير عائلاتهم والمجتمع كله، والذين يربطون عملهم بالرشوة والسرقة وهدر المال العام؛ تعطيل حسن العلاقات بين مختلف الجماعات بانتهاك العدالة والحرية والسلام، وبقيام صراع الطبقات والتمادي بالخصومات والخلافات (المصالحة والتوبة،16).

       هذا النزيف، الذي ينتشر انتشاراً واسعاً، ويتفشى في الاباحية والعنف، ويتزايد كواقع اجتماعي، انما يستحث ضمير الجميع على وضع حدّ له، بجديّة وجرأة، وعلى تبديل الاوضاع الفاسدة والاحوال التي لا تطاق. زمن الصوم دعوة ووسيلة لهذا الالتزام.

 

2.  الايمان بحث عن المسيح الذي يشفي

 

       كما المرأة النازفة بحثت عن يسوع، وفي قلبها اليقين التام والايمان الثابت انها اذا لمست، ولو طرف ردائه، تشفى، هكذا نحن اليوم مدعوون للبحث عن المسيح. نلتقيه في " ينابيع التجدد التي اشار اليها الارشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان" وهي:

       كلام الله الذي يجعلنا لابسي الروح، كما كلمة الله صار لابساً الجسد، ويشكّل فينا قوة ومناعة، ومعيناً لا ينضب لحياتنا الروحية، ويمكننا من الاغتذاء من جسد الرب ودمه في الافخارستيا (فقرة39).

       والتقليد الرسولي الذي يستحثنا على اعلان سرّ المسيح في حياتنا وادائنا وثقافتنا وانظمتنا وحضارتنا، في كل زمان ومكان (فقرة40).

       والليتورجيا والاسرار التي بواسطتها يتم فينا الخلاص بالنعمة الالهية، ونشفى من نزيف خطايانا وشرورنا. وبواسطتها يصبح الانسان سكنى الثالوث القدوس (فقرة42).

       والصلاة الفردية والجماعية التي ترفعنا الى الله، وتحررنا من الداخل، وتحقق فينا سرّ التأليه (فقرة43).

       جدير بنا اليوم ان نعيد قراءة ما جاء في مقدمة الارشاد الرسولي على لسان البابا يوحنا بولس الثاني، ونلتزم بما يدعو اليه: "عندما دعوت، في 12 حزيران 1991، سينودس الاساقفة الى جمعية خاصة من اجل لبنان، كان وضع البلاد مأساوياً، ولبنان مزعزعاً تماماً في كل مقوماته، فدعوت المقيمين على هذه الارض الى المباشرة بمسيرة صلاة وتوبة وارتداد، تتيح لهم ان يتساءلوا امام الرب عن امانتهم للانجيل وعن التزامهم الفعلي في اتباع المسيح. فكان الموضوع الذي قاد هذه المسيرة " المسيح رجاؤنا، بروحه نتجدد، ومعاً للمحبة نشهد" ( فقرة 2).

 

***

ثانيا، السلام في العائلة والوطن

 

       نواصل اظهار عناصر السلام في العائلة الطبيعية وفي العائلة الاجتماعية، محلياً ووطنياً ودولياً، كما كشفها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في رسالته ليوم السلام العالمي في اول كانون الثاني 2008، وهي بعنوان: العائلة البشرية جماعة السلام.

       العنصر الثاني، بعد كلمة " نعم"، هو البيت المشترك (الرسالة فقرة 7 و8).

 

       1. لا تستطيع العائلة الطبيعية، القائمة على زواج رجل وامرأة، ان تعيش بسلام ما لم تمتلك بيتاً، فيه تُنسج العلاقات بين افرادها، وفيه يتوفر الدفء والاستقرار والطمأنينة. من اولى حقوق الانسان الاساسية الحق في المسكن.

        هكذا العائلة الاجتماعية، الوطنية والدولية، تحتاج الى بيت هو الارض. لقد هيّأها الله الخالق لنا لنسكن فيها بشكل خلاّق ومسؤول. من دون ارض للوطن تنعم بالسلامة والسيادة وتُنتج للمواطنين ثماراً يعيشون منها، وتوفر لهم مناخاً سليماً وجواً آمناً، لا مجال للعيش بسلام. وعلى المستوى الدولي، اذا لم تكن خيرات الارض متوفرة لجميع الناس، وقد رتّبها الله لهم جميعاً، لا تنعم الشعوب بالسلام، ويبقى العنف والارهاب مستمرين، وكذلك النزاعات والحروب.

 

       2. السلام يقتضي منا جميعاً، وبخاصة من المسؤولين السياسيين، ان نعتني بالبيئة ونحرسها ونحميها بحرية مسؤولة، وتطلّع دائم الى خير الجميع وخير الشخص البشري الذي يحتل الاولوية في قيم الخلق. كل هذه القيم موضوعة في تصرفه وتصرف من سيأتي من بعده، بحيث لا يُحرم الفقراء من خيرات الارض المعدة لهم بنوع خاص. يقتضي السلام تشديد روابط العهد بين الشخص البشري والارض التي هي مرآة حب الله. منه اتينا اليها، ومنها نذهب اليه. ولقد خص المجمع البطريركي الماروني هذا الموضوع بنص هو الثالث والعشرون عنوانه: الكنيسة المارونية والارض.

 

       3. الارض هي " بيتنا المشترك"، تقتضي منا ومن المسؤولين السياسيين الخيار لادارتها وحسن استثمارها عن طريق الحوار والتعاون المسؤول، لا عن طريق التفرّد والاحادية في الخيارات المصيرية. تُطرح على المستوى الدولي مسألة ادارة موارد الطاقة التي تختزنها الكرة الارضية. من واجب الدول النامية والمتقدمة تكنولوجياً ان تعيد النظر في طريقة استهلاك هذه الموارد، بحيث تتجنّب الافراط، وان تحسن تثمير موارد الطاقة وطرق استخدامها، فلا يكون ذلك على حساب الدول الفقيرة. يقتضي السلام بعدم ارغام هذه الدول، بسبب النقص في بناها التحتية التكنولوجية على بيع مواردها بثمن منخفض، وبعدم اخضاع حريتها السياسية لنوع من " الوصاية" او لشروط مذلّة.

       اين نحن والمسؤولون عندنا من حماية ارضنا وحسن ادارتها واستثمارها والدفاع عنها من اجل سلام اجتماعي ووطني عادل ودائم!

 

***

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

       تواصل الخطة الراعوية تقبل النص المجمعي السابع: الكهنة في الكنيسة المارونية، واتخاذ مبادرات عملية لتطبيقه. فتتناول الخدمة الكهنوتية  ومقتضياتها في الزمن الحاضر (الفقرات14-20).

       1. بسبب التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والرعائية التي طرأت، حصل نزوح سكاني من الجبل الى المدن فخلق اوضاعاً وانماط حياة جديدة، وحصلت هجرة كبيرة الى بلدان جديدة ادخلت المنتشرين في ثقافات وتقاليد وطرق عيش مختلفة. وكان تطور في الحياة الاجتماعية ادخلها في مجتمع متعدد الاديان والطوائف والثقافات والتيارات الفكرية. وكانت ظاهرة التطور الثقافي والعلمي والتكنولوجي، والعلمنة والعولمة ووسائل الاعلام والانترنيت والاقمار الاصطناعية، وتفشي الشيع والبدع. هذه كلها بدّلت واقع الرعية واقتضت تنشئة كهنوتية مستمرة واسعة، وخدمة راعوية باساليب وانماط ووسائل جديدة.

 

       2. في خدمة الكرازة والتعليم باتت لازمة تنشئة اوسع واعمق في العلوم الانسانية واللاهوتية والبيبلية. فضلاً عن الوعظ في الكنيسة، تقتضي الحاجة الى احياء سهرات انجيلية في المنازل، وتعزيز الحركات والمنظمات الرسولية وارشادها، وانشاء مرشديات في المدارس والجامعات، والتعاون مع الرهبان والراهبات والعلمانيين في هذا المجال. ولا بد من الاستفادة من وسائل الاتصال  الحديثة لنشر كلمة الانجيل وتعليم الكنيسة. ومن المفيد جداً لهذه الغاية التعاون بين الكهنة، وتبادل الخبرات من خلال لقاءات وتجمعات، خارج الاجتماعات الكهنوتية الشهرية المنظمة في الابرشية.

 

       3. في خدمة التقديس، يحتاج الكهنة اولاً الى احياء حياتهم الروحية الشخصية من خلال رياضات ودورات. فيعمّقوا علاقتهم بيسوع المسيح الكاهن الاوحد والراعي الصالح، ويجددوا التزامهم بصلاة الساعات وعيش الاسرار ولاسيما سرّي التوبة والافخارستيا. ومن الاهمية بمكان الاحتفال بالقداس اليومي في الرعية والممارسات التقوية. ولا بد من تنشيط اللجان الليتورجية في الرعايا، والجوقات ولجان راعوية العائلة والشبيبة، وتفعيل المشاركة في الحياة الليتورجية والاسرار. ومن الضرورة انشاء لجان متخصصة لتحضير الاحتفال بالاسرار وبخاصة المعمودية والمناولة الاولى والزواج ومسحة المرضى ومناولتهم.

 

       4. في خدمة التدبير او الرعاية، تحتاج الرعايا الى حضور الكهنة فيها بشكل أفعل. على هؤلاء ايجاد وسائل جديدة للتعرّف الى ابناء رعاياهم، وسماعهم ومتابعتهم في مختلف ظروف حياتهم. وفي الواقع الاقتصادي والمعيشي الراهن والصعب، من واجب الكهنة تنظيم خدمة المحبة للفقراء والمهمّشين والمظلومين والعاطلين عن العمل. وامام واقع الخلافات والنزاعات العائلية والاجتماعية، يبقى دور الكاهن اساسياً في تعزيز المصالحات وتقريب وجهات النظر واحلال روح التفاهم والغفران والتعاون. ويقتضي واقع الانتشار والمسافات اعتماد وسائل الاتصال الحديثة للاحصاء والمتابعة ونقل اخبار الرعية وحياتها ورسالتها.

 

       5. يدعو المجمع البطريركي الماروني، كما الارشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان" الى احياء خدمة الشمامسة الدائمين لمساعدة كهنة الرعايا في خدمتهم المثلثة.

 Click to view full size image

***

       صلاة

       ايها الرب يسوع، لقد شئت ان تمتدح ايمان المرأة النازفة، لتؤكد لنا قدرة الايمان على تحريك محبتك التي اخرجت قوة شفت نزيف المرأة. اعطنا ان نقترب من اسرارك الخلاصية بايمان المرأة النازفة، لكي نشفى بقوة النعمة المتفجرة منها. ضع السلام في قلوبنا لكي نكون فاعلي سلام في عائلتنا الطبيعية والاجتماعية والوطنية. نشكرك على الكهنة وعلى الخدمة المثلثة التي اوكلتها اليهم. ضع في قلوبنا احترامهم، وحرّك ايماننا لنطلب خدمتهم، وقوّنا على موآزرتهم، نحن الذين اشركتنا ايضاً في رسالتك الكهنوتية المثلثة الابعاد بحكم معموديتنا والميرون. لك المجد ولابيك المبارك وروحك الحي القدوس، الآن والى الابد. آمين.

 


البطريرك بشارة الراعي

 


عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +