Skip to Content

شفاء المرأة النازفة 2010 - البطريرك بشارة الراعي

شفاء المرأة النازفة

2 قورنتس 7/4-11

لوقا 8/43-48

الصلاة والألم باب الرجاء

Click to view full size image

       المرأة النازفة لم تجد رجاءها الا في المسيح، من بعد ان خيّب آمالها فن الطب، وقد انفقت كل مقتناها. فقصدت يسوع بصلاة صامتة ظهرت في مبادرتها بلمس طرف ثوبه، بايمان وطيد انها بهذا اللمس ستنال نعمة الشفاء. الصوم الكبير هو زمن الصلاة والرجاء.

 

اولاً، القراءات البيبلية

 

       من انجيل القديس لوقا 8: 43-48

َكانَتِ امْرَأَةٌ مُصَابَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَة، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَشْفِيَهَا.دَنَتْ مِنْ وَرَاءِ يَسُوع، وَلَمَسَتْ طَرَفَ رِدَائِهِ، وَفَجأَةً وَقَفَ نَزْفُ دَمِهَا. فَقَالَ يَسُوع: "مَنْ لَمَسَنِي؟". وَأَنْكَرَ الـجَمِيع. فَقَالَ بُطْرُسُ وَمَنْ مَعَهُ: "يا مُعَلِّم، إِنَّ الـجُمُوعَ يَزْحَمُونَكَ وَيُضَايِقُونَكَ!". َقَالَ يَسُوع: "إِنَّ واحِدًا قَدْ لَمَسَنِي! فَإنِّي عَرَفْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي!".وَرَأَتِ الـمَرْأَةُ أَنَّ أَمْرَها لَمْ يَخْفَ عَلَيه، فَدَنَتْ مُرْتَعِدَةً وارْتَمَتْ عَلَى قَدَمَيه، وَأَعْلَنَتْ أَمَامَ الشَّعْبِ كُلِّهِ لِماذَا لَمَسَتْهُ، وَكَيْفَ شُفِيَتْ لِلْحَال. فَقَالَ لَهَا يَسُوع: "يا ابْنَتِي، إِيْمَانُكِ خَلَّصَكِ! إِذْهَبِي بِسَلام!.

الصلاة والرجاء  ظهرا في آية شفاء المرأة النازفة منذ اثنتي عشرة سنة. من الصلاة والألم تعلّمت الرجاء بالمسيح وبقوة هذا الرجاء اقتحمت الجمع خلسة ولمست طرف ثوب يسوع، يقيناً منها انها ستشفى. فلم يخيّبها رجاؤها. والرجاء لا يخيّب.

يدعونا الصوم الكبير الى الصلاة والتوبة والصيام، وهي مناسبة دبّرتها العناية الالهية، من شأنها ان تجعل رجاءنا اكثر حيوية وصلابة. الصلاة بايمان تغذي الرجاء. ومن دون الصلاة لا يوجد رجاء[2].

لقد صلّت المرأة النازفة وتألمت شديداً من جراء نزف دمها منذ اثنتي عشرة سنة. فتشدد ايمانها وعظم رجاؤها، وكانا لها الدواء الوحيد الذي شفاها، بشهادة الرب يسوع: " تشجعي يا ابنتي! ايمانك احياك! اذهبي بسلام" ( لو8:48).

المرأة المتألمة منذ اثنتي عشرة سنة تمثّل كل انسان يتألم في وحدة  موحشة خائفة، وكأنه متروك من الله والناس، هذا الاختبار عاشه يسوع اربعين يوماً في البرية حيث كان يصلي لابيه سراً ويصوم ويجوع، فانتصر على تجارب الشيطان الثلاث (متى 4: 1-11). وعاشه في بستان الزيتون حيث في الحزن والحسرة الخانقة صلّى لأبيه سراً: " الهي، الهي، لماذا تركتني؟" (متى 27: 46؛ مز 21: 1). انها صرخة كل انسان متألم يشعر وكأن الله غائب عنه، بل هي صرخة البشرية جمعاء. وتكتمل صرخة الصلاة هذه بالثقة البنوية الكبيرة والمطمئنة: " يا ابتِ بين يديك استودع روحي" (لو23: 46؛ مز 30:6).

ان الله هو مرساة الخلاص الوحيدة، عنده يجد كل متألم الشفاء الروحي والمعنوي والجسدي. المرأة " كانت انفقت جميع مقتناها على الاطباء، ولم يستطع احد ان يشفيها" ( لو8: 43). هذه هي الغاية من زمن الصوم الكبير. نعود الى الله، نبحث عنه بالصلاة والصوم والتصدق في الخفاء. وهو الذي يرى في الخفية يجازي ويشفي (متى6: 4 و6 و18). نبحث عن الله لنخرج من همومنا ومشاكلنا وامراضنا ووحشتنا، ونبتهل اليه في هذا الزمن المقبول، زمن الصوم، بصلاة الملكة استير: " ايها الرب ملكنا، انت الاوحد. أغثني أنا الوحيدة، والتي لا نصير لي سواك. فاني أخاطر بنفسي" (استير 4: 17). بوجه المخاطر الكبيرة نحتاج الى رجاء كبير، وهذا لا يتكل إلاّ على الله. وبقدر ما يكون الرجاء كبيراً، بقدر ذلك تكبر طاقتنا على احتمال الالم[3].

نزيف المرأة يرمز الى نزيف القيم من جراء الخطايا التي لا يتوب عنها الانسان، فتتراكم وتظهر في فقدانه القيم الروحية والاخلاقية والانسانية والاجتماعية. هذه حال عصرنا وبيئتنا. الصوم الكبير هو زمن الوقوف امام الله والانجيل وتعليم الكنيسة، زمن اللجوء الى المسيح لالتماس نعمة الشفاء من خلال وسائل ثلاث: الصلاة والتوبة لاستعادة القيم الروحية؛ الصوم والامانة لاستعادة القيم الانسانية؛ التصدق واعمال الرحمة لاستعادة القيم الاجتماعية.

والقديس بولس في رسالته لهذا الاحد يدعونا الى حالة الاسف عن الخطايا ونزيف القيم، فالى العودة الى الله بالتوبة لنيل المغفرة والحياة الالهية التي تنعشنا بالقيم. هكذا يخاطبنا، كما خاطب اهل كورتنس: " لقد فرحت كثيراً، لان حزنكم اتى بكم الى التوبة، ولانكم حزنتم في سبيل الله، فلم تخسروا شيئاً. لان الحزن في سبيل الله يصنع ندامة لا رجوع عنها، فتُعيد الحياة، وحزن العالم يصنع موتاً" ( 2 كور 7: 9-10).

***

ثانياً، درب الصليب على خطى المسيح الفادي

 

       في مسيرة الصليب نتأمل يسوع الذي يُجلد ويكلل باكليل من شوك، ويحاط بالهزء والسخرية (لو22: 63-65؛ يو19: 2-3). لقد تمّت نبوءة يسوع التي سبق وقالها للاثني عشر: " ها نحن صاعدون الى اورشليم، ويتمّ كل ما كُتب في الانبياء على ابن الانسان، لانه يُسلّم الى الشعب، فيهزأون به، ويتفلون في وجهه، ويجلدونه ويهينونه ويقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم" (لو18: 31-33).

       هذا كله جرى داخل دار الولاية، فيما الشعب ينتظر في الخارج موكب الحكم بالصلب. لقد تمّ في الداخل عمل مشين ومخزِ بحق البشرية والحقيقة والعدل، سيتكرر عبر الاجيال بألف نوع وشكل في ظلمات الاقبية والسجون. يسوع يتضامن مع كل المعذّبين في اجسادهم، والمحقرين في كرامتهم ونفوسهم، من خلال ما تعرّض له من جلد وسخرية واساءة جسدية ومعنوية. وبهذا التضامن يشجع ويعزّي هؤلاء المعذّبين مثله، ويعطي قيمة خلاص وفداء لآلامهم، اذا عرفوا ان يقرنونها بآلامه البريئة التي افتدى بها الجنس البشري وخلّصه بقيامته.

       فيما كان الحراس يسخرون من يسوع على انه نبي، كما روى انجيل لوقا (22: 63-65)، راح الجنود بهزأون بملوكيته: فضفروا على رأسه اكليل الشوك بدلاً من التاج الملوكي، وألبسوه كميصاً احمر بدلاً من وشاح الارجوان الملكي، وصفعوه على وجهه بدلاً من انحناءة الاجلال للملك، وقالوا له هازئين: "سلاماً يا ملك اليهود" بدلاً من التحية للامبراطور: " سلام ايها القيصر" ( انظر يو 16: 2-3).

       احتمل يسوع كل الألم والاساءة والسخرية لكي يفتدي الانسان، ويحرره من روح الوحشية، ويرتفع به الى مستوى بهاء الصورة الالهية. وترك للعدل الالهي مصيره، فكانت قيامته من بين الاموات، وكان انتصاره على الخطيئة والحقد والشر، وجعلنا في حالة قيامة الى النعمة والمحبة والخير. ولهذا دعانا بولس الرسول " لان نتخلّق باخلاق المسيح..." (فيليبي 2: 5). لقد تحوّل يسوع من ملكُ الهزء والسخرية الى الملك المطلق في السماء وعلى الارض، الذي  تجثو له كل ركبة، وبه يعترف كل لسان (انظر فيليبي 2: 10-11).

       هذا الملك الالهي هو الذي سيدين الشعوب، فيحكم بالهلاك الابدي على كل الذين ينتهكون حرمة الجسد والنفس والروح عند اي انسان، ويشرك في مجده ليس فقط ضحايا هؤلاء الظالمين، بل وكل الذين أطعموا جائعا وسقوا عطشاناً وكسوا عرياناً واستقبلوا غريباً وزاروا مريضاً وافتقدوا سجيناً ( متى25: 31-46).

       ان وجه يسوع، الذي تجلّى في بهاء الالوهة المشع على جبل طابور (لو9: 29) هو الآن مشوّه بايدي الحاقدين، وان الذي هو "ضياء مجد الله وصورة جوهره"(عبرانيين 1: 3)، يُذلّ الآن ويقبّح، تماماً كما وصفه آشعيا منذ خمسة مئة سنة من قبل: " أسلمت ظهري للضاربين، وخدّي للتافلين، ولم أستر وجهي عن الاهانات والبُصاق" (اشعيا 50: 6).

       يعلمنا الرب يسوع بمثله ان نحتمل انتهاك كرامتنا من اجل الخير العام، من اجل الحق والعدل، من اجل الخير الاكبر. على لسانه يضع اشعيا نبوءته:

       " السيّد الرب ينصرني، لذلك لم أخجل من الاهانة. ولذلك جعلت وجهي كالصوان، وانا عالم باني لا اُخزى. من منكم يخاف الرب فليسمع صوت عبده. ومن يسير في الظلمات ولا ضوء له، فليتوكّل على اسم الرب، وليعتمد على الهه" (اشعيا 50: 7 و10).

 Click to view full size image

ثالثاً، سنة يوبيل القديس مارون:1600 سنة على وفاته (+410-2010)

 

       من رسالة السيد البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير العامة بمناسبية سنة اليوبيل، نتوقف عند الهوية المارونية.

       حدد المجمع البطريركي الماروني الهوية المارونية بستة عناصر[4]:

1. هي كنيسة انطاكية سريانية ذات تراث ليتورجي خاص. بانطاكيتها  تحمل امانة مثلثة: للهوية المسيحية الاساسية، لان في انطاكية دُعي تلاميذ المسيح لاول مرة مسيحيين (اعمال11: 26)؛ وللنفحة الرسولية، لان الكنيسة الانطاكية نشأت من تبشير الرسل وانفتحت على الامم؛ وللوحدة وللشركة الكاملة والمستمرة مع خليفة بطرس وكنيسة رومية. وبوصفها سريانية، فانها تحمل تراثاً لاهوتياً وروحياً وليتورجياً وقانونياً، مميّزاً بالطابع المريمي، والدعوة الى التوبة، ورجاء ملاقاة العروس السماوي في نهية الزمن. لم تبنَ الكنيسة المارونية على قاعدة اتنية او عرقية او جغرافية.

 

2. هي كنيسة خلقيدونية تؤمن بشخص المسيح الالهي الواحد وبطبيعتيه الكاملتين، الالهية والانسانية. وبهذه الصفة تحافظ على امانتها لسرّ التدبير الخلاصي بالمسيح، ولمفاعيل سرّ التجسّد، عبر الاتحاد الدائم بالله وعيش روحانية التجسّد في بيئتها المشرقية، من اجل ترقي الانسان والمجتمع بشمولية ابعاده.

 

3. هي كنيسة بطريركية ذات طابع كنسي ورهباني، وفقاً للتقليد الكنسي القديم، بحيث ان المجامع المسكونية الاولى اعترفت بالمؤسسة البطريركية. يرئس البطريرك كنيسته بمثابة اب ورأس، ويمارس سلطته عليها بالمجمعية الاسقفية، عبر السينودس البطريركي، وبروح التشاور والتوافق في الشؤون الكنسية العامة. اما طابعها النسكي الرهباني فيميّز روحانيتها وتنظيمها الكنسي، هي التي تكوّنت جماعة كنسية في دير مار مارون وفي ما حوله من اديار وجماعات مؤمنة، وتنظّمت بهيكلية نسكية وراعوية.

 

4. هي كنيسة في شركة تامة مع كرسي روما على اساس العقيدة الخلقيدونية. بفضل هذه الشركة استطاعت ان تؤدي رسالتها في محيطها بحيوية وفعالية.

 

5. هي كنيسة متجسّده في بيئتها اللبنانية والمشرقية، تنفحها بقيم الانجيل وتؤثر في تكوين ثقافتها، وتخدم تدبير الله الخلاصي لكل الناس في الزمان والمكان. لقد انطلقت من الدير الى الوطن.

 

6. هي كنيسة ذات طابع رسالي، تنتشر في مختلف البلدان، خارج النطاق البطريركي، وتتفاعل مع الثقافات المحلية من خلال تراثها وروحانيتها. انها مدعوة لتجمع دائماً بين الوطن الروحي، لبنان، حيث البطريركية وكل تراثها الكنسي واللاهوتي على المستوى العمودي، وبين انتشارها الكوني على المستوى الافقي.

 

***

       Click to view full size image

       صلاة

 

       ايها الرب يسوع، بالرجاء الوطيد نقبل كلمة الانجيل وتعليم الكنيسة ونتقبّل نعمة الغفران بالتوبة، ونغتذي بجسدك ودمك، راجين ان يتوقف نزيف قيمنا الروحية والانسانية والاجتماعية. اعطنا ان نضمّ الى آلامك الخلاصية كل ما يصيبنا من اساءة واذلال وهزء بالكرامة الشخصية، من اجل الخير الاكبر. في سنة يوبيل القديس مارون، انرنا بانوار روحك القدوس لكي ندرك هوية كنيستنا المارونية المتنوعة العناصر، فيتحقق هدف اليوبيل الذي هو شهادة ايمان ومسيرة حياة، لكي نسبح الثالوث المجيد، الآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.

 


البطريرك بشارة الراعي

 


عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +